بالرغم من تسارع حدة المعارك في اوكرانيا الا ان الحرب المخابرتية بين روسيا والغرب قاطبة تتسع رقعتها، حيث نشهد التهديد الروسي بوقف الطاقة عن اوروبا وفي المقابل إمدادات الأسلحة من الاميركيين لأوكرانيا التي لم نرى لها مثيل بالتاريخ من حيث الكميات التي أغرقت أوكرانيا بها اضف على ذلك الأسلحة الأوروبية والكندية والأسترالية وغيرها التي ما زالت تصل تباعا الى بولونيا لشحنها الى أوكرانيا. من الطبيعي في كل حرب أن تتدخل الدول الكبيرة بالحرب من أجل الحفاظ على مصالحها ولضمان عدم إمتداد الحرب الى أراضيها، كما أنها تشارك بالمعلومات المخابرتية على نحوٍ كبير.
الحرب الروسية
الأوكرانية هي حرب عالمية مصغرة في بقعة ارض صغيرة نسبياً لإستهلاك الأسلحة
القديمة ولتجربة الأسلحة المصنعة حديثاً
في أغلب الدول الأوروبية بالإضافة الى كندا والولايات المتحدة واستراليا وحتى
تركيا، كما أنها أكبر حرب إقتصادية في التاريخ، إن بالعقوبات المفروضة على روسيا
او بوقف إمدادات الغاز والطاقة الى أوروبا التي قد تؤدي كما هو واضح الى تدمير
اوكرانيا والى رضوخ بعض الأوروبيين للمطالب الروسية، كل هذه المعطيات رهن بالصمود
على الجبهة بحيث أن الكفة سوف تميل للذي يحقق إنتصار ميداني مهم وليس بمن يبسط
قوته على الأراضي.
الغرب يرى بهذه
المعركة انها معركة وجود بالنسبة له بحكم عدم تغيير النظام العالمي الحالي الذي
يسيطر عليه منذ تفكيك الإتحاد السوفياتي اما روسيا تجد بهذه المعركة ولادة نظام
عالمي جديد متعدد الأقطاب تستطيع من خلاله الحد من النفوذ الغربي وتقليصه وفتح
افاق جديدة لنظام عالمي جديد.
إذا، هذه المعركة
تعتمد على النفس الطويل وإطالة أمد الحرب لإستهلاك أكبر قدر من الإمكانات العسكرية
والإقتصادية لجميع الأطراف بالرغم من تضعضع الإقتصاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا
منه ووضع الولايات المتحدة الأميركية بكامل ثقلها في هذه الحرب والتي تساندها
المملكة المتحدة عبر إستنزاف إمكانات الروس والتي قد تؤدي الى إستهلاك العتاد
العسكري وخاصة الأسلحة المكلفة وبالتالي تصبح المعركة سجال بين كسب أرض هنا وخسارة
أخرى هناك، حتى من الممكن أن ينتقل الهجوم على الأراضي الروسية.
كل هذا رهن
بالمكتسبات الميدانية المهمة التي تؤدي بقيام الطرف الأقوى في فرض شروطه في
المفاوضات التي لا مهرب منها وقد تؤدي الى نهاية لهذه الحرب، التي من المرجح لا أفق
لإنهائها على المدى القريب بسبب تعنت جميع الأطراف في الشروط التي يفرضونها على
بعض.
بغض النظر عن منطق
النصر أو الهزيمة فمن الواضح أن منطق عدم التنازل وعدم الخضوع موجودة لدى جميع
الأطراف حتى لو أدى ذلك الى حرب كونية كبيرة مع العلم أن الشعب الأوكراني الذي
هُجِّر ودُمِرت أراضيه هو الطرف الذي يدفع فاتورة الدول الكبرى، وما زالت الحكومة
الأوكرنية غير واعية بتاتاً من مخاطر هذه الحرب وما بعدها إن بتدفق الأسلحة على
أراضيها والمزيد من الدمار او حتى بعدم الإدراك أن هذه ليست معركتهم بل إنهم أدوات
لخطط جهنمية تُنفذ على أراضيهم وحتى بعدم وعيهم ان عند نهاية الحرب سوف يدفعون
تكاليفها للدول الكبرى كما فعلوا مع العراق.
من واقع الحال قد
نجد روسيا واقعة في ازمة النفور العالمي بسبب غزوها لأوكرانيا وذلك بخروج أغلب
الشركات الأجنبية الكبرى منها وتجميد اصولها في الخارج وحتى مصادرة اموالها وأموال
جميع أغنياء الروس بما فيهم الأوليغارشيين وهذا حتما سيؤثر على اقتصادها آجلاً. من
الجهة المقابلة كانت أوروبا ستنصاع مباشرة لروسيا لولا الدعم الأميركي الذي أعطى
الزخم والدعم لهم في مساعدتهم على الصمود بوجه الهجمة الروسية وقدمت المليارات من
الأموال والأسلحة للثبات وعدم الإنجرار للمنزلق الروسي الذي قد يؤدي الى تغيير
السياسة الأوروبية برمتها.
من الموقف
الأوروبي الرافض للحرب للخروج من المأزق الى الموقف الأميركي الداعم القوي
لإستنزاف القدرات العسكرية الروسية عبر وكيله الأوكراني وتصلب الموقف الروسي
بتحقيق أهدافه العسكرية نرى أن العالم على شفير إنهيار إقتصادي وغذائي كبير قد
يؤثر على العالم اجمع ولو بنسب متفاوتة، حيث أننا بدأنا نرى بوادره في أوروبا
وأميركا والعالم الثالث عبر مشاكل تصدير القمح ورفع أسعار المواد الغذائية، كما
سوف يؤدي حتما الى تضخم اقتصادي عالمي ومشكل في تأمين الغذاء وعدم إستقرار اسعار
الطاقة والنفط.
بعد كل ما ذُكر
قد تجد حكومات
العالم نفسها في ازمة حقيقية لوجودها خاصة الدول الفقيرة التي سوف تتأثر كثيرا
بالإنكماش الإقتصادي العالمي كما إنها سوف تستغيث بالدول القادرة على مساعدتها
لتسطيع على تخطي أزمتها، حيث بدأ العالم يحس بلهيب هذه الحرب والأزمة الحقيقية
للوصول الى نهايتها وخاصة أن القطبان مصممان على المُضي لتحقيق كل طرف مبتغاه.
نتائج هذه الحرب
وإنعكاساتها على العالم أجمع مهما كانت نهايتها ستؤدي الى تغيير بنية العالم
وتبعيته من النواحي السياسية والعسكرية والإقتصادية والإجتماعية كما أنها سوف تثمر
عن ولادة أحلاف دولية مغايرة للتي كانت موجودة وإنتهاء أحلاف أخرى وبروز دول جديدة
يكون لها تأثيرها الدولي على العالم.
وأخيرا العالم
امام مفترقين من الطرق الولوج الى عالم متعدد الأقطاب تكون المنافسة فيه على أشدها
عندها ستكثر الحروب ليتمكن كل قطب من كسب مكتسبات أكثر او تثبيت وتكريث مبدأ القطب
الواحد ليبقى شرطي العالم ويستطيع التحكم على مقدرات العالم بقوته.
وسام رعد