الجامعة
اللبنانية
كلية الآداب
والعلوم الإنسانية
قسم
التاريخ
العمادة
التطور التاريخي لآليات حل النزاع
الحرب في لبنان نموذجاً (1975- 1989)
مشروع رسالة اعدّت لنيل شهادة الماجستر
في التاريخ الحديث
إعداد
وسام رعد
إشراف الدكتور احمد رباح
(أستاذ)
عضوا اللجنة
د. سعيد عبد الرحمن
د. جويل الترك
أستاذ أستاذ
بيروت
2017 -2018
الشكر
لا يسعني إلا أن أخص بأسمى عبارات الشكر
والتقدير الى الدكتور احمد رباح لما قدم لي من جهد ونصح ومعرفة طيلة كتابة هذا
البحث. كما أتقدم بالشكر الجزيل لكل من أسهم في تقديم يد العون لإنجاز هذا البحث،
وأخص بالذكر الأستاذة القـائمين على عمادة وإدارة كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
كما
أنحني أمام عائلتي التي كانت السند الأساسي في إنهاءه، الى زوجتي وأولادي الذين
بفضلهم لما أنهيتها فكانوا السند الدائم لي في المنزل بحيث أنهم أمنوا لي الجو
المناسب لأستطيع أن تكون هذه الرسالة من أهم المواضيع التي يمكننا من خلالها وضع
أسس جديدة في دراسة الأزمات ووضع الحلول المناسبة لها.
كما
أتوجه بخالص التحيات الى الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب بجميع أفرادها الذين
أعطوني الدعم الكافي في إنهاء الرسالة وساعدوني في التدريب على آليات حل النزاع
ضمن الأسس العلمية الصحيحة.
إلى
الذين كانوا عونا لي في بحثي هذا ونوراً يضيء الظلمة التي كانت تقف أحيانا في
طريقي. إلى من زرع التفـاؤل في دربي وقدم لي المساعدات والتسهيلات
والمعلومات، فـلهم مني كل الشكر.
الفصل الأول
مفاهيم وآليات حل النزاع
مقدمة
لا تخلو أمة
من ظهور صور ومظاهر متعددة للنزاع في بعض القضايا، ويختلف الناس أيضاً في سبل
تعاطيهم مع النزاع عند وقوعه، فالرصيد الثقافي والتربوي بين الناس يختلف، وهذا
بدوره يترك آثاراً حول سبل وكيفية إدارة النزاع والبحث عن حلول له، فالنزاع إذاً
مظهر لتأزم العلاقات، وانسداد سبل الحل القائمة أو المتاحة، وهناك آثار تترتب على
النزاعات؛ منها ما هو إيجابي، ومنها ما هو سلبي، وللإنسان في إدارته للنزاع دور في
تحديد ما يناسب من هذه الآثار، وللنزاع أسبابه المفضية إليه، وله أيضاً مراحله
التي يمر فيها من بداية التأزم، إلى حدوث وخروج مظاهر النزاع، ونتائجه على السطح[1].
فلو دققنا
النظر لوجدنا انه لا يوجد شخصان متطابقان شبها ً ومزاجاً ومشاعرا ً وتفكيرا ً فى
كل الحالات والاحوال وفي كل الاوقات
.فالناس
يختلفون فى المزاج والهوى والغرائز والتطلعات والمقدرات والمزايا فلكل شخص شيء
يميزه عن غيره، ولولا هذا التنوع لكان من الصعب " إعمار الدنيا وقيام
الحياة "ولهذا التنوع وجه آخر فكلمة النزاع ومفاهيمها من صراع واقتتال وتناحر
وخصام وفرقة والدمار ومقاومة وتناقض وتعارض واختلاف وعدم اتفاق وخلاف هى كلمات
تثير الخوف لما تحملها من معاني العداوة والبغض والتناحر والقطيعة والتوتر والعنف
والدمار، وكل المعاني السلبية.
فالنزاع بدأ
منذ بدء الخليقة، ولم تقتصر حدوده على العشائر والقبائل والشعوب والدول والإمبراطوريات
بل كنا نجده بين الأنظمة وشعوبها. كما نجده أيضاً في الصراع الوطني ضد الاحتلال،
أو الصراع الطائفي والاثني والطبقي، كما أنه يشمل أيضاً مناحي الحياة جميعها،
فنزاع الإنسان بدأ منذ طفولته في منزله وانتقل الى المدرسة، والشارع من ثم إنتقل
معه الى الجامعة من ثم الوظيفة.
تفيد معطيات
أكاديمية العلوم النرويجية: "أن الفترة من عام 3600 قبل الميلاد وحتى الآن،
لم تشهد البشرية إلاّ 292 عاماً من السلام"[2].
لقد اتخذ
النزاع مناخات سلبية (عنيفة) مدمرة وأخرى إيجابية (سلمية) مطورة واتجاهات عامة
وخاصة، وشكلين داخلي وخارجي.
فالتنافس
والصراع هي وقود التطور والإبداع والابتكار مثلا ً فى مجال الرياضة ويشكل وقوداً ايضا ً لتجديد والتطوير فى مجال
الزراعة ويشكل وقودا فى الاختراع فى مجال الصناعة والتطور الفكري والانضباط
السلوكي فى مجال السياسة. كما يوجد التنافس السليم بين
الدول، في المجالات العلمية والتقنية، كالأقمار الاصطناعية، غزو الفضاء، الاكتشافات
العلمية التي تخدم مستقبل البشرية، وثورة الإعلام والمعلوماتية والاتصالات
والمواصلات.
وأما التنافس السلبي فكان في جوانب أخرى كتطوير
الأسلحة النووية الفتاكة، والطائرات العسكرية المتنوعة المهام، والصواريخ النووية
متعددة الرؤوس وعابرة للقارات لتدمير البشرية ككل.
فمن النواحي
السلبية العنيفة، شهدت البشرية منذ أواخر القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين
مجموعة من الحوادث المأساوية تركت أثراً كبيراً على حياة ملايين البشر على هذا
الكوكب. ولا شك أن الحربين العالميتين الأولى والثانية، كانت من أبرز هذه الحوادث
على الإطلاق، ليس من ناحية النتائج الكارثية التي خلفتها، على كثير من الأمم
والشعوب، بل وأيضاً من ناحية التأثير على طبيعة العلاقات بين الدول. ففي أواخر القرن
التاسع عشر على سبيل المثال لا الحصر، طالب الرئيس الأميركي "وليام
ماكينلي" جنرالاته عام 1898، بتهدئة المتمردين الفليبينيين، حتى إذا استدعى
الأمر إبادتهم عن بكرة أبيهم. تسلم أثرها الجيش الأميركي الأمر التالي: "احرقوا
واقتلوا، فليس هناك وقت للأسر. وستكون الأمور أفضل كلما قتلتم المزيد. اقتلوا جميع
من تجاوز العاشرة"[3].
وقد قتل ستمائة ألف فليبيني خلال ثلاثة أشهر.
وكانت الحصة
الأكبر للأمور العنيفة المدمرة من نصيب القارة الافريقية فما حدث هناك يفوق كل
الوصف". ففي القرن السابع عشر كان خمس سكان العالم يعيشون في أفريقيا، وخلال سيطرة الاستعمار تقلصت
نسبة السكان إلى عشر مجموع سكان العالم".
"وفي
عام 1900 كان عدد السكان في الكونغو الفرنسية بين 12-15 مليون نسمة، فبقي منهم عام
1921، 2،8 مليون نسمة. وفي الكونغو البلجيكية كان يعيش فيها عام 1884، 30 مليون
نسمة، فبقي منهم عام 1915، خمسة عشر مليون نسمة"[4].
وبعد كل هذا
العنف الذي حصل خلال هذه السنوات نَمَت بعد الحرب العالمية الثانية مراكز الأبحاث
الخاصة بقضايا الحرب والسلام ففي نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات رعت منظمة
الأمم المتحدة مؤتمرات دولية وشجعت نشاطات متنوعة عائدة لقضايا النزاعات وطرق
تسويتها. وعلى موضوع الحرب والسلم ركزت منظمات عديدة ومراكز أبحاث دولية نشاطها
الجديد، وكرست أبحاثها وأعمالها.
حيث تشكل
نظام دولي جديد بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 وأدى الى بروز نظام الثنائية
القطبية بزعامة الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية، كأبرز قوتين على
الساحة الدولية. وقد رافق ظهورهما بروز هيئات دولية تعنى بدراسة أسباب النزاعات
وتلافي حدوثها مستقبلاً، والعمل على إيجاد حلول لها. وكان من أبرزها هيئة الأمم
المتحدة.
فتأسست منظمة
الأمم المتحدة في 26 حزيران 1945، ووقع على ميثاقها إحدى وخمسون دولة. ومن ثم انضم
إليها الغالبية العظمى من الدول المستقلة في العالم.
حدّد ميثاقها
المبادئ الرئيسية كمنظمة دولية جديدة، ومنها المساواة في السيادة بين جميع
أعضائها. فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية. الامتناع عن التهديد بالقوة أو استخدامها
ضد الاستقلال السياسي لأية دولة أو سلامة إقليمها. عدم التدخل في الشؤون الداخلية
لدولة ما[5].
لكن النزاعات
استمرت، والأمم المتحدة انحازت إلى الولايات المتحدة الأقوى والقطب الأغنى الذي يسهم في تمويلها أكثر من
الدول الأخرى بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، التي تعاملت معها كإحدى مؤسساتها
التابعة لإدارتها، تتحكم بها وتنتهج سياستها. فبدلاً من أن تكون مؤسسة دولية تعمل
على حل النزاعات بين الدول والشعوب (حسبما جاء في الميثاق) وبين الدول ذاتها، وقفت
إلى جانب الدول القوية والغنية في مواجهة الدول والشعوب الضعيفة والفقيرة. فكانت
النتيجة أن تزداد النزاعات تفاقماً، وبات التدخل الدولي في الشؤون الداخلية للدول
والشعوب سمة عامة طبعت العالم بأسره. ففي ظل سياسة الوفاق الدولي بين القطبين الاشتراكي
والرأسمالي، وتطورهما التكنولوجي والتسليحي، وامتلاكهما أسلحة الدمار الشامل
(الأسلحة النووية وغيرها الأكثر فتكاً ودماراً لهما وللبشرية جمعاء). حتم عليهما
ذلك، الابتعاد عن الاحتكاك المباشر والصدام فيما بينهما، فانتهجا سياسة خوض الحروب
بالنيابة، إلى جانب "الحرب الباردة". فدعم الاتحاد السوفييتي الحركات
العمالية وحركات التحرر الوطني والديمقراطي في العالم. في الوقت الذي دعمت وساعدت
أميركا، أنظمة عسكرية فاشية في كل من آسيا وأفريقية وأميركا اللاتينية[6].
ارتبطت
دراسات حل النزاعات في مجالات أكاديمية، كالعلوم السياسية، والعلاقات الدولية وعلم
الاجتماع وعلم النفس كما كان للإعلام والصحافة دور بارز في هذا المجال، وكان
لإسهام عدد كبير من المفكرين في هذه المجالات دور كبير في بناء الأسس النظرية
والأطر المنهجية لدراسات السلام والنزاع وسبل حلها.
تنامى الاهتمام
خلال فترة الحرب الباردة بدراسة حل النزاعات نتيجة ظهور وانتشار حركات الاستقلال
الوطني والديمقراطي والتّحرّر من الاستعمار والاحتلال والعنصرية، وازدياد الحركات
المطالبة بحقوق العمال والنساء والأقليات في عقود الخمسينيات والستينيات من القرن
المنصرم، كالعنف والفقر والاضطهاد. وقد استدعى هذا الاهتمام.[7]
كانت الحياة اليومية في لبنان بين عام 1975 و1990 مسيطر عليها النزاع المسلّح والعنف السياسي على نطاق واسع والذي انعكس على الأفراد والجماعات المحلية في جميع أنحاء البلاد. وطال القتل والجرح والتهجير والاخفاء وشتى أعمال العنف الأخرى عشرات الآلاف من المدنيين، وقد كانت العديد من الجهات المحلية والدولية متورطة في تلك الانتهاكات. وكانت المحاولات دائمة لحل النزاعات بمختلف الطرق والأشكال وفي حين أن لبنان معرّض بالفعل للتأثر بالتوترات الإقليمية، فقد يكون من أسباب استمرار دائرة العنف هو الإخفاق في التعامل مع إرث الماضي بطريقة جدية ومستدامة[8] .
نشوء الاختلاف أو النزاعات بأنواعها قائمة بين البشر في كل العصور أو الأزمنة، لذلك كان من الضروري أن يتواصل البشر الى طريق أو وسيلة أو مجموعة من الطرق التي يستطيعون من خلالها القيام بفض المنازاعات والنزاعات التي تنشأ بينهم، وذلك بهدف الحفاظ على الاستقرار او الهدوء على كافة طبيعة العلاقات القائمة بينهم بأشكالها المختلفة سواء تلك التي تربط بين أشخاص وبعضهم أو جماعات وأخرى أو حتى دولاً.
1- تعريف النزاع
لم يولد
الإنسان ميال بطبيعته الى العنف والنزاع، ولكن نتيجة اكتساب عداءه من أجل البقاء
وإستمرارية الحياة، فقد سعى منذ بداية
التاريخ الى مواجهة الحياة بقسوتها والصراع معها، من أجل تأمين معيشته، متطلبات حياته،
عائلته، عشيرته، وقبيلته والمجتمع الذي يعيش به من غذاء وكساء.
إن الحضارات والمجتمعات تُعرف النزاع بصور عديدة من الناحية التحليلية، ويمكن
تصنيف النزاعات إلى مستويات ثلاثة:
1-
نزاعات شخصية: هي تلك النزاعات التي تحدث بين
الأفراد وذلك بخلاف النزاعات بين الجماعات.
ومن نماذج تلك النزاعات هي تلك
التي تحدث بين الأصدقاء أو بين أفراد الأسرة أو بين الرئيس ومرؤوسيه، وتنتج عن
غيرة وحسد، بسبب تفوق طالب ما على أقرانه أو عامل تقني ما على زملائه. وقد يؤدي
ذلك إلى تنافس تكون له نتائج إيجابية على الأفراد وعلى المجتمع وليس سلبية فقط[9].
2- نزاعات
طائفية ومذهبية داخلية بين جماعات وقوميات من ناحية وبين جماعات سياسية والنظام من
ناحية أخرى، تشكل تهديداً له. فيمارس أعمال القمع والقهر والقتل والاعتقال ضدها
درءاً لأخطارها. فتؤدي إلى حروب أهلية تدمر البشر والشجر والحجر. ونزاع مع عدو
قومي محتل للأرض ومشرد للشعب من ناحية ثالثة. وعليه فإن النزاعات هي طائفية،
مذهبية، طبقية، إنسانية، ديمقراطية، وطنية وقومية. فالنزاعات تشمل قضايا وأطراف
لها علاقة بمجموعات معيّنة وتضم نماذج مختلفة من النزاعات، كالنزاعات العرقية
والدينية والحزبية، وكذلك النزاعات بين قطاعات من الجماهير مثل: النزاعات بين
النقابات العمّالية والإدارة، بين العائلات والقبائل، والصراع الطبقي بين السلطة
السياسية، سلطة الطبقة المسيطرة اقتصادياً وبين الطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى
جميعها[10].
3- نزاعات
دولية: وتحدث هذه النزاعات بين الدول والشعوب في العالم وتتضمّن الاختلاف حول
قضايا مثل الحدود الإقليمية والموارد الطبيعية ومناطق السيطرة والنفوذ وتقسيم
العالم وإعادة تقسيمه من جديد، (الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية
على التوالي)، وسباق التسلح وغزو الفضاء والممرات البرية والمائية والعولمة...
صرف الباحثون جهداً وزمناً مقدراً في تناول الأزمات، وسعوا كثيرا لتبيان أطر الأزمات، محتواها وجذورها. وانقسموا فيما بينهم، بين من اتخذوا منهجاً أولياً ايديولوجياً واولئك الذين سعوا لتفهم وايضاح دور البنى والهياكل والتكوينات والوحدات، ومن قدموا دراسة أمر العلاقات بين أطراف النزاع وغير هذا وهذا، آخذاً من وقتنا ما أخذ، فيه خير كثير وغني لتراثنا في مجال تفهم النزاع ومسبباته. فلا سبيل لشروع إجرائي في عملية فض النزاع دون الوعي بطبيعته ومداه ومدى حدته.
يقول د. كمال
حماد: "النزاع موجود في حياة الإنسان حتى في زمن السلم، ويحمل في طياته بعض
العناصر البناءة والنافعة، إلى جانب العواقب الوخيمة والقوى المدمّرة
الأليمة"[11].
"كما عرّف بعض الباحثين النزاع بأنه تنازع بين
مجموعات مختلفة (عرقية، قومية، سياسية ودينية) من خلال مخالفات غير منطقية لأعراف
الحياة اليومية للمجتمع". غير أن ممارستها غير المنطقية لا تمنع وجود أسباب
وأهداف منطقية تقف وراءها، كما هو مشاهد في مطالب العديد من الأقليات الدينيّة
والعرقية والسياسية"[12].
"وهناك
من عرّف النزاع بأنه انهيار أو تعطّل في النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي
القائم دون أن يصحبه بالضرورة تغيير بإقامة نظام بديل يحدث تغييرات تؤدي إلى حل
الأزمة جذريا وتجنب ما حدث في الصومال وقبله في لبنان. وتحدث آخرون عن مفهوم
النزاع من خلال تحديد الظروف الموضوعية لبروزه. فيوجد النزاع عندما تلاحظ مجموعتان
أو أكثر أن مصالحهما متناقضة والتعبير عن مواقفهما أصبح يفسر تفسيرا خاطئا ويتم
التعامل معها بعدائية، فباتت تحاول تحقيق أهدافها بأية وسيلة حتى لو أدت إلى أعمال
تحدث أضراراً بالوطن ككل وبمكوناته جميعها، أفراداً أو مجموعات صغيرة أو
كبيرة"[13].
ويحدث النزاع أيضا بين نظام ديكتاتوري قمعي أو
نظام ملكي شمولي وبين جماهير وقوى سياسية في بلدانها تطالب بالديموقراطية وفصل
السلطات (التشريعية التنفيذية والقضائية) وعدم مصادرة مسؤولياتها ودورها
وصلاحياتها، وإعطاءها حقوقها ومن بينها ممارسة حرية الرأي والفكر والعقيدة،
وممارسة النشاط السياسي، والمشاركة في تنمية وبناء وتطوير المجتمع وتقرير مصيره ومستقبله،
وأن يمارس دوره في الإنتاج المادي للمجتمع، وهذا الوضع ينطبق على معظم البلدان
العربية إن لم يكن جميعها.
كذلك فإن النزاع يحدث في بلدان ما يسمى العالم الثالث، حيث كانت الانقلابات العسكرية سيدة الموقف فيها. فبوصول هذه الجهة العسكرية أو تلك إلى السلطة، تبدأ بقمع المناوئين لها حتى ولو كانوا من حلفاء الأمس، وزجهم في السجون، لتستتب الأوضاع الأمنية لها، ويحدث الاستقرار السياسي بما ينسجم وتوجهاتها ومصالحها وأهدافها. تتحالف الطغمة العسكرية مع البرجوازية في بلدانها، فتتشكل منهما البيروقراطية البرجوازية التي تتضارب مصالحها مع مصالح عامة الشعب، لتبدأ بممارسة القمع والقهر والإرهاب ضد كل من يخالفها. وقد حصل ذلك في سورية ومصر والعراق واليمن وليبيا والسودان والجزائر...
وعرّف النزاع
مجموعة من المتخصصين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
- "
كينيث بولدين[14]"
عرّف النزاع: "بأنه حالة وضعية تنافسية، يكون فيها طرفان أو أكثر مدركان لعدم
تطابق محتمل لوضعيتهم المستقبلية التي يمكن لأحد الأطراف أن يحتل فيها مكان الآخر،
بما لا يتطابق مع رغباته".
-
"مايكل نيكلسون[15]"،
في كتابه تحليل النزاع يقول:
إن النزاع
يوجد عندما يحاول شخصان (أو طرفان) القيام بأفعال متناقضة، فيعتبر أن الشخص عند
قيامه بفعل ما يناقض نظيره، يخلق حالة من التوتر بينهما، وذاك ينطبق على الدول،
فإذا كانت دولتان تختلفان في أمر ما، فالتناقض بينهما يؤدي إلى أزمة سياسية، مما
ينجم عنه نزاع".[16]
- توماس
شيلينغ[17]:
"النزاع مواجهة يسعى كل طرف من خلالها تحقيق الربح، ويتجه الأطراف في هذه
المواجهة إلى البحث عن قواعد (ووسائل) تسمح لهم بضمان أفضل فرص للنجاح".
- كريس بورغ[18]:
يعرفه بصراع اجتماعي موجود عند طرفين أو أكثر، يعتقدون أن لديهم أهداف غير
متوافقة، ويمكن أن يكون النزاع بينها سلمي أو عنيف.
- دينا زينس[19]:
عندما تكون سياسة دولتين غير متوافقتين، على الحدود والمياه والموارد...الخ، نكون
أمام نزاع دولي، يكون السلوك النزاعي بينهما عنيف.
-هولستي[20]:
النزاع عنده، " تنازع إرادات ناتج عن الاختلاف في دوافع الدول. بمعنى أنه
حالة تنافس تكون فيه مواقف الأطراف الدولية متعارضة مع المواقف المحتملة لرغبات
الآخرين". مثل: إنكار طرف دولي حقوق طرف دولي آخر حول مسائل تثير النزاع
بينهم.
- إدوار
عازار: النزاع هو، "الصراعات الاجتماعية التي طال أمدها بين طائفتين (طرفين)
من أجل حاجات أساسية، الأمن والاقتصاد، لبلوغ المشاركة السياسية والاجتماعية"[21].
لينين[22]:
التناقض (النزاع) عنده شيء عام، مطلق، موجود في عمليات تطور الأشياء، منذ البداية إلى
النهاية[23]
فالنزاع: هو التناقض بمسميات أخرى وهو الذي يحكم العلاقات داخل المجتمع والطبيعة.
"إن الاعتماد
المتبادل بين طرفي التناقض في كل شيء، والصراع بينهما، يقرران حياة ذلك الشيء
ويدفعان تطوره إلى الأمام. فليس ثمة شيء ليس به تناقض، ولولا التناقض لما وجد
شيء"[24].
وعليه فالتناقض
له قوانينه ويقوم على أسس ثلاثة:
1- يشترط أحد
طرفي التناقض وجود الطرف الآخر.
2- يوجد طرفي
التناقض في الزمان والمكان ذاته.
3- ينتقل أحد
طرفي التناقض، ليحل محل نقيضه في ظل ظروف معينة.
كما في
الهجوم والدفاع، التقدم والإنسحاب، النصر والهزيمة في الحرب، جميعها مظاهر متناقضة
لكن كليهما، متصارعان ومتحدان في وقت واحد، يؤلفان بذلك الوحدة الكلية ويدفعان إلى
التطور ويحلان مشكلاتهما.
وقد يبدو
متناقضا أن الأفعال والمشاعر والأفكار نفسها التي تثير النزاع، تروّج للتطور
الذاتي للشخص وترفعه للإستفادة من إمكاناته الذاتية. فالنزاع دليل حيوية، إذ تنفجر
الطاقات وتتوجه المجهودات من خلال التنافس في مستواه الأدنى، إلى التنازع والصراع
في مستواه الأعلى وتوجيه الطاقات إيجاباً للتفوق والتجديد والإتقان والتطور. فالتنافس
وهو أحد أشكال النزاع إذاً قد يكون مهمّاً ونافعاً ومفيداً متى ما وجه في تجاه
الخير والتقدم والتطور والبناء الإجتماعي والسياسي والثقافي والعكس صحيح أيضاً،
إذا وجه إلى الإتجاه الآخر، فالكلمة نفسها محايدة، ليست بالشر ولا بالخير ولكنها
تحمل المعنيين معاً، ومن المؤكد أنه لا انفكاك منها لأنها جزء من الطبيعة
البشرية"[25].
إعتمد
الإنسان في بداية عهد
المشاعي[26] الرعي والزراعة، فكانت الملكية الجماعية هي
المنتشرة بين المجتمعات فلا وجود لفكرة الكلكية الفردية فكان الصراع محدوداً وليس
معدوماً. وبعد ذلك كان الإعتماد على الزراعة بالعصر المشاعي الثالث، فبدأ التنافس
والصراع مع القبائل الأخرى على المراعي والأراضي الزراعية ومصادر المياه. فأندلعت
الحروب بينهم من أجل السيطرة والتسلط وكانت القبائل المنتصرة تأخذ القبائل المهزومة
عبيداً لديها، وهكذا انتلقت المجتمعات من العصر المشاعي العبودي وتكرست فيه
الملكية الفردية، ليطور النزاع ويتفاقم الصراع، لينتقل بعدها الى عهد الاقطاع وبعده
عصر الرأسمالية الإشتراكية وصولاً الى عهد العولمة والقرية العالمية، الوجه الآخر
للهيمنة والسيطرة واستغلال الشعوب والدول الضعيفة والفقيرة من قبل الدول القوية
والغنية وشركائها الاحتكارية. كان التنافس والصراع بين المجتمعات يحكم العلاقات والعصور،
والتي حتمت على الانسان والمجتمعات الاعتماد على ذاتها وتطوير قدراتها الانتاجية،
القتالية والتسليحية.
وقد كانت
الإمبراطوريات والممالك للتصارع فيما
بينها طلباً للسيطرة ولبسط النفوذ وقد عمدت لتخفيف ذلك بحروب إبادة الشعوب في
العصر القديم، الوسيط والحديث.
وقد شهد
العالم صراعات وحروب دامية، بعد اكتشاف القارة الجديدة اميركا وكان هناك حروب
طائفية بين البروتيستانت والكاثوليك، استمرت مئات السنين في أوروبا. وكذلك بين
الدول الإستعمارية على السيطرة على الدول والشعوب، الطرق البحرية، المعابر
والمضائق، وعلى الثروات والأسواق لتصريف منتجاتها بعد الثورة الصناعية في أوروبا.
وشهدت
المنطقة العربية نزاعات صراعات متعددة، داخلية بين الطوائف ومذاهب وقوميات إثنية،
وصراع أيدولوجي وسياسي على مصالح وحقوق، سعى كل واحد فيها الى تحقيق اهدافه بوسائل
سليمة وأخرى عنيفة. كذلك الصراع العربي في مواجهة الدول الإستعمارية التي فرضت سيطرتها
وبسطت نفوذها فيها، وعمدت الى ايجاد طبقة ترتبط بها لحرية مصالحها، وقد عملت بعد
جلائها على تقسيم المنطقة العربية وتنصيب حكومات فيها، ورسم حدوداً لدولها وشرعنة
حدودها والإعتراف بها في المحافل الدولية.
نجحت الدول
الإستعمارية، ليس في التقسيم الجغرافي للدول العربية، بل تخريب اللحمة بين أبناء
الشعب العربي الواحد. فقامت على إثرها الازمات الإجتماعية، السياسية، الإقتصادية
والطائفية لتحصل إنقلابات عسكرية في هذه الدولة العربية او تلك، من ثم انقلابات
مضادة ليلغي احدهما الآخر وهكذا دواليك، أما الصفة التي تحكمت في الأوضاع فكانت
العنف، القهر، الظلم ومصادرة الحريات والحقوق...
لم يكن لبنان
بعيداً عن الأجواء العربية تلك، بل كانت تردداتها وتأثيرها عليه كبيرة، إضافة الى
أزماته الداخلية التي يعيشها والحروب
الطائفية التي خيضت بين الموارنة والدروز في جبل لبنان أواسط القرن التاسع
عشر وصولاً الى الحرب الأهلية بين 1975-1989. والتي أكدت أن ليس من حلول جذرية
لأزمة لبنان القائمة، لأن تركيبته الطائفية التي تقوم على الديموقراطية التوافقية،
وهي التسمية المبطنة لهيمنة الطوائف الكبرى على الطوائف الصغرى وسيطرة الطبقة
الغنية على الطبقة الفقيرة، وستبقى مفاعيل هذه الحرب وتردداتها موجودة ما دام
لبنان بتركيبته الحالية، فلا توجد قوى جذرية وجادة قادرة على إحداث عملية التغيير
فيه.
لا تخلو أمة
من ظهور صور ومظاهر متعددة للنزاع في قضاياها المختلفة. ويختلف الناس أيضاً في سبل
تعاطيهم مع النزاع عند وقوعه. فالرصيد الثقافي والتربوي بين الناس يختلف، وهذا
بدوره يترك أثراً حول كيفية إدارة النزاع
والبحث عن حلول له. فالنزاع إذاً مظهر لتأزم العلاقات، وإنسداد سبل الحل القائمة
أو المتاحة. وهنالك آثار تترتب على النزاعات منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي[27].
وللإنسان في
إدارته للنزاع، دور في تحديد ما يناسب هذه الآثار، وله أيضاً مراحله التي يمر فيها
في بداية التأزم، إلى حدوث وخروج مظاهر النزاع ونتائجه على السطح.
إن معرفة نوع
النزاع وطبيعته وأطرافه، هو ما يحدد الآلية المناسبة للحل. فنزاع الأخوة والأشقاء
وأبناء الوطن والدين والوظيفة أو المؤسسة المشتركة، ليس كنزاع مع عدو قومي متربّص
يحتل الوطن ويشرد الشعب فيه ويقتل البشر
ويقتلع الشجر ويدمر الحجر.
الناس يختلفون في المزاج والهوى والغرائز
والتطلعات والمقدرات والمزايا. فكل شخص نسيج فريد ومتميز عن غيره. ولولا التنوع (التناقض)
لكان من الصعب إعمار المجتمعات وإزدهار الوجود وقيام الحياة. ولا يتحقق منها أي
شيء، لو أن البشر خلقوا سواسية ومتطابقين في كل شيء (وهذا من المستحيلات). ورغم
هذا التنوع، يحتاج كل شخص أن يعيش في إطار جماعة من البشر (لأنه كائن اجتماعي)
ولتأمين احتياجاته المادية والمعنوية.
"فالنزاع جزء لا يتجزأ من
وجودنا، فابتداءً من العلاقات الشخصية البينية المصغرة، ومروراً بالمجموعات
والمنظمات، وانتهاءً بالتجمعات والمجتمعات والأمم، فالعلاقات الإنسانية (كعلاقات
اجتماعية واقتصادية وسلطوية) تتسم بالنمو والتغير. فالنزاعات تنشأ من حالة عدم
التوازن بين هذه العلاقات، كالمكانة الاجتماعية غير المتكافئة، (الصراع الطبقي)
والوصول إلى الموارد والثروات بشكل غير متكافئ، والتمتع بالسلطة للبعض على حساب
الآخرين. فتقود حالة عدم التوازن إلى مشاكل عديدة، كالتمييز، البطالة، الفقر، الاضطهاد
والجريمة. وعليه فإن كل مستوى يتصل بالمستوى الآخر، يشكل زخماً تعبوياً من القوى
التي يمكن أن تحدث تغييراً بناءً أو عنفاً مدمراً"[28].
"فالنزاع
مرافق لنا شئنا أم أبينا، ولن يكون أمامنا سوى خطوة واحدة لنلمس أننا بحاجة إليه،
ففي عالم التجارة والأعمال الذي يركز على الآثار النفعية للنزاع، كجعل الناس أكثر
دراية بالمشاكل، وأكثر تشجيعا لإحداث تغيير ضروري، وأكثر قدرة للوصول إلى حلول
عملية، كرفع المعنويات وتعزيز نمو الشخصية وزيادة الوعي الذاتي وأكثر تحفيزا
للنضوج النفسي ولإدخال السعادة بالنفس". فلو تخيلنا حالة دون نزاع، نرى
أفرادا يفتقرون إلى الدافعية، ومؤسسات أو جماعات غير حيوية، ومجتمعات آيلة للانهيار
تحت ثقلها نظرا لعدم قدرتها على تغيير الظروف والتعاطي مع علاقات القوة. (فالإمبراطورية
الرومانية انهارت نظرا لعجزها عن التكيف والتغيير)[29].
2- التطور التاريخي
للنزاع
عند استعراض الأحداث وتطوراتها في لبنان، نجد
أن الحرب الأهلية اندلعت في 13 نيسان 1975 نتيجة الإحتقان الإيديولوجي والخلل في
التوازنات السياسية والتناقضات بين اللبنانيين بسبب الفوارق الطبقية، الإجتماعية
والطائفية. كما تغذت هذه التناقضات من وضع لبنان الجغرافي السياسي بين سوريا
و"إسرائيل" والصراعات العربية – العربية، والعربية – الدولية على الساحة
اللبنانية، وأطماع "إسرائيل" فيها وأهداف أميركا في بسط نفوذها فضلاً عن
نمو المقاومة الفلسطينية بعد عام 1967 وترسيخ دورها السياسي والعسكري في لبنان،
وتدخلها في الأزمة اللبنانية لصالح القوى اليسارية الساعية إلى إقامة نظام
ديموقراطي يساري متحالف معها"[30].
"فقبل الحرب الأهلية وخلالها ارتفعت
إيديولوجيات بررت الجنوح نحو حالة اللاتعايش، وتوسل العنف لتحقيق الأهداف، وكذلك
كانت النضالات المطلبية للعمال والفلاحين والصيادين ومعظم فئات المجتمع تتطلع إلى
تحقيق مطالبها، حيث حالت تركيبة النظام الطبقية الطائفية دون تحقيقه.
وفي ظل رواج مقولة "التعددية
الثقافية" و"التعددية الحضارية" بتأثير من الدين والتجربة
التاريخية والثقافة المجتمعية الطائفية، والمؤسسات الثقافية التحليلية، وكذلك
البيت. وبفعل ضعف حضور الدولة على مستوى التربية المواطنية، كان من المستبعد أن
تقوم ثقافة وطنية جامعة، وتحصل نقلة نوعية في الفكر والمؤسسات والعلاقات
الإجتماعية، والنظام السياسي، تشكل حماية لتعايش اللبنانيين.
في أواخر
الستينيات من القرن الماضي، كان الانفجار السكاني الذي شهدته الطائفة الشيعية على
خلفية الفقر الاقتصادي والنزوح الريفي إلى حزام البؤس الشعبي في بيروت، قد شكلا
جمهوراً مناسباً بامتياز لقوى تعبر عن تجذر اجتماعي وسياسي تدريجي للحركة القومية
العربية، وصولا إلى تحول بعض فصائلها إلى اتجاه
اليسار والماركسية[31]. وقد
تسبب النزاع الإيديولوجي بين الطوائف والأحزاب في لبنان إلى احتدام الأوضاع ما أدى
إلى تطور النزاع إلى عسكري عنيف، لم يكن من إمكانية في ذلك الوقت لوقفه أو ردعه.
فقد أصدرت "الأحزاب الوطنية والتقدمية" اللبنانية بياناً في 7/7/1977
تحت عنوان "من أجل تسوية متوازنة" دعت فيه إلى:
1- إعادة
المهجرين إلى مناطقهم وأماكن سكنهم.
2- إعادة توحيد
الجامعة اللبنانية.
3- إعادة توحيد
القوى الأمنية.
4- تحويل لبنان
من مجموعة طوائف إلى جسم وطني واحد متماسك.
5- تثبيت عروبة
لبنان وانتمائه ودوره في الصراع العربي – الإسرائيلي.
6- دعوة رئيس
الجمهورية لتنظيم حوار وطني واسع بين القوى السياسية من أجل الوصول إلى برنامج حد
أدنى مشترك لتحقيق الإصلاح، وإقامة توازن سياسي على أسس أكثر ديموقراطية[32].
النزاع في
العصر الحديث
أدى سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية
إلى إنهيار جهازها السياسي، وإستحالة قيام الوحدة في أوروبا مرة أخرى، حيث ساد
النظام الإقطاعي فيها. ولما قامت حرب المائة عام بين فرنسا وإنجلترا (1337-1453)
قويت أواصرالروابط القومية بين رعايا هاتين الدولتين وإزداد شعور كل شعب بكيانه
القومي. ثم تلا ذلك عصر النهضة الذي كان من نتائجه سعي الدول إلى تدعيم سيادتها عن
طريق خلق سلطة مركزية قوية بأي ثمن، وجاءت حركة الإصلاح الديني في مستهل القرن
السادس عشر لتعزز الملكية المطلقة، ولتقضي على ما تبقى من سلطة الكنيسة
الكاثوليكية في روما، مما أدى إلى زيادة التجزئة وبروز الدول القومية نتيجة للحروب
الدينية التي قسمت أوروبا إلى دول مذهبية (كاثوليكية وبروتستانتية وأرثوذكسية)، ما
أدى إلى مزيد من الحروب، وتصادم الفرقاء في حرب ضروس عمت أوروبا ككل، إستمرت ثلاثين عاماً، وعرفت بحرب
"الثلاثين سنة" وانتهت بمعاهدة "وستفاليا" عام 1648، والتي
شكلت إتجاهاً جديداً في العلاقات الدولية[33]،
ودعماً لنظرية الأمن الجماعي الأوروبي، والتي إستقت مبادئها من وحي الأديان
وكتابات المفكرين، والفلاسفة الذين تأثروا بفلسفة اليونان المثالية خصوصاً أفلاطون
في كتاب" الجمهورية"، وتوماس مور في كتابه "اليوتوبيا"
وغيرهما.
ظهور التنظيم
الدولي
كانت العلاقات في المجتمعات القديمة تقوم على
أساس القوة لإستثمار الموارد، ولذلك كانت الحرب هي الوسيلة الأساسية إن لم تكن
الوحيدة لحل المشاكل التي تواجهها المجتمعات وإن الفصل للقوة والكلمة للمنتصر. من
هنا كانت فلسفة "الحق للقوة" (Might make right)
هي الفكرة السائدة في المجتمع القديم. وبذلك لا يمكن تصور وجود تنظيم دولي أو منظمات دولية
تقوم بدورها بالرغم من عدم نفي وجود علاقات بين تلك المجتمعات فالحرب بذاتها هي
نوع من أنواع العلاقات الدولية إلا أنها الصورة السلبية لها.
وأمام التطورات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية وبضغط الحاجة للأمن والسلام والإستقرار والتقدم ولأسباب أخرى بدأت الدعوات تتصاعد منذ القرن الرابع عشر لإيجاد منظمات دولية تتسم بصفة الثبات والإستقرار لتنظيم العلاقات بين الدول، وطرحت المشاريع لذلك منها المشروع الذي طرحه المشرع الفرنسي (بيير دي بوا) سنة 1305م. ومشروع الوزير الفرنسي (سلي) 1603م. لإنشاء جمهورية مسيحية كبرى تضم جميع شعوب أوروبا، ثم مشروع الأب (سان بيير) 1713م. المقدم إلى مؤتمر (أوترخت) لإنشاء عصبة أمم أوروبية[34].
معاهدة
وستفاليا 1648
لم يبدأ إهتمام الدول بتنظيم علاقاتها على أساس
من القواعد القانونية الثابتة إلا منذ
ثلاثة قرون، أي في أواسط القرن السابع عشر على أثر الحروب والمنازعات الأوروبية
التي انتهت بإبرام معاهدة وستفاليا 1648م. وتعتبر هذه المعاهدة فاتحة عهد جديد
للعلاقات الدولية، حيث وضعت هذه المعاهدة القواعد والأسس لقيام الأمن الجماعي
واتخذت العلاقات الدولية بعدها إتجاه التعاون والمشاركة بدلاً من السيطرة
والإخضاع، واعتمدت ثلاثة مبادئ وهي: مبدأ الولاء القومي على أن يكون الولاء
للجنسية (الوطن) وليس للكنيسة . أي فصل الدين عن الدولة. ومبدأ السيادة. ومبدأ عدم
التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وأهم ما أوجدته المعاهدة ما يلي:
·
إجتماع الدول لأول مرة للتشاور وحلّ مشاكلها
على أساس المصلحة المشتركة.
·
إقرار المساواة بين الدول المسيحية
الكاثوليكية والبروتستانتية، وإلغاء سلطة البابا الدنيوية.
·
إرساء العلاقات بين الدول على أساس ثابت
بإقامة سفارات دائمة لديها.
·
إعتماد فكرة التوازن الدولي كأساس للحفاظ على
السلم وردع المعتدي.
·
التأسيس لفكرة تدوين القواعد القانونية
وإلزاميتها[35].
وهكذا كانت
هذه المعاهدة قمة التطور السياسي والقانوني في ذلك الوقت حيث أنها لم تتضمن فقط
مبدأ الحرية الدينية ومساواة البروتستانت بالكاثوليك في الإجتماعات الدولية، بل
تضمنت مبدأ إنشاء سفارات دائمة، وهذا يعبر عن حقيقة أساسية هي ارتباط المصالح
والتعاون الدولي من أجل هذه المصالح ورعايتها. غير أن مبدأ إنشاء سفارات دائمة لم
يكن عاماً إذ كان الهدف من تقريره هو تطبيقه بين الدول الأوروبية المسيحية وحدها.
ومن هنا نلاحظ الصفة الجزئية أي غير الشاملة لهذه الدبلوماسية. والواقع إن تفسير
ذلك يرجع إلى الفكرة التي سادت العالم المسيحي في ذلك الوقت والتي كانت ترى أن
الجماعة الدولية قاصرة على الدول المسيحية وحدها.
مؤتمرات
وأنظمة دولية
أدى تعاظم قوة بعض دول أوروبا كفرنسا إلى
الإخلال بمعاهدة وستفاليا فتكاتفت الدول الأوروبية، وتجمعت في حرب
ضدها في عهد لويس الرابع عشر، إنتهت بعقد معاهدة "أوترخت" عام 1713،
والتي أكدت على مبادىء معاهدة "وستفاليا" بعد إعادة تنظيم أوروبا. وفي
عام 1776م تم إعلان إستقلال الثلاثة عشر مستعمرة إنجليزية في أمريكا الشمالية،
وترتب على هذا الإعلان ظهور فكرة رضا الشعوب عن حكامها التي تضمنها الدستور
الأمريكي، ثم جاء إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر عن الثورة الفرنسية الذي
تضمن مبدأ الديمقراطية في الحكم الداخلي ومبدأ حق الشعوب في إختيار حكوماتها. وفي
نفس الفترة صدر تصريح عن الجمعية الوطنية الفرنسية في 19 نوفمبر 1792 ورد فيه
مساعدة فرنسا لكل الشعوب التي تريد التحرر. وكان من شأن ذلك بدء إنتشار الحروب في أوروبا في ذلك الوقت، بسبب
الحروب النابليونية التي عملت على الإخلال بميزان القوى في القارة. ولذلك تكتلت
الدول الأوروبية ضد فرنسا وتمكنت في النهاية من هزيمة نابليون بونابرت 1814م[36].
مؤتمر فيينا
1815
كان همّ أعضاء المؤتمر إعادة التوازن الدولي في
أوروبا على أساس إرجاع الملوك، الذين قضى بونابرت على سلطانهم، إلى عروشهم، حيث
عكس مؤتمر فيينا إرادة الدول المنتصرة في الحرب ضد نابليون (وهي إنكلترا والنمسا
وبروسيا وروسيا) من دون الإلتفات إلى رغبات الشعوب ورأيها، والتي أثرت فيها مبادىء
الثورة الفرنسية وأفكارها، فيما نصبت هذه الدول نفسها قيمة على السياسة الأوروبية
وأخذت حق التدخل في جميع المنازعات الأوروبية والدفاع عن نظام الملكيّة في كل مكان
تراه مهدداً. وقد إمتد نشاط هذه الدول الأربعة خارج أوروبا حيث قامت بتفتيت وتحطيم
الدولة التركية خلال الفترة 1825 – 1918، حيث تم دعوة تركيا لمؤتمر باريس 1856م.
وهو أول مؤتمر دولي يسمح لتركيا بحضوره، حيث إتفقت هذه الدول على مساندة
اليونانيين والصرب ورومانيا وغيرها من الدول ضد تركيا، وتعددت المؤتمرات في باريس
وبرلين وكان آخرها مؤتمر لندن 1912 – 1913 بعد الحرب البلقانية الثانية[37].
المؤتمر
الأوروبي والنظام الدولي
شكل مؤتمر فيينا أساساً لتشكيل الجماعة الدولية
الحديثة، فبدأ يتسع مع إتساع الحركة الدولية والثورة الصناعية وحركات الإستعمار،
وإستقلال الدول، وظهور القوميات، وبدأ يشمل دولاً غير مسيحية، نظراً لإتساع دائرة
المشاكل وضرورة حلها، فكان يعقد مؤتمر في كل مناسبة ترى الدول الكبرى، أو إحداها
ضرورة لذلك، أو مصلحة لها في عقده، وهكذا سيطرت هذه الدول على السياسة الدولية
وفرضت وجهة نظرها في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، وبذلك سمي هذا النظام الدولي
الذي كان يشرف على العالم بنظام "المؤتمر الأوروبي"، والذي تميّز بسياسة
عقد المؤتمرات لحلّ المشاكل التي واجهت العالم خلال القرن التاسع عشر، وإستمر حتى
الحرب العالمية الأولى، وقد إستطاع أن يؤسس لكثير من المعاهدات والقوانين التي ما
تزال مفاعيلها سارية حتى اليوم، كاتفاقيات جنيف 1864 الخاصة بمعاملة جرحى الحرب
وإتفاقيات لاهاي 1899 و1907 الخاصة بقواعد الحرب والحياد، وتسوية المنازعات
الدولية بالطرق السلمية، وكذلك محكمة التحكيم الدولي الدائمة في لاهاي[38].
مؤتمر لاهاي
وفض المنازعات بالطرق السلمية
لا شك أن مؤتمري لاهاي يمثلان أهمية خاصة
بالنسبة للتنظيم الدولي واللذان عقدا 1899 – 1907 وأسفرا عن إتفاقيات دولية تحمل
إسم هذا المؤتمر كان لها أعظم وأخطر النتائج والآثار في تطور القانون الدولي حيث
أقرت لأول مرة في العلاقات الدولية نظاماً لحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية
وتخفيض التسلح، وحقوق وواجبات الدول المحايدة أثناء الحرب، وحقوق أسرى الحروب. وأنشأت
لأول مرة كذلك هيئة قضائية دولية هي محكمة التحكيم الدولي الدائمة في لاهاي. كما
إنضمت ودونت قواعد الحرب والسلم الدولي. وبالإضافة إلى ذلك عرفت العلاقات الدولية
تنظيمات من نوع آخر تلك هي التنظيمات الإدارية والإقتصادية الدولية مثل إتحادات
البريد والتلغراف والسكك الحديدية[39].
عصبة الأمم
منظمة دولية
أنشئت عام 1919 في مؤتمر الصلح الذي عقدته الدول المنتصرة في الحرب العالية الأولى
في باريس. كان نظام العصبة جزءاً من معاهدة فرساي . اتسم نشاط العصبة بطابع العداء
للدولة السوفييتية. وطبقت العصبة سياسة
الاضطهاد الامبريالي ضد البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، وأظهرت عجزا كاملا في
دعم السلام وأمن الشعوب[40]
وانتهى دورها لدى تأسيس الأمم المتحدة عام 1945. نص ميثاقها على إلتزام الدول
الأعضاء بإحترام الإستقلال والسلامة الإقليمية وحمايته من العدوان، وبالإمتناع عن
استخدام القوة لتسوية المنازعات بينها. تضمن التهديد بتطبيق العقوبات ضد كل دولة
معتدية تنتهك الميثاق.
رفضت أميركا
الإنضمام إلى عضوية العصبة، بينما إتفقت الدول الأعضاء (فرنسا وبريطانيا) على
إقصاء الإتحاد السوفياتي. إستنبطت العصبة نظام الإنتدابات تحت شعار الوصاية، فقامت
بتوزيع الأقطار العربية على دولتين منتدبتين هما فرنسا وبريطانيا[41].
منظمة الأمم
المتحدة
تداعى زعماء
الدول المنتصرة في إلى مؤتمر عقد في سان فرنسيسكو في الولايات
المتحدة ما بين 25 نيسان ـ 26 حزيران عام 1945 ووضعوا ميثاقاً جديداً للعلاقات بين
الدول وتحريم اللجوء إلى الحرب إلا دفاعاً عن النفس، وتسوية النزاعات بالطرق
السلمية، وفرض الجزاء والعقوبات على المخالفين، وأوكلت هذه المهمة إلى هيئة دولية
دعيت "منظمة الأمم المتحدة" تستند على الحرب العالمية الثانية ميثاق
مكتوب يتضمن كافة الأمور الإجرائية والإدارية الضرورية للقيام بدورها على أكمل
وجه.
وهكذا تحققت
على أرض الواقع لأول مرة تلك الفكرة المثالية في تأمين الأمن الجماعي من خلال هيئة
دولية قادرة على فرضه عبر مجموعة من القواعد الملزمة، والتي وافقت الدول المؤسسة
على إحترامها والإلتزام بها، وتشجيع كافة الدول الأخرى على الإنضمام إلى هذه
المنظمة الدولية الجديدة، حيث جاهدت المنظمة الدولية، كي تبقى وفية لميثاقها،
ملتزمة بالقوانين التي سنت لحماية الأمن الدولي، ونشر العدالة بين البشر، من خلال
الأجهزة والفروع التابعة لها، ولكن الواقع الدولي، وصراع القوى الكبرى، ولعبة
التوازن، والمصالح الخاصة بهذه القوى، أثر مباشرة على دور المنظمة وفعاليتها، ما
دفع كثير من الدول إلى المطالبة بإصلاح المنظمة الدولية من جديد لتكون معبرة عن
مصالح وتطلعات أعضائها والإنسانية جمعاء في صيانة الأمن والسلم الدوليين وليس من
أجل تحقيق مصالح الدول الكبرى فقط والذي يمكن أن يؤدي إلى كارثة جديدة تحل بالعالم
إذا استمر الوضع كما هو عليه الآن[42].
إكتسبت قضايا
المحافظة على السلام والأمن والتسوية السلمية للمنازعات أهمية خاصة، إذ أصبحت من
بين المقاصد الأولى لأية منظمة دولية، كما توفرت القناعة لدى المهتمين بأمور
التنظيم الدولي بأن وجود أي نظام قوي وفعال يختص بالتسوية السلمية للمنازعات يعتبر
أحد المقومات الموضوعية المهمة التي تستند إليها المنظمات الدولية عموماً في مجال
الإضطلاع بالمهام المنوطة بها. ولهذا فقد بدأ منذ أكثرمن خمسين عاماً عقلا جماعياً
دولياً لإقرار قواعد (القانون الدولي العام)، التي تحث الدول على نبذ الحرب،
والإلتجاء إلى الطرق السلمية لفض المنازعات، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين،
مع إقرار حق الدول في الدفاع الشرعي لرد العدوان، وإستعمال العنف كوسيلة لدفع
الخطر إذا لم تنجح الوسائل السلمية لحل النزاعات بين الدول.
بينت الهيئة
الدولية أن العالم لا يقف مع الضعيف والمظلوم، بل مع القوي حتى ولو كان ظالماً.
وهذا ما أثبتته المنظمات والهيئات الدولية في علاقاتها مع الدول والشعوب الضعيفة
والفقيرة. وذلك يتبين بشكل واضح في القضايا المتعلقة بالدول العربية وبالصراع
العربي – الإسرائيلي.
تنشأ
النزاعات في كثير من الأحيان من الأفكار التي يكوّنها كل جانب عن الجانب الآخر أو
ربما تحدث نتيجة للاختلاف الشديد في الطرق التي يحاول بها الأفراد حل مشاكلهم.
وعادة ما يبدأ النزاع في شكل صراع على المصالح والمكاسب وعلى الموارد أيضا، ولكنه
يتطور ليأخذ شكل الصراع السياسي، ثم صراع ثقافي، ثم نزاع على الهوية. وتشمل
النزاعات المسلحة أطرافاً سياسية وعسكرية مختلفة التكوين والأهداف...
وقد تجد
المساندة والدعم من انحياز بعض المواطنين المحليين إلى أحد طرفي النزاع، أو أن
تقوم دولة ما بدعم أحد طرفي النزاع ممن تتلاقى مصالحها وأهدافها معه، فتزداد الأمور
تعقيداً والأزمة تفاقماً. كما تؤثر النزاعات كثيراً على الحياة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية للدولة وعلى مستقبل الشعوب ورفاهيتها.
إن مسببات
النزاع الأساسية هي العوامل السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والإيديولوجية، كما
إن الاستخدام السيء للموارد والتدهور البيئي وبخاصة الخلافات على الموارد المائية
يمكن أن تكون من أسباب النزاعات كما حدث في دارفور. كما تلعب العولمة (التي تجعل
الأحداث التي تحدث في أجزاء مختلفة من العالم مترابطة مع بعضها البعض) دوراً في
تأجيج الحروب، حيث إنها تعمق الفجوة بين البلدان الغنية والفقيرة، وبين الفقير
والغني داخل الدولة نفسها، حيث يؤدي التفاوت في تقسيم الثروة إلى الشعور بالاستياء
ويعتبر من العوامل التي قد تقود إلى الحروب، كذلك عدم المساواة والعدل بين أفراد
المجتمع الواحد.
تتحكم
العولمة في ثروات وموارد الدول والشعوب الفقيرة، في إنتاجها وتسويقها واستهلاكها،
وفي فرض آلية السوق على القطاعات الإنتاجية فيها، وفي الصادرات والواردات وفي
المساعدات والخدمات وفي الضرائب والرسوم وفي رفع الدعم لبعض السلع الأساسية،
فتزداد المديونية العامة، ما يؤدي إلى خضوع وتبعية وارتهان إلى البنك الدولي
وصندوق النقد الدولي، فتتفاقم البطالة وتتهمش طبقات وشرائح اجتماعية واسعة ويزداد
التفاوت الاجتماعي بتراجع الدولة عن تأمين بعض الخدمات الصحية والتربوية
والغذائية...الخ. وهذا "يؤدي إلى صراعات داخلية وحروب طائفية ومذهبية وفئوية
وإثنية. فمنطق العولمة أدى إلى مزيد من تفاقم النزاعات والصراعات بين الدول أو
داخل الدولة الواحدة"[43].
ومن أسباب
النزاع أيضاً:
1-اختلاف
طريقة فهم الأمور والتعاطي معها بين البشر، يعد من أحد المسببات في حدوث النزاع.
2-اختلاف
الثقافة فكل إنسان له رصيد ثقافي يختلف عن الآخر.
3-الاختلاف
الأيديولوجي بين قوى دينية وعلمانية وبين الرأسمالية والاشتراكية.
4-الاختلاف
في تقدير المصلحة. فكل يتناول المصلحة من الزاوية التي تناسبه.
5-اختلاف
الذوق فكل إنسان لديه ذوقه الخاص في الأمور والأشياء.
6-الشعور
بالغبن والخديعة والظلم.
7-اتصاف
البعض بصفات عدوانية كالمكر، الخداع، الطمع، العدوان والطغيان[44].
8ـ احتكار
السلطة والسيطرة على موارد وثروات الشعوب ومصادرة قرارهم.
9- دور
الصحافة في التعبئة والتحريض والترويج للإنسان ومن ثم ناتج النزاع بين الاتجاهات
جميعها ولصالح الاطرف كلها.
يمر النزاع
بمراحل ثلاث:
أولاً: مرحلة
التكوين: تبدأ من إختلاف الفهم بين الأشخاص المنتمين إلى ثقافات وأيديولوجيات
متباينة أو عمل معين أو منشأة أو عائلة أو أسرة واحدة، أو طائفة أو دولة أو دول،
فاختلاف الفهم والظن وتضارب المصالح والتناقض في الهيمنة والنفوذ، وتباين التصور
والتفكير، يهيئ ويمهد ذلك كله للنزاع وخصوصاً النزاع العنيف.
ثانياً:
مرحلة التصعيد والتأزم: تعقب مباشرة مرحلة التكوين وفيها تظهر مواضيع النزاع أو
مسائله للطرف المقابل، فتكون الأمور كالتالي: توتر، نزاع، صراع، عنف بأشكاله
المختلفة.
ثالثاً:
مرحلة العداء الشديد والتناحر: يتهم طرف أطرافا أخرى في تحميلها مسؤولية الأسباب
التي دفعت إلى النزاع، فتكون النتيجة، الرفض والهجران والقطيعة والعداوة، وقد تصل إلى
صدامات عنيفة فيما بينها[45].
5- خصائص النزاع
1- ينشأ النزاع
من أهمية الموقع ووفرة الموارد، ما يؤدي الى صراع دولي بهدف السيطرة عليها.
2- يتورط في
النزاع طرفين على الأقل.
3- تتشابك
الأطراف في تفاعلات تتألف من أعمال مقاومة وأعمال مضادة.
4- تصرف وسلوك
الأطراف يهدف إلى الإضرار - وإبادة الطرف الآخر، ويمكن أن يؤدي إلى ضبط النزاع
وكذلك الأطراف المتعارضة.
5- النزاع على
السلطة واحتكارها وممارساتها ومحاولة انتزاعها بالوسائل الديمقراطية أو العنفية
جميعها، وخصوصاً الانقلابات العسكرية في سورية والعراق في خمسينيات وسيتينيات
القرن العشرين.
6- يمكن أن ينجم
عن النزاع نتائج اجتماعية مهمة[46]كتغيير
في تركيبة النظام وبنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو يدفعه إلى التطرف
دفاعا عن نفسه ومصالحه وعلاقاته. كما حصل في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى
بإسقاط السلطة العثمانية وإقامة نظام جمهوري بزعامة مصطفى كمال اتاتورك.
6- تصنيفات
النزاعات الدولية
تتفرد ظاهرة
النزاع الدولي عن غيرها من ظواهر العلاقات الدولية بأنها ظاهرة ديناميكية معقدة.
ويرجع ذلك إلى تعدد أبعادها وتداخل مسبباتها ومصادرها، وتشابك تفاعلاتها
وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة وتفاوت المستويات التي تحدث عندها وذلك من حيث
المدى أو الكثافة والعنف[47].
1. نزاع داخلي
كبير، اقتصارهذا النوع من النزاعات على مسألتي تقسيم السلطة وتوزيع الثروة، وتتعمق
هذه النزاعات في حالة تحرك العوامل الإثنية والقبلية مما يزيد من التقسيم
والانشقاق الداخلي وهو ما ينعكس على التماسك السياسي والاجتماعي والأمني.
2. نزاع داخلي
صغير، وهي نزاعات تقتصرعلى المسائل الخلافية في الاستبداد السياسي والمطالبة
بالمزيد من الانفتاح السياسي أو بالصعوبة في العيش الكريم مما يدفع بالكثير من
المناطق الداخلية للاضطرابات: الاحتجاجات، الإضرابات، ويمكن احتواء مثل هذه
المسائل النزاعية بالوسائل السلمية بتحريك البرامج التنموية أو الوعود بفتح المجال
للمشاركة السياسية.
يصنف كنيث وولتز
Kenneth waltz النزاعات
الدولية إلى أربع أنواع ، الثلاثة الأولى تتعلق بأطراف النزاع والنوع الثالث خصصه
لدرجة حدة النزاع داخل الدولة:
1. نزاع بين القوى الكبرى، ويكون بطريقة مباشرة أو
غير مباشرة، ويصعب إيجاد آليات لتسوية مثل هذه النزاعات في حالة ما إذا كانت
مواضيع النزاع ذات مسائل حيوية بالنسبة لكل طرف.
2. نزاع بين
أطراف الحلف الواحد، وهنا يمكن احتواء الأزمة أو النزاع من قبل القطب المركزي داخل
الحلف وتكون السهولة في التعامل مع هذا النوع من النزاعات بسبب السرعة في تنفيذ
وتحريك آليات التسوية أو القوة في فرض العقوبات على الطرف المصر على تعميق النزاع،
وبالتالي يصبح خيار التسوية والسلام هو الخيار العقلاني لكل طرف[48].
3. نزاع بين قطب
رئيسي وإحدى الدول في منطقة نفوذه المباشر: ويتسم هذا النوع من النزاعات بسيطرة
القطب على مسار النزاع وتكون قراراته سريعة في حسم النزاع لصالحه وبالأخص في حالة
النزاع على منطقة نفوذ حيوية بالنسبة للقطب، ويتحرك القطب بسرعة في حسم النزاع حتى
بالوسائل العسكرية لخلق قناعة لدى الدول المجاورة للقطب بأن مصيرها سيكون أكبر في
حالة تكرار النزاع مع القطب أو تشكيل تحالف مع قوى منافسة للقطب.
4. النزاعات الداخلية: وهي من النزاعات الاجتماعية
الطويلة الأمد تحركها الانقسامات الداخلية ذات الطبيعة الإثنية، القبلية،
الدينية،القومية، وتتسم بدرجة قوية من العنف وتتمحور حول السيادة على السلطة أو
المطالبة بالانفصال عن الدولة الأم. وغالبا ما يكون تسوية هذه النزاعات تتسم
بالصعوبة بسبب التناقضات الجذرية في التصورات والرؤى حول مستقبل العيش المشترك[49].
7- مصادر
النزاع
أ- مصادر فردية
نفسية: تعتمد غريزة حب السيطرة والتسلط.
ب- مصادر
إيديولوجية: التناقضات والتباينات الإيديولوجية بين إيديولوجية دينية وأخرى
علمانية وبين إيديولوجية رأسمالية وأخرى اشتراكيه بحيث تتسبب في نزاعات وصراعات
دولية قديمة وحديثة.
ت- مصادر
جيوبوليتكية: وتعتمد على الوحدة العضوية للأرض والسكان والنظام السياسي فيها،
وتنظر إلى الحدود الإقليمية بأنها مناطق مائعة، لا ثبات فيها وإنها قابلة للزحزحة
في صالح الدولة الأكثر قوة.
ث- مصادر
ديموغرافية: تقول بأن عنف الحروب يتناسب طردياً مع حجم الفائض البشري الذي يمثل
القوة الرئيسية الضاغطة في اتجاه وقوع الحرب.[50]
ج- مصادر تتعلق
بالنظام السياسي الداخلي وأخرى بالنظام الدولي. فعلى المستوى السياسي الداخلي:
كلما قلّ الاستقرار وبدأت الأزمات الداخلية، (وخصوصا الاقتصادية) كلما ازداد تورط
الدولة في نزاعات دولية (تصدير الأزمة) وهذا ينطبق على الوضع الداخلي والدولي
أيضا. لأن تورط الدولة في صراع دولي، ممكن أن يحقق تماسك داخلي، وممكن أن يفاقم
الأزمة. فعلى سبيل المثال: سئل جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا عشية الحرب على
العراق عام 1991 عن كيفية خوضها والاقتصاد الأميركي يعاني كثيراً من الصعوبات؟
أجاب: "إنها هي (الحرب) المخرج للأزمة وبنتيجتها يتحدد شكل العلاج"[51]. أي
أن تصدير الأزمة أسهم في حل الأزمة الإقتصادية التي واجهت أميركا كلها بعد العدوان
الأميركي مع 2003 لم يسهم العدوان في حل الأزمة بل زاد في تفاقهما على المستوى
الدولي: الصراع بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي يرتبط بتوسيع رقعة النفوذ لدى
كل منهما. وبعد سقوط نظام الثنائية القطبية أخذت الشركات العملاقة والمتعددة الجنسيات في
التدخل في الشؤون الداخلية للدول من أجل مصالح سياسية واقتصادية[52].
ح- مصادر تتعلق
بالموارد النادرة: الطاقة – الغذاء – المعادن –المياه.
خ- مصادر تتعلق
بالشؤون الداخلية للدول. أي تدخل دولة في الشؤون الداخلية والخارجية لدولة أخرى
دون أن يكون لهذا التدخل مسوغ أو سند قانوني.
د- مصادر تتعلق
بالفقر والتخلف والتبعية وعدم الاستقرار. وبدون استئصال الأسباب الاقتصادية والاجتماعية
لنشوئها، تتفاقم الأزمة وتزداد خطورتها، وتعود الأسباب إلى ضعف المؤشرات لإيجاد
حلول لها أو غيابها، وكذلك يعود إلى التبعية وعدم الاستقرار الذي يؤدي إلى
النزاعات.
ذ- مصادر تتعلق
بالنزاعات الإثنية: ومعظمها طويلة الأمد نتيجة للتدخلات فيها، اللغة، الحضارة،
الهوية، الدين، الانتماء القبلي، والعرق واللون. ومعظم هذه الصراعات ليس بين دولة
وأخرى، بل بين مجموعة إثنية وأخرى داخل الدولة ذاتها، أو بينها وبين النظام[53].
وقد يجري
النزاع نتيجة لمجموعة من الحاجات لتحقيق منافع خاصة، ونتيجة لوجود مشكلات سياسية واقتصادية
واجتماعية تدفع مجموعة من السكان للتمرد على السلطة ومحاولة الحصول على حقوقهم
السياسية بالقوة، فعندما يشعر أحد الأطراف أن هناك مصالح يمكن أن يجنيها من جراء
هذا النزاع فإنه يندفع نحوه بقوة، بغض النظر عن الأضرار التي يمكن أن يلحقها
بالطرف الآخر وخرقه للأعراف والقوانين التي تلزم هذه الأطراف.
وتتعدد مصادرالنزاعات
والحروب الحالية فمنها مصادر داخلية وأخرى خارجية:
I.
المصادر الداخلية للنزاع
تختلف درجات
النزاعات الداخلية من دولة إلى أخرى. وتتردد ردود الفعل الرسمية والشعبية تجاه ذلك
بين محاولات وقف الحروب الأهلية، وحماية وتقوية السلام الوطني لئلا يستبدل به
مواجهات داخلية. ويمثل احتواء النزاع العنيف، وتخفيف المعاناة، ونزع فتيل الصدام،
التحدي الكبير والرئيسي للدول التي تعاني من نزاعات داخلية. فالنزاع الداخلي تتعدد
أسبابه ومنها:
1- النزاع حول اقتسام
الموارد وكيفية توزيعها، وشعور بعض المجموعات بأنها لا تنال نصيبها من إمكانيات
دولها وتسعى للحصول عليه بالقوة[54].
2- النزاع حول
السلطة وأسلوب المشاركة في الحكم وتسلط بعض الأنظمة الحاكمة على مقدرات الشعوب،
وسيطرة أقلية عرقية على مصالح الأغلبية، كما حدث في بورندي ورواندا، كل ذلك يؤدي إلى
استياء عام لدى الشعوب، وظهور حركات مسلحة معارضة لأنظمة الحكم، وتصادم بين الشعب
والحكومة تنتهي بحروب أهلية، تؤدي إلى دمار وهلاك الدول والشعوب[55].
3- نزاعات
الهوية والتباين الثقافي والاجتماعي والسياسي وظهور المشكلات الطائفية والعرقية
كبواعث أساسية للصراعات، حيث تعاني بعض الدول من تركيبة سكانية معقدة، تختلط فيها
الأعراق والطوائف وبعضها أو بين الطوائف والحكومة، ومن ثم تنقلب إلى حروب أهلية،
ومثال ذلك النزاعات الطائفية في لبنان والنزاعات القومية مع الأكراد في العراق
وسوريا وتركيا وإيران[56].
4- النزاعات
العرقية والدينية والإيديولوجية (رواندا، الجزائر، نيجيريا).
5- النزاعات مع
الطبيعة. وتحدث نتيجة لبعض العوامل الطبيعية كنقص الأمطار وقلة مصادر المياه مما
يؤدي إلى ظاهرة الجفاف والتصحر وبالتالي حدوث نزاعات حول مصادر المياه ومناطق
الرعي كما حدث في دارفور، فيتحول الخلاف الذي يحدث بين هذه المجموعات من نزاع
داخلي إلى نزاع عالمي نتيجة لتداخل مصالح إقليمية ودولية أخرى تساعد على تأجيج هذه
الصراعات لتحقيق مصالحها. وفي اليابان تم بناء مدينة مضادة للزلازل بديلة لمدينة
طوكيو المعرضة لزلزال مدمر.
6- العوامل
النفسية لبعض القبائل ودعاوى التهميش، والإحساس بالنقص في جميع صوره والشعور
بالدونية بين بعض طبقات المجتمع، وظهور الحقد الطبقي نتيجة لتراكمات نفسية واجتماعية
عميقة يؤدي إلى الشعور بالحقد والكراهية ضد أفراد المجتمع الآخرين، وزيادة التوتر
وكثرة النزاعات بين شعوب هذه الدولة أو بينها وبين السلطة الحاكمة[57].
7- كما أن هناك
بعض العوامل الأخرى التي تساعد على زيادة التوتر والصراعات بين الشعوب مثل تدني
مستوى المعيشة وتباين الإمكانات المادية وتغيرات التركيبة السكانية للمجتمع نتيجة
للهجرات والنزوح والتأثر بالأفكار الأجنبية وتوافر الأسلحة بكميات كبيرة في القرى
والأرياف إضافة إلى التحولات التكنولوجية التي غيرت كثيراً من المفاهيم والعلاقات
بين السكان كوسائل الاتصال وغيرها.
II.
المصادر الخارجية للنزاع
إن قيام الدول الكبرى الاستعمارية باحتلال كثير من دول العالم فقامت
بتقسيمها وترسيم حدودها وتشريع وجودها وتكريس الاعتراف بها في المحافل الدولية دون
مراعاة للتركيبة القومية والطائفية والإثنية والقبلية لتلك الشعوب مما أدى إلى
تجزئتها وتقسيمها كما حصل في البلدان العربية بعد تقسيم "سايكس بيكو"
1916. إن النزاع الإقليمي على الحدود ومحاولة تعديل الحدود بين الدول ما فتئت تنشب
من أجلها الحروب، كما حدث بين العراق وإيران على شط العرب، والخلاف الحدودي بين
الصومال وأثيوبيا على منطقة أوجادين، والحرب الحدودية بين إريتريا وأثيوبيا،
والخلاف الحدودي بين السودان ومصر حول مثلث حلايب، وغيرها من النزاعات الحدودية
الأخرى. كما كانت الدول الكبرى تحتل وتسيطر على كافة الموارد والمواد الاولية
والبشرية، وللنزاع مصادر خارجية كثيرة منها:
1- ضعف المنظمة
الدولية وخضوعها لرغبات وتوجهات الدول الكبرى وعدم قدرتها على تحقيق التوازن
والمساواة القانونية بين الدول، بل أصبحت هذه المنظمة سببا رئيسيا لاستمرار كثير
من الصراعات بسبب عدم حيادها وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول إرضاءَ لرغبات من
يمدونها بالمال.
2- انهيار الاتحاد
السوفيتي وبروز الأحادية القطبية التي انفردت بها الولايات المتحدة الأميركية،
فعمدت إلى إعادة ترتيب الأوضاع في العالم بما يتلاءم مع المستجدات الحاصلة وبما يخدم
مصالحها، تدخلت في شؤون الدول والشعوب وفرضت على الدول الأخرى دفع تكاليف
تدخلاتها. تسبب ذلك في حدوث نزاعات ومشاكل في كثير من دول العالم. وما تزال آثارها
ماثلة حتى الآن.
3- الصراع
الإيديولوجي العالمي بين العقائد والمجموعات الدينية الأخرى، كالصراع بين البروتستانت
والكاثوليك في أوروبا. والصراعات بين المجموعات الدينية الواحدة، كالصراع المذهبي
في البلاد الإسلامية بين السنة والشيعة والصراع بين الإيديولوجية الاشتراكية
والرأسمالية.
4- الفجوة الاقتصادية
الهائلة بين الدول الكبرى ودول العالم الثالث، والصراع الاقتصادي بين هذه الدول
لإيجاد موارد اقتصادية جديدة لها كالتنافس الاقتصادي بين أميركا والصين قي
أفريقيا، وفي بحر الصين وبين مجموعات أخرى كمجموعة دول "البريكس[58]"
وغيرها.
5- احتكار الدول
الكبرى لوسائل القوة والتقانة وحرمان الدول الفقيرة منها.
6- التنافس
الشديد بين الدول في صناعة وتطوير الأسلحة والتكنولوجيا والسباق نحو التسلح.
7- الأطماع
الدولية في السيطرة على المواقع الاستراتيجية العالمية كالقرن الأفريقي ومنطقة
البحيرات العظمى ومعظم المضايق في البحار والمحيطات والجزر العالمية لضمان حرية
التجارة وتسهيلا لتحركات الأساطيل البحرية العسكرية.
8- الأطماع
الدولية للسيطرة على الثروات الطبيعية من النفط وغيره من المواد الأولية التي
تستخدم في الصناعة وغيرها من الثروات التي تذخر به القارة الأفريقية.
9- حروب المياه
التي يشهدها العالم ومحاولة الدول الكبرى السيطرة على منابع المياه العذبة في
العالم.
8- أشكال النزاعات
عرف الإنسان
منذ بداية وجوده على سطح الارض أشكالا من الصراع والتناقض، سواء أكان هذا الصراع
بينه وبين بيئته المحيطة أو بينه وبين أبناء جنسه، وكان مطالبا دوما بمجابهة هذه
التحديات والخروج منها بما يحقق مصلحته واستمراره، ثم اصبح مطالبا بما يحقق مصلحة
أسرته ثم قبيلته ثم بلاده، وهذا كله هو ما أصبح يعرف اليوم بالأزمة أو بالنزاعات
المختلفة. ويعتبر علماء النفس والاجتماع
أن النزاع هو كل تنافس بين الأفراد والجماعات في المجتمع، وبناء عليه انقسم النزاع
إلى سلمي وعنيف:
·
النزاع السلمي: يتحقق هذا النزاع من خلال تحقيق المصالح
والمطالب المتعارضة بإستخدام آليات مقسمة الى دساتير وقوانين، تكوين الأسري والعشائري،
نظم التحاكم، والأحكام الدينية، الأعراف والتقاليد، الحوار والمؤتمرات. وتتراوح
هذه الآليات بين كونها غير رسمية وكامنة في العقل الاجتماعية والفردي، وبين كونها
رسمية ومدونة، ومن أمثلة الأخيرة الانتخابات وما يعطيه الدستور من حقوق للأفراد
والجماعات من وسائل للتعبير والمطالبة بالحقوق العامة والخاصة. وتسمى هذه الضوابط
مجتمعة "نطاقات السلام" فتمنع تلك التناقضات من أن تتحول إلى نزاع عنيف
ومدمر[59].
·
النزاع العنفي: يصبح النزاع عنيفا عندما تتخلى الأطراف عن
الوسائل السلمية، وتحاول السيطرة أو تدمير قدرات المخالف لها، وإجباره على
الالتزام بتنفيذ رغباتها وتحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة. وكما ذكر سابقا فإن
النزاع لا يحدث إلا في ظل توفر ظروف موضوعية أو ذاتية محددة، مسببة له. كذلك
"يبرر البعض النزاع العنيف وخصوصا الحرب العالمية الثانية 1939– 1945 كوسيلة
للتخلص من العنف الصارخ الذي نفذه هتلر وألمانيا النازية ضد شعوب ودول أوروبا".
"وفي عصر الأسلحة النووية الحالي وإمكانية حدوث إبادة جماعية نووية، فإن بعضا
ممن أيدوا الحرب العالمية الثانية لا يبررون شن حرب عالمية شاملة بالرغم من
تبريرهم استخدام العنف كوسيلة لتحرير الناس من الأنظمة السلطوية القمعية التي
تمارس القتل والتعذيب وتعمل على الحد من الحريات والحقوق بشكل كبير"[60].
أما وسائل فض النزاعات، فيمكن تقسيمها الى وسائل وقائية ووسائل علاجية.
1) الوسائل
الوقائية: هي التي تمنع حدوث النزاعات (الصراعات) قبل حدوثها. وهي متعلقة بطرح
الرؤى والأفكار الإيجابية، الشمولية والمبادىء التي لا يختلف عليها لإثنان،
كالتأكيد على الإخوة الإنسانية أو الدينية أو الوطنية والحرية السياسية، ونشر
ثقافة السلام وتغليب أفكار اللاعنف واللجوء الى التفاوض والإلتزام بالعهد
والمواثيق والمعاهدات في وثيقة تتضمن إحترام الأطراف كافة، والتأكيد على التعايش
السلمي يبنى على أساس الإعتراف بالآخر والإحترام المتبادل وحفظ الحقوق الإنسانية
والوطنية ونبذ المشاحنات المذهبية الطائفية، وتوحيد المناهج التحليلية الداعية الى
السلاح والمحبة في المدارس الحكومية والأهلية.
2) الوسائل
العلاجية: يمكن اللجوء اليها في حال نشوب النزاعات وتوسعها كتفعيل مبادىء الدعوة
الى التفاوض والصلح واللجوء الى المحاكم والقضاء والتدخل الدولي والإنساني السريع
في حل النزاعات المختلفة، لحماية السكان المدنيين من أثار العمليات العسكرية
والأطراف المتصارعة، على أن لا تؤدي أثار النزاع الى تعريض حياتهم ومستقبلهم
للخطر، وعليه إستخدام قوات الردع في النزاعات المسلحة. مثال ذلك: تشكيل قوات الردع
العربية، بقرار عربي لوقف الإقتتال الداخلي في لبنان، بإستخدام القوة لردع الأطراف
المتنازعة[61].
مثال على ذلك: تشكيل قوات الردع العربية، بقرار القمة العربية لوقف
الإقتتال الداخلي في لبنان، بإستخدام القوة لردع الأطراف المتنازعة.
أ- أبعاد
النزاع العنيف
حدد بعض
الباحثين أبعاد النزاع العنيف في أربعة عناصر يلزم التمعن في كل نزاع لتحديده بدقة
بقصد وضع سياسات منع نشوء النزاع أو التخفيف منه. وهذه العناصر هي:
1- المسائل
الجوهرية (الأصلية)، وتكون في احتدام الجدل بشأن التنافس على الموارد الطبيعية،
السيطرة على الحكم، تحديد صلاحيات الأقاليم والمناطق والإيديولوجيات الحاكمة.
2- الأطراف أو
مجموعات النزاع، سواء أكانت عرقية، أم دينية، أم إقليمية، أم تيارات سياسية.
3- أنواع القوة
المستخدمة وطرق الإكراه، مثل أسلحة الدمار الشامل، الإرهاب، الانقلابات، الإبادة
الجماعية، انتهاك حقوق الإنسان والتطهير العرقي.
4- الفضاء
الجغرافي، حيث تتم المجازر وعمليات التخريب، والنزاعات الدولية والداخلية.
ينشأ النزاع
العنيف من أسباب مركبة تتداخل فيها أبعاد كثيرة للنزاع، وهناك عوامل رئيسية أو
متغيرات ترجح تطور النزاع إلى عنف، أو أنه سينتهي بشكل سلمي.
ب- عوامل
الانتقال بين مستويات السلام والنزاع
تحدد العوامل
الواردة أدناه إجراءات منع النزاعات في مختلف المستويات، وهذه العوامل هي:
1- شدة وحجم
الشكاوى ومواقف التذمر ومحاولة التخفيف من حدتها لمنع تفاقمها ووصولها إلى الأسوأ.
2- مدى إدراك
الأطراف لاختلافاتهم وتطلعاتهم ومواقفهم تجاه بعضهم.
3- حجم التفاعل
المباشر والإتصالات التي تملكها الأطراف في تعاملها مع بعضها البعض.
4- حجم التلاحم
والإلتصاق بين قيادات الأطراف (القوى) والقواعد في الدوائر الإنتخابية.
5- حجم السلوك
العدائي ومحاولات لجمه.
6- المدى الذي
يمكن أن تصل إليه تهديدات الأطراف باستعمال السلاح.
7- عدد الأحزاب
والجماعات في كل طرف من أطراف النزاع.
لإيجاد حل
مناسب أو لتجنب تطور الأزمة إلى نزاع عنيف يجب إحتواء نزاع قائم أو منع آخر كامن
يعتمد على مدى إدراك العوامل والأسباب والظروف المتعلقة بذلك النزاع.
ج- محددات النزاع العنيف والسلام
إن الأسباب التي تؤدي الى السلام قد
تكون نفسها التي تؤدي للنزاع، ولكن هناك إختلاف في التعامل العوامل الأيديولوجية والسياسية، الاقتصادية والاجتماعية، الإثنية والقومية.
وهذه العوامل من الممكن أن تكون أسباباً للعنف أو أسباباً للسلام. وبالتالي يمكن تقسيم
محددات النزاع إلى بنيوية، ووسطية، ومباشرة.
1- عوامل
البنيوية، عوامل تتعلق بظروف المجموعات الأساسية انهيار القيم والتقاليد، والفقر،
والتهميش الديني والإثني التدهور البيئي، والنمو السكاني، وندرة الموارد، والتنافس.
وتظهر نتائج العوامل البنيوية بعد فترة طويلة من التطبيقات.
2- عوامل
الوسيطة،هي عوامل تحول الأوضاع البنيوية إلى ردود أفعال عنيفة، أو إلى سلوك طرق
سلمية للتعامل مع المصالح المتناقضة. كما أن أثرها أكثر مباشرة من العوامل
البنيوية. ومن أٍسبابها: برامج الإصلاح الاقتصادي، السياسات الحكومية، والمنظمات
الإجتماعية، ومشاكل التحرر السياسي، والتسلح.
3- عوامل
المباشرة، هي اعمال واحداث تؤدي بشكل مباشر الى تزعزع الوضع الأمني، التي تشعل
أعمال العنف. ومثال ذلك اتخاذ الحكومة إجراءات متشددة نحو جماعة مضطهدة مما يدفعها
إلى العصيان والتمرد.[62]
د- الواقع العربي في ضوء الواقع القائم
يطرح د. حليم بركات[63] نوعين من الأسئلة حول النزاع ومفهومه وسبل العلاج.
النوع الأول:
يتعلق بطبيعة الانقسامات العربية وتتضمن عددا من الأسئلة: "ما هي الاوضاع
العامة التي تسهم في استمرار الولاءات التي تتعارض مع الانتماء العربي؟ كيف تتكامل
الانقسامات التقليدية وتعمل على ترسيخ بعضها البعض؟ إلى أي حد تشكل الولاءات
العمودية (الطائفية، القبلية، الاثنية والمحلية) أشكالا مقنعة من التمييز الطبقي
وأدوات للإبقاء على النظام السائد؟ كيف يمكن تعزيز الوعي القومي والوعي الطبقي؟ ما
هي طبيعة التناقضات الاجتماعية في المجتمع العربي"؟
النوع
الثاني: يتعلق بطبيعة عملية التحرر والتغيير وتشمل الاسئلة التالية: "ما العمل
في سبيل تحقيق الاندماج الاجتماعي؟ من يتحمل مسؤولية هذه المهمة التاريخية؟ لماذا
فشلت الحركة الوطنية حتى الآن في اظهار
اهتمام حقيقي بقضايا التحرر الاجتماعي بما فيه تحرر المرأة؟ أين يبدأ التغيير وعلى
أي مستوي ومن أجل ماذا ومن قبل من؟ كيف تقوم التحالفات بين الاتجاهات الوطنية
المختلفة وعلى أي أسس؟ ما هي الاستراتيجية المنهجية التي يمكن اعتمادها لتحقيق
الاندماج الاجتماعي والوحدة السياسية "؟
"ويرى
أننا كعرب نواجه فيما يتعلق بمسألة الاندماج الاجتماعي والسياسي اختيارا مصيريا
بين تصورين بديلين للواقع وللمستقبل
العربي، تتوسطهما احتمالات توفيقية يكون بعضها أقرب إلى أحدهما منه إلى
الآخر".[64]
1. التصور
المنطلق من مفهوم الانتماءات الخاصة.
يقوم هذا التصور
بالمحافظة على الوضع التقليدي القائم، أي بمزيد من التجزئة، خلق كيانات أخرى
كأوطان قومية لجماعات طائفية وإثنية.
يتمثل هذا
التصور بالإتجاهات الطائفية الملتزمة بإقامة وتثبيت كيانات وأنظمة تؤمن سيطرة
جماعة دينية على حساب جماعات أخرى ومدعومة من العدو.
ويرى أن يعمل
من ضمن إطار خارجي تآمري تحريضي أو من ضمن اطار محلي يسعى لترسيخ الواقع القائم
المتخلف فيصبح المستقبل استمرارا للماضي والحاضر ونسخة تكرارية شبه متطورة عنه
ويخدم القوى المسيطرة على مقدرات الوطن العربي. وقد يعالج هذا المنظور الازمات، ولكنه
لا يقصد إلى حلها وازالتها بقدر ما يقصد إلى احتوائها ومنعها من تفجير الاوضاع
القائمة.
2. التصور الوطني
التقدمي: يقوم بتحول المجتمع تحولاً جذرياً، باستبدال النظام السائد بنظام جديد،
يؤمن تحقيق الوحدة القومية والعدالة الإجتماعية والمشاركة الديمقراطية والتنمية
الإقتصادية والإدارية.
ويعاني هذا
التصور، "من مشكلات التجزئة القومية، الفقر، الفجوة بين الطبقات الميسورة
والطبقات المحرومة، ومشكلة السلطوية في علاقات الجماعات والأفراد بالمؤسسات
والأنظمة القائمة، ومشكلة الإغتراب المواطن في وطنه".
فالمجتمع
العربي المفكك، شبه الإقطاعي ـ شبه البرجوازي، المتخلف، العاجز تجاه التحديات
التاريخية، الطبقي، المغلوب على أمره والخاضع لقوى استعمارية، السلطوي، الغيبي
يحمل في داخله عوامل فنائه بتحوله إلى مجتمع موحّد في تنوعه، قومي في ولائه، متحرر
تقدمي في منطلقاته، منيع، علماني، ديمقراطي وإشتراكي في مضامينه. (ان تحقيق هذا
الامر ليس سهلا بل صعبا وشاقا ويحتاج لوقت طويل ، لكن صعوبة الشيء لا تعني استحالة
التغلب عليه، ويعني "رفض الواقع
القائم الهزيل اللاإنساني والعمل باتجاه إقامة مجتمع أفضل ")[65].
تنشأ
النزاعات الدولية تقريباً للأسباب ذاتها التي تنشأ عنها نزاعات الأفراد، مع أن نتائج
الأولى أشد خطراً وأعمق أثراً. الوسائل الدولية لإدارة الأزمات متعددة ومتفاوتة
من خلال وسائل ديبلوماسية الحوار، المفاوضات، الوساطة، التوفيق، التحكيم
والمقاضاة، وبينت الإتفاقيات الدولية الكبرى التي أبرمت منذ مؤتمر لاهاي لإقرار
السلام ، الكثير من هذه الوسائل وما يتصل بها من إجراءات وأحكام، فتكللت إتفاقية
لاهاي الأولى سنة 1907 عن الوساطة والمساعي الحميدة والتحقيق والتحكيم، وسرد
النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية كل ما يتصل بالسبل القضائية. وعالجت معاهدة
التحكيم العامة المبرمة في جنيف سنة 1928 موضوع التوفيق، كما تعرضت أيضاً للقضاء
والتحكيم.
ويبدو من ذلك
أن هناك العديد من الوسائل يمكن اللجوء إليها لتسوية النزاعات، فهناك:
أولاً: الحوار
ويعتبر وسيلة
من وسائل الإتصال بين الناس، بحيث يتعاون المتنازعون على معرفة الحقيقة والتوصل
إليها، ليكشف كل طرف منهم ما خفي على صاحبه منها، والسير بطريق الإستدلال الصحيح
للوصول إلى الحق. والحوار مطلب إنساني، تتمثل أهميته باستخدام أساليب الحوار
البناء لإشباع حاجة الإنسان للاندماج في جماعة، والتواصل مع الآخرين، فالحوار يحقق
التوازن بين حاجة الإنسان للاستقلالية، وحاجته للمشاركة والتفاعل مع الآخرين. كما
يعكس الحوار الواقع الحضاري والثقافي للأمم والشعوب، حيث تعلو مرتبته وقيمته وفقاً
للقيمة الإنسانية لهذه الحضارة وتلك. وتعد الندوات واللقاءات والمؤتمرات إحدى
وسائل ممارسة الحوار الفعال، الذي يعالج القضايا والمشكلات التي تواجه الإنسان
المعاصر. والحوار يساعد على عرض الأفكار من قبل الطرفين
والحجج والأدلة على صحة الطريق الذي يمشون به، فهو يدفع الشبهات ويجعل المحاور
قادراً على عرض أسبابه وغاياته وتوضيح الشبهات. يمكن المحاور من دعوة الطرف الآخر
لأمر ما بشكل حضاري وفعّال، حيث إنه يقوم بعرض كل ما لديه بشكل مريح. يمكن للحوار
أن يقرب وجهات النظر، ويزيل الفجوات بين المتحاورين ويبعد التباغض والتناحر فيما
بينهم. إظهار الحقائق، وكشف جميع الأكاذيب والترهات. ينشر المعارف والثقافات،
ويعزز من كمية معلومات المتحاورين حول مواضع معينة[66].
في نزاع اجتماعي أو سياسي يختصم فيه
الطرفان المختلفات في قوة على مصالح متناقضة، فإن للطرف الذي
يعتقد أنه واقعٌ ضحية ظلم موصوف أن يرى أن اختبار قوة وحده أن يتيح له نوالَ
الاعتراف بحقوقه. مع ذلك، تقضي مصلحةُ الطرفين المتواجهَين نفسُها أن يلتقيا في
محاولةٍ للتحادث بهدف التوصل معًا إلى حلٍّ تفاوضيٍّ للخلاف الذي يختصمان عليه.
لذا فإن من حسن التدبير الاستراتيجي، قبل نقل النزاع إلى العلن والشروع في الصراع،
اقتراحُ فتح باب المفاوضات. قد يتفق للخصم أن يتأبى من فوره على أي تفاوُض. أما
إذا قبل عقد لقاء، فينبغي عندئذٍ إبلاغ ممثلي الطرف الخصم بمطالب الحركة، مع تحديد
الهدف المقرَّر بلوغه[67]. وإذا كان ينبغي تجنب أي موقف من شأنه أن يزيد النزاعَ صلابةً من دون جدوى
ويعززَ العوائقَ القائمة، مما قد يزيد من صعوبة أيِّ حلٍّ متاح، فمن المناسب إظهار
أقصى الحزم والإصرار. وما إنْ تشتبك المفاوضاتُ في توازُن قوى متناوئة مقرَّر في
وضوح حتى تجنح هذه المفاوضات إلى التنافس أكثر منها إلى التعاون بكثير. هذا وينبغي
للمفاوضات أن تقوم على أساس معايير موضوعية، وليس على معطيات شخصية، كتأكيد حسن النوايا. إن التعبير عن النية لحل
النزاع ليس كافي بل القراراتِ وحدَها هي التي يمكن لها أن تقدِّم
حلاًّ للنزاع. لذا ينبغي على المتفاوضين أن يجتهدوا معاً في صوغ تسوية من
شأنها أن تلبي مصالح كل طرف كأفضل ما تكون التلبية.[68] التسوية الجيدة هي التي تتيح ألا يكون أحدٌ من أركان الصراع خاسراً، بل أن
يكونوا جميعاً رابحين مع ذلك، فمن النادر التمكن من عقد اتفاق على الفور. فإذا ما
وصلت المفاوضاتُ الأولية إلى طريق مسدود، ينبغي تعليقُها، وليس قطعها نهائياً، بما
أن الهدف من العمل المباشر سيكون استئناف المفاوضات. وقد يكون من المفيد الإبقاء،
بقدر ما يكون ذلك ممكناً، على بعض الاتصالات مع الخصم طوال فترة النزاع. ولعل من
الميسور استدعاء وساطة طرف ثالث. وإلا، فإن بمقدور الصراع وحده إتاحة الفرصة لبلوغ
اتفاق تفاوضي، وإن كان من شأن المفاوضات الأولية هذه أن تتيح للطرفين إمكانية
معرفة أحدهما الآخر معرفةً أفضل وسبر كل منهما لنوايا الآخر. كما ينبغي لهذا الوقت
أن يتيح أيضًا التحضير لاختبار القوة.
ثالثاً: الوساطة
الوسائل البديلة لحل النزاعات او الوساطة، هي مصطلحٌ طوّره الإنسان منذ زمن التجارة الفينيقية، مروراً باليونان القديمة ةالحضارة الرومانية، الى ـن أصبحت اليوم، أداة اساسية تسدي الاسعافات الأولية والأخيرة لشركات تجارية تعاني من مشكلات داخلية وخارجية، وتعمل على إصلاح علاقات العمل والشؤون الشخصية بأداءٍ عملي وإنساني لا يعرفه القضاء أو التحكيم. هي طريقة بديلة ومختلفة لحل النزاع بين طرفين أو أكثر، وبلوغ نتائج ملموسة وواضحة. يكون دور الوسيط أو الطرف الثالث مقتصراً على متابعة الأطراف الأخرى في عملية التفاوض على تسوية أو حل للمشكلة موضوع النزاع، سواء أكانت هذه المشكلة ذات طابع تجاري، أو قانوني، أو ديبلوماسي، أو اجتماعي أو عائلي[69].
رابعاً: التحكيم
يُعرَّف التحكيم بأنه إتفاق أطراف علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية على أن يتم الفصل في المنازعة التي ثارت بينهم بالفعل أو التي يحتمل أن تثور، عن طريق أشخاص يتم إختيارهم كمحكمين، حيث يتولى الأطراف تحديد أشخاص المحكمين أو أن يعهدوا لهيئة تحكيم، أو إحدى هيئات التحكيم الدائمة أن تتولى تنظيم عملية التحكيم وفقاً للقواعد أو اللوائح الخاصة بهذه الهيئات أو المراكز.{70}
ويتجه فريق آخر من الفقه الى تعريف التحكيم بأنه "نظام قضائي خاص، يختار فيه الأطراف قضاتهم، ويعهدون اليهم بمقتضى إتفاق مكتوب، بمهمة تسوية المنازعات التي قد تنشأ أو نشأت بالفعل بينهم بخصوص علاقاتهم التعاقدية أو غير التعاقدية والتي يجوز حسمها بطريق التحكيم، وفقاً لمقتضيات القانون والعدالة وإصدار قرار قضائي ملزم لهم.
فالتحكيم إذن هو عبارة عن وسيلة قانونية أفسح المشرع لها المجال للفصل في المنازعات المتفق على عرضها على التحكيم كنظام موازٍ للقضاء لا يخلو من مزايا، حيث ينتهي إلى حكم يتقيد به الفرقاء ويؤدي الى حسم النزاع الذي شجر بينهم، شأنه في ذلك شأن القضاء ولكن بسرعة ملحوظة وبقدر أقل من الجهد.
والتحكيم قوامه إرادة الأطراف، إذ تهيمن هذه الإرادة على نظام التحكيم بأكمله بدءً من الإتفاق على المبدأ ذاته، مروراً باختيار المحكمين وتحديد عددهم وإختصاصهم، وتحديد الجهة التي تتولى الإشراف على التحكيم وتحديد الإجراءات واجبة التطبيق، والواجب إتباعها لحل النزاع، والقانون الذي يحكم ذلك النزاع، مما يُشعر الأطراف بأنهم يشاركون في عملية التحكيم.
وقد أدى ذلك كله الى تزايد إقبال الأفراد والمؤسسات والشركات على اللجوء الى التحكيم كأسلوب لحل منازعاتهم، خاصة في مجال المعاملات ذات الطابع الدولي، حيث يكون القاضي أجنبي عن كل أو بعض الأطراف، وكذلك شأن القانون الذي يحكم النزاع سواء كان يحكم موضوعه أو إجراءاته [71].
الخلاصة
إن قانون
التناقض يحكم العلاقات بين البشر والطبيعة منذ بداية الوجود والى ما لا نهاية. فقانون
صراع الاضداد، يحدد وجود القوى المتنازعة في الزمان والمكان والى اختلاف مصالحهم
وأهدافهم وأهوائهم يؤدي الى الصراع بينهم. وكذلك قانون النزاعات ، يؤكد إنه تراكم القهر
والظلم والإضطهاد وعدم المساواة، الإستغلال والإحتكار، الذي يؤدي الى الإنتفاض
والثورة، وعليه إنه ينتصر ويحدث عملية تغيير شاملة، يوصل ذلك الى قانون نفي النفي،
إذ أنه تغيير الظروف وتراكم الظلم والقهر والذي
ينجم عنه صراع، يحدث تغييراً جذرياً ينفي وجود الآخر الذي بدوره نفى من
سبقه.
فالنزاع ليس
وليد ساعته، بل نتيجة لتراكم عوامل متعددة، داخلية وخارجية، سياسية، إقتصادية،
إجتماعية، أيدولوجية، ثقافية، نفسية، طائفية وإثنية. وله شكلان سلمي وعنفي، ولديه
جانبان إيجابي وسلبي، عليه أن يدفع أحدهما الى التطور والنهوض والسلام... والسلبي
يمكن أن يؤدي الى الحروب والدمار والكوارث. كما أن النزاع (الصراع) لا يقتصر على الوضع
الداخلي، بل لديه بعداً اقليمياً وآخر دولياً، وكلاهما يؤثران على النزاع الدخلي
سلباً أم إيجاياً. فإذا كان العامل الذاتي الداخلي ضعيفاً وغير قادر على حسم
الأمور لصالحه، يصبح العامل الخارجي عاملاً رئيسياً في الأزمة، يتحكم فيها وفي
مسارها ومستقبلها بما يخدم مصالحه والتي تتعارض مع مصالح الشعوب المتنازعة
داخلياً. فالنزاعات الإقليمية والدولية ناتجة عن أطماع لبسط النفوذ والسيطرة وفي
الموارد والثروات والمواقع الإستراتيجية وفي المعابر البرية والبحرية. كما أن النزاعات والحروب بين الدول حول
التوسع والإكتشافات والسيطرة خصوصاً بعد إكتشاف قارة أميركا الهجرة الغربية إليها
والتي أدت الى إبادة سكانها الأصليين.[72]
بالعودة الى الوضع اللبناني، فإن تعريف النزاع
وأسبابه وأشكاله ومفاهيمه والتدخلات فيه بين الداخل والخارج، والتراكمات التي فاقت
أزماته، والصراع الذي إتخذ طابعاً سلمياً حيناً وعنيفاً حيناً آخر، تنطبق جميعها
على الوضع في لبنان. فتركيبة لبنان الطائفية، والنظام السياسي اللبناني الطائفي
القائم على صيغة 1943 والإمتيازات التي خولها الميثاق لطائفة على حساب الطوائف
الأخرى، والتي نجم عنها عدم مساواة في الحقوق، وتفاوتاً في المسؤوليات والوظائف، وحرماناً
لمناطق فقيرة وتنمية لمناطق على حساب أخرى، والذي زاد في تفاقم الأزمة، وجود فوارق
إقتصادية إجتماعية طبقية بين اللبنانيين ككل، وبينهم وبين النظام اللبناني. حصلت
هذه العوامل اضافة الى عوامل أخرى، العدوان الصهيوني المتكرر على لبنان والوجود
الفلسطيني المسلح فيه، والوجود السوري الهادف في فرض سيطرته ونفوذه في كل مدخل
دولة إقليمية ودولية في الأزمة، زاد صعوبة وتعقيداً، لأن مصالحاه تتضارب في لبنان،
ولدى كل منها علاقات مع فئة أو حزب أو جهة سياسية يقدم لها الدعم والمساندة
المالية والتسليحية، أسهمت جميعها في تأجيج الأزمة وتأخير الوصول الى حلول لها. كما سعت الدول والشعوب التي تعيش أزمات وحروب
داخلية وخارجية الى البحث عن حلول للنزاع، فكانت اقتراحات الحلول والمبادرات
والوسطات والحوار والتحكيم والمقاضاة وسائل لأنهاء النزاع، نجح بعضها وباء بعضها
بالفشل. ويعود ذلك الى أن:" الظاهرة النزاعية شديدة التعقيد، ومهما اجتهد
الفكر في ضبطها وتحديد مدلولاتها فإنه سيبقى عاجزاً وقاصراً أمامها، لأن الأمر
يتعلق بالسلوك البشري الاجتماعي والذي يستحيل وضع قواعد ثابتة له"[73].
الفصل الثاني
النزاعات في لبنان وتأثيراتها
مقدمة
تلازمت
تركيبة لبنان الطائفية منذ تعهدت فرنسا في القرن الثامن عشر حماية الموارنة،
وروسيا حماية الأرثوذكس، وبريطانيا حماية الدروز، في الوقت الذي كانت تخضع فيه
بلاد الشام للسلطنة العثمانية، على رسم خريطة لبنان الطائفية منذ الإستقلال.
فالنزاع في
لبنان مظهراً لتأزم العلاقات الداخلية، سياسياً، إقتصادياً، وإجتماعياً (طبقياً)،
مع نظام قائم على الطائفية السياسية والتوافق الديموغرافي بين طبقة مسيطرة
إقتصادياً ومن جميع الطوائف، شكلت سلطتها السياسية منذ عهد الإستقلال وميثاق 1943
حتى الآن، والتي تضع يدها على مقدرات البلاد ومواردها وثرواتها وتحرم عامة الشعب
منها. وعندما وجدت السلطة أن النزاع مع غالبية الشعب لن يخدم مصالحها ويهدد
وجودها، تمكنت من تجييره لصالحها بإعطائه بعداً طائفياً ومذهبياً بين طبقة لايزيد
عددها عن 3%ـ 5% وأخرى من الطوائف جميعها تشكل ما يزيد على 95%ـ 97%، إتخذ النزاع
شكلا عنيفا بين أبناء الشعب الواحد وأصحاب المصلحة الواحدة في حرب أهلية دامت خمسة
عشر عاماً دمرت البشر والشجر والحجر. ومزقت اللحمة بين أبناء الشعب الواحد. وأحدثت
فصلاً ديموغرافياً، نما وترعرع في أجواء التعبئة والتحريض والشحن الطائفي القائم
على الغبن والحرمان والتقاتل ومن ثم التقسيم
الديموغرافي، وتهميش وإفقار لشرائح واسعة من أبناء الشعب الواحد. جاء ذلك
بعد أن خشيت السلطة من وحدة موقف الشعب من أجل إنجازات ديموقراطية يسعى لتحقيقها.
فحقوقه مهدورة ومصالحه مضيعة وقيمه وثقافته مغيبة، وحق المواطنة لديه مصادر. وأمام
تراكمات القهر والظلم والإستغلال والنهب والفقر والحرمان والتفاوت الإجتماعي بين
أبنائه وبين السلطة من جهة أخرى، وعدم المساواة في الحقوق ومصادرة الحريات، حرية
الرأي والفكر وممارسة السياسة وحق المواطنة...الخ.[74]
وأمام حالة
مد وصعود وطني، وجدت فيه قوى خارجية داعمة للنظام، أن مصالحها مهددة ووجودها بات
في مهب الريح، أوعزت للنظام بتصعيد حملته ضد قوى الشعب الذي تتعارض مصالحه معها
فإتخذ النزاع أبعاده العنيفة. لذا فإن مصادر النزاع الواردة أعلاه تتجسد في الواقع
اللبناني، وهي على الشكل التالي:
·
مصادر نفسية: تعتمد العداء والتسلط.
·
مصادر إيديولوجية: تتمثل في التناقضات
الإيديولوجية والطبقية بين الطبقة المسيطرة والطبقات الشعبية المحرومة.
·
مصادر جيوبولوتيكية: والمتعلقة في السياسة
التي ينتهجها النظام إتجاه الداخل (الارض
والشعب) وإتجاه الخارج.
·
مصادر ديموغرافية، والتي عززت الفصل بين
السكان والمناطق في لبنان.
·
مصادر متعلقة في العلاقة بين النظام وعلاقاته
الدولية، مسارها وتطورها.
·
مصادر متعلقة بالموارد والتي تتحكم فيها السلطة
وتحرم المواطنين منها.
·
مصادر تتعلق بالفقر والتخلف والحرمان
والتبعية وعدم الإستقرار، جميعها موجودة في لبنان.[75]
·
مصادر تتعلق بالنزاعات الطائفية أو المذهبية
/ موجودة في لبنان وعزز دورها النظام الطائفي
القائم فيه.[76]
وباختصار،
فالنزاع في لبنان له وجهان داخلي وخارجي خاصة وله شكلان سلمياً وعنفياً.
الوجه
الداخلي هو صراع طبقي بين طبقة مستغِلة وأخرى مستغلَّة غُلف بغلاف طائفي يخدم
مصالح النظام. وهو سياسي ديموقراطي بين نظام مسيطر إقتصادياً وسياسياً ومستبد،
وجماهير تسعى إلى إنتزاع حقوقها. أما ما يتعلق بالوجه الخارجي فهو نزاع إقليمي
دولي على المصالح والثروات وإستثمارها. فأطماع "إسرائيل" في المياه
اللبنانية قائمة منذ إنتهاء الحرب العالمية الأولى. وكذلك ظهرت أطماعها في السيطرة
على الغاز والنفط في المياه البحرية اللبنانية، والتي لم يتفق أركان السلطة
الطوائفية على كيفية إستثمار الحصص بينهما، فتركت "لإسرائيل" كي تنهب من
هذه الثروة ما تشاء، إضافة إلى أطماعها في الأراضي اللبنانية لتشكل ضمانة أمنية
لحدودها من هجمات المقاومين. فعمدت الى إقامة دويلة مسيحية مجاورة (دويلة لبنان
الجنوبي ـ حداد ولحد) .
كما ان لبنان
الذي تعرض للغزو والعدوان "الإسرائيلي" والأميركي دفع الشعب اللبناني إلى
التصدي والمواجهة والمقاومة، فمارس النزاع العنيف ضد الإحتلال، (حيث أقر القانون
الدولي حق الشعوب المحتلة أراضيها بممارسة أشكال النضال جميعها بما فيها النضال
المسلح).
لم يكن تدخل
الأسطول السادس الأميركي الذي أنزل قوات المارينز في تموز 1958 إلى شواطىء بيروت،
بسبب دعم النظام وحمايته من الخطر الشيوعي حسب "مبدأ أيزنهاور" أو خوف
من ثورة شعبية لديها إمتداداتها الوحدوية العربية، بل لمواجهة الوحدة المصرية
السورية وعلاقاتها بالإتحاد السوفياتي والتي ستهدد مصالح ووجود أميركا في مناطق
نفوذها حسب ادعاءها. ولبنان المجاور لسوريا (إحدى دول الوحدة) سيكون له دور اساسي
في الاستيراتيجية الاميركية، لمواجهة الأخطارالتي
تهددها في المنطقة[77].
شكل لبنان
منبراً للمعارضة العربية في بلدانها، وللأنظمة أيضاً للترويج لإنجازاتها وسياساتها
وتوجهاتها. وكذلك لمواجهة الخلافات بين نظام عربي وآخر، إعلامي وسياسي وحتى أمني ومخابراتي.
لذا فإن التركيبة المعقدة للواقع السياسي الإقتصادي الإجتماعي في لبنان، صعبت
إمكانية إيجاد حل جذري لأزماته. لأن التدخلات والتداخلات العربية، الاقليمية
والدولية موجودة فيه، وكل منها له علاقاته مع قوى محلية ولديه مصالحه، ولن تتمكن
أي من هذه الأطراف حسم الأمور لصالحها. فالمنطق الطبيعي هو إيجاد صيغة توفيقية
وتوافقية للحل. وكان اتفاق الطائف الصيغة الملائمة والمنسجمة مع الواقع اللبناني،
(صيغة اللاغالب واللامغلوب).
إن لبنان
الإنفتاح وحرية الصحافة والإعلام والسياحة والخدمات، سهلت الدخول والخروج منه
وإليه فساعد ذلك على الإقامة فيه وانعكس ذلك سلباً وإيجاباً عليه في الوقت ذاته .
وإن إلتزام
لبنان القومي بالقضايا العربية وخصوصاً قضية فلسطين. وما نجم عنه من عدوان
"اسرائيلي" وحشي وتدمير منهجي للبنى التحتية ، قتل وتشريد وتهجير
وإحتلال، أدى إلى نزاع داخلي وخارجي فيه.
لبنان
الأحزاب الوطنية التي إجترت ذاتها وتنازلت
عن أهدافها في الوحدة والحرية
والديموقراطية والتغيير، أصبح طموح أي حزب فيها يتمثل في وصول بعض أعضائه إلى
الندوة البرلمانية، متناسية تركيبة النظام السياسي الإقتصادي الإجتماعي (الطبقية)
وضرورة تغييره، فكيف بالتعامل معه؟
لبنان الذي
قيل عنه أنه "ملاذ المحرومين في أرضهم والمحرومين من أرضهم". لبنان الذي
قلب معادلة "قوة لبنان في ضعفه"، ليصبح قوة لبنان في وحدة شعبه وجيشه
ومقاومته، هزم العدو وأرغم على الإندحار. ألا تؤدي هذه العوامل جميعها إلى اندلاع
النزاع بأشكاله وأنواعه ومصادره.
1- لمحة تاريخية عن
النزاعات اللبنانية الداخلية
إن الهدف الأساسي من دراسة الوقائع الميدانية
للحرب الأهلية اللبنانية هو البحث والتّعمق في مشاكل الحرب والسلام. فإرادة السلام
لا تصنع وحدها السلام بل تحتاج إلى معرفة آلية الحرب وميكانيكياتها لتقوّي مناعة
المجتمع ضد مخاطرها ومجابهة دورتها.
إذا كان الميثاق الوطني قد انطلق في عام 1943 من
نفيين (نفي المسلمين الطّموح إلى الوحدة مع سوريا ونفي المسيحيين لطلب الحماية
الأجنبية)، فإن مقولة جورج نقاش "إن سلبيّتين لا تصنعان أمةّ" كانت
صحيحة إلى أبعد الحدود. والميثاق الذي اعتبر في ظل النفيين أن لبنان ذو وجه عربي،
من دون البحث في محتوى القلب، فإن هذا الميثاق سرعان ما وجد نفسه عرضة للإهتزاز
وصولاً إلى التّصدع من أول اضطّراب في نبضات القلب العربي الذي ظن دعاة التسوية
اللبنانية أنهم سيكونون بعيدين عنه.
وإذا كان لقاء رياض الصلح وبشارة الخوري،
وتفاهمهما في لقاءات عالية، قد أرسيا أسس الصيغة[78]. فرياض
الصلح لم يخف بعض أسباب ارتباكه عن المقربين منه في عام 1949 حين رد أسباب هذا
الإرتباك والكآبة إلى تبدل أحوال وتصرفات شريكه بشارة الخوري أثناء نكبة فلسطين[79].
لقد شعر رياض الصلح ببداية تبدّل في سلوك
بشارة الخوري منذ نكبة فلسطين، وظهور العرب بمظهر الضّعيف العاجز عن استرداد
الأراضي العربية.
يعتقد أن قوة
العرب في حصن حصين، خصوصاً مع تراجع مرحلة الإنتداب في المنطقة. لكن، أما وقد ثبت
ضعف العرب في رد عصبة من اليهود الذين انتشروا في فلسطين، فقد شهدت صيغة السلطة في
لبنان أول اهتزازاتها بعد أقل من ست سنوات على الإستقلال.
وإذا كان
رياض الصلح قد انتابته الكآبة من جراء تبدل تصرفات بشارة الخوري، فإن لبنان قد دخل
في كل مخططاته التي واجهها في أزمات كئيبة ومأساوية في آن، خفّت وقويت بفعل
الأزمات الاهتزازية التي ضربت فالق البحر الأحمر. لقد دلّت التجارب، عملياً، على
أن التحولات الكبرى في الداخل اللبناني ترافقت مع تحولات في المنطقة المحيطة على
قاعدة الصّراع مع القوى الغربية الوافدة إلينا.
ففي القرن التاسع عشر كان المشروع الغربي
الأوروبي يطمح إلى إحداث مرتكزات في المنطقة، أي في جسم السلطنة العثمانية،
تمهيداً للسيطرة وإعادة إقتسام الإمبراطورية المتداعية. وفي هذا، تقاطعت التّطورات
والتحولات الداخلية الإقتصادية والإجتماعية مع مشاريع القوى الوافدة، ما أدى إلى
أول صدام داخلي، وقد أسست فيه القوى الغربية مواطىء أقدام لنفوذها في لبنان،
بالتّرافق مع إرساء أول معادلة داخلية مبنيّة على التوازن والمحاصصة الطائفية
والمذهبية، وفي هذا السياق فإن انخراط الأطراف الداخلية في التماهي مع مشاريع
الأطراف الخارجية لعب الدور الأساسي في تعرّض المجتمع اللبناني للهزّات الدامية
الكبرى. وفي اللحظة التي وقف فيها الطرف الحاكم مع مشروع القوى الخارجية، في
مواجهة القوى المسيطرة إقليمياً كانت النتيجة إهتزاز صيغة التعايش في لبنان.
هذه المرحلة من الصراع إنتهت إلى تعزيز مواقع
قوى على حساب أخرى، ما أوجد أساساً متيناً لإستمرار الصراع على هذه القاعدة التى
أمست عاملاً قوياً في المجتمع اللبناني. أي أن نفوذ ومواقع الطوائف قابلة للتّبدل
صعوداً وهبوطاً على قاعدة الإنخراط في مشاريع القوى الخارجية.
إلا أن اللافت هو أن لبنان، الذي تلقى صدمات
قوية في القرن التاسع عشر أثرت في بنيته الداخلية، في مرحلة تفكك السلطة
العثمانية، عاد فتلقّى في القرن العشرين صدمات مماثلة، وصولاً إلى إنفجار الحرب
الأهلية في مرحلة تراجع المشروع العربي الذي تشكل في مواجهة إسرائيل.
ففي القرن التاسع عشر، دفع مجتمع جبل لبنان
ثمن تراجع نفوذ السلطنة العثمانية، وفي القرن العشرين عاد لبنان مسرحاً للصراع مع
فشل الأنظمة القطرية العربية في التصدي للمشروع "الإسرائيلي"– الغربي في
فلسطين. فالأنظمة العربية المهزومة عام 1967، وجدت أنها عاجزة عن تلبية طموح
الجماهير العربية، ما سمح للمقاومة الفلسطينية باستخدام لبنان بعد الأردن منطلقاً
أساسياً لإستكمال الصراع العربي – الإسرائيلي، في حين عجزت القوى اللبنانية عن
إيجاد حد أدنى من التماسك والإئتلاف لمواجهة المتغيرات المحيطة، فانخرطت في صراع
أعاد تهديد أسس الكيان.
هل كان ممكناً إستدراك ما جرى، أم أنّ منطق
الصراع في لبنان لا يحث على الإستدراك بل على الإندفاع، دائماً، نحو الهاوية؟
لو استجابت الميليشيات والسلطة الحاكمة
للأصوات المطالبة بإعادة النظر في صيغة الحكم، وإعادة توزيع الثروة الوطنية، ربما
كان وقع الأزمة أخف وطأة على لبنان؛ إذ إن الأزمة كانت واقعة، من دون ريب، بفعل
التداعي العربي، لكن تفاقمها واشتدادها كانا بسبب تجاوب الأطراف الداخلية مع
المشاريع الخارجية في منطقة تضج بالحرب ومحاولات التسوية.[80]
إن ما يتّسم به لبنان في تجربته بين القرن
التاسع عشر والقرن العشرين هو أن قواه الداخلية عجزت عن اتخاذ قرار وقف المحنة
وإعادة صياغة معادلة العيش الجديد.
في عام 1860، لم يتوقف القتال والتّناحر إلا
بعد تدخل دولي إقليمي أفضى إلى نظام المتصرفية، وفي القرن العشرين لم يتوقف القتال
إلا بعد تدخل عربي – دولي أفضى إلى إتفاق الطائف. كل ما في الأمر أن اللبنانيين
تقدموا خطوة إلى الأمام على أساس أنّ الأفكار الإصلاحية التي أُدخلت على النظام
السياسي كانت مدار نقاش بين القوى الداخلية أو بينها وبين قوى إقليمية ودولية. لكن
قرار الإتفاق إتخذته الدول العربية بالتوافق مع الولايات المتحدة ودعمته باقي
الدول الغربية بعد أن تحولت الحرب اللبنانية عبئاً عليهم بعد أن كانت متنفّساً
لهم.
فرعاية إتفاق إنهاء الحرب كانت رعاية عربية
بموافقة ودعم دوليين. ولو ترك الأمر للقوى الداخلية لاستمرت الحرب إلى ما شاء
الله. وكما كانت صيغة التفاهم الداخلي عام 1943، وهي التي عرفت بالميثاق الوطني
بين المسيحيين والمسلمين، حصيلة لموافقة عربية، فإن الخطوط العامة والتفصيلية
لإتفاق الطائف ما كانت لتتم لو لم توافق عليها الدول العربية المعنية وخصوصاً
سوريا والسعودية[81].
إن لبنان، بنخبه السياسية والثقافية، يكاد
يكون بعيداً كل البعد عن معادلة "التراكم الكمي الذي يؤدي إلى تغير نوعي"؛
فحتى الآن لم يتوصل اللبنانيون إلى محاولة التساؤل: لماذا كانت الحرب الأهلية؟ وما
هي الدروس والعبر التي استخلصت منها؟ بل إن الأدهى والأمرّ هو أن لكل طرف إجتهاده
ورؤيته البعيدة عن رؤية الآخر لمواجهة المستقبل.
والأكثر خطورة، في الحصيلة، أن لبنان، بقواه
الداخلية، يبدو على إستعداد للعودة إلى الإنخراط في التجارب الدامية السابقة إذا
توفرت الظروف المناسبة لذلك.
2- أسباب النزاعات في
لبنان وأشكالها
إذا كان ميشال شيحا قد صاغ وصيته الشهيرة بعد
طول تبصّر: "لبنان بلد يجدر بتقاليده أن تحميه من "القوة"، أو
"العنف" بحسب ترجمة فؤاد كنعان[82]،
فإن الرئيس شارل حلو يروي في كتابه حياة في ذكريات[83]،
أنه كان دائماً يزور شيحا في منزله أو مكتبه للنقاش في آخر الأفكار والمواضيع
المطروحة. وفي إحدى الزيارات التي كان يرافقه فيها بيار الجميل، الذي كان قد باشر
بتأسيس حزب الكتائب، وصل النقاش إلى حدود العودة إلى استعادة محاضر إجتماعات
مندوبي الدول الكبرى التي شاركت في صياغة "النظام الأساسي" للبنان إثر
فتنة عام 1860، وبحسب رواية الرئيس شارل الحلو، فإن الأمر تطلب نقاشاً تفصيلياً
لبنود "النظام الأساسي"، ما تطلب العودة إلى محاضر الإجتماعات والمواقف
التي أوصلت إلى صياغة بنود هذه التسوية.
بمعنى آخر، فإن شيحا، الذي اعتبر، من أبرز
المنظرين للفكرة اللبنانية في التاريخ الحديث، إنطلق في أسس نظريته عن لبنان، من
محاضر نقاشات ممثلي الدول الذين صاغوا التّسوية التّاريخية التي انتظمت من خلالها
فكرة لبنان الصغير، والتي عادت وأسست لبنان الكبير.
وإذا كان ميشال شيحا هو أحد المساهمين في
صياغة دستور الجمهورية الأولى عام 1926 فإنه أيضاً كان صاحب نظرية العيش وفق
"سوء تفاهم مرتضى" بين اللبنانيين[84].
مما لا شك فيه أن شيحا الذي ابتكر هاتين
العبارتين المكثّفتين قد أصاب قلب الحقيقة اللبنانية؛ إذ إن العودة إلى تفاصيل
وقائع الفتنة والتسوية في جبل لبنان في القرن التاسع عشر، يفترض أن تدفع إلى هذا
التكثيف المثالي لجوهر المسألة في لبنان وهي أنه "يجدر بالتقاليد" أن
تحمي لبنان من "القوة" أو "العنف"، وفي هذا المجال يروى عن
الرئيس الراحل إلياس سركيس أنه كان يسأل دائماً حين تصله تفاصيل الأخبار الأمنية
"هل حدث شيء في الجبل؟". إذ إن سركيس كان يعتبر أنه ما دام العنف خارج
نطاق الجبل الدرزي ـ الماروني، فإن بالإمكان تسوية الأمر بسهولة. أما إذا بدأ
الأمر بضربة كف في الجبل فإنه قد لا ينتهي، إذ إن التجارب المتعددة في لبنان أثبتت
أن العنف إذا ما إنطلق من جبل لبنان فإنه سيطيح بكل شيء. وكان الرئيس سركيس قد أتم
ولايته في رئاسة الجمهورية ودورة العنف لم تندلع بعد في جبل لبنان، وإن كانت
معالمها قد بدأت تتحضّر إبان الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. وقد تكون
الخلاصة التي وصل إليها شيحا بخصوص العنف والقوة في لبنان هي الخلاصة ذاتها التي
استند إليها الشهابي، إبن الشبانية في جبل لبنان، إلياس سركيس[85].
في المحصلة
فإن توصية ميشال شيحا بصيانة لبنان عبر تقاليده لكي تحميه من العنف فإنها لا شك
ملازمة للمعادلة الثانية التي اعتبرت أن العيش في لبنان يجب أن يكون بموجب
"سوء تفاهم مرتضى" أي وفق تسوية دائمة ومفترضة.
لكن السؤال الذي يطرح ذاته بعد كل هذا العرض
هو: هل نجحت التقاليد في صيانة لبنان من "العنف" أو "القوة"؟
وما هي النتيجة التي حصدها اللبنانيون حين تجاوزوا "سوء التفاهم
المرتضى" بحسب العبارة الآسرة لميشال شيحا؟
إن التقاليد التي يجدر أن تحمي لبنان من العنف
أو القوة، هي ذاتها الأسس التي تدفع، وقد دفعت اللبنانيين بالفعل، للعيش دوماً
بموجب سوء تفاهم مرتضى. في المحصّلة هي الأسس التي إستندت إليها التسوية الداخلية
عام 1943، وعرفت بالميثاق الوطني. وإذا كان التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل مأساوي أو
كاريكاتوري، فإن التاريخ اللبناني منذ القرن التاسع عشر قد يكون وقع في هذه
المأساوية أو تلك الكاريكاتورية.
كانت الشرارة الأولى للفتنة عام 1840 في
إنحياز الأمير بشير الشهابي إلى "القوة الوافدة" عبر الجيش المصري في
مواجهة "القوة الحاضرة" أي الوالي العثماني في دمشق، فدفع جبل لبنان
وسكانه الثمن عبر حروب متتالية.
لم يستطع سكان جبل لبنان إبتداع التسوية،
فكانت تسوية مسقطة من فوق عبر "النظام الأساسي" عام 1864. ودار الزمن
دورته حتى أربعينيات القرن العشرين، فكانت المرة الأولى التي تلتقط النخبة
اللبنانية الفرصة للبحث عن تسوية داخلية ما كانت لتتم لو لم تتواءم مع مصالح "القوة
الوافدة" (الإنتداب الإنكليزي الذي لعب دوراً عبر الجنرال سبيرز في مواجهة
الإنتداب الفرنسي) وبالتوافق مع "القوة الحاضرة" (القيادات السياسية في
دمشق والقاهرة).
إن شروط نجاح التسوية الحديثة عام 1943 تمثلت
بالتقاط قلّة من اللبنانيين شروط النجاح عبر الإستفادة من تقاطع المصالح الدولية ـ
العربية في تلك اللحظة، فكان الإستقلال والميثاق، وبالتالي باقي أسسه. في هذه
اللحظة كان حسن إستغلال تقاطع "القوة الوافدة" مع رغبات "القوة
الحاضرة" أو الكامنة، عاملا أساسياً في التفاهم الداخلي اللبناني، على العكس
تماما من تجربة القرن التاسع عشر. وعلى الرغم من ذلك لم يثبت لبنان أنه على الدوام
"مسألة داخل" بل كان محصلة لتقاطع إيجابي أو سلبي بين الداخل والخارج.
تم إختيار رئيس الجمهورية الأول للبنان
"بشارة الخوري" بعد أن إطمأنت إليه النخبة العربية بالتوافق مع القوة
الدولية المؤثرة[86].
كما أن اختيار الرئيس الثاني للبنان أي كميل شمعون، تم بعد موافقة الرئيس السوري
وبدعم من بريطانيا[87].
كما أن انتخاب رئيس الجمهورية الثالث، أي فؤاد شهاب، تم بعد الإتفاق الشهير بين
مورفي الموفد الأميركي، والرئيس المصري جمال عبد الناصر[88].
وإذا كانت الشهابية قد فشلت في إعادة التجديد لفؤاد شهاب على أسس متينة، فإن
إستقرار علاقتها العربية أتاح الفرصة لانتخاب رئيس يحظى بدعمها، هو شارل حلو.
عام 1970 كانت سوريا ترغب في وصول سليمان
فرنجية، وكذلك المقاومة الفلسطينية التي باتت قوة مؤثرة في لبنان إثر هزيمة عام
1967. وفيما لم تمانع الولايات المتحدة، ساند الإتحاد السوفياتي وصول فرنجية لمنع
عودة الشهابين إلى الرئاسة الأولى. وهكذا كان انتخاب أي رئيس للبنان الحديث يسلك
طريقه عبر تقاطع عربي – دولي. وكان الإستقرار نتيجة هذا التقاطع شأنه الإهتزاز
والأزمات، وشرط الأزمات في لبنان حديثاً، كشرطها في الماضي، هو السياسة الخارجية.
لقد وقف بشير الشهابي إلى جانب الوافد المصري في مواجهة الوالي العثماني في دمشق
فكانت الفتنة، وقد عاد كميل شمعون إلى تكرار التجربة فكانت ثورة 1958.
في المرحلة الأولى من الإستقلال عام 1943
إعتقد رجلا الإستقلال أن الوفاق الوطني يتحقق عن طريق توزيع الوظائف بين العائلات
النافذة المسيحية والإسلامية التي كان تأثيرها السياسي في مناطقها كبيراً. ومن بين
وسائل كسب أكبر عدد من العائلات الإقطاعية أو ذات النفوذ السياسي، كان تعيين
المرشح الساقط في الإنتخابات اللبنانية أو المنسحب منها، في وظيفة إدارية عالية
أسلوباً متبعا، مما أفسح المجال لتكوّن أحلاف إنطلاقا من الإدارة السياسية عن طريق
العائلات السياسية. إن توزيع الوظائف بين الطوائف والعائلات كان يعتبر الحجر
الأساسي في نظام الإدارة اللبنانية. فمن عام 1943 حتى عام 1959 كان هذا التوزيع
يتم بصورة طبيعية وعفوية، بخاصة أن الإدارة اللبنانية لم تكن قد إرتكزت بعد على
أسس حديثة. فرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء كانوا يعينون، من دون الإرتكاز
على قوانين إدارية أو عبر المرور بأجهزة إدارية ضابطة، لأقاربهم وأصدقائهم
وأزلامهم في الإدارات العامة. وكان المديرون العامون من بعدهم يقولون بهذا المبدأ.
فكانت سياسة التّوظيف تستهدف، أكثر ما تستهدف، في السنوات الأولى للإستقلال كسب
أكبر عدد من أبناء الطبقة البرجوازية المسيحية والإسلامية إلى فكرة الإستقلال
الممزوجة بفكرة الولاء الشّخصي لرجال الإستقلال.
أما الظاهرة الثانية في توزيع الوظائف فكانت
تستند إلى التّوزيع الطائفي عبر إحتفاظ الموارنة والسنة بحصّة في الوظائف الإدارية
على حساب الطوائف الأخرى[89].
بمعنى آخر، فإن التركيبة الداخلية الإدارية والوظيفية للدولة كانت نتيجة متوارثة
للعادات والتقاليد القديمة الموروثة إما عن نظام المتصرفية أو عن نظام الوصاية
العثماني؛ ما أفقد لبنان فرصة الإطلاق المؤسساتي والمدني.
وإذا كانت نهايات القرن التاسع عشر قد أفضت،
عبر نظام المتصرفية، إلى تراجع دور الدروز الأساسي، فإنها بالمقابل أعطت دفعاً
قويا لنمو الطّائفة المارونية بمثقّفيها الموظفين في إدارة المتصرفية تحت الرعاية
الفرنسية وعبر الإرساليات الأجنبية ورجال الإقتصاد فيها، وعبر نمو مصانع حل شرانق
الحرير، وسط تقدم واضح لسيطرة الكنيسة الإقتصادية والسياسية. إن هذه الفترة أتاحت
نمواً مضاعفاً لنخب الطائفة المارونية الثقافية والإقتصادية والروحية، فيما تراجع
الدروز إلى آخر السلم[90].
وما إن انتهى القرن التاسع عشر حتى أصبحت النخب
الجديدة في مواجهة محيط مديني آخر كان خارج الصراع. إن لبنان الكبير حمل إلى
المواجهة الجديدة كل تلك العناصر المدينية الإسلامية التي كانت تأمل الإنضمام إلى
دولة، أو مملكة، فيصل العربية (سكان الساحل والأقضية الأربعة).
كان لتراجع حرب العصابات في الجنوب والبقاع، وانتهاء
الثورة السورية الكبرى دور أساسي في تهميش نخب لحساب أخرى، وأصبحت الساحة حكراً
على الفئات الجديدة القادمة من جبل لبنان المتصرفية وتجار المدن الساحلية
ومثقفيها، الذين تركوا الولاء للسلطان العثماني وأقفلت عليهم الأبواب في دولة
لبنان الكبير (الموارنة والسنة)، فكان اللقاء على صيغة الميثاق الوطني الذي بقي
يفتقر إلى أسس الدولة الحديثة ويحمل ويراكم سلبياته من عهد إلى عهد؛ وليس أدل على
ذلك من أن رئيس الجمهورية الأول للبنان بشارة الخوري قد عمل للتجديد لنفسه، ولم
يترك الرئاسة إلا بضغط من الشارع.
وإذا كان الرئيس كميل شمعون قد جرّ لبنان إلى
الأزمة الأولى عام 1958، بسبب إنحراف سياسته الخارجية، فإن إعادة لم الشمل الداخلي
لم تنتظم إلا عبر إعادة صياغة سياسة خارجية متوازنة عربياً، بل أكثر من ذلك،
مسايرة للعرب وتحديداً لعبد الناصر. لكن إنحدار لبنان نحو الأزمة مجدداً لم يكن
إلا بعد رفض النخبة المارونية السياسية والروحية في العمق سياسة الإصلاح الداخلي
التي اتبعها شهاب، مضافاً إلى ذلك رفضا لسياسته العربية.
تقاطعت أمور ومعطيات كثيرة عند إندلاع الحرب
الأهلية. فقد طالب المسلمون بالإصلاح الداخلي تحت شعار المشاركة، فأقفل النظام على
نفسه رافضا التغيير أو الإصلاح. فانحاز المسلمون إلى المقاومة الفلسطينية تحت شعار
حرية العمل الفدائي ضاربين عرض الحائط بأحد أسس الميثاق الوطني، فتنصل الطرفان من
التزاماتهما الداخلية تجاه الصيغة التي ارتضوها، ولم يكن ذلك ممكناً دون تراجع
التوافق العربي الذي صار بعد عام 1967 عجزاً وتناحراً في لبنان، فكانت السيول
العربية الجارفة تجتاح سهول لبنان من دون ممانعة تذكر؛ فتقاطع الغليان الداخلي مع
التّخلي العربي الرسمي عن مواجهة "إسرائيل" عبر الحدود والجيوش، فأصبح
لبنان مقراً ومستقراً للقوى المناضلة من أجل التغيير والتحرير.
هنا تطرح الأسئلة نفسها: هل كانت الحرب الأهلية
ممكنة لو لم يتراجع الدور العربي الرسمي المواجه "لإسرائيل"؟ هل كانت
الحرب الأهلية ممكنة لو إتفق المسيحيون والمسلمون على رفض المقاومة الفلسطينية
إنطلاقاً من لبنان؟ وهل كانت الحرب الأهلية ممكنة لو أن النظام فتح أبوابه على
التعديل والإصلاح لإستيعاب كل حركات الإعتراض الداخلية؟
في عام 1975 كانت كل هذه الأسئلة قد تقاطعت مع
أجوبة رافضة؛ فالدول العربية تركت مواجهة المقاومة الفلسطينية تأخذ مداها الأوسع
في لبنان، وبعيداًعن حدودها المقفلة أمام العمل الفدائي، وأركان النظام اللبناني
تمسكوا بآخر رفض للتغيير أو الإصلاح، فيما انجرف القادة المسلمون مع رغبات العامة
في الشارع نحو الحرب.
وإذا كان ميشال شيحا قد اعتبر أن من واجب
التّقاليد صيانة لبنان من العنف فإن كل ما فعلته التقاليد هو دفعه نحو العنف
والقوة، وفي لحظة حاسمة قرّر الطرفان التخلي عن "سوء التفاهم المرتضى"
والعيش بمقتضاه إلى اختيار "سوء التفاهم لا غير"[91].
3-المقومات التي أدت الى الحرب الأهلية في لبنان
لم يتطرق
البيان إلى الإصلاحات السياسية التي تضمنها البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي الذي
أعلنه كمال جنبلاط في 18/8/1975، خصوصاً بعد مرور أربعة أشهر على إغتياله، مما
يدفعهم للتمسك أكثر وبقوة أكبر في برنامج الإصلاح الديمقراطي، علماً أنه تم
الإعلان عنه بمشاركة رؤساء الأحزاب الوطنية والتقدمية اللبنانية أو من يمثلهم، ولم
يتطرق إلى وجود المقاومة الفلسطينية ودعمها وإحتضانها والدفاع عنها في لبنان.
جاءت ردود
الجبهة اللبنانية بأن طالبت بإعتماد تعددية المجتمع في البنيان السياسي الجديد
للبنان الموحد. وأن ترعى كل مجموعة حضارية جميع شؤونها الثقافية والتربوية
والروحية والمالية والعدالة المجتمعية وعلاقاتها مع الخارج وفقاً لخياراتها
الخاصة.
"عمدت
الجبهة إلى وضع اللمسات على الكانتون المسيحي، بتعيين لجان لدرس ووضع مشاريع
التشريعات اللازمة في شؤون الجنسية والمطبوعات والأحزاب والأحوال الشخصية والوجود
الأجنبي وتملك الأجانب. وترسيم حدود الكانتون من المدفون شمالاً حتى كفرشيما
جنوباً"[92].
ورفضت الجبهة
اللبنانية أي إصلاح سياسي للنظام في ظل الإحتلالات الموجودة على أراضيه. وقالت أن
إلغاء الطائفية السياسية، هو محاولة مبطّنة لإحلال حكم الطائفية الواحدة وإمساكها
بالسلطة، ما يعني إلغاء المجتمع المسيحي.
وطالبت
"بالتعددية الحضارية" و"الديمقراطية التعددية"،
و"الطائفية"، و"الديمقراطية التوافقية"، وهذا يعتبر دعوة إلى
"الفيدرالية" بإعتبارها "الدواء الوحيد ضد التقسيم".
واعتبرت
الوجود الفلسطيني عاملاً أحادياً مسبباً لحرب لبنان، وطالبت بترحيله لإحداث توازن
عسكري وديمغرافي بين المسلمين والمسيحيين[93].
قابل رفض
الجبهة رفضا آخر من القوى الوطنية والتقدمية. وأمام حالة رفض التأكيد على عروبة
لبنان وهويته، ووجود قوات الردع العربية، طالبت الجبهة بقوات أجنبية إضافة إلى
قوات الردع العربية، لتشكل ضماناً لحماية المسيحيين، ولم ترالأحزاب والمليشيات المسيحية
اللبنانية غضاضة في تدخل "إسرائيل" في لبنان وإقامة علاقات تعاون معها
وطلب الحماية منها في مواجهة القوات السورية والفلسطينية وإقامة حزام أمني في
الجنوب اللبناني بعد اجتياح لبنان في آذار 1978، بل خطوة إيجابية عملوا على
تطويرها، ما أدى إلى تفاقم النزاع العنيف بشكل كبير.
ولم يرض اليمين المسيحي بزعامة الجبهة اللبنانية
بمشاريع الحلول السياسية المطروحة للأزمة لأنه يرفض أي بحث في الامتيازات المارونية.
كما يرفض تطبيق أي إصلاحات قبل التخلص من المقاومة الفلسطينية وتوزيع الفلسطينيين
على الدول العربية، ويرفض فك تحالفه مع إسرائيل. كما رفضها بشير الجميل أيضاً،
لأنه كان يعمل من أجل تأمين هيمنة لا منازع عليها لطائفته المارونية، ويطمح للوصول
لرئاسة الجمهورية بدعم إسرائيلي[94].
لم تكن
الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية اللبنانية قادرة على الفعل الثوري وإحداث عملية
التغيير في وضع النظام اللبناني، لأنه ليس لديها برنامج تحدد فيه أهدافها الاستراتيجية
البعيدة. والتي تقوم على إلغاء الطائفية السياسية في مؤسسات الدولة وأجهزتها
ووظائفها. وتحقيق الوحدة القومية والعدالة الاجتماعية والتنمية في المجالات
السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإدارية. والقضاء على الفقر والتخلف والبطالة،
وتوفير فرص العمل للمواطنين وتأمين التطبيب والتعليم المجاني وتوفير السكن والنقل
وتخفيض الأسعار...الخ. وكذلك مواجهة هيمنة وتسلط النظام القائم، والعمل لمواجهة
الإحتلال والسيطرة الاستعمارية والصهيونية.
كما لم تطرح
برنامجاً مرحلياً، أي ما يمكن إنجازه خلال فترة زمنية محددة، تعرف فيها موازين
القوى وإتجاهات ميلها ولمصلحة من. إضافة إلى برنامج مهام عمل يومي (مهام مباشرة)
تحدد سير العمل وكيفية التعاطي مع الأحداث اليومية وتطوراتها وطبيعة القوى
المشاركة معها وتنظيم العلاقة فيما بينها. ولأنها لم تكن بمستوى الطموحات التي
يمكن أن تعول عليها، إنجرت وراء من يقودها. فكانت تسلم قيادتها أحياناً إلى كمال
جنبلاط وأخرى إلى قيادة المقاومة الفلسطينية، ورهنت مواقفها في أحيان كثيرة لمن
يدعمها ويمولها. إلا إن قمة التردي هو إنجرارها وراء عفوية الشعب التي تسبق أي عمل
منظم، فبدلا من أن تسايره وتسير معه ومن ثم تلتف عليه فتقوده وتوجه نضالاته وتحدد
الأهداف التي ينبغي الوصول إليها. كانت تلهث وراءه، دون أن يكون لها دور أو
تأثيرفيه، وفعل ممكن أن يحسب لها، ودور بحجم التضحيات التي قدمتها. فبقيت ملحقة
بعفوية الشعب وتابعة له، ولم يكن لها دور فاعل ومؤثر سياسيا في الاحداث وفرض مواقفها
فيها، فتكرس الواقع كما كان عليه دون أي تغيير يذكر.
إستمرت
الأحداث تراوح مكانها، على مبدأ "لا غالب ولا مغلوب" بإستثناء الخسائر
التي كانت تصيب المواطنين من كلا الطرفين الذين "ليس لهم في العير ولا في
النفير". "وحتى في المؤتمرات، جنيف أو لوزان أو الطائف، لم يكن للأحزاب
المتنازعة من الطرفين والفاعلة في الأحداث أي مشاركة فيها، واقتصر التمثيل على من
عايشوا مرحلة الاستقلال وصيغة 1943 وحكموا البلاد خلال تلك المرحلة بكل ما فيها من
إيجابيات وسلبيات، وبالتالي لا يمكن أن يتصوروا قيام شيء جديد في لبنان يتعارض مع ما
أقاموه، لذا فإن النزاع بأشكاله المتعددة ينطبق على الوضع في لبنان. فالصراع
الطبقي، موجود . الصراع مع العدو القومي "إسرائيل" موجود. الصراع
الديمقراطي مع السلطة، موجود. الصراع الطائفي، موجود. الصراع على مناطق النفوذ، موجود. الصراع على المكاسب
والإمتيازات، موجود. الصراع من أجل التحكم والسيطرة والإستئثار بالسلطة، موجود.
الصراع حول القيم الثقافية والأخلاق والعادات والتقاليد، موجود. الصراعات الحزبية
والمناطقية، موجود. فإذا كان مجمل هذه الأسباب موجودة، ما يعني أن المشكلة كبيرة
ومعقدة، وحلولها صعبة ومتشابكة وتحتاج لوقت طويل، وبدون إيجاد حل جذري لها، تبقى الازمة
تراوح مكانها.[95]
4- الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1989)
·
أسبابها
بعد الهزيمة التي مُني بها العرب في عام 1967،
وقيام الحلف الثلاثي الماروني عام 1968، شُرعت الأبواب لأحداث متتالية في لبنان
نخرت جسمه وأكسبته المزيد من العلل. ففي 28-12-1968 كانت الغارة الإسرائليية على
مطار بيروت، وقد شكّلت صاعقاً مفجراً للتناقضات الللبنانية على كل الجبهات،
فاستقالت حكومة عبد الله اليافي وسط إضطرابات عنيفة في المناطق المسيحية إحتجاجاً
على الإنحياز لجهة عربية. وكان للحلف الثلاثي مؤتمر برمانا الذي خلص إلى المطالبة
بالإستعانة بالبوليس الدولي لحماية لبنان. وفي مطلع نيسان 1969 بدأت سياسة تضييق واسعة
على المخيمات الفلسطينية، قابلتها تظاهرات شعبية مؤيدة للعمل الفدائي في كل المدن
الساحلية، بدعوة من جبهة الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية، فكانت مواجهة في
الشارع يومي 23 و 24 نيسان، وكانت حصيلتها نحو 30 قتيلا ومئة جريح. لذلك انعقدت في
دار الفتوى قمة إسلامية في 22 تشرين الأول 1969 برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ حسن
خالد والشيخ محمد أبو شقرا ورؤساء الحكومة وشخصيات إسلامية. وقد قرر المجتمعون
التأييد المطلق للعمل الفدائي، وطالبوا الدولة بإطلاقه وتأييده. وكانت قد نشأت
أزمة حكومية، إعتكف فيها رئيس الحكومة رشيد كرامي، وانتهت بتوقيع اتفاقية القاهرة،
التي نظّمت ورعت الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان[96].
عرف لبنان التطوّر الأبرز في سياق مسيرة
التدهور بعد هزيمة العرب عام 1967 والأزمة اللبنانية عام 1969 تمثّل بانتخاب
سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، إذ شكّل نقطة تحوّل داخلي ترافق مع التحولات
العربية المحيطة. فكان وصول فرنجية إلى السلطة العنوان الأبرز لتفكيك الأجهزة
الشهابية في الجيش والإدارة.
كان الشهابيون قد صمّموا على إعادة انتخاب
فؤاد شهاب، الذي أصرّ بدوره على عدم خوض المعركة الرئاسية عام 1970 بالبيان الشهير
الذي قال فيه: "أن لبنان بحاجة إلى إصلاحات جذرية تقضي بإجراء تغييرات أساسية
ولكن الشعب اللبناني غير مستعد او مؤهل لتقبّل هذه الإصلاحات وهذه التغييرات
الجذرية... إلخ"[97].
بعد انسحاب شهاب انحصرت المعركة بين مرشّح
الشهابية الياس سركيس وسليمان فرنجية الذي فاز بالرئاسة بفارق صوت واحد قيل أنه
صوت كمال جنبلاط الذي انقلب على الشهابية بعد أن كان أحد داعميها الأساسيين، حيث
لعب الإتحاد السوفياتي دوراً بارزاً في التأثير على موقف جنبلاط في الإنقلاب
عليهم. كان جنبلاط، ومنذ عام 1967 قد أخذ يهدف إلى أبعد من إصلاح النظام اللبناني،
حيث كان يريد نظاماً آخر. فبصفته آخر وزير للداخلية في عهد شارل حلو وقبل
الإنتخابات الرئاسية بقليل، أصدر عدداً من التراخيص لأحزاب سياسية يسارية كانت
محظورة رسمياً، بخاصة تلك الأحزاب التي حاولت إقامة علاقات وثيقة معه وكان قد أصبح
ناطقاً باسم القضية الفلسطينية.
بذلك فالقوة الجديدة المتحالفة مع جنبلاط كانت
مراقبة بقوة خلال مدة طويلة من قبل أجهزة الحكم الشهابي، وكان من مصلحة هذا
التحالف الجديد "جنبلاط – المقاومة الفلسطينية، الأحزاب اليسارية" ألا
ينتخب رئيس شهابي قوي وحازم يعمل على إعادة تدعيم هذه الأجهزة. بل على العكس كان
لا بد من إضعافه وهذا ما كان ينتظر من سليمان فرنجية[98].
فكان في طليعة المهام التي أوكل للعهد الجديد أن يقوم بتصفية التركة الشهابية[99].
استقبل انتخاب سليمان فرنجية بموجة عارمة من
الفرحة الشعبية بخاصة في الأوساط المسيحية التي اعتبرت وصول سليمان فرنجية نصراً
لها. أما بالنسبة للفلسطينيين فقد كان فوزه بمثاية انتصار يسجّل نهاية عهد المكتب
الثاني الشهابي وحكم الجيش الذي كانت العلاقة متأزمة منذ عام 1965.[100]
لم يمض أكثر من سنتين على العهد الجديد حتى
كان الحزب الشهابي في الجيش والإدارة قد تقلّص أو ألغي دوره. لم يؤثر ذلك في سياسة
لبنان العربي أو الخارجية إلا أنه أصبح غير كاف لتأمين الأمن والإستقرار خاصة بعد
بروز المقاومة الفلسطينية واتخاذها من لبنان مركزاً رئيسياً لنشاطها السياسي
والإعلامي والعسكري. وجاء مصرع قائد الجيش الشهابي، العماد جان نجم في حادث سقوط
مروحيته، مناسبة لإحداث تغيير جذري في قيادة الجيش كان من شأنه التأثير مباشرة في
تطور العلاقات بين الدولة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية وبالتالي على دفع لبنان
إلى الإنفجار عام 1975.
لم يكن قائد الجيش وكبار الضباط المسؤولين عن
القيادات الأساسية في الجيش الذين حلّوا محل الضباط الشهابيين، أقل أو أكثر
لبنانية من أسلافهم. ولكن إذا كان وصول فؤاد شهاب إلى الحكم عام 1958 قد
"سيّس الجيش شهابياً"، فإن إقصاء القادة العسكريين الشهابيين عن المركز
الحسّاس في الجيش بتعيين قادة غيرهم أدى إلى تسييس الجيش حزبيا وطائفيا. وإن
القادة العسكريين وسريعاً ما وصلوا إلى قناعات بأن المقاومة الفلسطينية والأحزاب
التقدّمية والقومية والثورية باتت تشكل خطراً على الدولة والنظام، بل على الكيان
اللبناني ككل، وإن المصلحة الوطنية تقضي بضربهم بعنف وكان يعني ذلك تسليم القيادات
الرئيسية في الجيش إلى ضباط مسيحيين ما أدى إلى نقمة الضباط المسلمين. كما عمدت
قيادة الجيش إلى دعم وتعزيز الميليشيات العسكرية المسيحيية التي كانت تتدرب على
السلاح منذ عام 1969 أثر توقيع اتفاق القاهرة[101].
إن انتشار السلاح بين أيدي اللبنانيين لم يكن
ممكنا قبل عام 1970. ولكن إلغاء المكتب
الثاني من قبل فرنجية وسلام، شرّع الأبواب الموصدة أمام المجموعات والحركات
السياسية اللبنانية للتسلّح المكثف، كما أصبحت مراقبتها من قبل الدولة ضعيفة
ومحدودة. وقد عرفت المنظمات الفلسطينية كيفية إستغلال هذه الفرصة. فلم تساعد
المجموعات الاحزاب والقوى الوطنية والتقدمية المتحالفة مع جنبلاط فحسب، بل ونجحت
في استقطاب عدد كبير من المنظمات والمجموعات الصغيرة التي كانت تموّل وتدرب وتسلح
وتوجّه من قبل أجهزتها التابعة لها.
ومثلما حصل في المناطق الإسلامية من بيروت،
حصل أمر مماثل في المناطق المسيحية من العاصمة، فبعدما أدركت الأحزاب المسيحية
الكبيرة عام 1969، أن الجيش اللبناني لم يعد قادرا على مراقبة الفلسطينيين
والسيطرة عليهم عسكرياً، بدأت هي أيضا تتسلح، فأنشأ كل حزب ميليشيا له بدعم من بعض
فصائل الجيش اللبناني[102].
أيضا في مطلع السبعينيات، أخذت تتفاقم في
البلاد الأزمات الإقتصادية وزاد من شدتها ومرارتها الوضع الذي عقب مرحلة
تطورإقتصادي وإجتماعي. وقد اندلعت هذه الأزمات بفعل عوامل موضوعية مثل التضخم
المالي ونمو سوق العمل والهجرة من الريف إلى المدينة، وبسبب خيبة الأمل من نتائج
تصرفات الحكم الذي تجاهل المشكلات الإجتماعية.
عبّرت الإنتخابات الرئاسية عام 1970، التي
تمثل مشروع دولة أن تبني دولة موحدة نوعا
ما، معتمدة على سياسة الإصلاحات الإجتماعية، وإعادة التوازن الطائفي والمناطقي،
وتحديث الإدارة، والحد من نفوذ الزعماء التقليديين والقوى اليسارية في آن معا. وشهدت
الفترة (1970 – 1974) التفكك التدريجي لجهاز الدولة الشهابي، وتهميش مؤسساته،
وعودة الإقطاع السياسي بقوة، أدى إلى إعادة وضع اليد على الدولة من قبل القوى
التقليدية التي كانت تُسخّر أجهزة الحكم لكي ترضي أنصارها السياسيين وترسخ قواعدها
الإجتماعية. والحال أن هذا الإضعاف للدولة ومؤسساتها وإضفاء الطابع العشائري عليها
قد تصادفا مع وضع كانت فيه الحياة السياسية اللبنانية بمجملها خاضعة لضغوط قوية
متأتية عن العوامل والصراعات الدائرة آنذاك على مسرح الشرق الأوسط.
وهكذا فإن غياب الدولة أو ضعفها قد سهل أكثر
سياق التفجير السياسي للمجتمع اللبناني المتنافر المفكك أصلاً. كان التوازن
التقليدي للقوى السياسية الحاكمة يستند، منذ عام 1973 (الميثاق الوطني)، إلى نوع
من إقتسام السلطة بين طرفها الماروني (المسيطر) وطرفها السني (المشارك والمسيطر
عليه). وثمة عاملان أساسيان هددا هذا التوازن السياسي وأديا إلى توترات خطيرة. لقد
حاول عهد فرنجية (1970 - 1976) على غرار عهد شمعون (1952 – 1958) أن يؤمن للطرف
الماروني شبه تفرد بالسلطة، وذلك برفض تكليف الزعيمين السنيين لبيروت وطرابلس
(صائب سلام ورشيد كرامي) بتولي رئاسة الوزراء، وبمحاولة خلق منافسين سياسيين لهما،
ثانويين ومنجذبين إلى منصب رئاسة الوزراء. بالإضافة إلى ذلك حاول رئيس الجمهورية
أن يحط من شأن مركز رئاسة الوزراء بالذات، الذي هو رمز المشاركة السياسية للطرف
المسلم، بربط أجهزة الدولة الرئيسية مباشرة برئاسة الجمهورية. وقد نجمت عن ذلك
مجابهة سياسية على جانب من الحدة بين مجمل الكتلة السياسية الإسلامية ورئيس
الجمهورية. وأخذ هذا الصراع يمتد عبر تقلبات الحرب الأهلية لعام 1975 نفسها[103].
وهكذا كانت توجد عشية الحرب الأهلية، سياسة
كاملة من التوترات الإجتماعية داخل الفئات الشعبية الريفية والمدينية وداخل الفئات
المتوسطة، ومجموعة من التناقضات داخل القوى المسيطرة، وبخاصة داخل شريحتها
الحاكمة، متراكمة سنة بعد سنة: تضخم متسارع، إفقار عموم الأجراء، إنخفاض المستوى
المعيشي للفئات الشعبية، إزدياد البطالة المدينية والضاحوية، السكن والصحة، إفلاس
أو صعوبات الإستثمارات الفلاحية الصغيرة حتى في القطاعات المتنامية، والتمركز
الإقتصادي في التجارة والصناعة على حساب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة[104].
لقد تكاملت الأزمة الاجتماعية الاقتصادية الحادة مع الأزمة السياسية على مستوى
السلطة (المشاركة)، مع الصراع المتفاقم على مستوى أزمة الشرق الأوسط (حرية العمل
الفدائي وتحول لبنان إلى منطقته الوحيدة)؛ تكاملت كل هذه العوامل فكان الإنفجار.
·
الحد من النزاع
تجربة معاشة
تربط بين المؤرخين وذاكرة الشهود الأحياء. وبخلاف ذلك ستظل كل طائفة تعيش تحت
مخاطر الانطواء على معاناتها وحدها بشكل مستقل عن معاناة الطوائف الأخرى، وستبقى
الروايات التاريخية بعيدة عن روحية التسامح، والتوبة القومية الرادعة بشكل مستقل
عن معاناة الطوائف الأخرى. فالمطلوب كتابة تاريخ لبنان لا من منطلق تغذية
النزاعات، بل التاريخ الذي لم يُكتب بعد. إنه تاريخ الحريات وتاريخ المعابر
والمعاناة المشتركة التي تولد صدمة نفسية لدى الشعب. إذاً ما الذي يضمن للأجيال
المقبلة، التي لم تعرف ما حصل، ألا تقع من جديد في أخطاء التجارب الدموية؟ فيجب
خلق صدمة عند الأجيال الجديدة ليعرفوا ما جرى ومخاطر الذي جرى، وعندئذِ نكون قد
خلقنا مناعة كبيرة تجاه إعادة إنتاج الحرب. مثلاً: بوسطة التلامذة التي كانت متوجهة إلى
المدرسة وأصيبت بقذيفة حارقة، أو نصباً لرجل نشرت الصحف صوره مصاباً برصاصة قناص
بينما كان عائداً إلى أطفاله يحمل إليهم ربطة خبز. آلام الناس تجمع أكثر في حين أن
الزعماء تنقسم الآراء بشأنهم. لا نجد نصباً من هذا النوع تعبّر عن الآلام
المشتركة، وتخلق توبة كي لا تتكرر المعاناة.
في إسبانيا يحتفل المواطنون كل سنة بذكرى
الحرب الأهلية ولكن بأي شكل؟ في جو من التوبة، بألا تتجدد الحرب. في هيروشيما
وناكازاكي تقام ذكرى سنوية كل عام للقنابل الذرية التي قُذف بها المدنيين في الحرب
العالمية الثانية، كيف تتم المراسم التذكارية؟ بالتأكيد ليس بالشتائم والسباب، بل
بالدعاء والتمني بألا تتكرر وألا يعاني منها أي شعب على الأرض. هل تكون هكذا أعياد
13 نيسان في لبنان؟ هذه مسؤولية اللبنانيين وبخاصة العديد من الهيئات الإجتماعية.
يصعب مواجهة منظومة الحرب عندما تتوطد دعائمها
في الداخل، وبرعاية خارجية. في لبنان، سعت الإتفاقات لتسوية الأزمة إلى توزيع
مكافآت على التنظيمات المسلحة وقادة الميليشيات بإشراكهم في هذه الإتفاقات
وإسنادهم حقائب ومراكز وزارية[105].
ويبرز تشابه بين نهاية الأزمتين اللبنانية والبوسنية من خلال ملاحقة بعض قادة
التنظيمات المسلحة في كل من البلدين. ففي لبنان صدر قانون عفو عام عن جرائم الحرب في
28 آذار 1991، ما سمح لبعض أبطال الحرب الوصول إلى أعلى المناصب في السلطتين
التنفيذية والإشتراعية، وكذلك في الإدارة. والذين حاولوا التمرد أحيلوا على
المحاكمة بعد أن جُرّدوا من حقهم في الحكم، وفي الإفادة من مفاعيل العفو[106].
وفي البوسنة أيضا وصل بعض رموز الحرب إلى
السلطة، إلا أن المتمردين على التسوية أصبحوا ملاحقين أمام محكمة دولية في لاهاي
بتهمة جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. أما السلم الأهلي في
البوسنة، بخلاف الحالة اللبنانية التي أظهرت إستحالة تفكيك النسيج الإجتماعي، فهو
يقوم على الفصل والفرز بين المجموعات الدينية الثلاث الذي يتألف منها المجتمع
البوسني، وهي: الصرب والكروات والمسلمون.
هل يقتضي اللجوء دوماً إلى فريق خارجي أو طرف
أجنبي ثالث مشجع يساعد الجماعات المتحاربة على التفاوض لوضع حد للحرب على غرار ما
حصل في الحالة اللبنانية مع اللجنة العربية الثلاثية (الترويكا) التي أوصلت
أعمالها إلى إتفاق الطائف؟ أنهى مؤتمر الطائف الذي عُقد في المملكة العربية
السعودية، الحرب في لبنان. وكذلك أنهى مؤتمر دايتون الذي عُقد في الولايات المتحدة
الأميركية، حرب البوسنة. كان لا بد في الحالتين من مؤتمر يُعقد في الخارج، وبدعم
إقليمي ودولي لإنهاء الحرب التي تحولت من حرب داخلية محدودة إلى ساحة لإقتتال
القوى الخارجية، وفي المقابل، فإن الترويكا العربية بذلت جهوداً حثيثة خلال أشهر
طويلة للحصول على موافقة الخارج على إتفاق الطائف لاسيما بالشق المتعلق بالإتفاقية
الأمنية الخارجية.
5- دور الدول الخارجية في النزاعات
اللبنانية الداخلية
المقدّمات الأساسية لأي نزاع، ترسم بشكل واضح
أبعاده ومساره، ونتائجه بحيث لا يمكن فصل نتائجه عن مساره العام، والمؤثرات
الداخلية والخارجية فيه، والمترتبات الناجمة عنه.
فالأزمة الداخلية في لبنان ترتبط بالواقع
السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي (الايديولوجي) والثقافي القائم على أساس الطائفية
السياسية، التي أصبحت مع الحرب الأهلية طوائفية مجتمعية، كان من نتائجها اصطفافات
شعبية وراء زعامات طائفية، لا يربطها معها سوى الإنتماء الطائفي أو المذهبي.
فالأزمة الداخلية في لبنان ليست معزولة عما
يجري في محيطها العربي، كما أن التّطورات الإقليمية والدولية التي تحدث في العالم
، تنعكس على الوضع الداخلي اللبناني، يتأثر بها وتؤثر فيه بشكل كبير.
الأزمة في لبنان ليست وليدة الصّدفة أو بنت ساعتها،
وإنما نتيجة تراكمات كمية داخلية، عربية، إقليمية ودولية، أدت إلى تغيّرات نوعية،
لديها تعبيراتها عبر علاقات بعض الأطراف أو الطوائف وارتباطها مع دول عربية،
وأطراف من طوائف أخرى وجدت أن مصالحها ترتبط بالعلاقات مع الخارج الإقليمي والدولي[107].
فهل اتفق اللبنانيون على عروبة لبنان كهوية
وانتماء؟ وهل السيادة والحرية والاستقلال كمبادئ يتغنّى اللبنانيون بها سيعملون
على تحقيقها؟ وهل علاقات لبنان العربية،
علاقات قوية ترتبط بالمصير الواحد والمشترك لأبناء الأمة العربية؟ أم مصالح مشتركة
وعلاقات لا تتجاوز الانتماء إلى جامعة الدول العربية والتزامه بقراراتها؟ و ما هي
عوامل النجاح والفشل، الانتصار والهزيمة في النزاعات؟
فعوامل
النجاح والفشل تتأثر بعاملين أساسيين:
الأول: ذاتي
(داخلي)، وهو العامل الأساسي المقرر والحاسم، في السلم كما في الحرب، في التطور
كما في التخلف، في البناء كما في الهدم.
الثاني:
موضوعي (خارجي)، وهو عامل ثانوي مساعد، إما أن يساعد إيجاباً أو سلباً في العمليات
جميعها، السياسية والاقتصادية، الثقافية والتربوية، العسكرية والأمنية.
وفي ظل غياب
وضعف واتّكالية وتبعية العامل الذاتي (الداخلي)، ينتقل العامل الموضوعي ليحل محله
ويصبح عاملاً مقرراً وحاسماً. وهذا هو الواقع الذي كان قائماً في لبنان، الذي يحتم
الغوص فيه ودراسة أبعاده والتداخلات والتشابكات فيه والنتائج التي وصلت إليه[108].
فهل ينطبق
ذلك على الوضع في لبنان؟ اعتماداً على الميثاق الوطني للعام 1943 الأسس التي قام
عليها لبنان، فانطلق من مجموعة مفاهيم اعتمدت بمجملها على التوافق الطائفي:
·
المحاصصة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين.
·
سيطرة البرجوازية من كل الطوائف على النظام
بمؤسساته جميعها. إذ أن السلطة السياسية هي سلطة الطبقة المسيطرة اقتصادياً.
·
إبعاد أي طموح لدى المسلمين لإقامة علاقة
وحدوية مع أي دولة عربية وخصوصاً سوريا.
·
منع المسيحيين من طلب الحماية الأجنبية، حتى
لا يكون لبنان عبارة عن مكوّنات متناقضة، متعايشة فيما بينها دون روابط تجمعها.
"أنشئ لبنان على أساس لائين، وفقاً للصيغة المشهورة للصحفي اللبناني
"جورج نقاش"، التي تعتمد على: "تخلي المسيحيون عن الحماية
الفرنسية، والمسلمون عن مطلب الوحدة مع سوريا، لصالح لبنان سيد ذي هوية عربية
مهمة"[109].
·
"انتهاج سياسة قوة لبنان في ضعفه،
والاستفادة منها للحصول على ضمان الدول الكبرى لتأمين سلامة لبنان وسيادته"[110].
إن نظام المحاصصة الطائفية غير المتوازن
والقائم على امتيازات لطائفة على حساب غيرها، واحتكار الوظائف الأساسية من قبل
الطبقة المسيطرة اقتصاديا، والتي تحكمت في موارد البلاد ومصادر الثروة فيها أدى إلى
بروز أزمة، تراكمت مفاعيلها، لكنها لم تصل إلى الانفجار.
فقد
صرّح المفتي الشيخ حسن خالد في مقابلة مع التلفزيون الألماني في 31-5-1975 فقال:
"الأزمة
اللبنانية ليست وليدة السّاعة وإنما هي أزمة نتيجة لتراكمات تاريخية كان يعيشها
لبنان منذ الانتداب الذي جعل المجتمع، مجتمعاً طائفياً وكرّس الامتيازات والحقوق
لطائفة على سائر الطوائف".
ويضيف: الأزمة هي أزمة وطنية وليست أزمة
طائفية وجوهرها المطالبة بالخلاص من هذا التركيب الطائفي، والدعوة لبناء دولة
ديمقراطية"[111].
في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي،
بدأت مفاعيل الأزمة تطفو، وتردداتها طالت مجالات متعددة.
إضطرابات عمال معامل غندور. تحركات شعبية
دعماً لمزارعي التبغ في الجنوب. تظاهرات صيادي الأسماك ضد شركة بروتيين المدعومة
من النظام، والذي كان يرأس مجلس إدارتها كميل شمعون. كانت هذه التّحركات مدعومة من
الشعب اللبناني بطوائفه وأحزابه وقواه السياسية جميعها.
تصدّت السلطة لهذه التحركات، وخصوصاً لصيادي
الأسماك بالرصاص الحي في 26 شباط 1975، فكان من أبرز ضحاياها "معروف سعد"
الزعيم الصيداوي الذي استشهد في 16 آذار 1975، ما فاقم الأوضاع إلى أبعد الحدود. لكن
الشرارة التي تسببت باندلاع لهيب الحرب الأهلية، كانت الهجوم على الباص في عين
الرمانة في 13 نيسان1975 [112].
إن اتخاذ الحرب مساراً طائفياً، يعود إلى كون
الطبقة السياسية الحاكمة لا يتجاوز عددها 3% – 5 % من الطوائف جميعها. وفي حال
استمرار الصراع، ستحسم نتيجته لصالح أغلبية الشعب اللبناني الذي تتجاوز نسبته 95 %
- 97%.
لذا عمدت السلطة إلى تجييش الشعب بتعبئته
وتحريضه على أسس طائفية، فانقسم على نفسه، وبات يقاتل نيابة عن زعامات الطائفية
السياسية في السلطة التي تتناقض مصالحه معها.
أ- الأسباب التي
أطالت أمد الحرب الأهلية
1-
عدم وجود أحزاب خارج القيد الطائفي قوية
وفاعلة وقادرة على استقطاب الشعب وتنظيمه وتوجيهه وقيادة نضالاته على أسس غير
طائفية.
2-
وجود أحزاب ديمقراطية، علمانية، قومية
واشتراكية، لم تمتلك برنامج تغيير جذري، تتحدد فيه أهداف استراتيجية بعيدة ومتوسطة
وآنية مباشرة، فشاركت في الحرب الأهلية لأهداف مغايرة، لكنها وجدت نفسها بغير
إرادة منها جزء من حرب طائفية.
3- "انجذاب
لبنان إلى الصراع العربي – "الإسرائيلي" بين 1967 – 1975، عبر تحوله إلى
قاعدة للعمليات الفدائية الفلسطينية... أدى ذلك إلى تدخل المقاومة الفلسطينية في
لعبة التوازنات الداخلية. واستقوى المسلمون واليسار اللبناني بها من أجل تحقيق
مشاركة أفضل في السلطة، أو فرض نظام يساري يطيح بالنظام القديم"[113].
4-
عدم قدرة النقابات بالرغم من تعددها وتنوعها
على الفعل الجدي والقيادة. فلم تتمكن من رفع شعارات مناسبة تؤدي إلى توعية الشعب
لحقيقة مصالحه والدفاع عنها في مواجهة الاحتكاريين المستغلين، بعيداً عن
الاصطفافات الطائفية.
5-
ارتباط قوى سياسية لبنانية وأحزاب تتبع
بولائها لهذا النظام أو ذاك في دول قومية وإقليمية ودولية، دفعها ذلك إلى التدخل
في الوضع اللبناني، فأدى إلى تفاقم أزماته.
"استنجد المسيحيون بسوريا و"إسرائيل".
وبفعل التجاذبات العربية ـ العربية والدولية و"الحرب الباردة"، تحول
لبنان إلى ميدان صراع إيديولوجي وسياسي، إقليمي ودولي، وإلى وقود وأداة للصراعات
كافة، مما أفقده القدرة على مواجهة ما يدور على أرضه"[114].
في لبنان مزيج من الخيارات السياسية المتنوعة، لا يوجد
عدو دائم ولا صديق دائم، قد تكون هذه صفة مشتركة بأغلب سياسات الدول العربية، ولكن
يبقى هناك في سياسة عامة، واستراتيجيات معينة، لهذه الدول لا تتغير إلا حسب مصالح
زعمائها وحكامها.
ب- لبنان بلد التناقضات
يتميز لبنان
بنسيجه المتنوع المتشعب، حيث يعيش اكثر من طائفة ومذهب في بلد صغير. وبعد سنوات
طويلة من النزاعات، وعلى الرغم من الأعباء والصعوبات الهائلة التي يواجهها لبنان
اليوم، يُقدّم هذا البلد الآن مثالاً حياً عن تعايش سلمي ومثمر محتمل بين الأديان
والمذاهب المختلفة المنتمية إلى الدين نفسه. فهذا البلد يعاني من شد الحبال، حيث :
·
تتداخل وتتضارب وتتشابك مصالح أطراف عربية،
إقليمية ودولية في لبنان، وكل من هذه الأطراف لديه مصالحه وعلاقاته مع فئة أو
طائفة ما مرتبطة به، تنفذ سياساته، وتحمي مصالحه. وهي بدورها تقدّم الدعم المادي
والتسليحي للأطراف المرتبطة معها، ما عقّد الأزمة وصعّب في إمكانية إيجاد حلول
لها.
·
ليس بإمكان دولة أو قوة ما التوفيق بين
المصالح المتناقضة للأطراف جميعها، أو حسم الصراع لصالح أي منها. لذا فمن الطبيعي
أن يتم التوافق بين هذه الأطراف على مبدأ اللاغالب واللامغلوب، فبقيت الأزمة تراوح
مكانها، تخبو تارة وتشتعل تارة أخرى دون إيجاد حل جذري لها.
·
الاعتداءات المتكررة التي يقوم بها العدو
"الإسرائيلي" على لبنان، دفع بعض الأطراف اللبنانية (المسيحية) إلى
التمادي في العلاقة معه، خصوصاً بعد أن "قامت إسرائيل باجتياح جزءاً من لبنان
الجنوبي في 14 آذار 1978، "عملية الليطاني"، لكي تنشئ حزاماً أمنياً،
تحت إشراف قوات لبنانية متعاونة معها"[115].
ج- المشاريع
التي تستهدف المنطقة العربية ولبنان خصوصاً لإحكام السيطرة عليها
لبنان ليس معزولاً عن محيطه العربي. وكل ما
يجري في المنطقة سينعكس عليه إن كان إيجاباً أم سلباً. كما أن أطماع الدول الاستعمارية
في المنطقة، كان للبنان نصيبه منها. فكان مؤتمر
كامبل بانرمان رئيس وزراء بريطانيا عام 1907، ركّز في تقريره الذي قدمه إلى رؤساء
الدول الإستعمارية، على أهمية المنطقة استراتيجياً واقتصادياً وحضارياً، معتبراً
أن الخطر يكمن على الدول الاستعمارية في وحدة شعوبها، مؤكداً على العمل لإبقاء
شعوبها يعيشون حالة جهل وتجزئة وتخلّف. وقال: علينا إيجاد جسر غريب، يكون قريباً
من قناة السويس، يفصل الشق الآسيوي عن الشق الأفريقي منها، يكنّ عداءاً تاريخياً
لشعوب المنطقة، وله علاقات وطيدة مع الدول الإستعمارية. ما يعني ان المنطقة العربية
مستهدفة ككل بين الدول الإستعمارية، وإحتلال أو إغتصاب فلسطين يشكل مدخلاً للسيطرة
عليها وسط النفوذ الإستعماري فيها. ومن ثم أتى تقسيم سايكس بيكو 1916، كان للبنان نصيب فيه، وكذلك اتفاق
سان – ريمون الذي وضع الآلية التنفيذية لتقسيم سايكس – بيكو بين بريطانيا وفرنسا،
حيث رسم حدود الدول في المنطقة، شرعن وجودها بالاعتراف بها في المنظمات الدولية،
فمزّق أرضها وفصل بين أبنائها، وفرضت سلطة الإنتدات الفرنسي والبريطاني فيها.
بالإضافة الى الوثيقة التي قدمتها الحركة الصهيونية إلى مؤتمر الصلح في باريس،
وجاء فيها: "يجب أن تسير حدود فلسطين وفقاً للخطوط العامة المبينة أدناه:
تبدأ في الشمال عند نقطة على شاطىء البحر
الأبيض المتوسط بجوار مدينة صيدا، وتتبع مفارق المياه، عند تلال سلسلة جبال لبنان،
حتى تصل إلى جسر القرعون، تتجه منه إلى البيرة، متبعة الخط الفاصل بين المنحدرات
الشرقية والغربية لجبل الشيخ (حرمون) حتى جوار بيت جن"[116].
كما أن رسالة
وايزمان إلى لويد جورج كان لها تأثير
بالتغيير الجغرافي في 29-12-1919 وجاء فيها: "نرى من الضروري أن يضم حد
فلسطين الشمالي وادي الليطاني إلى مسافة 25 ميلاً فوق المنحنى، ومنحدرات جبل حرمون
الجنوبية لضمان السيطرة على منابع نهر الأردن"...[117].
وشدد زعماء "إسرائيل" على ضرورة التّوسع وبخاصة نحو منابع المياه
اللبنانية، وفي طليعتها الليطاني. فقد رأى "ليفي أشكول"، رئيس وزراء
"إسرائيل" إبان هزيمة حزيران 1967 "أن حدود إسرائيل الآمنة في
سلام، تؤمن لنا حدود الأمن في الشرق الأوسط وحرية الملاحة في الغرب وسيطرة على
منابع المياه الشمالية"[118]
ما يعني أن الأطماع في الأرض والثروات
وخصوصاً المياه، يحتل المرتبة الأولى في أولويات العدو الصهيوني واجماعه في
المنطق. وكان "لإسرائيل" وجهة نظر في تقسيم المنطقة فحسب دراسة أعدّها
المستشرق اليهودي الأميركي "برنارد لويس" العام 1979، لحساب البنتاغون،
والذي أقرها الكونغرس الأميركي بكامل أعضائه العام 1983. يقترح فيها إقامة كيان
سياسي لكل أقلية إثنية أو دينية أو مذهبية أو قومية (كانتون) في الشرق الأوسط
بدءاً من تقسيم إيران إلى كانتونات متعددة مروراً بالعراق وسوريا ولبنان والأردن
ومصر والسودان والسعودية ودول الخليج وصولاً إلى دول المغرب العربي. ويرى برنارد
لويس وجوب تقسيم لبنان إلى ثمانية كانتونات طائفية[119].
كانتونان لكل طائفة وكانتون للفلسطينيين في منطقة صيدا وكانتون آخر لدويلة لبنان
الجنوبي. أما فيما يخص لبنان، فتقترح الدراسة تقسيمه إلى خمسة كانتونات طائفية،
سني، شيعي، مسيحي، درزي ودويلة سعد حداد في جنوب لبنان. "إن تفتيت لبنان إلى
خمس دويلات، هو سابقة للعالم العربي بأسره، وقد كان الهدف الحقيقي من تفجير
"إسرائيل" للحرب في لبنان تقسيمه الى كانتوكات متناحرة ومتصارعة، كذلك في
مصر، سوريا والعراق بمحاولة تجزئتها إلى مناطق ذات خصوصية إثنية ودينية واحدة، على
غرار لبنان، وهو هدف من الدرجة الأولى بالنسبة "لإسرائيل" في الجبهة
الشرقية على المدى البعيد"[120].
وتأييد كميل شمعون "مبدأ أيزنهاور" وحلف بغداد، فسعى إلى إدخال
لبنان في الترتيب الاستراتيجي الانكلو – أميركي على المستوى الإقليمي، أدى إلى
إنزال قوات المارينز على شواطىء لبنان في تموز 1958، وقيام ما سمي ثورة 1958 في
حينه. تصريح كونداليزا رايس إبان الغزو "الإسرائيلي" للبنان في العام
2006، "بأن الحرب على لبنان هي المخاض الطبيعي للشرق أوسط جديد". فاستهداف
لبنان لم يكن وليد الساعة، بل إن الأطماع فيه كانت وماتزال إلى جانب أشقائه العرب،
منذ ما قبل تأسيسه. وكانت تركيبة لبنان الطائفية المتوافقة والمتناقضة تشكل أرضية
خصبة لإفشال المشاريع التي تستهدف المنطقة العبرية، وتشكل عنواناً بارزاً في
المواجهة وخصوصاً مع العدو الصهيوني بعد عدوان تموز 2006 على لبنان.
د-
دور الدول العربية في النزاعات اللبنانية الداخلية
سوريا: يربط سوريا ولبنان علاقات مميزة، كالعروبة،
التاريخ، الجغرافية، الاقتصاد، الاجتماع، الثقافة، القيم، المصير والمصالح
المشتركة. دفعت هذه العلاقة إلى تدخل سوريا كوسيط في بداية الحرب الأهلية لحل
الأزمة. انحازت سوريا بداية إلى جانب القوى الوطنية والتقدمية (اليسارية) إضافة إلى
منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1975، إلا أنها مالت إلى جانب الطرف المسيحي
الذي استنجد فيها عام 1976 لمواجهة القوى اليسارية. "فأرسلت جيشها لنجدة قوى
اليمين المسيحي بمباركة واشنطن وضوء أخضر إسرائيلي"[121].
عمدت سوريا
منذ بداية الأزمة إلى إمساك العصا من المنتصف. وعند اختلال التوازن لصالح طرف ما،
تميل إلى جانب الطرف الآخر. "قبل السوريون الجبهة اللبنانية حليفاً لهم،
بالرغم من معرفتهم بعلاقاتها بإسرائيل"[122].
بلورت سوريا استراتيجية تقوم على الإمساك
بالملفين اللبناني والفلسطيني معاً. وتمكنت من الحصول على تغطية عربية لوجودها في
لبنان. وأجهضت تعريب الأزمة اللبنانية (قوات الردع العربية)، فاستفردت بالملف
اللبناني، منذ العام 1978، وأمسكت بالقوى السياسية والحزبية والميليشياوية
اللبنانية، ومن خلال اللعب على المتناقضات.
استمرت المراهنة على سوريا وقد طلبت الأطراف
اللبنانية منها العودة إلى بيروت عام 1987 لضبط الفلتان الأمني وحماية اللبنانيين.
رحبت أميركا ودول أوروبا بعودة الوجود السوري إلى
بيروت الغربية بعد الفلتان الميليشياوي الذي ضربها بين 1984 – 1987.[123]
وقد أكّدت
المادة الرابعة من اتفاق الطائف على:
"العلاقات
المميزة التي تجمع لبنان وسوريا، والتأكيد على أن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو
مركزاً لأي نشاط يستهدف الأمن السوري".
"كما
يؤكد حرص سوريا على الأمن والاستقرار في لبنان".
العراق: كان للعراق من خلال فرع حزب البعث العراقي
في لبنان، والمنظمة الفلسطينية (جبهة التحرير العربية) دوراً هاماً.
قدّم العراق
دعماً مادياً وتسليحياً لمعظم القوى ولبعض الأحزاب والمنظمات القومية واليسارية
اللبنانية وبعض الفصائل الفلسطينية. وقد تعزز التدخل العراقي بالتناقض القائم بين
نظامي حزب البعث في سوريا والعراق. وازداد التناقض بانحياز النظام السوري إلى جانب
الميليشيا المسيحية ضد القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية.
كما تمثل بدعم العراق للجنرال ميشال عون إبان "حرب التحرير" و "حرب
الإلغاء".
السعودية: كان للسعودية دوراً هاماً منذ بداية الأزمة
في لبنان. اعتمدت سياستها على الحفاظ على وحدته الوطنية كأساس لسلامته واستقراره
وسيادته. ورفض تقسيم لبنان وضرورة القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية فيه.
ترابط الأزمة اللبنانية بالصراع العربي
–الإسرائيلي، وتشابك الوضع اللبناني الداخلي مع القضية الفلسطينية، وإزالة
التناقضات بين المقاومة الفلسطينية ولبنان، ورفض تدويل الأزمة واعتبارها أزمة
عربية. أسهم ذلك في تعقيدها، وصعّب إمكانية إيجاد حلول لها.
نسقت السعودية تحركاتها بهذا الصدد مع الكويت
والمغرب والجزائر والإمارات العربية، كذلك تعاملت مع السياسيين التقليديين
المسلمين وبعض الزعامات الموارنة لإيجاد حل توفيقي للأزمة في لبنان[124].
كانت السعودية وراء عقد مؤتمر بيت الدين في
تشرين أول 1978، وجينيف 1983 ولوزان 1984 بمشاركة سوريا وبعض الأطراف العربية.
ومثلها قمة الرياض المصغّرة في العام 1976 وبعدها بأسبوع انعقد مؤتمر قمة القاهرة
التي أقرّت تشكيل قوات الردع العربية. وقد شاركت في إرسال قوات الردع التي كان
عمادها القوات السورية، إضافة إلى قوات سعودية، سودانية وإماراتية، انتشرت في معظم
الأراضي اللبنانية في 15-11-1976.[125]
اتخذ التنسيق السعودي مع سوريا حيزاً هاماً،
فدعمت السعودية جهود سورية لتسوية الأزمة في لبنان بما يضمن وحدة شعبه وسلامة أراضيه.
وتعهدت السعودية القيام باتصالات عربية وعالمية للمساعدة على وقف القتال وإيجاد حل
للأزمة اللبنانية.
مصر: منذ أن قامت بطرد الخبراء السوفييت العام
1972 وانحيازها إلى المعسكر الغربي بعد حرب تشرين أول 1973 وخصوصاً إلى جانب
السياسة الأميركية وتسليمها أوراق حل أزمة الشرق الأوسط لأميركا حيث قال السادات
أن 99% من أوراق حل أزمة المنطقة بيد أميركا، وتوقيعها لاتفاقيات كامب ديفيد 1978
– 1979. تراوحت علاقاتها مع الدول العربية بين المد والجزر، الصعود والهبوط، فبعد
أن تشاركت مع سوريا في حرب 1973، اختلفتا حول سياسة السلام. وقد كان لبنان ميداناً
ملائماً للصراع مع سوريا، حيث دعمت الميليشيا المسيحية بالأسلحة لمواجهة النظام
السوري وحلفائه، وقد اعترف كميل شمعون أن الميليشيا المسيحية تقاتل بأسلحة وذخائر
مصرية. وقد قامت السعودية بإجراء مصالحة بين سوريا ومصر في مؤتمر قمة القاهرة في
تشرين أول [126]1976.
ليبيا: سعت للتعبير عن نفسها وإظهار وجودها، فقامت
بدعم المقاومة الفلسطينية وقوى اليسار اللبناني وكذلك القوى الناصرية، وقدمت لها
السلاح والمال، حتى أن صحيفة "نيويورك تايمز" ذكرت في 13 أيلول 1975
"أن ليبيا أرسلت عشرات ملايين الدولارات إلى لبنان لدعم قوى اليسار التي
تحارب قوى اليمين... منذ الربيع الماضي". وقد أكدت ليبيا على عروبة لبنان
وانتمائه العربي وأن يكون جيشه في خدمة القضايا العربية، لا في خدمة الطائفة
المسيحية[127].
الأردن: ساند النظام السوري وأيد تدخله في لبنان في
مواجهة المقاومة الفلسطينية وحلفائها وقدّم الدعم التسليحي للميليشيا المسيحية
واعتبر أن المقاومة الفلسطينية تقاتل خارج أرضها وليس لصالح قضيتها، واتهمها بأن
تدخلها في الشأن الداخلي اللبناني هو أحد أسباب الحرب في لبنان.وقد انطلق النظام
الأردني من موقف مسبق معادٍ للمقاومة الفلسطينية، التي هددت كيانه ووجوده إبان
أحداث أيلول 1970 وتموز 1971.
5- الدور
الإقليمي في النزاعات الداخلية اللبنانية
1. الكيان
الصهيوني الإسرائيل
"يقوم
مفهوم "إسرائيل" لأمنها الاستراتيجي، على تقسيم العالم العربي والإسلامي
من باكستان حتى المغرب على أسس دينية وإثنية ومذهبية"[128].
وإن ما جاء
في مشروع "الكومنولث العبري"، "بأن هدفه قيام "دولة إسرائيل
الكبرى"، على أن يكون بمحاذاتها دويلات مقسمة عرقياً ومذهبياً وطائفياً،
ترتبط بالكيان الصهيوني بواسطة الاقتصاد والأمن والاستراتيجية"[129].
كما تتضمن الدراسة التي أعدها أودد ينون[130]
في شباط 1982 بعنوان استراتيجية لإسرائيل في الثمانينات، تقسيم البلدان العربية إلى
مجموعة من الكانتونات الطائفية والمذهبية والإثنية والقومية. تعتمد الخطة على:
ـ أن حدة
الصراعات بين كانتون وآخر، أكبر من الصراع مع أميركا و"إسرائيل".
ـ ولن يكون
بمقدور أي من هذه الكانتونات تشكيل أي خطر، على أميركا و"إسرائيل" أو
مواجهتهما.
ـ سيضطر هذا
الكانتون أو ذاك إلى طلب الدعم والمساعدة من أميركا أو إسرائيل للانتصار على
كانتون آخر. وستكون إسرائيل بذلك أقوى قوة إقليمية في المنطقة تتحكم بها وتفرض
نفوذها فيها[131].
الجانب الآخر يرتبط بالتنمية الاقتصادية
وتطويرها مع دول المنطقة. سيحقق التفوق الإسرائيلي، الأكثر تطوراً في مجال الصناعة
والزراعة والإلكترونيات والكهربائيات. تصدير منتوجاته إلى الدول العربية
والاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة، (اتفاقية الكويز بين مصر وإسرائيل)[132]
وتستورد منها المواد الأولية كالنفط وغيره بأرخص الأسعار. "ورأى ينون فائدة
في إرساء شرعية "دولة إسرائيل"، بما أن كل طائفة ستكون لها دولة، فوجود
دولة يهودية يصبح مبرراً تماماً من الناحية الأخلاقية"[133].
"فمنذ
أن بدأت الحركة الصهيونية تستهدف فلسطين، بدأت قياداتها تعمل على تطوير العلاقات
بينها وبين لبنان. جرت اتصالات بين الطرفين، رجال دين موارنة، أمثال
"البطريرك حويك" و"البطريرك عريضة" ومطران بيروت للموارنة
"اغناطيوس مبارك" وسياسيين كإميل إدة وحزب الكتائب اللبنانية. وعن الجانب
الصهيوني "الوكالة اليهودية" ومن ثم "الدولة العبرية"[134].
"وفي
عام 1936 أيد "البطريرك عريضة" أمام "لجنة بيل" البريطانية
قيام دولة يهودية في فلسطين"[135].
وصرّح الزعيم
الصهيوني "ديفيد بن غوريون" عام 1937، أن "لبنان هو الحليف الطبيعي
لليهود في "إسرائيل"، واعتقد أن القرب بين فلسطين ولبنان سوف يعطي
اليهود إمكانية التمدد بموافقة جيراننا الذين يحتاجون إلينا"[136].
"وأضاف بن غوريون: أن اللبنانيين لديهم
تراث وثقافة مختلفان عن بقية دول الجامعة العربية. وخلص إلى ضرورة إقامة كيان
مسيحي في لبنان، كخطوة طبيعية لأن "الدولة المسيحية" لها جذور تاريخية
وستحصل على التأييد من قوى واسعة في العالم المسيحي، كاثوليك وبروتستانت على حد
سواء"[137].
أطماع إسرائيل كبيرة في المنطقة العربية
عموماً ولبنان بشكل خاص. بدءاً من توسيع حدودها لتصل إلى مشارف صيدا، وأطماعها في
المياه اللبنانية. وتعتمد في توسعها على قوى محلية تشكل ضمانة لحماية حدودها وأمن
مواطنيها، لأنها لا تستطيع الإنتشار في المناطق جميعها التي يمكن الاستيلاء عليها.
فالقوات العسكرية الإسرائيلية بكل فروعها لا تكفي للاحتلال والانتشار الفعلي في
المناطق الواسعة التي يتم احتلالها.
لذا جاء الحل
حسب د. محمود حسين فمساحة الأراضي المحتلة كبيرة لبنان، سوريا، الأردن، مصر
وفلسطين، تقارب مليون ونصف كيلومتر مربع وعدد السكان فيها يتجاوز 150ألف نسخة، فهل
يمكن للإحتلال الصهيوني الانتشار في المنطقة والسيطرة عليها وعلى الأراضي والسكان، وتعداد السكن الصهيوني لا
يتجاوز خمسة ملايين نسمة. فهل سيستطيع الاستمرار؟ والى أي مدى؟
بأنه يتخذ الحكم أشكال أخرى، مثل شريط حدودي، (على غرار ما
حصل في جنوب لبنان) أو روابط قرى، (كما حصل في الضفة الغربية المحتلة في سبعينيات
القرن الماضي)، أو قوات محلية، بقيادة منفصلة عن السكان لا جذور وانتماء عربي لها،
لأن السيطرة العسكرية الإسرائيلية في مثل هذا الوضع ستكون أقوى بدرجة تمكنها من
قمع أي محاولة للتمرد، إما عن طريق الإذلال الجماعي كما في الضفة الغربية وقطاع
غزة. أو بقصف المدن والبنى التحتية فيها كما حدث في لبنان في اجتياح آذار 1978
وحزيران 1982"[138].
2. إيران
بانتصار الثورة الإسلامية في إيران وسقوط نظام
الشاه عام 1979، سقط كلياً حلف المعاهدة المركزية.
حددت إيران خيارها الإسلامي الرافض الهيمنة
والتبعية ومعاداة ومحاربة دول أميركا وحلفائها، ناهبة ثروات الشعوب وسالبة خيرات
بلادها.
أدركت أميركا بسقوط نظام شاه إيران أنها فقدت
أهم قاعدة لها على الحدود السوفياتية. وأن خطر هذه الثورة بات يهدد مصالحها
ووجودها وحلفائها.
لم يكن لإيران دور يذكر أو علاقة بالشؤون
الداخلية اللبنانية، لأنها كانت تخوض حرباً مع العراق بدأت عام 1980 دامت ثماني
سنوات، استغلتها أميركا وحلفائها لتأجيج الصراع فيها بهدف إضعاف البلدين.
دعمت إيران قوى المقاومة في فلسطين ولبنان
(حزب الله) وسمحت بإقامة سفارة فلسطين في مبنى سفارة "إسرائيل" في
طهران. شاركت في معارك المواجهة مع "إسرائيل" بشكل غير مباشر عبر إرسال
خبراء لتدريب وتسليح وتجهيز وتوجيه المقاومة.
لعبت إيران دوراً مميّزاً في دعم مقاومة حزب
الله، وتطوير أوضاعه، دفع ذلك بعض الأطراف اللبنانية بتوجيه الإتهام لإيران
بالتدخل في شؤونه الداخلية، انسجاماً مع الموقف الأميركي، الأوروبي و"الإسرائيلي"
الذي يعتبر إيران دولة إرهابية، وتقوم بتقديم الدعم والمساندة لقوى الإرهاب في
كثير من دول العالم. طورت إيران قدراتها في المجال الإقتصادي، الصناعي، وخصوصاً
التسليحي، بالرغم من الحصار الذي فرض عليها. يإصدار "قانون داماتو"
(الذي يمنع الشركات الأجنبية من استثمار أكثر من أربعين مليون دولار بالعام الواحد
في إيران وإلا تعرضت هذه الشركات إلى فرض عقوبات شديدة وقاسية بحقها، وكذلك
التهديدات التي تطاله من اتجاهات كثيرة، إلا أنه استمر على موقفه في التحدي وعدم
الرضوخ للتهديد والإبتزاز.
عرضت إيران على الحكومة اللبنانية، تسليح
الجيش اللبناني وتجهيزه بشكل كامل. إلا أن الحكومة اللبنانية وانسجاماً مع الموقف
الأميركي رفضت العرض، دون مبرر يذكر. تمكنت إيران بالإتفاق النووي الذي عقدته مع
دول 5+1 من الاعتراف بها، دولة نووية للأغراض السلمية، وثم فك الحصار نسبياً عنها[139].
6- الدور الدولي في النزاعات الداخلية اللبنانية
أولا:
الولايات المتحدة الأميركية
تتسم
استراتيجية الأمن القومي الأميركي، بأنها استراتيجية كونية، لا تقتصر على قارة أو
إقليم أو منطقة، بل تشمل العالم قاطبة، براً، بحراً وجواً، تمددت من خلال هذا
المفهوم لاجتياح العالم بالحروب، تحت عنوان الدفاع عن النفس، وغلّفت اجتياحاتها،
بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب. وجعلت من التوسعية
والعدوانية وجنون العظمة وعبادة القوة والغطرسة، سمات رئيسية لنظامها الجمهوري[140].
اعتمدت
استراتيجيتها على:
مبدأ الحرب
الوقائية، تدويل الحرب على الإرهاب، فرض الهيمنة الإقتصادية، إعادة النظر في
تركيبة مجلس الأمن والمنظمات الدولية الكبرى، إعادة النظر في الخارطة الجيو ـ
سياسية في الشرق الأوسط لتفكيك بعض الدول المركزية فيه، إيجاد قواعد بحرية وجوية
في دول العالم ومن منطقة الخليج[141].
تفكيك القوى
والأحزاب في المنطقة التي تتعارض مع أجندتها والإيعاز للأنظمة بتصفيتها.
تعتبر أميركا وإسرائيل أن الوطن العربي، منطقة
نفوذ لها، ترسم سياساته وتحدد علاقاته، وتوجه زعاماته، وتسعى إلى سحق كل من يخالف
أو يعارض أو يتمرد على إرادتها ويخرج من حظيرتها. فبسقوط نظام الثنائية القطبية،
وسيادة نظام القطب الواحد، الذي تقوده أميركا، عملت على إعادة ترتيب الأوضاع في
العالم بما يتلاءم مع المتغيرات الحاصلة، وبما يخدم مصالحها وسياستها وأهدافها. "وتصرفت
كشرطي عالمي يتدخل في شؤون الدول والشعوب، ويفرض على الدول الأخرى دفع تكاليف
تدخلاته"[142].
استفردت أميركا في البلدان العربية واحدة تلو
الأخرى. وخصوصاً في لبنان الذي ساعد على تصاعد النفوذ الأميركي بعد دخوله
"مبدأ أيزنهاور" عام 1957، بهدف حماية نفسه من تيارات الوحدة العربية،
وقد تدخلت لحماية نظام شمعون بعد سقوط "حلف بغداد" وتضعضع "مبدأ أيزنهاور"،
خشية من اتساع النفوذ القومي العربي والسوفياتي.
"اتهمت أميركا مصر بدعم المسلحين
بالأموال والأسلحة. فقامت عبر CIA
بدعم حزب الكتائب وحزب الطاشناق الأرمني بالأموال والأسلحة"[143].
وقد "اتهم كمال جنبلاط أميركا بعيد
اندلاع الحرب بأنها قدمت إلى إسرائيل 250 مليون دولار، من أجل تفجير الوضع في
لبنان ودعم الميليشيات المسيحية بالأسلحة، لسحق المقاومة الفلسطينية"[144].
"رأت أميركا أن حل الأزمة في لبنان يرتبط
بفئات ثلاث: اللبنانيون، الإسرائيليون، والسوريون... ولأن اللبنانيين غير قادرين،
والإسرائيليين غير مبالين، والسوريين غير متحمسين"[145]،
كون أهدافهم متباينة ومتناقضة، فلن يتحقق الحل للأزمة.
دعمت أميركا
إسرائيل في حروبها مع العرب وفي تدخلها بالأزمة اللبنانية، واجتياحها للبنان عامي
1978 – 1982 ودافعت عنها في مجلس الأمن الدولي لمنع أي قرار يتخذ بحقها.
لم تكن أميركا بعيدة عن الأزمة في لبنان. إذ
كانت تتابعها إما عبر أنظمة عربية تابعة لها أو بواسطة إسرائيل، لكنها تدخلت
مباشرة بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 عبر الوسطاء الدوليين والأمركيين.
أرسلت بعدها قوات من المارينز والبارجة
الحربية "نيوجرسي" التي قامت بقصف قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية
في جبل لبنان.
دب الخلاف بين أهداف "إسرائيل" من
الإحتلال القائم على تقسيم لبنان إلى مجموعة كانتونات طائفية. وبين الأهداف
الأميركية الساعية إلى الإبقاء عليه موحداً في ظل سيطرة مسيحية كلية عليه. "وقد
اعتبر كثيرون في لبنان والمنطقة أن التدخل الأميركي سينهي الإحتلال الإسرائيلي
والوجود العسكري السوري في لبنان"[146].
وعندما قرر "الإسرائيليون" الإنسحاب
من الجبل في 3-9-1983 طلب منهم المبعوث الأميركي "دونالد رامسفيلد"
تأخير الإنسحاب ليومين أو ثلاثة حتى يتمكن الجيش اللبناني من الحلول مكانهم. رد
"موشيه أرينز" وزير الحرب الصهيوني آنذاك قائلاً: لقد قررنا الإنسحاب،
ولن نتأخر دقيقة واحدة. لكنه قال بعد ذلك أنه ليس انسحاباً، بل إعادة انتشار
وتموضع للقوات "الإسرائيلية".
كان إصرار "الإسرائيليين" على
الإنسحاب من الجبل يهدف إلى الضغط على الأميركيين، بعد أن وجدوا الإدارة الأميركية
تقف إلى جانب لبنان. أراد "الإسرائيليون" توريطهم وإغراقهم في المستنقع
اللبناني، وكي يشعروا بالحاجة الماسة إليهم وعدم الإستغناء عنهم لأن لديهم خبرة
كافية في التعامل مع الدول والشعوب في المنطقة.
"ترك الإنسحاب الإسرائيلي من الجبل القوة
الأميركية في بيئة معادية... لقد أصبح وجود المارينز في لبنان مشكلة جديدة.
فأصبحوا بعد الإنسحاب هدفاً عسكرياً لأعدائهم" من قوى الشعب اللبناني
المقاوم. "إغتاظ "الإسرائيليون" من مجيء المارينز إلى لبنان. إذ
اعتبروه صفعة لوجودهم فيه، ولأنهم يريدون أن تكون أميركا حليفا وحيدا لهم في
المنطقة".[147]
يوم
23-10-1983 استهدفت قوات المارينز والقوات الفرنسية في بيروت بسيارتين مفخختين،
تفجرتا في مقراتهما وأسفرتا عن مقتل 241 جندي أميركي و58 جندي فرنسي، أدى ذلك إلى
انسحاب قوات حفظ السلام الدولية من لبنان، الذي تمركزت فيه منذ انسحاب منظمة
التحرير الفلسطينية من بيروت بعد الاجتياح[148].
ثانياً:
فرنسا
كانت فرنسا تعتبر لبنان الإمتداد الثقافي
للفرانكوفونية، والقلب النابض للوجود الفرنسي في الشرق الأدنى، الذي كان يتعرض
بشدة لتأثير الإنجلو ساكسونية.
وعندما بدأت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975،
اعتبرت فرنسا أن للأزمة أبعاداً فلسطينية وعربية ودولية.
قال "فاليري جيسكار ديستان"، رئيس
الجمهورية الفرنسية بعد اندلاع القتال. "أن لبنان في وحدته وتنوعه، يشكل
عنصراً ثميناً للإستقرار والسلام في منطقة يمزقها نزاع آخر (النزاع العربي –
الإسرائيلي). وأشار إلى ضرورة أن يعيد اللبنانيون بأنفسهم التوازن العادل إلى
تعايشهم".
"لم تتدخل فرنسا أحادياً لحل الأزمة، بل
رأت الإنضمام إلى الدول الصديقة من أجل إعادة السلام والإستقرار إليه. ووقفت على
مسافة واحدة من أفرقاء النزاع اللبنانيين والإقليميين. وانطلاقاً من وحدة لبنان
وسيادته واستقلاله، اعتمدت خيارات ثلاث:
1-
مساعدة اللبنانيين للوصول إلى صيغة وفاق
وطني.
2-
تدويل الأزمة اللبنانية وإعلان حياد لبنان
بموافقة جميع اللبنانيين.
3-
إرسال جنودها إلى لبنان لحفظ السلام"[149].
"ولأن أميركا كانت تحتكر لنفسها منذ
العام 1975 حل أزمة الشرق الأوسط، جعلت فرنسا مبادرتها تمر عبر واشنطن"[150].
ثالثاً:
الإتحاد السوفياتي
إتجه الإتحاد السوفياتي منذ خمسينيات القرن
الماضي للخروج إلى المياه الدافئة، عبر التدخل البطيء في البلدان العربية، عن طريق
تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية لها، بعد ثورة يوليو 1952، عندما رفضت أميركا
تسليح الجيش المصري. اتجهت مصر إلى الإتحاد السوفياتي، وإلى بلدان أوروبا الشرقية،
حيث زودته تشيكوسلوفاكيا بالأسلحة، (صفقة الأسلحة التشيكية). كما وقف إلى جانب مصر
في مجلس الأمن الدولي، مهدداً دول العدوان الثلاثي على مصر بالتدخل عسكرياً، إذا
لم يوقفوا العدوان، وإلا سيكون لذلك عواقب وخيمة. اضطرت أميركا أمام الموقف الصارم
للإتحاد السوفياتي للضغط على بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لوقف عدوانها، وانسحاب
جيوشها من مصر.
ساعد مصر في بناء السد العالي وفي تطوير
الصناعات المصرية خصوصاً صناعات الحديد والصلب والأسلحة والصواريخ... الخ. وسعى إلى
تعزيز علاقاته بكل من مصر، سوريا، العراق، الجزائر، ليبيا واليمن الديمقراطي
(الجنوبي).
وسعى بعد هزيمة حزيران 1967 وظهور المقاومة
الفلسطينية لدعمها، تسليحاً وتدريباً، وأفسح في المجال لإعطاء منح دراسية لآلاف
الطلبة العرب. وعمل على تشكيل جبهة عربية معادية للإمبريالية تضم في صفوفها أحزاب
يسارية وقومية عربية في لبنان والمقاومة الفلسطينية وبعض الأنظمة الرسمية العربية.
"بخروج
مصر السادات من دائرة النفوذ السوفياتي بعد عام 1973، وانفراد واشنطن وحدها بحل
أزمة الشرق الأوسط، بعيداً عن مؤتمر جنيف، بدأ السوفيات يعملون على تدعيم مركزهم
لدى القوى الراديكالية في المنطقة العربية، ومنها سوريا والمنظمات الفلسطينية،
فرفضوا السياسة الأميركية القاضية بحلول جزئية للصراع العربي – الإسرائيلي، وسياسة
الخطوة خطوة. ورأوا أن حلاً شاملاً لأزمة المنطقة من شأنه أن يهدىء الوضع المتفجر
في لبنان"[151].
فبعد طرد السادات للخبراء السوفيات عام 1972
وتوجهه نحو الغرب (خصوصاً أميركا حيث ادعى أن 99% من أوراق حل أزمة المنطقة بيدها)
بعد حرب تشرين أول 1973، أصبحت سوريا منفذ السوفيات الوحيد إلى الشرق الأوسط. طورت
علاقاتها مع النظام السوري، وقدمت الدعم السياسي والعسكري له، وبنت قاعدة بحرية في
مدينة طرطوس السورية.
هدف الإتحاد السوفياتي بمساعدة سوريا إلى منع
لبنان من الإنضمام إلى اتفاقية "كامب ديفيد"، أو جعله قاعدة للقوات
الأميركية، كي لا يصبح ألعوبة بيد "واشنطن وتل أبيب"[152].
"بعد التدخل السوري ضد منظمة التحرير
الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان ووقوفه إلى جانب الميليشيات المسيحية، طلب
السوفيات من حافظ الأسد وقف عملياته الحربية ضد الفلسطينيين واليسار اللبناني،
وسحب قواته من لبنان. لكنه رفض ذلك، فاعتبرت موسكو التحركات السورية تهدف إلى
إضعاف اليسار اللبناني والمقاومة الفلسطينية وتحطيم قلعة النضال ضد الإمبريالية في
الشرق الأوسط"[153].
7- تأثير النزاعات على النسيج الاجتماعي والإقتصادي
لا شك أن التجارب التاريخية للطوائف اللبنانية
والنظام الطائفي السياسي، ومسألة هوية لبنان ("عربي أو ذو وجه عربي، أو أنه
غير عربي وجزء من الغرب"[154])
والمشاركة في الحكم، والفروق الإجتماعية، كلها عوامل كانت مسببة للتوتر والنزاع في
لبنان على الصعيدين السياسي والإجتماعي، من دون أن تؤدي إلى تقاتل اللبنانيين فيما
بينهم. لكن تداخل عدم المساواة الإجتماعية والإقتصادية بالطائفية السياسية، جعل
الوضع اللبناني أكثر تفجراً، وبشكل خاص بعد دخول العامل الفلسطيني والصراع العربي
الإسرائيلي إلى لبنان"[155].
لكن الأهم من ذلك كله يرتبط بالصراع الطبقي
بين السلطة السياسية التي تمثل الطبقة المسيطرة اقتصادياً. إذ أن التظاهرات
والتحركات الشعبية التي اندلعت في النصف الأول من عقد السبعينيات، أي قبيل اندلاع
الحرب الأهلية كانت تحركات مطلبية فوق الطائفية والمذهبية، تضم في صفوفها عمال،
مزارعين، طلاب، معلمين وموظفين، من الطوائف جميعها، باتت الخشية أن يأخذ هذا
الصراع بتطوره طابع الصراع الطبقي والذي يتجاوز قدرة زعماء الطوائف على التحكم به،
ويصبح الفرز بين الطبقة البرجوازية من كل الطوائف في مواجهة الطبقة الشعبية من كل
الطوائف أيضاً تشكل غالبية ساحقة، وسيكون بمقدورها أن تحسم نتائج الصراع لصالحها،
واستغلال الشعور بالحرمان وعدم المساواة والغبن والتهميش من الزعامات الطائفية غيرالمسيحية.
وكذلك "الإنفجار السكاني الذي شهدته
الطائفة الشيعية على خلفية الفقر الإقتصادي، والنزوح من الريف إلى حزام البؤس
الشعبي في بيروت وضواحيها، تشكلت فئة كبيرة من الفقراء ذات أغلبية شيعية جمهوراً
مناسباً بامتياز لقوى تعبر عن تجذر اجتماعي وسياسي"[156].
كما أن الخلاف السياسي بين القوى المؤتلفة
فيما بينها على التحركات المطلبية، حول الوجود الفلسطيني ولبنان في لبنان شكل آخر، بحيث أن المسيحيين يرون فيه
خطر عليهم وقوة للمسلمين ويرى فيه المسلمين قوة وسنداً وحماية لهم، ناهيك عن
الموقف الوطني المتعاطف مع قضية فلسطين، أدى ذلك كله مع العوامل الأخرى إلى
استغلاله لإحداث عملية فرز سكاني ومناطقي.
ابتدأت الحرب الأهلية فكان وقودها أصحاب
المصلحة الواحدة في الصراع ضد الزعامات الطائفية التي تسيطر على السلطة السياسية
والاقتصادية، والتي كانت تحركاتهم المطلبية عشية اندلاع الحرب الأهلية واحدة.
تفاقم النزاع أكثر فأكثر، فبات القتل على الهوية في المناطق جميعها، ليس مقتصراً
على فئة أو طائفة أو منطقة واحدة. بل شملت الطوائف والمناطق جميعها. كما أن معارك
الجبل أدت إلى فرز حقيقي عبر المعارك التي دارت فيه، اثر تهجير السكان من بيوتها
وتدمير ممتلكاتها... إلى زيادة الأزمة تفاقماً وعمّق الشرخ، وأبعد إمكانية الوصول إلى
حل جذري لها.
إن اعتماد سياسة اللاغالب واللامغلوب في
لبنان، بعد حرب دامية استمرت خمسة عشر عاماً، دمرت مدنه وقراه وهجرت أبنائه،
وكبّدت الشعب من جميع الطوائف خسائر كبيرة في الأرواح، وأدت إلى تفكيك الدولة
وتمزيق وحدة الأرض والشعب والسلطة ومؤسساتها عسكرية وأمنية، اقتصادية واجتماعية،
سياسية وثقافية... الخ.
كما أسهم تدخل عوامل خارجية، في إزكاء نار
الفتنة وزيادة الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، بادعائها الحرص على إيجاد حل
للأزمة، وبالتأكيد على وحدة وسيادة لبنان واستقلاله، لكنها فعلياً كانت لديها رؤى
أخرى ومصالح تتجاوز لبنان، والتي عمدت إلى إيلائه كل الاهتمام.
لقد مضى على انتهاء الحرب الأهلية ما يفوق
عقدين ونصف، فبات الشباب أكثر وعياً والتحركات المطلبية أكثر تجذراً، والاحتجاجات
على مواقف السلطة من القضايا العامة التي تهم المواطنين، والمواقف منها، باتت أكثر
وضوحاً[157].
والإصرار على التحركات حتى تحقيق المطالب
والأهداف بات الشغل الشاغل للشعب بطوائفه جميعها، يشارك فيها الشباب من الجنسين
والشيوخ وأيضاً الأطفال. لم تكن الأمور التي تدفع المواطنين للتحرك في مواجهة
السلطة الآن بالأهمية ذاتها للمواطنين ما
قبل الحرب الأهلية.
في أحيان كثيرة كان "الاتجاه الطبيعي
العام في المواقف الصعبة والأزمات، هو الهروب منها ومن كل ما يسبب القلاقل. لكن
تحديد الهدف (المراد تحقيقه) يحتم التركيز على ما يراد تحقيقه والابتعاد عن ما يجب
تجنبه"[158].
فهل الشباب في تحركاتهم الآن سيتجنبون ما يمكن
أن يواجههم من مشاكل، أم يعملون وبإصرار على مواجهته لا الهروب منه؟
الفصل الثالث
الآليات التي اعتمدت لحل النزاع في لبنان 1975 – 1989
مقدمة
لم تبدأ
الحرب اللبنانية عام 1975 بعد اغتيال معروف سعد في صيدا في 26 شباط 1975، أو بعد
ضرب الباص في عين الرمانة في 13 نيسان 1975. بل كانت بداياتها في 2 أيار 1973 إن
لم يكن قبلها، حين شن الجيش اللبناني هجوماً على المخيمات في بيروت، واصطفت حينها
الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية مع المقاومة الفلسطينية، لتحدث عملية فرز حقيقية
على الأرض اللبنانية. فقد دعمت الأحزاب والميليشيات المسيحية الجيش اللبناني ووقفت
معه في الوقت الذي اتهمته القوى الوطنية بالجيش الفئوي لانحيازه إلى جانب فئة أو
طائفة من اللبنانيين ضد أخرى.
فمنذ الثاني
من أيار 1973 والأحداث تتفاعل، والتعبئة والتحريض قائمين على قدم وساق، والأجواء
العامة تنذر بأخطار، من غير الممكن التنبؤ بمفاعيلها وتفاعلاتها ونتائجها
مستقبلاً.
بدأت الحرب
على غير توقع إلا من مسببيها. وقد تسارعت تطوراتها، ليسعى كلا الطرفين فيها، إلى
تسجيل نقاط على الطرف الآخر أو تحقيق إنجاز ما يخدم مصالحه. وبالرغم من إنتماء
معظم الزعامات الطائفية التقليدية إلى الطبقة الإجتماعية ذاتها، والتي تمثل السلطة
السياسية، فلم يمنع ذلك وجود اختلافات فيما بينها، لأن مصالح الطوائف وامتيازات
بعضها طغى على ما عداه في تلك الفترة، ولكن ليس إلى أمد بعيد.
كانت الحرب الأهلية بمثابة التعبير عن
إنفجار أزمة إجتماعية حادة ناجمة عن تراكم طاقة كبيرة كامنة من التمرد والمطالبة
والحرمان من جراء التمدد السريع للأزمة التي لم يقدم لها أي حل حقيقي. فقبل الحرب
وخلالها، إرتفعت وتيرة أيدولوجيات متعددة يرون النجوح نحو حالة الإنعاش، وقوى
العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف. ويأمل رواج مقولة "التعددية الثقافية،
"التعددية الحضارية" بتأثير من الدين والتجربة التاريخية والثقافة
المجتمعية الطائفية والمؤسسات الثقافية التعليمية وكذلك البيت. وبفعل ضعف حضور
الدولة على مستوى التربية المواطنية، كان من المستبعد أن تقوم تقوم ثقافة وطنية
جامحة، وتحصل نقاة نوعية في الفكر والمؤسسات والعلاقات الإجتماعية والنظام السياسي
تشكل حماية لتعايش اللبنانيين.[159]
استندت المعارك في لبنان بين
الميليشيات المسيحية المدعومة من الجيش اللبناني وبين القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية
المدعومة من المقاومة الفلسطينية.
دمرت المعارك مؤسسات الدولة وأجهزتها،
فأنقسم الجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات الأخرى وبات كل طرف يرتب أموره بمعزل عن
وجود سلطة مركزية قادرة على ضبط الأوضاع وتسيير الأمور في لبنان وإدارة شوؤنه.
لم تفقد السلطة الأمل، فبقيت بالرغم
من وجودها الشكلي تقوم بدورها السياسي والدبلوماسي، فبقيت تتصرف في العلاقات
العربية والإقليمية والدولية بإعتبارها السلطة القادرة على الضبط والربط والمخولة
بإيجاد الحلول ولتيسير الأمور.[160]
الملفت للنظر أن القوى المتصارعة، لم
تصادر دور السلطة وقرارها السياسي، وأفسحت المجال أمامها للبحث عن حلول، كون
السلطة برئيسها الماروني ورئيس حكومتها المسلم والذي يكسب كليهما ثقة الأطراف
المتصارعة ما أعطى للسلطة برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والمجلس النيابي،
الحق في طرح مبادرات، تساوت مع مبادرات أخرى محلية وإقليمية ودولية، أوصلت الوضع
بالنهاية الى إتفاق الطائف.
1-
المبادرات اللبنانية لحل الأزمة
تفاوتت ردود
الأفعال حول تشكيل الحكومة العسكرية. فقد عارضها زعامات إسلامية ومسيحية ووطنية
لبنانية، باعتبارها خروج على الدستور وعلى الميثاق الوطني وعلى الديمقراطية، وأنها
ستؤدي إلى انقسام البلد ...
وأيدها
زعامات مسيحية كشمعون والجميل وغيرهما، باعتبارها حلاً معقولاً لإحلال الأمن
والنظام والإستقرار.
وقد ساعدت
جهود عربية ودولية في وقف تدهور الأوضاع، ما أدى إلى تقديم الحكومة استقالتها التي
قبلها رئيس الجمهورية.
أ ـ البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي
في 18/8/1975 أعلن كمال جنبلاط في مؤتمر صحفي
بإسم الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية اللبنانية عن "البرنامج المرحلي
للإصلاح السياسي"، عزا البرنامج، أسباب الأزمة اللبنانية إلى السمة الطائفية
والإقطاعية والإحتكارية للنظام اللبناني وفقدانه الديمقراطية، وإلى السياسة
الإنعزالية المارونية للجبهة اللبنانية المدعومة من "إسرائيل"، والتي
تهدف إلى عزل المسيحيين طائفياً عن بقية مكونات الشعب اللبناني وعن محيطهم العربي
وتقسيم لبنان. وإتهم البرنامج تحالف اليمين بأنه رجعي، إغتصب ثروة الأمة من أجل
إغناء نفسه[161].
واقترح
البرنامج:
·
إلغاء الطائفية السياسية، عبر الفصل بين
السياسة والدين.
·
إعتماد العلمنة في النظام السياسي.
·
تعزيز ديمقراطية التمثيل الشعبي في المجلس
النيابي، ولبنان دائرة إنتخابية واحدة ونائب واحد لكل عشرة آلاف ناخب، وخفض سن
الإنتخاب إلى 18 سنة.
·
إنشاء مجالس تمثيلية في المحافظات والأقضية
وإصلاح الإدارة والاقتصاد، بإعتبار أزمة لبنان تكمن في نظامه الرأسمالي الذي يفاقم
الأوضاع الإجتماعية المعيشية.
·
إنشاء مجلس دفاع أعلى ومجلس قيادة وإعادة
تنظيم الجيش، والحد من صلاحيات قائد الجيش.
جاءت ردود
الفعل على برنامج الإصلاح السياسي متفاوتة. فجاء رد فعل حزب الكتائب اللبنانية أنه
لا يرتكز إلى أساس علمي ولا يؤمن الإصلاح المنشود. ولا ينطلق من معطيات تحافظ على
الديمقراطية أو تكريس العلمنة الحقيقية. وسيؤدي إلى الإقتتال الطائفي أو إلى
التسلط وطغيان فئة على أخرى. واعتبرت الجبهة اللبنانية أن "الفيدرالية"
هي الحل، وأنها تعارض أي تعديل على الدستور[162].
واعتبر المسلمون أن العلمنة تتعارض مع الشريعة الإسلامية. لكن حقيقة الأمر أن
الزعامات الطائفية التقليدية مسيحية وإسلامية ترى في أي مشروع للأحزاب والقوى
الوطنية والتقدمية، (حتى إذا كان برنامجاً إصلاحياً)، مقدمة لخطوات لاحقة لبرنامج
تغييري جذري، يتناقض كلياً مع مصالحها وأهدافها التي تدافع عنها بكل ما اوتيت من
قوة.
رأت بعض
الأحزاب اليسارية والتقدمية اللبنانية في البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي،
تعويماً للنظام الطائفي وتكريساً لوجوده. في الوقت الذي كان النظام فيه على وشك
السقوط، بعد تفكك مؤسساته الأمنية والعسكرية، وتغيير تحالفاته وعلاقاته الدولية
وسياساته الخارجية، وانهيار اقتصاده (الصناعي، الزراعي، التجاري والمصرفي)
والتراجع في قطاعي السياحة والخدمات. وبعد أن وصلت القوات المشتركة لتحالف القوى
الوطنية والتقدمية اللبنانية والفلسطينية، إلى مناطق واسعة في الجبل، باتت تهدد
الميليشيات والأحزاب والقيادات المسيحية في مواقعها ومناطقها، فباتت تعد العدة
للرحيل من لبنان إلى الخارج، تحت إشراف أميركا وفرنسا. يحتم الواقع القائم
بمتغيراته ومستجداته الحاصلة عليها، تحديد أهداف جديدة ووضع برنامج تغييري جذري لا
إصلاحي، يضمن الحفاظ على وحدة وعروبة لبنان، أرضاً وشعباً، وإقامة نظام وطني
ديمقراطي، يخدم مصالح الشعب، ولا مكان فيه للطائفية والإستغلال والإحتكار
والمحاصصة، ولا للمؤامرة والمتآمرين والعملاء المأجورين، بل لبنان الواحد لجميع
أبنائه، العربي، الحر، السيد، الديمقراطي والمستقل.[163]
فالبرنامج
المرحلي للإصلاح السياسي بمضمونه، برنامج تغييري وليس إصلاحي. فهل كانت تأمل القوى
الوطنية والتقدمية اللبنانية من النظام بسلطته الطبقية الطائفية الآيلة للسقوط أن
يعمل على إلغاء الطائفية السياسية، واعتماد العولمة، وتعزيز ديمقراطية التمثيل
الشعبي، واعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة، وتخفيض سن الإقتراع إلى 18 عاماً.
وإذا كانت تأمل في ذلك فإنها ستكون واهمة وخيالية وغير واقعية. وهل يعقل أن تتنازل
الزعامات التقليدية الطائفية عن مصالحها ومكاسبها وامتيازاتها التي تحوزها، منذ
الإستقلال عام 1943 حتى تاريخه؟ أم ستدافع عن مصالحها ووجودها وامتيازاتها إلى ما
لا نهاية، طالما تجد من يقر لها بالزعامة، ويكرس وجودها في سدة النظام القائم؟
وعليه فإن من
المستحيل أن يقوم النظام السياسي الطائفي التوافقي بحفر قبره بيديه. ولكن!!! إنه
لبنان كوكتيل الأضداد (المتناقضات).
ب ـ الوثيقة الدستورية أعلنها رئيس الجمهورية
الرئيس سليمان فرجية في 14 شباط ،وقد تم الإعلان عن الوثيقة الدستورية بعد الإتفاق
عليها مع الرئيس رشيد كرامي ومع الرئيس حافظ الأسد في دمشق.1976[164]
وجاء فيها ما يلي:
·
لبنان عربياً، سيداً، حراً ومستقلاً.
·
تكريس توزيع الرئاسات الثلاث كما هو قائم
عرفياً.
·
توزيع المقاعد النيابية مناصفة بين المسلمين
والمسيحيين.
·
إنتخاب رئيس جمهورية بحصوله على أكثرية
نيابية، والإكتفاء بـ 55% من أصوات أعضاء المجلس النيابي في الدورات اللاحقة
للدورة الأولى.
·
إعادة تفسير صلاحيات رئيس الجمهورية.
·
تعزيز صلاحيات رئيس الحكومة وإنتخابه من
المجلس النيابي بأكثرية نسبية.
·
صلاحيات رئيس الحكومة تقريرية وإجرائية.
·
إنشاء محكمة دستورية لمحاكمة الرؤساء
والوزراء.
·
إلغاء طائفية الوظيفة، بإستثناء وظائف الفئة
الأولى.
·
تعديل قانون الجنسية[165].
لم ترضِ
الوثيقة الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية بزعامة كمال جنبلاط لأنها تكرس الوضع
الطائفي السابق والمعادلة القديمة "لا غالب ولا مغلوب". وهي غير دستورية
ومتخلفة عن الدستور المعمول به، وتخرج عن المفهوم البرلماني الديمقراطي. ولا تحقق
الإصلاحات المنشودة، ولا إنهاء إمتيازات المارونية في الرئاسة الأولى وفي الجيش،
وأبقت على توزيع الرئاسات الثلاث كما كانت[166].
واعتبر
المسلمون على لسان مفتي الجمهورية، بأن أهميتها تكمن في أنها أوقفت القتال، وطرحت
أسساً للحوار بين اللبنانيين.
وبالنسبة
لليمين المسيحي، فقد رفض البحث في الإمتيازات المارونية وتطبيق أي إصلاح قبل
التخلص من المقاومة الفلسطينية وتوزيع الفلسطينيين على الدول العربية.
ج- البيانان الصادران عن خلوتي سيدة ألبير وخلوة زغرتا على التوالي في 21-
23 كانون ثاني 1977، 21 – 22 كانون ثاني 1978 اعتبرت الخلوتان أن الجبهة اللبنانية
ممثلة للأكثرية الساحقة من المسيحيين. وطالبت بلبنان حر، تعددي تحظى فيه المسيحية
بذاتية مميزة وباستقلال ذاتي مجتمعي وثقافي وروحي، وقدرة على التواصل مع العالم
المسيحي. واعتماد تعددية المجتمع في البنيان السياسي الجديد، على أن ترعى كل
مجموعة حضارية جميع شؤونها الثقافية والتربوية والمالية والروحية وعلاقاتها مع
الخارج وحق خياراتها الخاصة[167].
وعمدت الجبهة
اللبنانية إلى وضع اللمسات الأخيرة على الكانتون المسيحي، الذي رسمت حدوده من
المدفون شمالاً حتى كفرشيما جنوباً، وقد عينت لجان لدرس ووضع التشريعات اللازمة في
شؤون الجنسية والمطبوعات والأحزاب والأحوال الشخصية والوجود الأجنبي وتملك الأجانب.
ورفضت الجبهة
في البيانين أي إصلاح سياسي في ظل الإحتلالات الموجودة على أراضيه وكذلك رفضت
توطين الفلسطينيين.
وترى أن
"ديمقراطية الأكثرية العددية" تحول المسيحيين إلى أقلية، لذا تصر الجبهة
على "التعددية الحضارية" و"الديمقراطية الطائفية"
و"الديمقراطية التوافقية". وترى في الوجود الفلسطيني عاملاً أحادياً
مسبباً لحرب لبنان، وتطالب بترحيلهم عنه.
دـ مبادرة الرئيس فرنجية للسلام في 25 شباط 1981
ارتكزت
مبادرته على:
·
خروج القوات السورية من لبنان.
·
مطالبة السعودية بتفعيل مبادرتها تجاه لبنان وألا
يقتصر دورها على الشق السياسي.
·
ناشد الدول العربية بعدم إجراء مقايضة بين
التسليم بالوجود السوري في لبنان، مقابل تسليم سوريا "بالحل السلمي"
لأزمة الشرق الأوسط.
·
أكد على سيادة لبنان، ووجوب خروج الجيش
السوري نهائياً منه، وضبط المقاومة الفلسطينية، وإقامة علاقات ثقة بينها وبين
لبنان.
لم تخرج
القوات السورية من لبنان. ولم يتفعل دور السعودية والدول العربية الأخرى على حساب
سوريا وبقي الوضع الفلسطيني على حاله.
ه ـ بيان الفعاليات المسيحية حول مشروع إتفاق لحل وطني في لبنان في 9/ 3/
1986 أكد على:
·
عروبة لبنان إنتماء وهوية.
·
التعددية الطائفية والحضارية والثقافية لكل
طائفة.
·
رفض التقسيم والفيدرالية والأمن الذاتي.
·
القبول بلبنان وطن نهائي لجميع أبنائه.
·
تحرير الجنوب من الإحتلال الإسرائيلي.
·
المساواة بين المواطنين سياسياً وإجتماعياً
وصولاً إلى العلمنة.
·
مداورة الرئاسات الثلاث مرة كل أربع سنوات.
·
المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس
النيابي.
·
التدرج في الإنتقال من النظام الطائفي إلى
الإنصهار الوطني.
·
إنشاء محكمة دستورية ومجلس أعلى لمحاكمة
الرؤساء والوزراء.
·
مجلس إقتصادي إجتماعي.
·
لا مركزية إدارية.
·
إعادة بناء الجيش.
·
إصلاح الإقتصاد وتنمية المناطق بصورة عادلة.
·
تعزيز التعليم الرسمي وتوحيد الكتاب المدرسي.
·
علاقات مميزة مع سوريا تتجسد في مجالات
السياسة الخارجية والعلاقات العسكرية والأمنية والإعلامية والإقتصادية[168].
باستعراض
المبادرات والمشاريع المقدمة من طرفي النزاع المسلم والمسيحي، برزت مجموعة حقائق
تتطلب الوقوف عندها، تقييمها، لمعرفة أسبابها وإستخلاص دروسها للإستفادة منها
مستقبلاً، لتجنب تكرار سلبياتها، والأخذ بإيجابياتها وتطويرها والعمل على أساسها.
فهل سعى أطراف الصراع لإنهاء الأزمة بإيجاد حل لها؟
كان كل طرف
من طرفي النزاع يطرح أقصى ما لديه من مطالب وشروط، تدفع الطرف الآخر للرفض، ليبدأ
كل منهما بتحميل المسؤولية للطرف الآخر، فتحتدم الأمور ليعود القصف والقتل والخطف
على الهوية من جديد.
كان يمكن
إيجاد تقاطعات في المبادرات المطروحة، يمكن أن تشكل بداية لبدء حوار بين الأطراف
المتنازعة، لكن التمترس وراء مواقف متطرفة، وتخيير الآخر بين قبول كل شيء أو
الرفض، كان يؤدي إلى تفاقم الأمور مجدداً وإندلاع الإشتباكات بينهما. فجميع
الأطراف كانت تدعو لإصلاح النظام وليس إلى تغييره.[169]
ويسعى كلا
الطرفين إلى تحسين شروط دخوله في المفاوضات لتحقيق إنجازات ومكاسب لصالح طائفته
وليس للبنان. حرص المسيحييون على الحفاظ على الإمتيازات التي يحوزونها ويخشون
فقدانها لدى إعتماد ديمقراطية الأكثرية العددية وليس الديمقراطية الطائفية
أوالتوافقية. وكذلك شعور المسلمين
بالتهميش السياسي مقابل إستئثار المسيحيين بالسلطة، دفع ذلك المسلمين للمطالبة
بمشاركة كاملة وحقيقية في السلطة.
طالبت القوى الوطنية والإسلامية بإلغاء
الطائفيىة السياسية، رفضها المسيحييون، وتمسكوا بالطائفية السياسية للحفاظ على
وجودهم وإمتيازاتهم. وتم رفض ديمقراطية التمثيل الشعبي في المجلس النيابي، لأنه
يخل بالتوازنات لصالح الأكثرية العددية الطائفية، مما يؤدي إلى الهروب للأمام
وتصعيد المواجهة. كان لإختلال التوازنات أكبر الأثر في حلحلة الأوضاع وتقديم
مبادرات تتسم بالمرونة والإيجابية وقبول الآخر، حيث كان بالإمكان التوصل إلى صيغة
للحل، لكن دخول عوامل جديدة وأطراف لا تجد مصلحة لها في انهاء الأزمة، كان يعرقل إمكانية الوصول إلى حل.
و ـ "مشروع إتفاق لحل وطني في لبنان" المقدم من الفعاليات
المسيحية في 9/3/1986 جاء نتيجة لتغيير الظروف وإختلال التوازن بين قوى النزاع.
فاليمين المسيحي أقام علاقات مع إسرائيل، وتلقى دعماً عسكرياً منها أسلحة وذخائر
وتدريب ...
وبالرغم من
ذلك لم تتمكن الميليشيات المسيحية من الإخلال بالتوازن القائم مؤقتاً إلا بعد
الإجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982 وإحتلال العاصمة بيروت بعد خروج
المقاومة الفلسطينية منها. لكن ذلك لم يدم طويلاً، ويعود ذلك إلى:
ـ تصاعد
المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي في جميع الأراضي اللبنانية .
ـ إنسحاب جيش
العدو من الجبل إلى نهر الأولي شمال صيدا دون معاهدة أو قرار دولي، بل بضغط من
أعمال المقاومة، والخسائر الكبيرة التي تكبدها العدو الصهيوني جراءها.
ـ تفجير
السفارة الأميركية ومقري قوات المارينز والقوات الفرنسية في بيروت وسقوط 241 جندي
أميركي و60 جندي فرنسي على التوالي[170].
ـ إنسحاب
القوات المتعددة الجنسية، الأميركية، الفرنسية، البريطانية والإيطالية من بيروت
عام 1984.
ـ إنتفاضة 6
شباط 1984 وخروج الجيش اللبناني والكتائب والقوات اللبنانية من بيروت الغربية
وضاحيتها الجنوبية.
ـ هزيمة
القوات اللبنانية في الجبل بقيادة سمير جعجع وإنسحابها إلى دير القمر ومن ثم إلى
شرق صيدا، حيث هزمت قواته فيها لينتقل وما تبقى من قواته بحرا إلى بيروت الشرقية.
س ـ إنتفاضة
القوات اللبنانية على الكتائب ورئيس الجمهورية في 25 كانون ثاني 1986.[171]
دفعت هذه
العوامل، الفعاليات المسيحية (التي وجدت أن ميزان القوى بات يميل فعلياً لصالح
القوى الوطنية والتقدمية والإسلامية) إلى طرح مشروعها لحل الأزمة في لبنان، وما
تضمنه من أفكار تصب باتجاه الوصول لتسوية الأزمة وتلتقي في معظم بنوده مع ما تطرحه
الفعاليات الإسلامية والأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية من مشاريع لإصلاح النظام
اللبناني لا تغييره. لكن الإنقلاب على القوات اللبنانية في 14/ 3/ 1986 الذي ترأسه
سمير جعجع حيث أسقط الإتفاق الثلاثي، بسقوط أحد أطرافه إيلي حبيقة. أجبر الفعاليات
المسيحية على التراجع عن بيانها الذي أصدرته في 9/3/1986، فعادت الأزمة إلى ما
كانت عليه، إذا لم تكن أكثر حدة وأشد قوة وأكبر خسائر.
2-
المبادرات الحكومية العربية
إنطلقت المبادرات الحكومية من التعامل مع
النظام الطائفي كما هو كائن وليس كما يجب أن يكون.
لم تتطرق المبادرات إلى إلغاء الطائفية
السياسية، مما يعني تكريسها والإبقاء عليها، فإذا كانت الطائفية إحدى المسببات
الأساسية للأزمة، فالإبقاء عليها هو تكريس لوجودها وإستمرارها دون وجود حل جذري
لها.
أ ـ
"مشروع صيغة للوفاق الوطني": أعدها الرئيس سليم الحص لمؤتمر الحوار
الوطني في بيت الدين في منتصف تشرين أول 1978 لتحقيق إصلاحات سياسية انتقالية،
وأهم ما جاء فيه:
1)
التشديد على عروبة لبنان.
2)
زيادة صلاحيات رئيس الحكومة.
3)
التقيد بتوزيع الرئاسات الثلاث وفق
"الميثاق الوطني".
4)
تعديل قانون الإنتخابات العامة.
5)
إعتماد اللامركزية الإدارية.
6)
منع الوجود المسلح على الأراضي اللبنانية.
7)
ضبط الوجود العسكري الفلسطيني وفق قمة الرياض
والقاهرة عام 1976.
8)
إقفال الإذاعات الخاصة غير المرخصة.
9)
إعادة بناء الجيش على أسس وطنية.
10)
جعل مقاعد المجلس النيابي مناصفة بين
المسلمين والمسيحيين.
11)
علاقات مميزة بين سوريا ولبنان، والتي تفرض
التنسيق المنظم والمستمر بين البلدين[172].
ب ـ وضع مجلس
الوزراء في 5/3/1980، بعد مشاورات مع الكتل النيابية والشخصيات السياسية ما سمي بـ
"مبادئ الوفاق الوطني" وتضمنت الوثيقة 14 بنداً:
أ- عروبة لبنان.
ب- علاقته الخاصة بسوريا.
ت- دوره في
الصراع العربي-الإسرائيلي.
ث- دعم لبنان
للقضية الفلسطينية ورفض التوطين.
ج- وحدة لبنان
أرضاً وشعباً ومؤسسات.
ح- إستقلال
وسيادة لبنان والتمسك بالنظام الديمقراطي والنظام الإقتصادي الحر.
خ- تحقيق
العدالة الإجتماعية.
د- المساواة
وتكافؤ الفرص بين اللبنانيين.
ذ- التعهد
بتنفيذ الإتفاقات المعقودة مع منظمة التحرير الفلسطينية.
ر- إنسحاب
إسرائيل من جنوب لبنان ورفض التعامل معها[173].
عند المطالبة
بزيادة صلاحيات رئيس الحكومة. "فالدستور اللبناني منح رئيس الجمهورية صلاحيات
واسعة، بحيث كان قادراً أن يختصر السلطات الثلاث في شخصه وحده، دون أن يكون
مسؤولاً عن السلبيات الناتجة عن هذا الاختصار"[174].
فالمادة 53 من الدستور تنص: "رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويسمي من بينهم
رئيساً، ويقيلهم، ويولي الموظفين مناصب الدولة ما خلا التي يحدد القانون شكل
التعيين لها على وجه آخر"...
أما فيما
يتعلق بالقرارات أو المبادرات الحكومية، فلم يكن بمقدورها تنفيذ ها، ويعود ذلك إلى
سيطرة الميليشيات المسيحية من ناحية والأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية من ناحية
أخرى، على مقاليد الأمور في البلاد، فأصبح بيدها الحل والربط على الأرض، على حساب
مسؤوليات وصلاحيات الحكومة. وأي مبادرة تتقدم الحكومة بها، حتى وإن كانت مدعومة
عربياً أو دولياً دون مشاركتها أو موافقتها التامة ومن وراءها، كأنها لم تكن.
أما إلغاء
الوجود الفلسطيني المسلح، المدعوم من الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية، والتي يرى
المسلحون فيه قوة ونصراً لهم في مواجهة إحتكار السلطة والإستئثار فيها، من
المسيحيين الموارنة فلم تتمكن الحكومة من تنفيذه.
وكذلك إحتلال
العدو الصهيوني لجنوب لبنان. فهل مطالبة الحكومة بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي
رقم 425، سيستجيب العدو له، وينسحب من الأراضي اللبنانية؟ إنه محض أمنيات، ولن
تتحقق إلا بامتلاك زمام القوة والإرادة والبرنامج والقرار، والموقف الشعبي
والسياسي الحزبي الداعم والمساند، وكذلك حشد الإمكانات وتأمين المستلزمات وتوفير
المتطلبات اللازمة لتنفيذه. وكذلك تأييد ودعم ومساندة شعبية ورسمية عربية.
3ـ المبادرات النيابية لحل الأزمة
ينطبق على
المبادرات النيابية، ما ينطبق على المبادرات الحكومية. إلا أن الفارق بينهما، أن
الحكومة سلطة تنفيذية وإجرائية، تتابع العمل اليومي بتفاصيله.
أما المجلس
النيابي، فدوره تشريعي، ولا يدخل في شؤون العمل اليومي، إلا ما تحيله الحكومة إليه
من مشاريع لإتخاذ قرار فيها.
ففي الوقت
الذي يكرس ويمثل المجلس النيابي الزعامة التقليدية الطائفية المحافظة في لبنان،
إلا أنه يسعى إلى تعزيز موقع الرئاسة الثانية مقابل الرئاسة الأولى.
أ- "لجنة
المبادرة النيابية" في 21 آذار 1977.
وضعت خطوطٌ
عريضة لصيغة سياسية جديدة تتلخص في:
·
أن تتحمل كل الطوائف مسؤولية النهوض بالوطن.
·
إعتماد الإستفتاء الشعبي كأساس للحكم وخصوصاً
في القضايا المصيرية والحياتية.
·
تعزيز العمل السياسي الحزبي.
·
القضاء على التفاوت الطبقي والإجتماعي بين
مختلف فئات الشعب.
·
إقامة التوازن بين السلطتين التشريعية
والتنفيذية[175].
ب- "الوثيقة البرلمانية" 27 نيسان 1978
تضمنت:
·
وجوب إنسحاب إسرائيل من لبنان وفق قرار مجلس
الأمن 425.
·
منع النشاط العسكري الفلسطيني.
·
حصر الوجود المسلح بالقوى الشرعية.
·
إحترام سيادة لبنان وسلامة أراضيه وسلطة
الدولة في جنوبه.
·
إعادة بناء الجيش على أسس وطنية سليمة.
·
وجوب إتباع سياسة إنمائية إقتصادية لتطوير
البلاد وإستثمار مواردها الطبيعية[176].
ج- المبادرة النيابية "المبادىء الأساسية
اللبنانية" في 10/3/1985:
·
أكدت على العيش المشترك بين اللبنانيين
جميعاً.
·
شددت على أن لبنان وطن موحد نهائي لجميع
أبنائه.
·
أكدت على عروبة لبنان وإنتمائه العربي.
·
أشادت بالمقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي في
الأراضي اللبنانية.
·
طالبت بالإنتقال بالبلاد من حالة التمرد
والفوضى والخوف والإنقسام والإنغلاق والتهجير والتشريد وحكم الميليشيات إلى الحرية
والنظام والأمان والإستقرار والوحدة والإنفتاح وسيادة القانون[177].
المادة 55 من
الدستور تنص: " يحق لرئيس الجمهورية أن يتخذ قراراً معللاً بموافقة مجلس
الوزراء، بحل مجلس النواب قبل إنتهاء عهد نيابته".
ما يعني أن
رئيس الجمهورية الذي يملك زمام أمور الحكومة مئة بالمئة لأنها حكومته، حيث يجتمع
الوزراء برئاسة رئيس الحكومة، ومن فوقهم رئيس الجمهورية، فقد كان قادراً على حل
مجلس النواب قبل إنتهاء مدة نيابته"[178].
كما لم تتطرق
المبادرات النيابية إلى إلغاء الطائفية السياسية، ولم تشر من قريب أو بعيد إلى
هوية لبنان وانتمائه العربي. كما لم تتناول مسألة العلاقة مع سوريا والأسس التي
تقوم عليها. ولا لعلاقة أحد طرفي النزاع مع "إسرائيل"، وضرورة قطع
العلاقات معها، ولم تتحدث عن دور لبنان في الصراع العربي-"الإسرائيلي".
أما حول
مسألة القضاء على التفاوت الطبقي والإجتماعي، فإن الطبقة المسيطرة إقتصادياً والتي
تشكل السلطة السياسية، والمجلس النيابي أحد أركانها، هي العنوان الفعلي للصراع
الطبقي، فهل سيعمل على إلغائه أو القضاء عليه؟
4ـ المبادرات
العربية
انطلاقاً من
المسؤولية القومية وإيماناً بمبادئ وأهداف ميثاق جامعة الدول العربية، بالإضافة
للعلاقات الاستراتيجية التي تجمع لبنان بالدول العربية، كان لا بد للمبادرات
العربية أن تأخذ حصة الأسد في حل النزاعات اللبنانية، فأتت المبادرات على عدة قمم
ومنها:
أ ـ القمة
المصغرة في الرياض في 18/ 10/1976
رعت السعودية
قمة عربية مصغرة ضمت إلى جانب العاهل السعودي الملك خالد والرؤساء حافظ الأسد،
أنور السادات، إلياس سركيس وياسر عرفات.
صدر بيان عن
القمة أعلن فيه تشكيل قوات ردع عربية لإعادة الأمن والسلام وذلك:
·
بغرض الإلتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء
الإقتتال في لبنان.
·
بتطبيق إتفاق القاهرة وملحقاته مع
الفلسطينيين.
·
بحفظ أمن اللبنانيين وغيرهم على الأراضي
اللبنانية.
·
بالإشراف على سحب المسلحين وجمع الأسلحة
الثقيلة.
·
بتسليم السلطة اللبنانية المرافق العامة.
·
بالعودة بالبلاد إلى طبيعتها أي ما قبل نيسان
1975.
وانبثق عن القمة المصغرة "لجنة
رباعية" ضمت السعودية، الكويت، مصر وسوريا أعدت لإنعقاد قمة القاهرة في 25-26
/10/ 1976.
وقد وافقت على قرارات قمة الرياض بتشكيل قوات
الردع العربية، تحت قيادة الرئيس سركيس.
وتشكلت قوات الردع من قوات سعودية ويمنية
جنوبية، سودانية وسورية، إماراتية وليبية قوامها 30 ألف جندي شاركت القوات السورية
بـ 25 ألف جندي.
لم تنجح هذه القوات بتحقيق الأمن والسلم
المرجو منها، بل استهدفت هذه القوات من قبل المتحاربين بالقنص وإطلاق النار، إضطرت
على أثرها إلى الإنسحاب التدريجي من لبنان، لتقتصر قوات الردع العربي على القوات
السورية التي زادت عددها إلى 30 ألف جندي[179].
أصبحت القوات
السورية موجودة في لبنان تحت مسمى "قوات الردع العربية"، الذي أقرته قمة
الرياض والقاهرة في تشرين أول 1976.
نجحت سياسة
سوريا تجاه لبنان، بانتشارها في معظم الأراضي اللبنانية. وترويض القوى اللبنانية
وليس إلحاق الهزيمة العسكرية الكاملة بهم، وجعل كل فريق يستنجد بها.
وكان كل ما
يهمها تحقيق الأمور التالية:
·
الاستفراد بالملف اللبناني-الفلسطيني.
·
منع تعريب الأزمة.
·
عدم السماح بتدويل الأزمة.
·
وقف إطلاق النار ودخول الفرقاء المتنازعين في
حوار برعايتها[180].
ـ إن وجود
القوات السورية تمنع العدو الصهيوني من تحقيق أطماعه التوسعية في المنطقة العربية،
ولمنع تقسيم لبنان إلى دويلات.
ـ زج المقاومة
الفلسطينية في الأحداث اللبنانية، يمنعها من القيام بواجباتها تجاه قضيتها في
مواجهة العدو الصهيوني.
ـ إلهاء
سوريا للابتعاد عن التزاماتها القومية العربية وتصديها للمؤامرات التي تستهدف
الأمة العربية.
ـ منع تقسيم
لبنان، الذي سيشكل سابقة للأقليات، لإقامة دويلات إثنية، قومية أو طائفية في الوطن
العربي.
ـ التصدي
للمؤامرات الأميركية الصهيونية الهادفة إلى بسط سيطرتها ومد نفوذها واستغلال خيرات
البلاد ونهب ثرواتها.
إن تذبذب
المواقف السورية وانتقالها من طرف إلى آخر، دفع طرفي النزاع إلى اتخاذ موقف سلبي
منها، بل معاد لها أحيانا كثيرة، ومواجهة سياستها ومجابتها عسكريا[181].
فهل مسك
العصا من المنتصف، إذا مالت باتجاه تميل للاتجاه الآخر كي تضمن استمرار التوازن
بين القوى المتصارعة يخدم سياستها؟ وهل الانتقال من موقف إلى آخر، من موقف داعم
للمقاومة الفلسطينية وللقوى الوطنية التقدمية اللبنانية (اليسارية) إلى مواجهتهم
بالوقوف في صف الجبهة اللبنانية ضد التحالف الفلسطيني-اللبناني اليساري يحقق لها
أهدافها؟ مع معرفتها المسبقة لعلاقة الجبهة اللبنانية بالعدو الصهيوني وتلقيها منه
الدعم والمساندة من سلاح وذخائر وتدريب...
ب ـ مؤتمر
وزراء الخارجية العرب في بيت الدين في 15-17/10/1978
شددت مقرراته
على :
1ـ عروبة
لبنان ووحدته وإستقلاله وسلامة أراضيه.
2ـ إنهاء
المظاهر المسلحة.
3ـ
إعادة بناء الجيش اللبناني على أسس وطنية، ليتولى المهام التي تقوم بها "قوات
الردع العربية"، في فترة زمنية محددة.
4ـ
تأليف لجنة من السعودية، الكويت وسورية توضع بتصرف الرئيس سركيس. لقد رتبت
السعودية لإنعقاد هذا المؤتمر. لكنها لم تستطع السير به ما لم تأخذ موافقة سوريا
ومشاركتها فيه، وبالرغم من ذلك، فلم تطبق مقررات بيت الدين، بسبب خلاف بين سركيس
والحص حول قانون الدفاع وإعادة بناء الجيش وإبقاء الميليشيات على سلاحها وإستمرار
تعامل بعضها مع إسرائيل (سعد حداد). وعدم رغبة سوريا في إدخال لاعبين عرب أو أجانب
إلى الساحة اللبنانية[182].
5- المنظمات الدولية والأزمة في لبنان
إتخذ مجلس
الأمن الدولي قراراً تم التصويت عليه بأغلبية 14 صوتاً إعترضت أميركا عليه ومارست
حق النقض (فيتو)، جاء في القرار:
يؤكد مجلس
الأمن الدولي على قراراته السابقة 508-509-511-512-513، الصادرة في العام 1982.
وإذ يعيد إلى
الأذهان قرار 515 الصادر في 29/7/1982 وإذ يتخوف من استخدام العمليات العسكرية وتصعيدها
داخل بيروت وحولها.
1- يؤكد قراراته
السابقة ويطالب بوقف نار فوري، ووقف كل النشاطات العسكرية على الأراضي اللبنانية
وعبر الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
2- يسمح للأمين
العام بنشر فوري، (بناء على طلب الحكومة اللبنانية)، لمراقبين دوليين من الأمم
المتحدة لمراقبة الوضع في بيروت وحولها.
3- يطلب من
الأمين العام أن يرفع تقريراً إلى المجلس تماشياً مع هذا القرار في أسرع وقت ممكن
لا يتعدى الأربع ساعات[183].
سقط القرار
بعد ممارسة حق النقض (فيتو) الأميركي. واستمر العدوان والغزو الصهيوني للبنان، غير
آبه لمطالبة الدول بوقفه والإنسحاب من الأراضي اللبنانية، وفي أجواء الهزيمة التي
ألمت بالمقاومة الفلسطينية والقوات السورية، تم إنتخاب بشير الجميل رئيساً
للجمهورية. كما جاءت مبادرة فيليب حبيب مبعوث الرئيس الأميركي ريغان إلى لبنان
والمنطقة والتي تتضمن:
·
إخراج فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة من
لبنان.
·
إخراج القوات السورية من بيروت.
·
مراقبة إجلاء القوات الإسرائيلية والسورية
والأجنبية من لبنان.
·
بدء المفاوضات لحل المشكلة الفلسطينية.
ـ إنتشار
الجيش اللبناني في بيروت والمناطق التي تنسحب منها الفصائل الفلسطينية والقوات
السورية ويجلو عنها الإحتلال الإسرائيلي.
وقد وضع
فيليب حبيب آلية تنفيذية تتضمن برنامجاً زمنياً لإنسحاب القوات الفلسطينية براً إلى
سوريا وبحراً إلى قبرص وطرطوس ومصر والسودان واليمن، وإخراج القوات السورية إلى
الجبل ومن ثم إلى سوريا.
6- أحداث وتطورات سياسية وعسكرية بعد الإجتياح
الإسرائيلي للبنان 1982
وزير الدفاع الأميركي الأسبق كاسبر واينبرجر
في كتابه "القتال من أجل السلام"، "اتهم زملاءه في وزارة الخارجية
ومجلس الأمن القومي بأنهم كانوا يفتشون بشوق من أجل زج العسكر الاميركي في معركة
ما"[184]. وقع الإتفاق بين لبنان وإسرائيل بالأحرف
الأولى في 17 أيار 1983 الذي باركته وأشرفت عليه أميركا، حيث "اعتبره
"جورج شولتز" وزير الخارجية الاميركي بأنه في مصلحة العرب، وكان ينتظر
تأييدا عربيا لجهوده، وضغطا على سوريا للقبول بالاتفاق والدخول في المفاوضات"[185].
في 20 تموز توجه أمين الجميل إلى واشنطن
يرافقه شفيق الوزان حيث كانت المناطق اللبنانية تشهد إشتباكات فيما كانت بيروت
الشرقية تتعرض للقصف من مدافع الحزب التقدمي الإشتراكي.
وفي 23 تموز
تم الإعلان عن قيام جبهة الإنقاذ الوطني برئاسة سليمان فرنجية وعضوية رشيد كرامي
ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط وبعض الأحزاب اليسارية. وفي 3 أيلول
1983 بدأت القوات الإسرائيلية الإنسحاب من جبل لبنان (عاليه والشوف)، وفي المقابل
بدأت قوات جبهة الإنقاذ الوطني التقدم لملء الفراغ بعد أن رفضت إسرائيل السماح
للجيش اللبناني بالانتشار مكانها على الرغم من تدخل الولايات المتحدة الأميركية.
وبعد نحو عشرين يوماً كانت ميليشيات القوات اللبنانية قد أخلت كل قرى عاليه والشوف
وسط أكبر عملية هجرة للسكان المسيحيين منذ القرن التاسع عشر، حيث تجمع سكان القرى
المسيحية والقوات المنسحبة في بلدة دير القمر بقيادة سمير جعجع، أما قوات جبهة
الإنقاذ الوطني فقد توقفت عند حدود بلدة سوق الغرب[186].
وجدت الحكومة
الأميركية نفسها في مأزق صعب، فمن جهة رفضت القبول بالإنجرار إلى حرب أهلية
لبنانية، ومن جهة أخرى لم تقبل بأن تسعى سوريا إلى إفشال السياسة الأميركية تماماً
في لبنان. فإسرائيل برهنت عبر إنسحابها من الشوف بأنها لم تعد تفكر بتكوين توازن
مقابل لسوريا في لبنان، ولا بدعم أمين الجميل سياسياً، وهو الذي رفض إبرام الإتفاق
معها بعد أن أقره مجلس الوزراء ووافق عليه مجلس النواب.
كان على اميركا أن تختار بين التراجع امام
الضغط السوري وإعطاء صورة عن دولة عظمى، تقوم بمطاردتها الميليشيات، وبين
التزاماتها العسكرية، وابراز صدقيتها. فاختارت مخرجا وقررت قصف منطقة الشوف
والجبال المحيطة بسوق الغرب بمدافع البارجة "نيوجرسي" للحؤول دون سقوطه.
لكن القصف لم يغيرالوقائع الميدانية ، وراحت المعارك تشتد والقصف يزداد عنفا.
"بدأت أميركا تعطي سوريا هامشا أوسع في
سياستها تجاه لبنان، منذ العام 1984، اعتقادا منها أنها الأقوى والأقدر على ضبط الأوضاع
في لبنان، وللحد من تصاعد نفوذ التيارات الاصولية الإسلامية وعمليات خطف الأجانب.
وأبقت أبواب التواصل مفتوحة مع سوريا.
تبدلت الأحوال في تموز 1983 بعد مرور ثلاثة عشر
شهرا من ابتداء الاجتياح "الإسرائيلي".
أولا: استعادت
سوريا قوتها العسكرية بمساعدة الاتحاد السوفييتي.
ثانيا: تعبت إسرائيل
من عد ضحاياها اليومية جراء وجودها في لبنان، والتي حملت رئيس الحكومة مناحيم بيغن
على الاستقالة، كما أجبرت ارئيل شارون وزير الدفاع على الاستقالة بسبب حوادث صبرا
وشاتيلا.
ثالثا: خيبة
أمل إسرائيل بالمسيحيين لعدم الوفاء بوعدهم بإجراء معاهدة سلم بين البلدين، وراحت
تتعامل مع غيرهم من الأقليات اللبنانية (الدروز).
رابعا: ما
كان يعتبر غير معقول أصبح حقيقة، أن إسرائيل ستنسحب من الجبل إلى نهر الأولي شمال
مدينة صيدا، مما شدد من عزيمة المقاومة التي اعتبرت أن لبنان بدأ يشهد بداية لانسحاب
الإسرائيليين دون معاهدة أو قرار دولي، واعتبرت هذه السابقة انتصاراً لبنانيا
وعربيا"[187].
7- السياسات
الدولية تجاه الأزمة اللبنانية
يتميز لبنان
بموقعه الإسترتيجي وجذبه للكثير من الدول، وبحكم موقعه الجغرافي وحدوده مع الدول
المجاورة، فإن الكثير من الدول تتدخل في مصالحه الداخلية والخارجية فكيف إذا كان
لبنان في حال نزاع فكان ولابد من التدخل الدولي لحل الأزمات اللبنانية.
أولاً:
السياسة الأميركية
رعت أميركا اتفاق
"الخطوط الحمر"[188] بين سوريا وإسرائيل. صرح كسينجر في ضوء الاتفاق
المذكور: "أن سوريا هي القوة القادرة على تثبيت الوضع في ذلك البلد".
وطالبت
"دين براون" الموفد الأميركي إلى لبنان في ضوء مخططات الجبهة اللبنانية
لتقسيم لبنان، وما يشكله من ضرر على مصالح أميركا في الشرق الأوسط، بالدعوة إلى
ترحيل مسيحيي لبنان إلى صحراء نيفادا أو كندا.
وأعلن براون
تأكيد حكومته للوثيقة الدستورية عام 1976 والتي كانت سوريا وراء إصدارها، وأكد أن
حكومته تدعم الحكومة السورية في جهودها لإحلال السلام في لبنان.
لفتت هذه
التصريحات إلى أن أميركا تقف ضد مشاريع الموارنة لتقسيم لبنان. وإنها لم تعد تجدهم
القوة الرئيسية في البلاد. وأنها تريد أن تأخذ سوريا دوراً أساسياً في الشأن
اللبناني، وضبط الوضع الفلسطيني، عبر دخول الجيش السوري إلى لبنان، وتقاسم النفوذ
بين دمشق وتل أبيب.
لم ينجح مخطط
أميركا في تقاسم النفوذ في لبنان. واعتقد بعض السياسيين اللبنانيين أن أميركا تريد
حل النزاع العربي-الإسرائيلي بإعطاء جنوب لبنان إلى الفلسطينيين.
إنتقدت
الإدارة الأميركية إجتياح إسرائيل للبنان في آذار 1978. وأصرت على استصدار قرار من
مجلس الأمن الدولي، "القرار رقم 425" الذي يقضي "بانسحاب القوات الإسرائيلية
من كل الأراضي اللبنانية دون تلكؤ، واحترام وحدة لبنان واستقلاله السياسي وسيادته،
ووضع قوات دولية على حدوده للتأكد من إنسحاب الجيش الإسرائيلي[189].
الإنتقال من قرار صدر عن الولايات المتحدة الأميركية عام 1978 الى السياسة الأميركية عام 1983 من دون
الإشارة الى أحداث الفترة الممتدة بين هاتين السنتين.
إتخذت
السياسة الأميركية منحى مختلفاً بعد عملية التفجير التي إستهدفت قوات المارينز في
بيروت في 23/10/1983 والتي راح ضحيتها 241 من قوات المارينز عدا الجرحى والعملية
الأخرى التي إستهدفت القوات الفرنسية والتي راح ضحيتها 60 قتيلاً. أوفد وزير
الدفاع الأميركي "جاسبر واينبرغر" بعثة برئاسة الأدميرال المتقاعد
"روبرت لونغ" لتقصي الحقائق. جاءت الخلاصة، على أن وجود المارينز في
لبنان ليس بمهمة ناجحة. إذ أن الحالة في لبنان غير قابلة للتسوية أو الانتصار.
"أصبح
التدخل الأميركي في لبنان مشكلة، لم يعرف الأميركيون كيفية الخلاص منها.... كما
أدركت إرتكابها أخطاء جدية في لبنان لعدم قدرتها على تنفيذ ما وعدت به، فقد كان من
الصعب عليها الإنسحاب دون مبرر"[190]،
لكنها إتخذت قرارها بالإنسحاب.
شهدت المنطقة
العربية تطورات هامة منذ العام 1977، إذ قام الرئيس السادات بزيارة القوات
المحتلة، كذلك فإن صدور البيان المشترك الأميركي السوفييتي (بين الرئيسيين كارتر
وبريجينيف) والذي يسعى الى إنجاز تسوية شاملة لأزمة الشرق الأوسط بالعودة الى مؤتمر
جينيف وتمثيل الفلسطينين فيه والحق في أن يكون لهم دولة.
تراجع كارتر
بضغط من الدين اليهودي في اميركا عند الاعلان المشترك. كما وقع إتفاق كامب ديفيد
بين مصر والعدو الصهيويني في أيلول 1978-1979. والثورة الإيرانية وإسقاط نظام
الشاه في شباط 1979 وإحتجاز الرهائن الاميركيين في إيران. الحرب العراقية الايرانية
في العام 1980 والتي إستمرت حتى 1988. تابعت أميركا تطور الأحداث العربية
والإقليمية في المنطقة حتى العدوان الصهيوني للبنان في حزيران 1982، حيث عادت
أميركا الى المنطقة بإرسال مبعوثها فيليب حبيب لمتابعة الأوضاع في لبنان والإشراف
على إخراج المقاومة الفلسطينية منه ونشر القوات السورية وكذلك نشر الجيش اللبناني
في بيروت والمناطق والعمل لإيجاد إتفاق بين السلطة اللبنانية والعدو الصهيوني.
وصلت
الخلافات الأميركية -الإسرائيلية إلى حد رفض موشيه أرينز وزير الدفاع الاسرائيلي،
طلبا اميركيا بتأجيل الانسحاب من الجبل لفترة قصيرة، كي يتمكن الجيش اللبناني من
الحلول في المواقع والانتشار في المنطقة التي سينسحب منها الجيش الاسرائيلي، فرد
قائلا: لقد قررنا الانسحاب ولن نتأخر دقيقة واحدة. مما يؤكد تضارب المصالح بينهما.
هدفت اسرائيل من وراء ذلك إلى توريط أميركا في لبنان لتثبت لها، أنها الوحيدة
القادرة على التعامل مع الوضع في لبنان والمنطقة وحماية مصالحها ووجودها. أظهرت
اميركا تراجعا في اهتمامها بلبنان بعد إلغاء اتفاق 17 أيار، اعتقادا منها ان
المفاوضات المباشرة بين لبنان وإسرائيل هي حلقة ضرورية في عملية انسحاب الجيش
"الإسرائيلي" من لبنان، معتبرة أن بمقدورها إخراج "إسرائيل"
من الأراضي اللبنانية وليس الأمم المتحدة. واشترطت عودتها إلى رعاية المفاوضات بـ
:
1-
أن يكون إجماع في الحكومة اللبنانية حول
المفاوضات.
2-
أن تقوم الحكومة اللبنانية بالترتيبات
الأمنية التي تصر عليها إسرائيل للموافقة على الانسحاب .
3-
أن توافق سوريا على المفاوضات اللبنانية -الإسرائيلية
المقبلة وتقدم الضمانات لنجاح الاتفاق المنشود والترتيبات وعملية التنفيذ[191].
يتضح أن أميركا هي من يسوق للمفاوضات وعقد اتفاقات مع إسرائيل بشروطها. واذا رفض
اللبنانيون أو السوريون فلن تقدم أميركا المساعدة لإخراج إسرائيل من الأراضي
اللبنانية بسبب انحيازها إليه.
ثانيا :
المساعي الفرنسية لحل الأزمة في لبنان
انطلقت الرواية الفرنسية من:
ـ عدم وجود
حل قائم لأزمة لبنان دون إيجاد حل شامل ونهائي لأزمة المنطقة. (أي عدم الفصل بين
أزمة لبنان وأزمات المنطقة).
ـ إن أزمة
لبنان لها "محرك فلسطيني"، و"عجلات سورية"، و"راع
أميركي"، وقد رأت فرنسا مساعدة اللبنانيين للوصول إلى صيغة وفاق وطني، بتدويل
الأزمة اللبنانية وإعلان حياد لبنان بموافقة جميع اللبنانيين. وإرسال جنود فرنسيين
إلى لبنان لحفظ السلام[192].
معوقات واجهت السياسة الفرنسية تجاه لبنان:
1- مساعي أميركا
للاستفراد بحل أزمة الشرق الأوسط، وخصوصاً سياسة كسينجر "الخطوة خطوة"،
حيث ترى فرنسا ضرورة التسوية الشاملة لأزمة المنطقة، إذا ليس من مصلحة أميركا دخول
أطراف جديدة على الأزمة بعد أن أنجزت "اتفاق الخطوط الحمر" بين سوريا وإسرائيل،
ولن يكون التدخل لمصلحة أي منهما.
2- عدم رغبة
فرنسا إغضاب كل من سوريا وإسرائيل. إذ أن فرنسا كانت تدرك حساسية أي تدخل خارجي،
عربي أو دولي، وقد رفضت سوريا إرسال قوات فرنسية إلى لبنان لموازنة الوجود السوري
فيه.
3- انزعاج
"إسرائيل" من تطبيع العلاقات بين فرنسا والعرب، وتراجع العلاقة معها
(إسرائيل) مقابل الحصول على النفط ومنافع اقتصادية أخرى.
4- شعور فرنسا
منذ اندلاع الأزمة في لبنان بأنها مستبعدة من قبل القوى المحلية، المسيحية
والإسلامية، ويعود ذلك إلى شكوك المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية والتقدمية
اللبنانية بوجود مخطط فرنسي، يرمي إلى إحكام القبضة على لبنان من خلال إمساك فرنسا
بالمسيحيين وسوريا بالمسلمين.
5- وجدت فرنسا
أن فقدان التوافق بين الطوائف يعود للإخلال بالتوازن الطائفي. فالميثاق الوطني،
أعطى دوراً مسيطراً للمسيحيين حيث كانوا أكثرية، وباتوا أقلية.
ثالثا:
الفاتيكان والأزمة في لبنان
تتصف
المجتمعات العربية تاريخياً بتعددية نسيجها الإجتماعي دينياً ومذهبياً وعرقياً وبالإستمرارية
إدارة التنوع في إطار الوحدة طيلة قرون وبأشكال متنوعة، والفاتيكان هو العامود
الأساسي للحفاظ على هذا التعايش حيث يوصي بشكل دائم على اهمية التعايش السلمي ولكن
في ظل الازمة اللبنانية تم إفشال بعثات الفاتيكان لحل الازمة في لبنان من
المتعارضين في لبنان سواء الجانب المسيحي او المسلم، فكل من هذه الاطراف لديهم
مصالح خاصة وكان الفاتيكان مصر على التعايش الإسلامي المسيحي كرسالة إلى شعوب
المنطقة. وتحقيق إصلاحات ترضي الأطراف المتنازعة، ويتم ذلك عبر:
·
تعديل الميثاق الوطني للعام 1943.
·
يتناقض ربط أزمة لبنان بأزمة الشرق الأوسط مع
أهداف الجبهة اللبنانية بفصل الأزمة اللبنانية عن الصراع العربي-الإسرائيلي.
·
التعاطي مع مشكلة المسيحيين في لبنان من خلال
المصالح الكاثوليكية العامة في الشرق الأوسط.
·
تقسيم لبنان سينعكس سلباً على المسيحيين بشكل
عام وأعوانه بشكل خاص.
·
كان الكرسي الرسولي يعارض العلاقة بين
المسيحيين وإسرائيل.
·
اعتبر الكرسي الرسولي سوريا دولة احتلال في
لبنان، وطالبها بسحب قواتها، لتتمكن الحكومة اللبنانية من بسط سيطرتها على كامل
أراضيها[193].
أما بشير
الجميل، فقد رفض الحوار المسيحي الإسلامي من خلال رؤية الفاتيكان، وقال: "يجب
أن يفهم الفاتيكان، أن المسيحيين في لبنان، ليسوا حقل تجارب للحوار المسيحي
الإسلامي في العالم. إن مهمة لبنان كجسر بين الغرب والعالم العربي قد انتهت"[194].
وكذلك تدخل الفاتيكان لوقف الاقتتال
المسيحي-المسيحي أعقاب انقلاب سمير جعجع على القوات بعد توقيع إيلي حبيقة على
"الاتفاق الثلاثي" وانقسام القوات اللبنانية[195].
لهذه الأسباب
وغيرها أفشل الجانب المسيحي مبادرات الفاتيكان لحل الأزمة في لبنان.
رابعا:
السياسة السوفييتية تجاه لبنان والشرق الأوسط
بعد زيارة
الرئيس أنور السادات إلى القدس المحتلة في 19 تشرين ثاني 1977 والاجتياح الإسرائيلي
للبنان عام 1978 وتوقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد برعاية أميركية 1978-1979 وعقد
اتفاق 17 أيار 1983 بين لبنان وإسرائيل. حصر السوفييت جهودهم في التوفيق بين سوريا
والفلسطينيين، كما وثقت علاقاتها الداعمة لجبهة الرفض الفلسطينية والحركة الوطنية
التقدمية اللبنانية حتى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، الذي اعتبرت وكالة
تاس السوفييتية أن الهجوم على لبنان جاء نتيجة التحالف الاستراتيجي الأميركي – الإسرائيلي
وسياسة كامب ديفيد.
أحجم السوفييت عن تقديم المساعدة للفلسطينيين
عندما طلب ياسر عرفات منهم ذلك. مكتفين بتحريك قطع من أسطولهم إلى شرقي البحر
المتوسط مفضلين الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي بدلا من اتخاذ موقف مباشر، وحذروا
أميركا من احتمال توسع دائرة النزاع في الشرق الأوسط، فرد البيت الأبيض بتحذير السوفييت
من التدخل من النزاع الدائر في المنطقة. انتقدت القيادة الفلسطينية والحركة
الوطنية اللبنانية الصمت والفتور السوفييتي، معتبرين أن بإمكانهم أن يفعلوا أكثر
ويلجأوا إلى وسائل أخرى لردع إسرائيل، ومنها الوسائل العسكرية.
تقدم بريجينيف في 15 أيلول 1982 بمبادرة سلام
شامل للنزاع العربي الإسرائيلي، تضمنت انسحاباً إسرائيلياً من الجزء العربي من
القدس والضفة الغربية وغزة وهضبة الجولان ولبنان، دون أن يكتب لها النجاح. وعندما
لم تر مبادرة السلام السوفييتية النور. قام السوفييت بتعويض خسائر سوريا العسكرية.
وأثناء المفاوضات حول اتفاق 17 أيار، طالبت القيادة السوفييتية بانسحاب كل القوات
الأجنبية من لبنان بما فيها القوات السورية، آملة أن تفشل مهمة شولتز وزير
الخارجية الأميركي، لعقد اتفاقية "سلام" بين لبنان وإسرائيل[196].
8-المؤتمرات العالمية
لحل الأزمة في لبنان
مما لا شك
فيه أن الحكومات تلعب دوراً كبيرا في مواجهة الأزمات بصفة عامة، والأزمات بصفة
خاصة، ونتيجة لتكون الأزمات التي تؤثر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدول، فلا
بد من أن الدول العالمية أن تلعب دوراً في مواجهة هذه الأزمة لمساعدة الدول للخروج
من النفق المظلم.
مؤتمر جينيف (31/10/1983-4/11/1983)
أعلن وقف إطلاق النار وبدأ التحضير لمؤتمر الحوار الوطني الذي تقرر في جنيف
في سويسرا، بعد وساطة سعودية تولاها السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن
سلطان ورجل الأعمال اللبناني رفيق الحريري بين الولايات المتحدة الأميركية وسوريا.
قبل إنعقاد
مؤتمر الحوار الوطني في جنيف حاول أمين الجميل الاجتماع بالرئيس السوري حافظ الأسد
وبالملك فهد بن عبد العزيز، لكي يدخل المؤتمر من موقع قوي. لكن موفده إلى العاصمة
السورية دمشق، جان عبيد، عاد صفر اليدين، فقد رفض الأسد إستقبال الجميل إلا بعد أن
يلغي إتفاق 17 أيار.[197]
إنعقد مؤتمر
الحوار الوطني في فندق إنتركونتينتال في مدينة جنيف في الأول من تشرين الثاني
1983، بحضور رئيس الجمهورية أمين الجميل، وكميل شمعون، وسليمان فرنجية، وصائب
سلام، ورشيد كرامي، وعادل عسيران، وبيار الجميل، ووليد جنبلاط، ونبيه بري، ووزير
خارجية سوريا عبد الحليم خدام، والوزير السعودي محمد إبراهيم مسعود. إستمرت أعمال
المؤتمر حتى الرابع من تشرين الثاني[198].
لم يصل مؤتمر
جنيف إلى أي نتيجة، سوى الإتفاق على هوية لبنان العربية، إذ جاء في البيان
الختامي: "لبنان بلد سيد حر مستقل وواحد أرضاً وشعباً ومؤسسات في حدوده
المنصوص عنها في الدستور اللبناني والمعترف بها دولياً، وهو عربي الإنتماء والهوية
وعضو مؤسس وعامل لجامعة الدول العربية وملتزم بكافة مواثيقها، على أن تجسد الدولة
هذه المبادىء في جميع الحقول والمجالات دون إستثناء[199].
ولقد أخفق المؤتمر في التوصل إلى أية نتيجة أخرى
بسبب عقدة إتفاق 17 أيار، حيث أصرت سوريا والقوى الممثلة لجبهة الإنقاذ الوطني على
إلغاء الإتفاق فيما تمسك به أمين الجميل، واتفق على عقد جلسة ثانية لمؤتمر الحوار
في 14 تشرين الثاني من العام ذاته. وقد طرح المؤتمر للنقاش المسائل التالية:
·
صلاحيات رئيس الجمهورية وإهتمام المعارضة
بتقليصها.
·
زيادة أعضاء المجلس النيابي وتحقيق المساواة
في التمثيل بين المسلمين والمسيحيين وتمديد ولاية رئيس مجلس النواب.
·
تحويل مجلس الوزراء إلى هيئة فعلية لصنع
القرار وتحديد صلاحياته في الدستور.
·
تعزيز منصب رئيس الوزراء وتحديد صلاحياته في
الدستور.
·
اللامركزية ونقل بعض المسؤوليات الإدارية من
المحافظة إلى القضاء والمحافظة أو إلى أكثر من ذلك.
·
الإنماء المتوازن بين العاصمة والمناطق.
·
إلغاء الطائفية السياسية.
وطبعاً لم
يتوصل إلى إتفاق حول أي من المواضيع المطروحة، وانفضّ المؤتمر على أمل أن يتوجه
الرئيس الجميل إلى واشنطن للقاء الرئيس ريغان من أجل البحث في موضوع تعديل إتفاق
17 أيار[200].
مؤتمر لوزان
بعد مؤتمر
جنيف توجه الرئيس أمين الجميل إلى واشنطن لإستكشاف موقف الولايات المتحدة بخصوص
إتفاق 17 أيار، والبحث في إمكانية تعديله أو تنفيذه. لكن الموقف الأميركي شرع ينظر
إلى الأمور من زاوية مختلفة، بخاصة بعد أن تعرض مركز المارينز للتفجير. فقد إعتبر
رئيس الولايات المتحدة أن إتفاق 17 أيار أصبح بمثابة إتفاق مجمد، وأبلغ وزير
الخارجية الأميركي جورج شولتز الجميَل أن من الأفضل عدم إلغاء الإتفاق لكي لا تثار
إسرائيل، كما يجب عدم تنفيذه لكي لا تغضب سوريا، ولذلك يجب البحث عن خيار ثالث.
لكن الخيار الثالث كان يعني المراوحة وإستمرار الحرب الداخلية، وهذا ما حدث.
أصرت سوريا
على إلغاء إتفاق 17 أيار، مهما كانت النتيجة. فحاول الجميًل كسب الوقت، لكن سوريا
أصرت على موقفها، وأبلغ وزير خارجيتها عبد الحليم خدام لبنان هذا الموقف بصراحة،
رافضاً أي تحديد لموعد ثانٍ لإنعقاد مؤتمر الحوار الوطني قبل إلغاء إتفاق 17 أيار،
لكن الجميًل فضًل الإنتظار لعله يحصل على موعد للإجتماع بالرئيس السوري، وهذا ما
لم يحدث، بل تطور الأمر إلى تصاعد في المواجهة بين الجيش اللبناني وعناصر من حركة
أمل والحزب التقدمي الإشتراكي، وأخذ التدهور العسكري يتسع إلى أن حدثت إنتفاضة
السادس من شباط 1984، وسيطرت حركة أمل والحزب التقدمي والحركة الوطنية اللبنانية
على الجزء الغربي من العاصمة بيروت، وخرج الجيش اللبناني منها بعد معارك طاحنة.
لكن المعارك إستمرت، وبدأت قوات الحزب التقدمي الإشتراكي وحلفاءها، محاولة إختراق
جبهة سوق الغرب، فما كان من الجميل إلا أن ناشد السعودية التدخل. وبعد إجتماع بين
وزير خارجية المملكة السعودية سعود الفيصل ووزير خارجية لبنان إيلي سالم، بحضور
رفيق الحريري في الرياض، وضعت خطة إقترح فيها سالم إلغاء إتفاق 17 أيار قبل الدعوة
إلى مؤتمر الحوار الوطني[201].
في 5 آذار 1984 عقد مجلس الوزراء اللبناني جلسة
تقرر فيها إلغاء إتفاق 17 أيار وإعتباره باطلاً وكأنه لم يكن مع كل ما تترتب عليه
من آثار[202].
خاصة بعد أن قطع الجميًل الأمل في تجاوب إسرائيل معه. فقد حاول جاهداً قبل ذلك
بأسبوع الإتصال بإسرائيل للوقوف على مدى إستعدادها لدعمه، لكن إسرائيل قد قررت عدم
الإستماع إليه[203].
فيما بدأت القوات المتعددة الجنسيات الأميركية والفرنسية والبريطانية والإيطالية
الإنسحاب من بيروت[204].
بين إنتهاء اعمال مؤتمر جنيف في 4 تشرين
الثاني 1983 وبدء جلسات مؤتمر لوزان في 12 آذار 1984، تغيرت أمور كثيرة، فبيروت
الغربية كانت قد أصبحت تحت سيطرة حركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي، وكانت جبهة
سوق الغرب قابلة للإنهيار بضغط من الحزب التقدمي الإشتراكي، فيما بدأت القوات
المتعددة الجنسيات الإنسحاب، بعد أن ألغي إتفاق 17 أيار. في ظل هذه الأجواء إنعقد
مؤتمر الحوار في لوزان، لمناقشة الأفكار الإصلاحية لتطوير النظام السياسي. لكن
المفاجأة هذه المرة جاءت من قبل سليمان فرنجية أبرز حلفاء سوريا الذي رفض أي تعديل
في صلاحيات رئيس الجمهورية، وقاد معه تشدد الفريق الماروني الذي أدى إلى عدم توصل
المؤتمر إلى أي نتيجة[205].
وقد دام المؤتمر حتى 20 آذار 1984 من دون التوصل إلى نتيجة سوى تشكيل لجنة أمنية
برئاسة رئيس الجمهورية، أنيط بها تنفيذ خطة أمنية لإقامة بيروت الكبرى، وهيئة
تأسيسية لوضع مشروع دستور جديد للبنان.
كان المؤتمر
قد شهد صراعاً في الأفكار والمواقف. لكن كل طرف بقي على موقفه ورأيه، ولم ينجح
الحوار في تعديل أي إقتناع، فقد إقترح كميل شمعون إنشاء "جمهورية
فيدرالية" فعارضه سليمان فرنجية ورشيد كرامي، وإقترح وليد جنبلاط تسمية لبنان
"جمهورية لبنان العربية"، وإتهم نبيه بري أمين الجميًل بمحاولة تدمير
ضاحية بيروت الجنوبية، وعاد شمعون للمطالبة بلبنان دولة علمانية، فرد عليه رشيد
كرامي برفضه ما يتناقض مع الإسلام. وفي نهاية المؤتمر أعدت ورقة للنقاش عرفت
بوثيقة لوزان وقد تضمنت الأفكار التالية:
·
لبنان عربي الإنتماء والهوية.
·
تأليف حكومة إتحاد وطني وإنشاء هيئة تأسيسية
لوضع مشروع دستور للبنان المستقبل خلال عام، وفقاً للإصلاحات التالية:
أ- إلغاء
الطائفية في الوظائف العامة، بإستثناء وظائف الفئة الأولى، على أن تكون هذه
الوظائف مداورة ومناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
ب- إعتبار مجلس
الوزراء السلطة التنفيذية العليا في البلاد.
ت- يتم إنتخاب
رئيس الوزراء من قبل المجلس النيابي بالأكثرية النسبية.
ث- ينتخب رئيس
مجلس النواب لمدة سنتين.
هذه الوثيقة
رفضها الرئيس سليمان فرنجية رفضاً باتاً، وقال: "أنا غير مستعد أن أتنازل عن
درهم من حقوق طائفتي"، وأضاف: "الصلاحيات المعطاة من الدستور اللبناني
لرئاسة الجمهورية أنا لن أتنازل عنها أبداً" وأعلن أنه "لن يقبل بأن
يتحول رئيس الدولة الماروني إلى دور أمين سر"[206].
في نهاية المؤتمر قال عبد الحليم خدام: "لا جدوى من المشاركين في المؤتمر،
فغالبيتهم لا تمثل لبنان الجديد. ومن الأفضل الجمع بين قادة أمل والحزب التقدمي
الإشتراكي والقوات اللبنانية، فهم الشباب الذي أفرزتهم الحرب وهذا هو الطريق
للتوصل إلى إتفاق شامل"[207].
الاتفاق الثلاثي
بعد مؤتمر
لوزان، الذي سبقه إلغاء إتفاق السابع عشر من أيار، كان واضحاً أن سوريا قد إستعادت
المبادرة في لبنان، بحيث كانت حال لبنان بعد سقوط إتفاق السابع عشر من أيار أشبه
بحال المريض الذي تدهورت صحته بشكل مرعب، فقرر أهله إستبدال الطبيب المعالج بطبيب
آخر. حلت سوريا مكان إسرائيل وإستبدل السلام الإسرائيلي بالسلام السوري. وكما عملت
سوريا على تفشيل السلام الإسرائيلي، ستعمل إسرائيل على تفشيل السلام السوري[208].
وفي منتصف نيسان 1984 عقدت قمة سورية لبنانية، بين الرئيسين أمين الجميًل
وحافظ الأسد، تم فيها الإتفاق على اعتبار وثيقة لوزان بمثابة الخطوط العريضة لعمل
الحكومة المقبلة وتوجهاتها، كما تم الإتفاق على أن يكون رشيد كرامي رئيساً لحكومة
الوحدة الوطنية. لكن اللافت في
القمة المذكورة ليس اتخاذ القرار بالحكومة ورئيسها وبرنامجها والأعضاء، بل في
الكلام الذي قاله الرئيس السوري أثناء مناقشات القمة وهو استخدامه تعبيري
"الشرعية الدستورية" و"الشرعية الثورية". وقد ظهر ذلك أثناء
النقاش والتداول في أسماء أعضاء الحكومة حيث لمح الرئيس الأسد إلى تفضيله تمثيل
وتوزير زعماء المعارضة في الحكومة (نبيه بري ووليد جنبلاط)[209].
ترأس رشيد كرامي حكومة الوحدة الوطنية، وانضم
إليها وليد جنبلاط ونبيه بري ممثلين للشرعية الثورية، فيما إنضم إليها بيار
الجميًل وكميل شمعون وسليم الحص وعادل عسيران ممثلين للشرعية الدستورية. وقد عين
مجلس الوزراء العماد ميشال عون قائداً للجيش[210].
لكن حكومة الإتحاد الوطني سرعان ما أصبح إسمها حكومة الإنقسام الوطني، وبدأ أمين
الجميًل يفقد سلطته كرئيس للجمهورية. في بداية الأمر خطت التسوية خطوات واسعة
فأنهى الجيش اللبناني إنتشاره في بيروت الكبرى في خلال أيام، وعاد مطار بيروت إلى
العمل بعد توقف دام 160 يوماً، وكذلك المرفأ. ثم أزالت الجرافات ما تبقى من الخط
الأخضر الفاصل بين "البيروتين" في إطار خطة أمنية لإزالة خطوط التماس.
لكن الإعتراضات بدأت تظهر، إذ رفضت حركة أمل أن يخرج اللواء السادس ذو الغالبية
الإسلامية من المنطقة الغربية على أن يتولى هو الأمن فيها، فيما إنتشرت الألوية
التي غالبيتها من المسيحيين في المناطق الشرقية[211].
ولم تمضِ أربعة أيام على قرار مجلس الوزراء بفتح الطرق الدولية، حتى أعلن الوزير
وليد جنبلاط النظام الأساسي للإدارة
المدنية في الجبل، ورفض دخول الجيش مجدداً إلى هذه المنطقة إلى حين إنتهاء مسألة
الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب[212].
في المقابل إستمر تدهور الأوضاع الأمنية الداخلية. ففي 20 أيلول 1984 انفجرت سيارة
مفخخة يقودها سائق إنتحاري في السفارة الأميركية في عين المريسة. كما إقتحم
متظاهرون السفارة السعودية في بيروت، وعلى الأثر أغلق السعوديون سفارتهم في بيروت
وبدأوا يعتمدون كلياً على رفيق الحريري في إدارة علاقتهم السياسية في لبنان[213].
أما في
المنطقة الشرقية فقد شهدت الأمور تأزماُ ذا طبيعة مختلفة. فقد انقلبت الأمور على
أمين الجميًل، وبدأت القوى المحسوبة عليه بالتمرد ضده. كان أمين الجميًل قد تمكن
من الإمساك بحزب الكتائب بعد وفاة والده في آب 1984، حيث انتخب مرشحه الدكتور إيلي
كرامة رئيساً للحزب، كما أوصل الدكتور فؤاد أبو ناضر إلى قيادة القوات اللبنانية. لذلك ظهر أمين الجميًل في بداية عام 1985 وكأنه
يمسك بالمنطقة الشرقية والقرار فيها، فهو رئيس الجمهورية، ويسيطر على حزب الكتائب
والقوات اللبنانية[214].
في الخامس من
آذار 1985 أوفد الرئيس حافظ الأسد إلى لبنان نائبه عبد الحليم خدام، وعقدت خلوات
في القصر الجمهوري الصيفي في بكفيا. أسفرت إجتماعات بكفيا عن مجموعة قرارات أهمها:
فتح الطريق الساحلية، وإزالة حاجز البربارة التابع لسلطة سمير جعجع مسؤول القوات
اللبنانية في الشمال، (كان هذا الحاجز قد أنشئ عام 1978 في أعقاب مجزرة إهدن التي
راح ضحيتها طوني فرنجية وعائلته). وإثر اجتماعات بكفيا نفسها جرت إتصالات مع سمير
جعجع لإزالة حاجز البربارة. في ظل هذه الأوضاع بدأت إجتماعات بين كريم بقرادوني
وسمير جعجع وإيلي حبيقة الذين قرروا السيطرة على القوات اللبنانية وإنتزاع القرار
الذي يسيطر عليه أمين الجميًل عبر فؤاد أبي ناضر. وقد أعدت خطة لذلك وتولى ميشال
المر تأمين التمويل لخطة الإنتفاضة وإجراء الإتصالات التمهيدية مع قائد الجيش
العماد ميشال عون[215].
لقد رفض سمير جعجع إزالة حاجز البربارة، فإتخذ حزب الكتائب قراراً بفصله من الحزب.
وكانت ردة الفعل الطبيعية أن أقدم حبيقة وجعجع على تنفيذ إنتشار عسكري سيطرا فيه
على القوات اللبنانية التي إنتخبت إيلي حبيقة قائداً لها. وهكذا أحدثت هذه
الإنتفاضة داخل المنطقة الشرقية اهتزازاً كبيراً في نفوذ الرئيس الجميَل، وذلك بعد
يومين من إجتماعات بكفيا[216].
ولم يمضِ
شهران على الإنتفاضة المذكورة في المنطقة الشرقية حتى حدثت إنتفاضة أخرى على
الإنتفاضة كان أحد أبطالها إيلي حبيقة. ففي 9 أيار 1985 إجتمعت الهيئة التنفيذية
التي كانت بمثابة قيادة جماعية للقوات، وإنتخبت إيلي حبيقة رئيساً لها. إلا أن
التطور تمثل بالبيان الذي أذاعه حبيقة إثر إنتخابه. فقد أعلن في بيان له:
"الإقتناع الذي نعلنه اليوم هو أن الخيار اللبناني هو عربي. نقول ذلك عن
إقتناع لا عن خوف، ولسوريا في هذا القرار موقع أساسي نظراً إلى الروابط الجغرافية
والتاريخية المصيرية[217].
هذا الموقف
لقائد القوات اللبنانية إيلي حبيقة شكل مفاجأة في لبنان، وبخاصة أن حبيقة كان
معروفاً بعلاقته القوية بإسرائيل، وهو المتهم بمشاركته بمجازر صبرا وشاتيلا. وقد
كان في بيانه هذا دليلاً على تطور ما في العلاقة مع سوريا، ودلت الوقائع على أن حبيقة
كان قد بدأ حواراً مع سوريا سبقته ثلاث رسائل خطية منه إلى القيادة السورية يعلن
فيها إلتزامه الخيار العربي وتحديداً عبر سوريا. وقد سبقت هذا التطور إتصالات سرية
بين الجانبين إمتدت طويلاً. وفي العاشر من أيلول 1985 كان إيلي حبيقة يزور العاصمة
السورية على رأس وفد من القوات بعد إتصالات دامت خمسة أشهر، وقد قرر حبيقة التأكيد
على وحدة لبنان وإستقلاله وإنتمائه العربي، وعلى أهمية الدور السوري في التوصل إلى
الحلول المرجوة. وبعد أسبوعين كان ممثلوا القوات اللبنانية وحركة أمل والحزب
التقدمي الإشتراكي يجتمعون في دمشق بحضور خدام ويبدأون مفاوضات حول وثيقة
للإصلاحات السياسية. هذه المفاوضات والإتصالات التي بقيت سرية، بين قوى
"الشرعية الثورية" الثلاث، إستمرت حتى 28 كانون الأول 1985 تاريخ ما سمي
بالإتفاق الثلاثي، في دمشق.
نهار الإثنين
30 كانون الأول 1985 سلم وزير الخارجية السوري فاروق الشرع رئيس الجمهورية
اللبنانية أمين الجميًل نص الإتفاق الثلاثي، وأبلغه دعوة لعقد قمة مع الأسد في 2
كانون الثاني 1986[218].
وقد لحظ
الإتفاق الإصلاحات التالية:
·
لبنان بلد عربي الانتماء والهوية.
·
وضع قانون انتخاب جديد على أساس اعتماد
المحافظة دائرة انتخابية، وتحديد سن الإنتخاب بـ 18 سنة.
·
استحداث مجلس شيوخ يتولى البت بالقضايا
المصيرية مع مجلس النواب.
·
تعيين نواب جدد، وتوسيع المجلس النيابي عبر
زيادة الأعضاء وفقاً لمبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، والمساواة بين
الطوائف الثلاث الكبرى (المثالثة ضمن المناصفة).
·
يترأس رئيس الجمهورية ويشارك في المناقشات من
دون حق التصويت في الجلسات التالية وهي: مجلس الدفاع، إجتماعات مجلس الوزراء
لإقرار البيان الوزاري، وجلسات حل مجلس النواب.
·
يدعو رئيس الجمهورية مجلس الوزراء للإنعقاد
في حالات يعتبر فيها البلاد في خطر، ولرئيس الجمهورية دعوة مجلس النواب للإنعقاد
مرة في الشهر.
·
السلطة الإجرائية مناطة بمجلس الوزراء الذي يمارس كامل
الصلاحيات التنفيذية والإدارية ويضع السياسة العامة للدولة. وحل مجلس النواب بقرار
معلل.
·
رئيس الحكومة يترأس مجلس الوزراء ويدير الجلسات ويطرح
جدول الأعمال[219].
·
تشكيل الحكومة يتم بعد إستشارات نيابية ملزمة يجريها
رئيس الجمهورية. وإذا إمتنع رئيس الجمهورية عن توقيع مرسوم الحكومة بعد تشكيلها
يحتكم رئيس الوزراء المكلف إلى مجلس النواب... وإذا إمتنع رئيس الحكومة المكلف عن
عرض لائحته الحكومية على رئيس الجمهورية خلال مدة شهر من تكليفه يعتبر ذلك بمثابة
إعتذار ويفتح باب الإستشارات مجدداً.
·
إلغاء طائفية الوظيفة باستثناء وظائف الفئة الأولى،
وتكون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
إعتبر
الإتفاق أن التعبير الأبرز عن عروبة لبنان يكون بإقامة علاقات مميزة مع سوريا وذلك
في مجال السياسة الخارجية والعلاقات العسكرية والأمنية والإقتصادية والإعلامية
والتربوية.
هذا الإتفاق
شكل صدمة في المنطقة الشرقية، وقرر أمين الجميًل وسمير جعجع الإنقضاض عليه.
وفي نهار
الأربعاء 15 كانون الثاني 1986 سدد الجميَل وسمير جعجع ضربة قاسية لسياسة سوريا في
لبنان عندما شنّا هجوماً عسكرياً مشتركاً على حبيقة، وقد إستعان الجميَل في هجومه
هذا بشباب بكفيا والمتن من الكتائب. وعند حلول الليل كانت قوات حبيقة قد هزمت
وإستسلم حبيقة إلى الجيش ونقل إلى وزارة الدفاع مع نجل ميشال المر إلياس، ومنها
غادر إلى باريس، وبعدها إلى دمشق[220].
وهكذا تبخر
الإتفاق الثلاثي، وسقط عبر سقوط ركن من أركان الشرعية الثورية، وعاد التوتر من
جديد، حيث تربع جعجع على رأس القوات اللبنانية فيما بقي ميشال عون على رأس الجيش
اللبناني.
9- مؤتمر الطائف
23/10/1989
شارك فيه 62
نائباً من أصل 73، تغيب 11 نائباً منهم 8 نواب لأسباب سياسية، وإعتبر ثلاثة نواب
آخرين مقاطعين.
افتتح
المؤتمر تحت شعار، "الفشل ممنوع".
كانت مسودة
"إتفاق الطائف"، مزيجاً من أفكار وبرامج وإتفاقات سابقة، تضمنت شيئاً من
"الوثيقة الدستورية" 1976، وكذلك من "مبادىء الوفاق الوطني"
الذي تضمنه البيان الوزاري لحكومة كرامي 1984، والكثير من قرارات "مؤتمر
لوزان"، ومقاطع من "الإتفاق الثلاثي"، وإقتراحات السفيرة الأميركية
"أبريل جلاسبي".
فوثيقة
الطائف هي خلاصة أفكار ومشاريع وضعت بين عامي 1976-1989.[221]
فقد بدء
التحضير الجدي لإنهاء الأزمة، في مؤتمر القمة العربية في الدار البيضاء بين
23-26/5/1989، بتأكيد الزعماء العرب، على ضرورة حل الأزمة اللبنانية في الإطار
العربي، تأكيداً على عروبة لبنان والمسؤولية العربية حياله. وقرر المؤتمر تشكيل
لجنة ثلاثية عليا من ملك المغرب الحسن الثاني والملك فهد بن عبد العزيز، والشاذلي
بن جديد رئيس الجمهورية الجزائرية. كانت صلاحياتها مطلقة وحددت مهمتها في برنامج
عمل دقيق وأهداف واضحة. أما الأهداف فهي:
-
مساعدة لبنان على الخروج من محنته، وإنهاء
معاناته الطويلة، وإعادة الأوضاع الطبيعية إليه.
-
تحقيق الوفاق الوطني بين أبنائه.
-
مساندة الشرعية اللبنانية القائمة على
الوفاق.
-
تعزيز جهود الدولة اللبنانية لإنهاء الإحتلال
الإسرائيلي.
-
بسط سلطة الدولة كاملة على كافة التراب
اللبناني، بهدف حماية أمنها وإستقرارها بقواها الذاتية[222]،
تمهيداً لإعادة إعمار لبنان، وتمكينه من إستئناف دوره الطبيعي ضمن الأسرة العربية.
أما البرنامج
المرسوم، لتنفيذ هذه الأهداف:
·
عقد إجتماع للنواب، داخل لبنان أو خارجه،
لوضع صيغة للوفاق والإصلاحات السياسية والتصديق عليها.
·
إنتخاب رئيس الجمهورية بعد التصديق على وثيقة
الوفاق.
·
تأليف حكومة وفاق وطني، تلزم بوثيقة الوفاق
وتعمل على وضعها موضع التنفيذ.
·
دعم حكومة الوفاق الوطني، في إتخاذ
الإجراءات، التي تراها ضرورية لممارسة سيادتها على الأراضي اللبنانية.
·
إعطاء مهلة سبعة أشهر لتنفيذ المهمة[223].
رافق ختام
مؤتمر القمة تصعيد عسكري وإمتعاض سوري من تأليف اللجنة الثلاثية، لأن العاهل
السعودي رفض المشاركة السورية في اللجنة، لتقديره أن سوريا طرف من أطراف الصراع.
تم التوصل إلى
تسوية بين الرئيسين الأسد والشاذلي من جديد، فعاودت اللجنة عملها وأصدرت قراراً
بدعوة من النواب اللبنانيين إلى الإجتماع في الثلاثين من أيلول 1989. وأعلنت وقف
إطلاق النار في لبنان. تأليف لجنة برئاسة الأخضر الإبراهيمي للإشراف على تنفيذه،
رفع الحصار البحري، وفتح مطار بيروت الدولي، والإشراف على وقف إرسال السلاح إلى
لبنان[224].
قام
"إتفاق الطائف" على أركان ثلاث:
1- الهوية
والكيان ونظام الحكم.
2- السيادة والاستقلال.
3- قواعد وآلية
التنفيذ وتحقيق الأهداف.
أما مضمون
إتفاق الطائف فاشتمل على أربعة فصول:
1- المبادىء
العامة والإصلاحات السياسية وغيرها من الإصلاحات.
2- بسط الدولة
اللبنانية سيادتها على كامل أراضيها.
3- تحرير لبنان
من الإحتلال الإسرائيلي.
4- العلاقات
المميزة مع سوريا[225].
جاء في
المبادىء العامة والإصلاحات السياسية: أن لبنان وطن حر سيد مستقل، وطن نهائي لجميع
أبنائه، واحداً أرضاً وشعباً ومؤسسات، في حدوده المنصوص عليها في الدستور والمعترف
بها دولياً... لبنان عربي الهوية والإنتماء... وهو جمهورية ديمقراطية برلمانية،
تقوم على مبدأ إحترام الحريات العامة وحرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة
الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل.
والشعب مصدر السلطات والسيادة، يمارسها عبر المؤسسات الدستورية. النظام قائم على
مبدأ الفصل بين السلطات ومقاومتها.
مبادىء حول النظامين الإقتصادي والإجتماعي، جاء فيها:
أن النظام الإقتصادي، هو نظام حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة...
والإنماء المتوازن، ثقافياً وإقتصادياً وإجتماعياً. وهو ركن أساسي من أركان وحدة
الدولة وإستقرار النظام. وعلى الدولة العمل على تحقيق عدالة إجتماعية شاملة من
خلال الإصلاح المالي والإقتصادي والإجتماعي[226].
رسمت الوثيقة المجتمع اللبناني القائم على العيش المشترك بين طوائف البلاد،
على قاعدة المساواة السياسية وقاعدة القانون الواحد لجميع المواطنين، فلا فرز
للشعب على أساس أي إنتماء، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، ولا شرعية لأي سلطة
تناقض ميثاق العيش المشترك[227].
-
أقرت الوثيقة مبدأ يقوم على توزيع المقاعد في
المجلس النيابي على أساس المساواة العددية بين المسلمين والمسيحيين (المناصفة)
وإعتماد النسبية بين كل مجموعة دينية وبين المناطق. كما تقرر، في حال إنشاء مجلس
نيابي غير طائفي، إنشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر
صلاحياته في القضايا المصيرية
-
وحول الرئاسات الثلاث، فقد بقيت رئاسة
الجمهورية للموارنة، ورئاسة الحكومة للسنة، ورئاسة المجلس النيابي للشيعة.
-
قلصت الوثيقة صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح
رئيسي الحكومة ومجلس النواب. وإحتفظ رئيس الجمهورية بمنصبي القائد الأعلى للجيش
ورئاسة مجلس الدفاع، مع خضوع القوات المسلحة لسلطة مجلس الوزراء.
-
ألقيت على عاتق مجلس الوزراء سلطات كثيرة.
فله حق المبادرة في إعداد القوانين والمراسيم. وعليه أن يراقب تطبيق القوانين
والجهاز الإداري المدني والعسكري وتعيين الموظفين. وقرارات مجلس الوزراء تتخذ
توافقياً، وإذا تعذر ذلك فبالتصويت. وتحتاج الموضوعات الأساسية إلى أكثرية ثلثي
أعضاء الحكومة، وحددت كالتالي: التعبئة العامة، حالات الطوارىء وإعلان الحرب،
إبرام السلام والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة، مشاريع التنمية طويلة الأمد،
تعيين كبار الموظفين من الدرجة الأولى، الإصلاح الإداري، وحل المجلس النيابي،
وقانون الإنتخاب وقانون الجنسية وقانون الأحوال الشخصية وإقالة الوزراء[228].
وأشار إتفاق الطائف إلى أن إلغاء الطائفية، "هدف وطني أساسي يقتضي العمل على
تحقيقه وفق خطة مرحلية". وأن "هيئة وطنية" يجب أن تتشكل برئاسة
رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والحكومة وشخصيات سياسية وفكرية وإجتماعية، تسعى
إلى إلغائها على مراحل.
-
وبالنسبة إلى الإصلاحات الأخرى. تقرر إعتماد
خطة إنمائية موحدة وشاملة للبلاد، وإعادة النظر في التقسيم الإداري، "بما
يؤمن الإنصهار الوطني ويضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب
والمؤسسات".
وقد أقرت
تشكيل ثلاثة مجالس:
1- "المجلس
الأعلى لمحاكمة الرؤساء".
2- "المجلس
الدستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين".
3- "المجلس
الإقتصادي الإجتماعي للتنمية"، وذلك بهدف مشاركة مختلف القطاعات في صياغة
السياسة الإقتصادية والإجتماعية للدولة.
وفي مجال
التعليم والتربية الوطنية. لحظت الوثيقة إلزامية التعليم في المرحلة الإبتدائية،
وحماية التعليم الخاص وتعزيز الرقابة عليه، وإصلاح الجامعة اللبنانية والتعليم
الرسمي والمهني والتقني، وإعادة النظر في المناهج التعليمية وتطويرها بما يعزز
الإنتماء والإنصهار الوطنيين[229].
وتقرر إعادة
تنظيم الإعلام بما يخدم توجهات الوفاق الوطني.
-
أما فيما يتعلق ببسط الدولة اللبنانية
سيادتها على كل أراضيها، فتقرر، "قيام الدولة القوية القادرة المبنية على
أساس الوفاق الوطني". وذلك من خلال حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية
وتسليم أسلحتها خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني. وكذلك
تعزيز قوى الأمن الداخلي والجيش، وإعادة المهجرين إلى الأمكنة التي هجروا منها[230].
-
أما
بالنسبة إلى العلاقات اللبنانية – السورية. أكدت "وثيقة الوفاق الوطني"،
إعتراف النواب اللبنانيين بدور الجيش السوري كمساعد للحكومة اللبنانية في إستعادة
سلطتها. (تقوم القوات السورية مشكورة بمساعدة قوات الشرعية اللبنانية لبسط سلطة
الدولة اللبنانية). وإهتم إتفاق الطائف بتحديد نوعية العلاقات السورية اللبنانية
في إطار وجود مصالح بين البلدين، نعتها مشروع وثيقة الطائف بأنها مصالح إستراتيجية
مشتركة. وأن العلاقات سوف تجسدها إتفاقات بينهما في شتى المجالات، مما يحقق مصلحة
البلدين الشقيقين في إطار سيادة كل منهما وإستقلاله. وأصدر المؤتمرون في الطائف،
على سيادة لبنان كاملة، غير منقوصة، خاصة أن للسيادة شرعية مستمدة من الشرعية الدولية التي تعترف بسيادة
الدول على أراضيها، سيادة كاملة تامة وغير منقوصة[231].
-
حمل
مؤتمر الطائف سلاح الشرعية الدولية، في وجه الإحتلال "الإسرائيلي" لجنوب
لبنان، مصراً على إتفاق الهدنة، والحدود المعترف بها دولياً، وتنفيذ قرار مجلس
الأمن الدولي رقم 425، وحقوق الشعب اللبناني في الدفاع عن أراضيه، بكافة الوسائل
المتاحة، وواجب الدولة في تحرير الأرض كاملة. ورفض مؤتمر الطائف الربط بين الإنسحاب
"الإسرائيلي" إحتلالاً غير مشروع للأرض، يمكن مواجهته باللجوء إلى
الشرعية الدولية، أو بالحرب لتحرير الأرض. أما الوجود السوري، فيجب أن توضع له
أصول وقواعد، تتفق عليها بيروت ودمشق، في الإطار العربي، الذي يجمعها في ظل إنتماء
قوي، ومن خلال جامعة الدول العربية[232].
عمل مؤتمر
الطائف على معالجة الوجود العسكري السوري في لبنان، منظمة الإنسحاب السوري على
مرحلتين:
الأولى: تقضي
بإنسحاب القوات السورية من جميع المناطق اللبنانية الموجودة فيها، إنسحاباً
عسكرياً وأمنياً تاماً، إلى منطقة البقاع الغربي، وإلى ضهر البيدر على خط ممتد من
عين دارة إلى المديرج، فحمانا، ويكون إنسحابها في مصلحة القوات الشرعية اللبنانية
من جيش وقوى أمن، وتساعد هذه القوات على بسط سلطة الدولة اللبنانية على أراضيها
كاملة، وتنتهي بعد مرور سنتين.
الثانية:
تبدأ بعد إعادة تجميع القوات السورية في المواقع الجديدة، ووفقاً لإتفاق بين
الحكومتين اللبنانية والسورية، يحدد مدة بقاء الجيش السوري في البقاع ومداخل
البقاع الجنوبي، وحجم قوامه، وعلاقتها بسلطات الدولة اللبنانية، في أماكن وجودها[233].
لقد كان
للطائف نتائجه الإيجابية والسلبية.
النتائج
الإيجابية:
فقد أوقف
الحرب، وشكل حكومة وفاق وطني، وعمل على حل الميليشيات، وجمع السلاح، وضبط الفلتان
الأمني. وأجرى إنتخابات رئاسية ونيابية، وعمل على بسط سلطة الدولة وسيادتها في
جميع الأراضي اللبنانية.
"وحقق
إلغاء هيمنة الطائفة الواحدة، وتثبيت المشاركة بين الطوائف جميعها، وأقر المناصفة
بين المسلمين والمسيحيين، وحدد إتخاذ القرارات بأكثرية الثلثين"[234].
وأكد على
العيش المشترك، وعلى عروبة لبنان، هوية وإنتماء، وقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية
لصالح رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة وإعادة توحيد الجيش والقوى الأمنية، وأقر
إصلاحات في الإقتصاد والقضاء والتعليم والإعلام، وإعتماد اللامركزية الإدارية.
وأكد على
العلاقات المميزة بين سوريا ولبنان، وعلى العلاقات اللبنانية الفلسطينية، وتحرير
لبنان من الإحتلال "الإسرائيلي"[235].
النتائج
السلبية:
كرس الطائف،
الطائفية السياسية، حيث دفع اللبنانيون ثمناً باهظاً من الخراب والدمار والقتل
والخسائر البشرية والمادية والتهجير من أجل إلغائها، وتحقيق الإصلاح والتغيير
وإقامة نظام ديمقراطي علماني.
فكل الجهود
والتضحيات ذهبت هباء، بعد أن أبقى الطائف على المضمون الطائفي للنظام السياسي وعلى
جوهر الصيغة الطائفية وعلى المواقع الطائفية، خصوصاً في الرئاسات الثلاث وموظفي
الفئة الأولى، التي كرسَها دستورياً وقانونياً، بعد أن كانت عرفاً وتقليداً.
وأقر الطائف
تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمن رئيسي مجلس النواب والوزراء وشخصيات
سياسية وفكرية وإجتماعية للعمل على إلغاء الطائفية السياسية. لقد إنتقد "حزب
الله" الهيئة الوطنية التي لم تحدد فترة زمنية إنتقالية لإلغاء
الطائفية". وحسب رأي الحزب "فإن إلغاء الطائفية السياسية قد قبر في
دهاليز السياسة اللبنانية"[236].
وقد إعتبرت
"جريدة العهد" الناطقة بإسم "حزب الله"، "أن وثيقة
الطائف ليست تسوية، بل إطلاق للصراع السياسي". ورأت في إتفاق الطائف تعديلاً
موضعياً للدستور اللبناني، وليس نطاقاً جديداً للبنان يلغي الطائفية
السياسية"[237].
كما لم يتحقق
الإنماء المتوازن للمناطق: وطالما تجاوز الطائف الأسباب الأساسية للأزمة، بإستمرار
النظام الطائفي، فلن يتمكن من إيجاد العلاج والحل المناسب لها.
ما يعني
"أن التسوية ستبقى معلقة، ولا أمل في قيام الدولة القوية"، حسب جريدة
العهد. وأن تكريس الطائف للنظام الطائفي أبقى على التناقضات الإجتماعية بين
الطوائف. والتجاذبات الطائفية السياسية والإجتماعية، وذلك باحتفاظ الأحزاب
والميليشيات بأفكارها وبرامجها ومشاريعها وخطابها السياسي الطائفي، الذي قد يجدد
القتال وربما يؤدي إلى التقسيم.
لن تجدي
نفعاً الحلول التوفيقية، فبدون حلول جذرية لإنهاء الأزمة، ستبقى الأمور تراوح
مكانها، لا بل "ستبقى النار تحت الرماد"، ولا يعرف أحد كيف ومتى وأين
ستشتعل من جديد.
إتفاق الطائف
هو وثيقة الإتفاق الوطني اللبنانية ويجب أن يكون المرجع النهائي للبنانيون يستمدون من خلاله وفاقهم الوطني والسلم الأهلي
بعد الحرب الأهلية التي إستمرت 15 عاماً ولكن في الحقيقة اتفاق الطائف هو وسيلة
تستخدم في أيدي الأحزاب والقوى السياسية في لبنان، حيث يستخدمونه ويتمسكون به حين
يخدم ذلك مصالحهم، ويتم رفضه ومقاطعته حين يتناقض مع مصالحهم. فلهذا الاتفاق
سلبياته وايجابياته، فبالنهاية هو أطفأ نار الحرب الأهلية، ولكن بالمقابل فرض على
الشعب اللبناني التقيد بالطائفية والمذاهب الدينية، وجعل الاحزاب تتحكم دائماً في
عقول الشباب واستخدام الدين كوسيلة لدعم شعبية السياسيين. فهذا الاتفاق ظلم الشباب
اللبناني من النواحي الاقتصادية، السياسية والاجتماعية. وجعل الطائفية مزروعة في
أذهانهم حتو لو كانوا يرفضونها. فهذا البلد اصبح قائماً بأساسه على التمييز والفصل
بين السلطات والوظائف والامتيازات من خلال المذهب. فلا يمكن نكران أهميته ولكن يجب
إيجاد بديل آخر يناسب طموح الشباب حتى لا تعود الفتنة وتشعل نار الحرب الأهلية.
-
قيل منذ بداية الحرب الأهلية في لبنان 1975،
أن الأزمة اللبنانية، جزء من الأزمة العربية، وأنه لا يوجد حل لها بمعزل عن الحلول
المطروحة للأزمة العربية ككل. الكلام، صحيح نسبياً، لكن لكل بلد خصوصياته وظروفه
المختلفة عن البلد الآخر في جوانب متعددة.
-
تضاربت وتشابكت وتداخلت في لبنان مصالح قوى
دولية وإقليمية وعربية، وكل منها إستطاع إيجاد علاقة ما مع قوة محلية، تمكن
بواسطتها من تنفيذ سياساته وتوجهاته وأهدافه، لأنه ليس بالإمكان فصل العوامل
الخارجية عن العوامل الذاتية التي مهدت وبررت ودعمت السياسات العدوانية الموجهة ضد
الشعب اللبناني والعربي.
-
فالوضع اللبناني ليس أفضل حالاً من الأوضاع
العربية الأخرى، طالما يؤثر ويتأثر فيها، إلا أن تركيبة النظام اللبناني السياسية
القائمة على التوازنات الطائفية، شكلت نوعاً من التمايز المتمثل بهامش من
الديمقراطية الذي طبع النظام بطابعه، يحتم ذلك بناء دولة تنتهج سياسة التحرر
الوطني والرعاية الإجتماعية والممارسة الديمقراطية.
-
إن هامش الحرية والديمقراطية الطوائفية،
ساعدت أبناء الشعب اللبناني على وعي مصالحهم الحقيقية، في الوقت الذي لم يساعد على
تحصين الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي اللبناني، مما زاد في العزلة والتشرذم
والتفتت الطائفي والمناطقي، وصولاً إلى الإنفجار عام 1975 الذي لا يزال يعيش الشعب
أثاره ونتائجه.
-
إن الطائفية السياسية ساعدت في نمو وتقوية
وهيمنة طبقه، سميت مجازاً "الإقطاع السياسي" (الزعامات التقليدية الطوائفية)
وطالما أن السلطة السياسية هي سلطة الطبقة المسيطرة اقتصاديا فإن مصالحها تتناقض
جذرياً مع باقي الطبقات والفئات الإجتماعية الأخرى، بحيث دفعته التراكمات
المتفاعلة داخله إلى درجة الإنفجار.
-
إن تركيبة لبنان الطائفي الذي يقوم على
الديمقراطية الطوائفية، ما هي إلا تسمية مبطنة لهيمنة الطوائف الكبرى على الطوائف
الصغرى، وسيطرة الطبقة الغنية على الطبقة الفقيرة.
-
الإستحقاقات التي تواجه الشعب في لبنان،
والقائمة على مواجهة المخاطر الصهيونية والأميركية وحلفاءها وعملاءها، والخطر
الارهابي التكفيري، ومواجهة السياسة الرسمية للنظام اللبناني المتخلف عن واجباته
الوطنية والديمقراطية والإجتماعية، يحتم ذلك الخروج من دائرة الطائفية والمذهبية
والفئوية الضيقة إلى الأفق الأرحب اللبناني والعربي.[238]
-
تؤدي
تركيبة لبنان الطائفية، إلى رفض فئات طائفية وسياسية لوجود المقاومة، كقوة عسكرية
مسلحة، لا تخضع للنظام اللبناني وترفض تسليم سلاحها إليه، يتطلب ذلك:
1. التمسك بهدف
التحرير والثوابت الوطنية، ودعم المقاومة، وعدم السماح للإضرار بها أو النيل منها
أو التآمر عليها.
2.
لبنان جزء من الوطن العربي، والشعب اللبناني
جزء من الأمة العربية لذا فإن التركيز على لبننة لبنان، وعزله عن محيطه العربي،
يصب في خدمة المؤامرة الهادفة إلى إعادة تقسيم الوطن العربي على أساس
"سايكس-بيكو" جديد، أخطر من سابقه، ويؤدي إلى النيل من الوطن العربي ولبنان
وعروبته ومقاومته وصموده.
3.
إن ظاهرة المقاومة وحدها، رغم أهميتها
ومشروعيتها، غير كافية إذا لم ترتبط ببرنامج سياسي إقتصادي إجتماعي، ومعرفة كاملة
لهموم الشعب.
4.
وجوب تحديد الأولويات في التنمية كشرط أساسي
وضروري. فالإتفاق في مجال تطوير الإنتاج الصناعي والزراعي، يؤدي إلى زيادة الدخل
القومي والموازنة العامة، ويقلل نسبة البطالة بتوفير فرص عمل للمواطنيين، وتحسين
مستوى دخل الفرد.
5.
إن حالة لبنان الإقتصادية التي هي إنعكاس للحالة
السياسية الطوائفية، أوصلته إلى حالة الفقر. فعجز الدولة عن تسديد سندات الخزينة
المستحقة، ومحاولاتها تأجيل إستحقاقات الديون، سيؤدي إلى تراكم الفوائد، فيصبح
البلد مرهوناً للإستحقاقات التي عليه تسديدها.
6.
التحذير من مغبة التمادي في الهدر والإنفاق
غير المبرر وغير المشروع، والتأكيد على ضبطه والتشدد في مراقبة الصرف في مشاريع
غير منتجة.
7.
محاربة ظاهرة الإستغلال والمستغلين، الإحتكار
والمحتكرين والفساد والمفسدين. كما إن ضبط الأسعار ومنع إرتفاعها العشوائي
وتحديدها بما يتلائم مع مستوى المعيشة ومعدلات دخل الفرد، من المهام الواجب العمل
لتحقيقها.
8.
يجب معرفة أي لبنان يريده الشعب. لبنان
الطائفي، الفئوي، الإنعزالي، أم لبنان الديمقراطي العربي، بعلاقات إنتاج ليس
رأسمالية تابعة.
9.
إن تعميم التعليم ومجانيته، في المراحل
المدرسية والجامعية، وتوحيد البرامج التعليمية والتربوية ومنهجتها، تحد من تكريس
الخريجين الذين لا يجدون فرص عمل أمامهم، مما يعزز الإنتماء إلى الوطن والثقة فيه
ومستقبله.
10.
إن تأمين العلاج والطبابة إن لم يكن مجانياً
فبأسعار تتلائم مع معدلات دخل الفرد في المستشفيات العامة والخاصة، وتخفيض أسعار
الدواء، شرط أساسي لمجتمع خال من الأوبئة والأمراض، ومواطنين أصحاء قادرين على
العطاء.
11.
وضع قوانين للضمان الإجتماعي، وضمان
الشيخوخة، يستفيد منه كل مواطن، توفر له الحياة الملائمة والعيش بكرامة.
12.
العمل لضمان صحة التمثيل السياسي، بإعتماد
قانون للإنتخاب على قاعدة التمثيل النسبي وخارج القيد الطائفي.
13.
إن الديمقراطية الحقيقية، وليس الديمقراطية
الطوائفية أو التوافقية هي أساس تطوير المجتمع. فالمساواة في الحقوق والواجبات،
وإتاحة الفرص أمام الجميع بالتساوي، وتحقيق العدالة الإجتماعية، وإفساح المجال
للمواطنين للتعبير عن آرائهم بحرية كاملة، وممارسة النشاط السياسي، وبناء الأحزاب،
وحرية الصحافة والحرية الإعلامية، وتعزيز العلاقات داخل المجتمع، وتقوية الصلة بين
أبنائه، يحفزهم ذلك للعمل لبنائه وتطويره، وحمايته من كل ما يعكر أمنه وسلامته.
أليس هذا لبنان الذي يريده أبناؤه، يعيشون فيه بأمن وأمان، وثقة ومحبة ووئام؟[239].
الخلاصة
لا يوجد تعريف
مفهوم وموحد للنزاع لدى العلماء والمتخصصين فيه لأنه متداخل متشعب متشابك ومعقد
والنزاعات عندما تكون كذلك محلولها أيضاً متشعبة متشابكة ومعقدة وكذلك صعبة وتحتاج
لوقت طويل فعندما تكون المشاكل (النزاعات) سهلة، تصبح حلولها سريعة وسهلة، وعليه
فإن النزاعات في الأساس، ليست سهلة بل معقدة ومتشابكة وصعبة، وإن أعادها بعض
العلماء الى سلوك الإنساني العدواني ونزعته الغريزية الى حين التسلط والسيطرة
والتملك ، فعندما تكون السيطرة للأقوى، يسود العالم والوجود الإنساني صراع دائم
ومتواصل يغلب على النزاع الطابع السياسي، الإقتصادي، الإجتماعي (الأيدولوجي) إن
كان النزاع داخلي أو خارجي، سلمي أو عنيف، شخصي أو جماعي، طائفي أو مذهبي، إثني أو
عرقي... فالنزاع الداخلي يرتبط بالأوضاع الإقتصادية والإجتماعية أي عدم المساواة
في الدخل وتوزيع الثروة والفوارق الطبقية... وكذلك سياسياً، إذ أن السلطة السياسية
هي سلطة الطبقة المسيطرة إقتصادياً والتي تضع الأمور جميعها بيدها تتحكم بها
والناس عامة، تقدم الخدمات والمساعدات والتسهيلات الى فئات وطبقات قريبة منها
وتحرم الآخرين منها. وهكذا يشن النزاع السياسي، الإقتصادي الإجتماعيبين الفئات
المختلفة من الناس، الذي تغذيه السلطات، وحتى سيكون طابعه أيدولوجي (طبقي).
وحتى إن كان
النزاع إثني أو طائفي فإن المساواة والعدالة في الحقوق والواجبات وتوزيع الثروة
والخدمات للناس وحتى إذا اختلفوا فيما بينهم طائفياً أو مذهبياً إثنياً أو عرقياً
تختفي المشاكل والنزاعات لكنها لا تزول، أما في حال التمييز وعدم المساواة والاجحاف
بالحقوق ومصادرة الحريات، فالنزاعات تبرز مجدداً لتتخذ اشكالاً متعددة، ففي
البداية تتخذ طابعاً سليماً لا عنيفاً، يسعى فيه الناس الى المطالبة بالحقوق،
والمساواة بين أبناء الوطن الواحد لتتطور في حال عدم الإستجابة فإن الصدامات
والاشتباكات قد تصل الى نزاع مسلح يسعى فيه كل الاطراف الى تحقيق الأهداف، إما بالإنفصال
أو بتحقيق حكم إداري ذاتي أو بالعمل لتغيير النظام ككل. أما على الصعيد الخارجي ،
فلا يختلف الأمر كثيراً فالأطراف الدولية وسعيها للسيطرة والتسلط وبسط النفوذ
والاستيلاء على الموارد ونهب ثروات الشعوب والدول الضعيفة، ترتبط أيضاً بالموقع
السياسي الإقتصادي الدولي بين الدول ذات الايدولوجية المختلفة في صراعاتهم الدولية
حول السيطرة على العالم وموارده وثرواته لذا فإن الحرب العالمية الأولى كانت بين
الدول الغربية لأجل إقتسام العالم. أما الحرب العالمية الثانية فكانت من أجل إعادة
تقسيم العالم من جديد على أسس مغايرة، في ظل متغيرات دولية وميادين قوى وإتجاهات
أيدولوجية (الرأسمالية والإشتراكية) والتي
أدت الى إقامة نظام الثنائية القطبية وتقسيم العالم بين أميركا والاتحاد
السوفييتي، حيث اتخذ الصراع بين القطبين سياسة الحرب الباردة وخوض الحروب بالنيابة
لأمر كلا القطبين يمتلك أسلحة دمار شامل يمكنه بواسطتها تدمبر العالم كه. لذا فإن
الصراعات أو النزاعات بتداخلها وتشقلباتها لا يمكن إيجاد حلول جذرية لها، إذ أن
الحلول الجذرية تنفي وجود الآخر، وهذا ما لا يمكن تحقيقه، وعليه فإن الحلول دائماً
توفيقية وتوافقية، تسعى الى تخفيف التوتر والتقليل من حدة النزاعات لوقفها او منع
حوثها.
تعود الأسباب الداخلية للنزاع في لبنان إلى هويته وانتمائه وتركيبته
الطائفية شبه البرجوازية وشبه الإقطاعية، التي شكلت السلطة السياسية منذ عهد الاستقلال
وميثاق 1943 بسلبياتها وإيجابيتها حتى الآن، وبين عامة الشعب الذي يعاني الفقر
والحرمان والتمايز والتفاوت الاجتماعي بين أبنائه من جهة والسلطة من جهة أخرى.
يقتضي إعلان
13 نيسان يوماً للذكرى، وإقامة نصب تذكاري للمخطوفين والمفقودين الذين هم من كل
الطوائف والمناطق والإنتماءات واللاانتماءات، يوماً للتعبيرعن توبة وطنية جامعة
وللمصالحة مع الأموات ومع الماضي. يوم للتعبير عن وقفة جماعية أمام الضمير الوطني،
يقدم فيه الجميع الإعتذار إلى ضحايا الحرب، ويطلبون الغفران[240].
ويقتضي تاليا إقامة مأتم رسمي وشعبي لكل المخطوفين لختم هذا الملف المفتوح، وإحياء
الطقوس لدفن أمواتنا، وإعلان عدم عودتنا بتاتا إلى الحرب.
الرؤية
المستقبلية وتتضمن
1- التنوع
المنسجم في إطار الهوية العربية.
ويرى حليم بركات أن المجتمع العربي يراوح بين
مرحلة النزاع والتعايش بين الجماعات والأقطار والكيانات ويقول بركات أن ترسيخ
الهوية العربية لا يعني إلغاء التنوع في الإنتماءات الخاصة[241].(صحيح
أن الأزمات التي شهدتها المنطقة العربية، دفعت الجماهير لإتخاذ مواقف عبرت فيها عن
إندماجها في الحالة النضالية، وكان الإنسجام بين التنوع الطائفي أو الإثني أي بين
مكونات المجتمع العربي لا يشوبها شائبة، ولم تظلله الشكوك. وقد مثل العدوان
الثلاثي على مصر عام 1956 أكبر وأوضح دليل).
2- التحليل
الطبقي
يطالب الحركة الوطنية العربية بزيادة الإهتمام بالتحليل الطبقي للواقع
الإجتماعي، وهو أيضاً مطالب بتعميق الإهتمام بالقومية العربية، بحيث يصبح كل من
التحليل الطبقي والقومي جزءاً أصيلاً من نظرة شاملة للواقع العربي".(لكن قيمة
التحليل الطبقي في ترجمته العملية، في وجود قوى سياسية تؤمن به وتناضل لتحقيقه،
وأن يكون لديها برنامجها العام الذي تستطيع بموجبه إستقطاب الحالة الشعبية، حتى
تتمكن معها من الوصول إلى الأهداف التي تطمح لتحقيقها).
3- الإشتراكية
يقول بركات: "تبنت الحركة القومية العربية المفاهيم الإشتراكية وأصبحت
جزءاً من إيديولوجيتها، فترسخ لديها ضرورة إلغاء التفاوت الطبقي في مجمل الحياة
العربية، وردم الهوة الواسعة بين أقلية غنية جشعة وأغلبية فقيرة مسحوقة، تناضل
للتحرر من سيطرة البرجوازية، بعد أن كادت تقتصر إهتماماتها على الهوية القومية
والإستقلال والتحرر من النفوذ الأجنبي"[242].
لم تتمكن الحركة القومية العربية من تجسيد الفكر الإشتراكي عملياً، بل أسقطته
ميكانيكياً على الواقع العربي بمكوناته السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ولم
تأخذ بعين الإعتبار، القيم الثقافية والأخلاقيات والعادات والتقاليد التي تتحكم في
المجتمع وتأثير الفكر الإشتراكي عليه وتأثره فيه، وكذلك النظام، هل يتبنى الفكر
الإشتراكي أم يعاديه؟ وبالنسبة للأحزاب، هل تبنته النخبة القيادية، أم كان لديه
إمتداداته في أوساط القاعدة الحزبية؟ وهل كان للفكر الاشتراكي بيئة شعبية حاضنة
له؟ وبالرغم من ذلك كله فقد تعمق تدريجياً وعي جديد بوجود إرتباط بين القهر القومي
والقهر (الطبقي) الإجتماعي، وبين التحرر الوطني والتحرر من الفقر، وطبيعة التحالف
بين الإستعمار والطبقة الحاكمة في بلدانها.
4- العلمنة
إنها نظام عام عقلاني ينظم العلاقات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات فيما
بينها والدولة، على أساس مبادىء وقوانين مستمدة من الواقع الإجتماعي يتساوى أمامها
جميع أعضاء المجتمع وفئاته بغض النظر عن الإنتماءات والخلفيات.
وتشمل:
·
فصل الدين عن الدولة، والإمتناع عن تحديد
هويتها الدينية.
·
إلغاء الطائفية السياسية.
·
تعزيز المحاكم المدنية لضمان المساواة بين
المواطنين.
·
إقرار توحيد قانون الأحوال الشخصية بحيث يمنح
المواطن حق الإختيار بين الزواج المدني أو الديني.
·
إعتبار القوانين نسبية مصدرها المجتمع وتحدد
بضوء حاجاته ومشكلاته، وحسب مشيئة الشعب الذي يحكم بإسم القانون.
·
إعتبار الحاكم حاكم بإسم الشعب يستمد سلطته
منه ويمثل إرادته.
·
تعزيز الثقافة العلمية العقلانية.
·
الإقرار بحقوق مختلف المذاهب والطوائف.
·
تحرير الدين من سيطرة الدولة، والدولة من
سيطرة الدين.
5- تجاوز الإغتراب
يقول بأن: "الأوضاع والأنظمة والمناخات السائدة لا تسمح للإنسان
بممارسة حريته وتنمية طاقاته الإبداعية، ولا تشجع على إندماجه بقدر ما تشجع على
عزله، ولا تغني حياته بقدر ما تفقرها، ولا تملأ نفسه بالإعتزاز بهويته وكرامته
بقدر ما تذله، وتسلبه حقه في المشاركة في صنع مصيره، وبقدر ما تمارس عليه القهر"[243].
فهل ينسحب السياق التحليلي العام، حول أسباب النزاع ومظاهره ومكوناته وتنوعه
وأشكاله على ما جرى في لبنان؟
ويعود أيضا
لأسباب خارجية، ترتبط بأطماع العدو الصهيوني في لبنان واستباحته له براً وبحراً
وجواً والاعتداء عليه وإجتياحه، وصولاً إلى إجراء ترتيبات لضمان أمن وسلامة حدوده،
عبرإقامة جيش حدودي عميل يرتبط به وينفذ سياساته، يحمي حدوده، يحافظ على وجوده
ويمارس أشكال القمع والقهر والإضطهاد ضد الشعب اللبناني، حيث إضطرته مقاومة الشعب
اللبناني إلى الإندحار من لبنان في العام 2000 دون أي إتفاق، وفي سابقة لم تشهدها
المنطقة العربية من قبل.
وكي لايتخذ
الصراع بعده الطبقي والديمقراطي، عمد النظام إلى تغليف الأزمة بغلاف طائفي، كي
يبقى يتحكم في الأحداث ومسارها وتطورها وإتجاهاتها والمبادرات التي تقدم إليها
والتعامل معها لحل الأزمة.
وقد تبين من
خلال سير الأحداث وتطوراتها ما يلي:
1.
أن التوازنات الطائفية وسياسة "اللاغالب
واللامغلوب" ما تزال تتحكم في العلاقات بين أطراف الأزمة المتصارعة وبينها
وبين النظام المدعوم عربياً ودولياً لتكريسها.
2.
إن إنتهاج النظام اللبناني سياسة "قوة
لبنان في ضعفه" هدفت إلى:
أ- إستفادة
النظام من هذه المقولة للحصول على ضمان الدول الكبرى لتأمين سلامته وسيادته وأمنه
وإستقلاله.
ب- لإنتهاج
لبنان الحياد في سياسته الخارجية.
فقد إنعكست هذه السياسة سلباً على لبنان الذي لم يعمل على إيجاد الوسائل
التي تجعله يستجيب إلى التحديات التي تواجه المنطقة العربية كالصراع العربي – الإسرائيلي
وغيره من التحديات والإستحقاقات عليه.
3.
النزاع في لبنان لا يمكن حسمه بسبب تكريس
الطائفية السياسية والإصلاح الذي لا يخرج عن سياقها والمحاصصة وتوزيع المسؤوليات
بين الزعامات،التي كانت عرفاً سابقا ومن ثم شرعت قانونياً ودستورياً. ولأن العامل
الذاتي اللبناني المتمثل بالأحزاب والقوى السياسية من كلا الطرفين غائباً إن لم
يكن مغيباً وإتكالياً ومرهوناً وتابعاً للعامل الموضوعي الخارجي، الذي يقرر نيابة
عنه. وكذلك لعدم وجود برنامج سياسي تغييري جذري يمكن أن يغير في المعادلات ويؤدي إلى
الإخلال بالتوازن ويحل الامور جذريا لصالح لبنان الوطن والشعب.
4.
لم تكن الأزمة في لبنان بعيدة عن كل ما يجري
في المنطقة العربية بل إن التطورات الإقليمية والدولية التي إستهدفتها كان لها
تأثيرها على لبنان، لأن لبنان جزء من الأراضي العربية والشعب اللبناني جزء من
الأمة العربية.
5.
كانت الأنظمة العربية وقوى المعارضة في
بلدانها تجد متنفساً لها في لبنان، بسبب حرية الإعلام والصحافة النسبية فيه
والديمقراطية التوافقية والطائفية السياسية التي روجوا بإعتبارها النموذج
الديمقراطي والمنفرد في المنطقة العربية، وعليه أعتبر لبنان منبراً إعلامياً
ومستقراً سياسياً للحكام وللمعارضين في بلدانهم على حد سواء.
6.
مشاريع التقسيم التي تستهدف المنطقة العربية،
لم تستثني لبنان، بل كان في صلبها، (خصوصاً مشروع "الشرق أوسط جديد"
و"الشرق أوسط كبير"، و"إستراتيجية إسرائيل في الثمانينات"، إلى
آخره) مستغلة السياسة التي أنتهجها لبنان، "قوة لبنان في ضعفه"، والحياد
إتجاه الصراع العربي – الصهيوني، إلى إجتياحه من قبل العدو الصهيوني عامي 1978 –
1982 لتنفيذ مخطط تقسيمه، فعمد إلى إقامة "الحزام الآمن"، و"الجدار
الطيب"، و"دويلة سعد حداد" العميلة بين 1978 – 2000.
7.
عمد العدو الصهيوني مدعوماً من أميركا والدول
الغربية بعدوانه وإجتياحه لبنان في حزيران 1982، إلى إجبار المقاومة الفلسطينية
على الخروج من بيروت وكذلك إنسحاب القوات السورية منها، وفرض توقيع إتفاق الذل
والعار في 17 أيار 1983.
8.
العلاقة التي كانت تربط النظام السوري مع
الأطراف اللبنانية في حينه، هي علاقة مصالح، لا مبادىء وثوابت تحكمها. فقد قامت
القوات السورية بدعم المليشيات المسيحية والجبهة اللبنانية في الوقت الذي كانت
تعرف العلاقات التي تربطها بإسرائيل، في مواجهة القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية
والمقاومة الفلسطينية، وعادت العلاقة لتنقلب من جديد.
9.
إنقسام الشعب اللبناني غير المعلن على الأرض،
وتغليبه إلتزامه الطائفي على مصالحه المشتركة كشعب في مواجهة الإستغلال والظلم
والإفقار من قبل النظام.
10. تدخل النظام
العربي في لبنان لحل الأزمة فيه، بإرساله "قوات الردع العربية" وعقده
"لمؤتمر بيت الدين" عام 1978، و"مؤتمر جينيف" عام 1983،
ومؤتمر لوزان عام 1984 وأخيراً مؤتمر الطائف عام 1989. كانت تهدف جميعها إلى وقف
القتال وإيجاد حلول للأزمة فيه. فالمبادرات والمؤتمرات التي عقدت مع السلطة
اللبنانية وبواسطتها، بمعزل عن أطراف الصراع الفعلية على الأرض، أعادت الأمور إلى
ما كانت عليه قبل بداية الحرب الأهلية، بتكريس الطائفية السياسية والزعامات
التقليدية وبعض الإصلاحات، وتمثل العنوان الأبرز في وقف الإقتتال، دون إيجاد حل
جذري للأزمة اللبنانية.
11. تدخلت أميركا
وفرنسا وغيرهما في الأزمة اللبنانية، إنطلاقاً من مصالحهما في لبنان والمنطقة
العربية. إدعيتا الحياد والحرص على أمن لبنان وسلامته وسيادته وإستقلاله، فقدمتا
الدعم السياسي والأمني للنظام. أيدت أميركا مواقف وسياسات العدو الصهيوني وانحازت
إليه بشكل مطلق في لبنان والمنطقة، وكذلك الطرف اللبناني المرتبط به في مواجهة
القوى الوطنية والتقدمية والمقاومة الفلسطينية وسوريا، حيث قامت أميركا وفرنسا
بقصف مواقعها في الجبل، ردت المقاومة بتصعيد العمليات العسكرية، فإستهدفت قوات
المارينز والقوات الفرنسية بإنفجارين أوديا بحياة 241 أميركي و60 فرنسي، إضطرت
بعدها القوات الدولية إلى الإنسحاب من لبنان.
12.
إقرار إتفاق الطائف بعروبة لبنان هوية
وإنتماء، أدى إلى خوف المسيحيين من الخلط بين العروبة والإسلام. فالتسليم بالعروبة
يعني القبول بسيطرة المسلمين سياسياً. وإن إقرارهم بالعروبة كهوية، يجب ألا يترتب
عليه أمر سياسي معين سوى ما يترتب على أعضاء جامعة الدول العربية. محذرين من أن
يتحول الإقرار بالإنتماء إلى العروبة، إلى المطالبة بالوحدة السياسية بين لبنان
وسوريا.
13.
لم تتمكن وسائل وآليات حل النزاع المنبثقة عن
هيئات دولية من إيجاد تسوية لها ما لم يكن الوضع الداخلي والدولي بأطرافه
المتنازعة مهيئاً للتوصل إليه.
14.
يمكن التوصل لتسوية النزاع، إذا ما وصلت
أطرافه في بلدانها إلى نتائج حول عدم إمكانية الحسم لصالح أي طرف وتحقيق الأهداف
المرجوة.
15.
كما لم تتمكن الوسائل والآليات السلمية من
إنهاء النزاعات وحلها جذرياً، لعدم معالجة أسبابها والعوامل المؤدية إليها
والنتائج المترتبة عليها، عدا عن مصداقية الهيئات القيمة في إيجاد تسوية في حال تضاربها
مع مصالحها.
أما الوسائل والآليات المتبعة، فهي: الحوار، المفاوضات، الوساطة، التوفيق،
التحكيم، والمقاضاة...
لم تتمكن فعلياً هذه الوسائل والآليات من حل النزاعات، حتى لدى تشكيل هيئات
دولية كعصبة الأمم، وهيئة الأمم المتحدة. فاستمرت الصراعات العنيفة والحروب دون
توقف.
"كان لبنان عشية الحرب عبارة عن فقراء وعمال ومزارعين وموظفين يريدون
دولة لا تحرمهم العيش الكريم، وأحزاب تطرح التغيير والإصلاح من منطلقات إيديولوجية
وسياسية متباينة. فضلاً عن دولة ضعيفة هشة ومشلولة، تسيطر عليها قوى تقليدية ترفض
التغيير، وغير قادرة على الإمساك بمجتمعها وقواه السياسية، يتربص بها خارج إقليمي
ودولي، يعمل على تحقيق مصالحه، جاعلاً من لبنان ساحة صراع ونفوذ"[244].
فهل المطلوب العودة إلى ميثاق 1943، بالعقلية الطائفية القديمة، التي ولدت
التناقضات بين اللبنانين وتسببت بحروب بينهم وغيبت فكرة الوطن عندهم؟ وهل يمكن
العودة إلى هيمنة طائفة على الطوائف الأخرى؟ وهل المطلوب زيادة صلاحيات رئيس
الجمهورية ووضع جميع السلطات بين يديه؟
ان"إستبدال النظام السائد بنظام جديد، يؤمن تحقيق الوحدة القومية
والعدالة الإجتماعية، والمشاركة الديمقراطية، والتنمية الإقتصادية والإدارية.
ويواجه مشكلة التجزئة العربية، الفقر، التخلف، وتسلط السلطة على الشعب ومقدرات
البلاد ومشكلة السيطرة الإستعمارية ومشكلة تغريب المواطن في بلده وتهميش دوره في
الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية"[245].
وكان الخيار الأخير، فرض إتفاق الطائف على اللبنانيين الذي أوقف القتال
وأجرى إنتخابات نيابية ورئاسية وأكد على عروبة لبنان هوية وإنتماء.
لكنه كرَس الطائفية السياسية والديمقراطية التوافقية، وترك الأزمة تراوح
مكانها دون إيجاد حل جذري لها بمعرفة الأسباب التي أدت إليها والنتائج التي ترتبت
عليها من قتل ودمار وخراب للوطن والمواطن في لبنان، ولربما قد تجد مسببات ومبررات
لإشتعالها مجدداً.
المصادر
والمراجع
المصادر والمراجع العربية
·
إبراهيم أبي خاطر، الخواطر خطب ومقالات في السياسة
والاجتماع للقائمقام إبراهيم أبي خاطر جمعها ابنه جوزيف في كتاب جمل إسم جريدة
الخواطر.
·
إبراهيم موسى، تاريخ لبنان الحديث والمعاصر،
دار المنهل اللبناني، بيروت، 2011.
·
أحمد بيضون، لبنان الإصلاح المردود والخراب
المنشود، دار الساقي، الطبعة الأولى، بيروت، 2012
·
أحمد جلال عزالدين، إدارة الأزمة في الحدث
الإرهابي، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض، 1990.
·
أحمد عبود، انتفاضة الجنوب وسياسة الأحلاف
والمحاور، مؤسسة الكتاب الحديث، بيروت 1994.
·
أسعد الشفتري، رسالة اعتذار إلى الضحايا بإسم
لبنان، النهار، 10-2-2000.
·
اسماعيل تقي الدين، المسألة الطائفية في
لبنان، الجذور والتطور التاريخي، دار إبن خلدون، بيروت.
·
إسماعيل تقي الدين، المسألة الطائفية في
لبنان: الجذور والتطور التاريخي، دار إبن خلدون، بيروت.
·
البير عبدالله فرحات، محاضرات في القانون
المدني، بيروت 1982.
·
السيد عليوة، إدارة الأزمات والكوارث، سلسلة
دليل صنع القرار، القاهرة، 1997.
·
السيد عليوة، إدارة الصراعات الدولية دراسة
في سياسات التعاون الدولي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988.
·
السيد عليوة وعبد الكريم درويش، دراسات في
السياسات العامة وصنع القرار، القاهرة، 2000
·
أنطوان مسرة، النظرية العامة في الدستوري اللبناني أبحاث مقارنة في أنظمة المشاركة،
المكتبة الشرقية، بيروت، 2005.
·
انطوان مسرة، قيس، ربيع، مرصد السلم الأهلي
والذاكرة في لبنان إستعادة سلطة المعايير، المكتبة الشرقية، بيروت، 2015.
·
انطوان مسرة، التقرير السنوي الثاني حول حالة
السلم الأهلي الدائم في لبنان، هل ينتقل اللبنانيون من الساحة إلى الوطن؟، خلاصة
الندوة السادسة والعشرين، والثاني لمرصد السلم الأهلي التي عقدتها المؤسسة
اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، بالتعاون مع مركز المؤتمرات في أيانابا (قبرص) بين
14و19 آب 2000، ونشرت خلاصتها رلى مخايل وألين فرح في نهار الشباب، 19-9-2000.
·
انطوان مسرة، النظرية العامة في الدستور
اللبناني، دار الفارابي للنشر والتوزيع ، بيروت، 2005.
·
انطوان مسرة، قيس، ربيع، اتفاق الدوحة: ثقافة
المواثيق، المكتبة الشرقية، بيروت، 2009.
·
انطوان مسرة، قيس، ربيع، صياغة الدساتير في
التحولات الديمقراطية، المكتبة الشرقية، بيروت، 2014.
·
انطوان نصري مسرة، النظرية العامة في النظام الدستوري
اللبناني، بيروت المكتبة الشرقية 2005
·
إيفان أرتسيباسوف ، خلافاً للقانون الدولي، دار
التقدم موسكو.
·
إيلي سالم، الخيارات الصعبة 1982-1988:
دبلوماسية البحث عن مخرج، ترجمة مخايل الخوري، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر،
بيروت، 1997.
·
ايليا حريق، التحول السياسي في تاريخ لبنان
الحديث، الأهلية للنشر والتوزيع، 1982.
·
باسم الجسر، ميثاق 1973:لماذا كان؟ وهل سقط؟،
دار النهار، بيروت، 1997.
·
باسم الجسر، فؤاد شهاب ذلك المجهول، شركة
المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1988.
·
باسم الجسر، اتفاق الدوحة: حل نزاع أم بداية
قيام الدولة اللبنانية؟ الشرق الأوسط، ايار 2008.
·
بشارة الخوري، حقائق لبنانية، درعون 1960.
·
بيتكوفيتش، قسطنطين، لبنان واللبنانيون،
مذكرات القنصل الروسي في لبنان في الفترة بين 1896-1882 نقلها إلى العربية يوسف
عطالله، دار الهدى للطباعة والنشر، الطبعة الأولى بيروت 1986.
·
تيودور هانف، لبنان التعايش في زمن الحرب: من
إنهيار الدولة إلى إنبعاث الأمة، نقلة عن الألمانية موريس صليبا، باريس: مركز
الدراسات العربي – الأوروبي، 1993.
·
جلبير أشقر، حرب الـ33 يوماً، حرب إسرائيل
على حزب الله ونتائجها، دار الساقي، بيروت.
·
جلبير أشقر، ذخائر لبنان، طبع في دار النهار
لطباعة.
·
جواد بولس، تاريخ لبنان، دار النهار للنشر،
1973.
·
جورج حجار، الحدود بين لبنان وإسرائيل في
مؤتمر السلام، السفير، 17-12-1991.
·
جورج عيران، البابوية في الضرق الأوسط، دور
الكرسي الرسولي في النزاع العربي – الإسرائيلي، 1962-1994، ترجمة بولس سروع، دار
ملفات جبيل.
·
جورج قرم، لبنان المعاصر تاريخ ومجتمع،
المكتبة الشرقية، بيروت، 2004.
·
جورج قرم، نظرة بديلة إلى مشكلات لبنان
السياسية والاقتصادية، دار الفارابي، 2013.
·
جوزيف أبو خليل، قصة الموارنة في الحرب، سيرة
ذاتية، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1990.
·
جلال عز الدين، احمد إدارة اﻻزمة في الحدث اﻻرهابي، اللواء، دار النشر بالمركز
العربي للدراسات اﻻمنية والتدريب في الرياض 1990
·
جين سعيد المقدسي، شتات بيروت، مذكرات حرب
1975، دار الساقي
·
حسن هلال، محمد عبد الغني ، مهارات إدارة
الأزمات.
·
حسان حلاق، التيارات السياسية في لبنان
1943-1952.
·
حسان حلاق، دراسات في تاريخ لبنان المعاصر
1913 – 1943: من جمعية بيروت الإصلاحية إلى الميثاق الوطني، دار النهضة العربية،
بيروت 1985. وروايته عن اجتماع المرشح لرئاسة الجمهورية بشارة الخوري في القاهرة
مع النحاس باشا وجميل مردم.
·
حسن هلال، محمد عبد الغني، مهارات ادارة الازمات،
مركز تطوير الاداء والتنمية، 2001
·
د. حليم بركات المجتمع العربي
المصارع، بحث استطلاعي اجتماعي.
·
د.حليم بركات، المجتمع العربي المعاصر مركز دراسات
الوحدة العربية.
·
حماد كمال، الوطن ولبنان، منشورات الدفاع الوطني اللبناني، العدد 27،
كانون ثاني 1999.
·
خالد قباني، وثيقة
الوفاق الوطني في الطائف.
·
خليل حسين، الاستراتيجية الأميركية تجاه
العراق وخلفيات الإتفاقية الأمنية، دراسة مقدمة إلى مركز باحث للدراسات /2009.
·
رشاد الموسوي، جغرافية لبنان، الطبعة الأولى
1983.
·
سعيد سليمان، لبنان والطائف، دار أزال،
بيروت، 1990.
·
سليم الحص، عصارة العمر، شركة المطبوعات
للتوزيع والنشر، الطبعة الثانية، بيروت، 2004.
·
سليمان تقي الدين، التكوين التاريخي للبنان
السياسي، كتابة تاريخ لبنان إلى أين، بيروت، جمعية متخرجي المقاصد الاسلامية في
بيروت، 1993.
·
سمير قصير، حرب لبنان: من الشقاق الوطني إلى
النزاع الإقليمي 1975-1982، دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع ، 2007.
·
سليم الحص، عصارة العصر، شركة المطبوعات للتوزيعات
والنشر، 2004
·
السيد عليوه، ادارة الازمات والكوارث، القاهرة،
1997
·
السيد عليوه، إدارة الصراعات الدولية، دراسة في سبسبات التعاون الدولي، الهيئة المصرية
العامة للكتب، 1988
·
شكري نصر الله، تاريخ لبنان واللبنانيين، نظرة
الى الوراء، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2006
·
شارل حلو، حياة في ذكريات، دار النهار، بيروت
1997.
·
شكري نصرالله، تاريخ لبنان واللبنانيين نظرة
إلى الوراء، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الأولى، بيروت 2012.
·
صلاح عبوشي، تاريخ لبنان الحديث من خلال 10
رؤساء حكومات، دار العلم للملايين، 1989.
·
طلال سلمان، المحاضرة السرية الكاملة: ثرثرة
فوق بحيرة ليمان، المركز العربي للمعلومات، بيروت، 1984.
·
عادل إسماعيل، السياسة الدولية في الشرق
العربي، الجزء الرابع، دار النشر للسياسة والتاريخ، بيروت 2007.
·
عارف العبد، لبنان والطائف تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل، مركز دراسات الوحدة
العربية، أطروحة دكتوراه، بيروت 2001.
·
عارف العبد، لبنان والطائف تقاطع تاريخي
ومسار غير مكتمل، مركز دراسات الوحدة العربية، أطروحة دكتوراه، الطبعة الأولى،
بيروت،2001.
·
عبد الرؤوف سنو، حرب لبنان 1975 – 1990 تفكك
الدولة وتصدع المجتمع، الدار العربية للعلوم، 2008.
·
عارف العبد، لبنان والطائف تقاطع تاريخي ومسار
غير مكتمل، مركز دراسات الوحدة العربية 2001
·
عماد يونس، سلسلة الوثائق الأساسية للأزمة
اللبنانية، الجزء الثالث.
·
عبد الرزاق الصافي ، القاموس
السياسي، دارالفارابي 1978.
·
عبد الله بو حبيب، الضوء الأصفر: السياسة
الأميركية تجاه لبنان، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1991.
·
عبد الرؤوف سنو، لبنان الطوائف في دولة ما
بعد الطائف، المعهد اللبناني للأبحاث الشرقية، 2008.
·
غسان تويني ، مسارات السلام ودبلوماسية الـ
425، دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع، 1999.
·
فخر الدين عزيز الأحدب، مؤسس لبنان الحديث،
دار الكتاب اللبناني الطبعة الثانية 1974.
·
فهد احمد الشعلان، ادارة الاوقات، الاسس المراحل
الاليات، 1999
·
فهد أحمد الشعلان، إدارة الأزمات، الأسس –
المرحل – الآليات، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية، الطبعة الأولى، 2005.
·
فؤاد بستاني ، لبنان، مباحث علمية واجتماعية،
منشورات للجامعة اللبنانية، 1969.
·
فواز الطرابلسي، صلات بلا وصل: ميشال شيحا
والإيديولوجيا اللبنانية، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت 1999.
·
فواز طرابلسي، م.ن، يشير طرابلسي إلى أن رجال
العهد الشهابي كانوا ينطلقون في كثير من الأفكار من طروحات ميشال شيحا.
·
فواز الطرابلسي، تاريخ لبنان الحديث من
الامارة إلى الطائف، دار رياض الريس للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت 2008
·
كارل سيليكيو، الوساطة في حل النزاعات، الدار
الدولية للنشر والتوزيع، بيروت، 1999.
·
كمال حماد، منشورات الدفاع الوطني اللبناني،
العدد 27، كانون ثاني 1999.
·
كمال جنبلاط، حقيقة الثورة اللبنانية، لجنة
تراث القائد الشهيد كمال جنبلاط، 1978.
·
كمال جنبلاط، لبنان وحرب التسوية، مركز
الدراسات الإشتراكية، 1979.
·
كمال جنبلاط، لبنان وحرب التسوية، 1977
·
كمال جنبلاط،، حقيقة الثورة اللبنانية، الدار
التقدمية، المختارة 1987.
·
كمال الصليبي، تاريخ لبنان الحديث، دار
النهار، بيروت 1984.
·
كريم بقرادوني، لعنة ولكن من حرب لبنان الى حرب
الخليج شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2010
·
كريم بقردوني، لعنة وطن: من حرب لبنان إلى
حرب الخليج، عبر الشرق للمنشورات، 1991.
·
مازن يوسف صباغ ، اتفاق الدوحة: الحوار
الوطني اللبناني قطر 16-21 ايار 2008، دار مختارات 2009.
·
مؤلفات ماوتسي تونغ المختارة، المجلد الأول،
في التناقض، عمومية التناقض / الصفحة الاولى/ دار النشر باللغات الاجنبية / بكين
1968.
·
محمد الياس سركيس، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1982
·
محمد السماك، المشروع الأميركي لإعادة تركيب
الشرق الأوسط، دراسة منشورة في الشرق الأميركي.
·
محمد هلال، عبد الغني حسن، مهارات إدارة
الأزمات، الأزمة بين الوقاية منها والسيطرة عليها، مركز تطوير الأداء والتنمية، الطبعة
الثالثة، مصر، 2001.
·
محمد السماك، دراسة مقارنة بين لبنان
والبوسنة: من الدائف إلى دايتون، النهار، 17-12-1998.
·
محمود حسين، عن استراتيجية لإسرائيل في
الثمانينات، جريدة عشتروت.
·
مريم شوقي، الحوار المتمدن، مواضيع وأبحاث
21/1/2014، ar-windsorbrokers.com
·
منير تقي الدين، ولادة إستقلال، دار النهار،
بيروت 1997.
·
منير قرم، من أجل الجمهورية الثالثة في
لبنان، دار الفارابي، الطبعة الأولى، 2013.
·
نصر سليم ودوبار كلود، الطبقات الإجتماعية في
لبنان: مقاربة سوسيولوجية تطبيقية، تعريب جورج أبي صالح، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت،
1982.
·
نضال الحبوسي، التعامل مع النزاع مهارات واستراتيجيات
للتطبيق، مترجم للعربية المكتبة العربية، 2005
·
نعوم تشومسكي، إعاقة الديمقراطية، مركز
دراسات الوحدة العربية، أيلول 1992.
المصادر والمراجع الأجنبية
·
Ahmad،
Noureddine: The Development of the government Educational Policy and Practise
in the Lebanon 1920 – 1975،
unpublished Ph.D Thesis for the University of Wales،
College of Cardiff، UK، 1989.
·
Khalaf، Massoud: Le Liban contemporain،
l'encyclopédie historique et géographique، partie 16، édition spécial، 2001.
·
Traboulsi، Fawaz: L'histoire du Liban contemporain، Riyad El
Rayess pour les livres et publications، première édition، Février، 2008.
·
Pachado.org Latest Arabia،
by Stephen Oken Agwet،
6/4/2011.
·
Salibi،
Kamal: Lebanon Under Fouad Chehab، 1964-1958،
Middles East Studies، Vol 2، no.3، Beyrouth، 1966.
·
El Diri، Elias: Qui fait le président، l'établissement universitaire pour les etudes et les
publications، 1982.
·
Salameh، Ghassan: Quand l'Amerique refait le monde، Dar
Annahar pour les publications، Beyrouth، 2005.
·
Salam، Nawwaf: Mythes، et Politiques au Liban، Edition
FMA، Beyrouth، 1978.
·
Chomsky،
Noam: The Fateful Triangle: The united states،
Israel and Palestinians،
South End Press، Cambridge، 1999.
·
Corm، Georges: Le Liban Contemporain، 1992-1940 Gallimard، Paris، 1992.
·
Kasir Samir:
Le Liban au cours de la violence، Dar Annahar، deuxième édition، 1998.
·
Kissenger،
Henri: Years of Reneval،
Diane publication، New York، 1999.
الجرائد والمجلات والوثائق
·
جريدة النداء اللبنانية في 7-11-1991
·
وثائق: الحرب اللبنانية
لعام 1978، مجموعة الاحداث اللبنانية، المركز العربي للأبحاث والتوثيق، الطبعة الأولى،
1979
·
السفير: جريدة سياسية يومية
لبنانية، ليست عودة إلى جنيف ـ لوزان- الطائف، ولكن... ، طلال سلمان، نشر هذا المقال
في جريدة السفير بتاريخ 19/5/2008 على الصفحة
رقم 1 – الصفحة الأولى
·
المستقبل: جريدة سياسية
يومية لبنانية، تاريخ 24 تشرين الأول 2014، العدد 5188، صفحة 8، إتفاق الطائف بعد ربع
قرن على إعلانه ضرورة وطنية في مرحلة مصيرية.
·
النهار: جريدة سياسية يومية
لبنانية، تاريخ 20/3/1984، العدد 15598، صفحة 3، لوزان يترجح بين النجاح والفشل وزير
ونواب : أنهياره كارثة تقضي على ما تبقى من لبنان.
·
وثائق: وثيقة الوفاق الوطني، التي أقرها اللقاء النيابي في مدينة
الطائف بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 22/10/1989.
·
تاريخ 20/3/1988، العدد
15598، صفحة 1، مشروع البيان الختامي لمؤتمر لوزان
·
نص الاتفاق الثلاثي المنشور في الصحف
اللبنانية بتاريخ 29/12/1985،وفي ملاحق أكثر من كتاب . أنظر النص الكامل:في لبنان
وآفاق المستقبل: أوراق ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة
العربية، بيروت، 1991، باب الملاحق.
·
جريدة العهد، عدد 281، 10/11/189.
·
جريدة النهار، الفصل الثاني الصفحة السابعة ، الحرب الأهلية اللبنانية 1975،
12/1/2016.
·
مرصد السلم الاهلي والذاكرة في لبنان إستعادة
سلطة المعايير، جمعية رمزي يوسف عساف الخيرية. بيروت المكتبة الشرقية 2015
·
مركز دراسات الوحدة العربية، قائمة المنشورات،
2015
·
كتاب التعامل مع النزاع، مجموعة من الباحثين،
شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، مؤسسة الناشر للدعاية والإعلان.
·
منظمة التحرير الفلسطينية، يوميات الحرب
اللبنانية، الجزء الأول، مركز التخطيط، الطبعة الأولى، 1977.
·
منظمة التحرير الفلسطينية، يوميات الحرب
اللبنانية، الجزء الأول ، الجزء الثاني ، مركز التخطيط، بيروت، 1977.
·
مجموعة من الباحثين في تيار المستقبل، لبنان
التاريخ والجغرافيا والقوى السياسية ، الطبعة الأولى، بيروت، 2008.
·
وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، التي أقرها
اللقاء النيابي في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 22/10/1989
·
يوميات الحرب الأهلية، الجزء الأول، مركز
التخطيط، م. ت. ف.
·
البيان الختامي للمنتدى الدولي لمناهضة الحرب
والعولمة المنعقد في بيروت 17-9/9/2004.
المارونية السياسية: سيرة ذاتية، مركز السفير
للمعلومات، بيروت 1978
·
صيانة الدساتير في التحولات الديمقراطية، الخبرات
العربية والدولية من منظور مقارن، بيروت المكتبة الشرقية 2014
·
يوميات الحرب اللبنانية، منظمة التحرير الفلسطيني
مركز التخطيط بيروت لبنان، 1977
·
يوميات الحرب اللبنانية الجزء الثاني، منظمة التحرير
الفلسطيني مركز التخطيط بيروت لبنان، 1977
·
وثائق الحرب اللبنانية، ولما كانت مختارات الاخبار
العربية والعالمية، المركز العربي لﻻبحاث والتوثيق، 1978
المدونات والمواقع
الإلكترونية
·
إبراهيم، العبيدي، مفهوم النزاعات،
28/12/2016، Mawdoo3.com
·
العنكبوت الإلكتروني،
الفصل السابع حلقة (1)، الحرب الأهلية اللبنانية 1975، 12/1/2016.
فهرس المحتويات
2 |
الشكر |
3 |
الإهداء |
4 |
مقدمة |
5 |
أسباب إختيار الموضوع |
5 |
إشكالية
البحث
|
6 |
منهج
البحث
|
6 |
فرضيات البحث |
7 |
صعوبات البحث |
8 |
نقد المصادر
والمراجع
|
9 |
الفصل الأول: مفاهيم وآليات حل النزاع
|
9 |
مقدمة
|
12 |
1-تعريف النزاع
|
17 |
2-التطور التاريخي للنزاع
|
18 |
·
النزاع في العصر الحديث |
18 |
·
ظهور التنظيم الدولي |
18 |
·
معاهدة وستفاليا 1648 |
19 |
·
مؤتمرات وأنظمة دولية |
19 |
·
مؤتمر فيينا 1815 |
20 |
·
المؤتمر الأوروبي والنظام الدولي |
20 |
·
مؤتمر لاهاي وفض المنازعات بالطرق السلمية |
20 |
·
عصبة الأمم |
21 |
·
منظمة الأمم المتحدة |
21 |
3-أسباب النزاع
|
23 |
4-مراحل
النزاع |
23 |
5-خصائص
النزاع |
23 |
6-تصنيفات
النزاعات الدولية |
24 |
7-مصادر
النزاع |
27 |
8-أشكال النزاعات
|
30 |
§
تسوية النزاعات الدولية |
34 |
الفصل الثاني: النزاعات في لبنان وتأثيراتها
|
34 |
·
مقدمة |
36 |
1-لمحة تاريخية عن النزاعات اللبنانية
الداخلية
|
38 |
2-أسباب النزاعات في لبنان وأشكالها
|
41 |
3-المقومات التي أدت الى الحرب الأهلية في
لبنان
|
43 |
4-الحرب الاهلية اللبنانية 1975-1989
|
47 |
5-دور
الدول الخارجية في النزاعات اللبنانية الداخلية |
49 |
أ-الأسباب التي أطالت أمد الحرب الأهلية |
49 |
ب-لبنان بلد التناقضات |
50 |
ج-المشاريع التي تستهدف المنطقة العربية
ولبنان خصوصاً لإحكام السيطرة عليها |
51 |
د-دور الدول العربية في النزاعات اللبنانية
الداخلية |
54 |
ه-الدور الإقليمي في النزاعات الداخلية
اللبنانية |
56 |
6-الدور
الدولي في النزاعات الداخلية اللبنانية |
59 |
7-تأثير
النزاعات على النسيج الاجتماعي والإقتصادي |
61 |
الخلاصة |
62 |
الفصل الثالث: الآليات التي اعتمدت لحل النزاع في لبنان 1975 – 1989
|
62 |
·
مقدمة
|
63 |
1-المبادرات اللبنانية لحل
الأزمة |
68 |
2-المبادرات الحكومية العربية |
69 |
3ـ المبادرات النيابية لحل
الأزمة |
70 |
4ـ المبادرات العربية
|
72 |
5-المنظمات الدولية والأزمة
في لبنان |
73 |
6-أحداث وتطورات سياسية
وعسكرية بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان 1982 |
74 |
7-السياسات الدولية تجاه
الأزمة اللبنانية |
78 |
8-المؤتمرات العالمية لحل الأزمة
في لبنان |
84 |
|
91 |
الخاتمة
|
96 |
المصادر والمراجع
|
103 |
الفهرس |
[1] إدارة اﻻزمة في الحدث اﻻرهابي, اللواء الدكتور احمد جلال عز الدين دار النشر
بالمركز العربي للدراسات اﻻمنية والتدريب في الرياض 1990
[2] أرتسيباسوف، إيفان،
خلافاً للقانون الدولي، دار التقدم موسكو، 2003 ص 9.
[3] بستاني، فؤاد، لبنان،
مباحث علمية واجتماعية، منشورات للجامعة اللبنانية، 1969.
[4] Ahmad, Noureddine: The Development of the government Educational Policy
and Practise in the Lebanon 1920 – 1975, unpublished Ph.D Thesis for the
University of Wales, College of Cardiff, UK, 1989.
[5] الأمم المتحدة، الموسوعة السياسية، المؤسسة
العربية للدراسات والنشر، 1994 ص 77 و 78 .
[6] مرصد السلم الاهلي والذاكرة في لبنان إستعادة
سلطة المعايير, جمعية رمزي يوسف عساف الخيرية. بيروت المكتبة الشرقية 2015، ص 50.
[7] جنبلاط،
كمال، حقيقة الثورة اللبنانية، 1978، لجنة تراث القائد الشهيد
[8] إدوار
عازار أستاذ علوم سياسية من مواليد لبنان، درس العلاقات الدولية بجامعة ستانفورد
[9] إبراهيم العبيدي، مفهوم النزاعات، , 2016،
العدد 30، دار النشر للابداع
[10] مصدر سابق، الموسوعة السياسية، المؤسسة
العربية للدراسات والنشر، 1994 ص 22 و 25 .
[11] حماد، كمال، منشورات
الدفاع الوطني اللبناني، العدد 27، كانون ثاني 1999 ص 60.
[12] www.aljazeera.net/special files إعداد قسم البحوث
والدراسات
[13] Khalaf, Massoud: Le Liban contemporain, l'encyclopédie historique et géographique, partie 16,
édition spéciale, Page 55, 2001.
[14] كينيث بولدينولد في 24
أكتوبر 1930 هو عالم اجتماعي نرويجي، عالم رياضيات، والمؤسس الرئيسي لدراسات
السلام والصراع.
[15] مايكل
نيكلسون - هو من أكثر حاملي الشهادات في تاريخ هذا العالم، يحمل 22 شهادة ماجستير،
مع بكالوريوس واحدة، و شهادتي زمالة، وواحدة دكتوراة، وثلاثة تخصص
[16] Traboulsi, Fawaz: L'histoire du Liban
contemporain, Riyad El Rayess pour les livres et publications, première édition, Février, Page 15, 2008.
[17] توماس شيلينغ
اقتصادي أمريكي وبرفيسور في الشؤون
الخارجية والأمن القومي والاستراتيجية النوويةوالسيطرة على الأسلحة في جامعة
ميريلاند، كلية بارك.
[18] كريس بورغ كان نجاحا
باهرا في أيرلندا وبريطانيا والولايات المتحدة مع عام 1986 بلغ "سيدة في
الأحمر".
[19] دينا زينس هي
عالمة اجتماعية اميركية،وعالمة علوم سياسية واجتماعية
[21] شوقي، مريم، الحوار
المتمدن، مواضيع وأبحاث 21/1/2014، ar-windsorbrokers.com
[22] لينين كان
ثوري روسي ماركسي وقائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية، كما أسس المذهب اللينيني السياسي رافعاً شعاره الأرض والخبز والسلام.
[23] مؤلفات ماوتسي تونغ
المختارة، المجلد الأول، ص 464، في التناقض، عمومية التناقض / الصفحة الاولى/ دار
النشر باللغات الاجنبية / بكين 1968
[24] المرجع
السابق نفسه، ص 461. في التناقض، عمومية التناقض / الصفحة الاولى/ دار النشر
باللغات الاجنبية / بكين 1968
[25] Pachado.org Latest Arabia, by Stephen Oken Agwet,
6/4/2011.
[26]عهد المشاعي هي المرحلة الأولى للتطور البشري، حيث كان البشر
يعيشون كالقطعان
[27] Pachado.org Latest Arabia, by Stephen Oken Agwet, 6/4/2011.
[28] كتاب، التعامل مع النزاع، مجموعة من الباحثين، شبكة
المنظمات الأهلية الفلسطينية، مؤسسة الناشر للدعاية والإعلان، ص 4.
[29] كتاب، التعامل مع النزاع، مرجع سابق ، ص 5.
[30] سنو، عبد الرؤوف،
حرب لبنان 1975 – 1990 تفكك الدولة وتصدع المجتمع، المعهد الألماني للأبحاث
الشرقية بيروت، 2014.ص 267.
[31] أشقر، جلبير، ذخائر لبنان، طبع في دار النهار لطباعة، بيروت، 1991 ص 33.
[32] الشعلان، فهد أحمد، إدارة الأزمات، الأسس – المرحل –
الآليات، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية، الطبعة الأولى، 2005، ص 220-230
[33] الشعلان، فهد
أحمد، إدارة الأزمات، الأسس – المرحل – الآليات، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية،
الطبعة الأولى، 2005، ص350-356
[34] تويني، غسان،
مسارات السلام ودبلوماسية الـ 425، دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت
1999، ص 89
[35] الأحدب،
عزيز، فخر الدين، مؤسس لبنان الحديث، دار الكتاب اللبناني الطبعة الثانية، بيروت، 1974 ص 53.
[36]بيتكوفيتش، قسطنطين، لبنان واللبنانيون، مذكرات القنصل
الروسي في لبنان في الفترة بين 1896-1882 نقلها إلى العربية يوسف عطالله، دار
الهدى للطباعة والنشر، الطبعة الأولى بيروت 1986 ص 95.
[37] Al Chaiiri, Saleh
Yehya: Le Règlement des différents internationnaux pacifiquement, Librairie Madbouli, Le Caire, 2006.
[38] مؤلفات ماوتسي تونغ المختارة، المجلد الأول، ص 453، / دار النشر باللغات
الاجنبية / بكين 1992
[39]حلاق، حسان، التيارات السياسية في لبنان، دار النهار
للطباعة، بيروت، 1943-1952، ص 213
[40] اعداد عبدالرزاق
الصافي، قاموس السياسة، دارالفارابي1978.
ص 179.
[41]بولس،
جواد، تاريخ لبنان، دار النهار للنشر، 1973، ص 230
[42] بولس، جواد،
تاريخ لبنان، دار النهار للنشر، 1973، ص 198
[43] البيان الختامي
للمنتدى الدولي لمناهضة الحرب والعولمة المنعقد في بيروت 17-9/9/2004.
[44] إبراهيم، العبيدي،
مفهوم النزاعات، 28/12/2016، Mawdoo3.com
[45] إبراهيم موسى، تاريخ
لبنان الحديث والمعاصر، دار المنهل اللبناني، بيروت، 2011، ص 145.
[46] حماد كمال، الوطن ولبنان، منشورات الدفاع الوطني اللبناني، العدد 27،
كانون ثاني 1999، ص 69.
[47] إسماعيل، عادل،
السياسة الدولية في الشرق العربي، الجزء الرابع، دار النشر للسياسة والتاريخ،
بيروت 2007، ص 264.
[48] مركز دراسات الوحدة العربية, قائمة المنشورات,
2015 ص 78
[49] عارف، العبد, لبنان والطائف تقاطع تاريخي
ومسار غير مكتمل, مركز دراسات الوحدة العربية 2001، ص 99
[50] تويني، غسان،
مسارات السلام ودبلوماسية الـ 425، دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت
1999، ص 55
[51] جريدة النداء
اللبنانية هي جريدة لبنانية، في 7-11-1991، على الصفحة رقم 8 – الصفحة
الثانية
[52] حماد كمال، الوطن
ولبنان ، منشورات الدفاع الوطني اللبناني، العدد 27، كانون ثاني 1999 ص 33.
[53] وثائق: الحرب اللبنانية لعام 1978، مجموعة الاحداث اللبنانية،
المركز العربي للأبحاث والتوثيق، الطبعة الأولى، 1979، ص50
[54] قسم البحوث والدراسات
3/10/2004www.aljazeera.net/special files
[55] السفير: جريدة سياسية يومية
لبنانية، ليست عودة إلى جنيف ـ لوزان- الطائف، ولكن... ، طلال سلمان، نشر هذا المقال
في جريدة السفير بتاريخ 19/5/2008 على الصفحة
الأولى
[56] هلال، محمد عبد الغني
حسن، مهارات إدارة الأزمات، الأزمة بين الوقاية منها والسيطرة عليها، مركز تطوير
الأداء والتنمية، الطبعة الثالثة، مصر، 2001، ص 136.
[57] كمال جنبلاط, لبنان وحرب التسوية, 1977
ص36
[58] دول البريكس وهي مختصر
للحروف الأولى باللغة اللاتتينية. وهي: البرازيل وروسياوالهند والصين وجنوب
أفريقيا.
[59] المستقبل: جريدة سياسية يومية لبنانية، تاريخ 24 تشرين
الأول 2014، العدد 5188، صفحة 8، إتفاق الطائف بعد ربع قرن على إعلانه ضرورة وطنية
في مرحلة مصيرية.
[60]
كتاب، التعامل مع النزاع، مجموعة من الباحثين، شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، مؤسسة الناشر للدعاية
والإعلان، ص 12.
[61] قسم البحوث والدراسات 3/10/2004www.aljazeera.net/special files
[62] يوميات الحرب اللبنانية, منظمة التحرير
الفلسطيني مركز التخطيط بيروت لبنان, 1977
[63] بركات، حليم عالم اجتماع واستاذ جامعي وروائي سوري. ولد في الكفرون في سورية عام 1933
[64] المرجع السابق نفسه، بحث استطلاعي اجتماعي، من ص 113-120
[65] بركات، حليم المجتمع العربي المصارع، بحث استطلاعي اجتماعي دار الحياة للطباعة والنشر
والتوزيع ص 118 ص 65.
[66] مصدر سابق، قسم البحوث والدراسات 3/10/2004www.aljazeera.net/special files
[67] يوميات الحرب اللبنانية الجزء الثاني, منظمة التحرير
الفلسطيني مركز التخطيط بيروت لبنان, 1977 ص 199
[68] سليم الحص, عصارة العصر, شركة المطبوعات للتوزيعات والنشر, 2004 ص
178
[69] كريم بقرادوني, لعنة ولكن من حرب لبنان
الى حرب الخليج شركة المطبوعات للتوزيع والنشر, 2010 ص 289
[70] لينين كان ثوري روسي ماركسي وقائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية، كما أسس المذهب اللينيني السياسي رافعاً شعاره الأرض والخبز والسلام.
[71] انطوان نصري مسرة، النظرية العامة في النظام الدستوري اللبناني، بيروت المكتبة الشرقية
2005 ص 158
[72] صيانة الدساتير في التحولات الديمقراطية،
الخبرات العربية والدولية من منظور مقارن، بيروت المكتبة الشرقية 2014
[73] العلوم القانونية السياسية - النزاع الدولي ومستويات
التحليل كتاب – "المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية" 11/12/2015 scjuripoli.blogspot.com
[74] تقي الدين، منير ، ولادة إستقلال، دار
النهار، بيروت 1997، ص 105.
[75] الحبوسي، نضال، التعامل مع النزاع مهارات
واستراتيجيات للتطبيق، مترجم للعربية المكتبة العربية، 2005، ص39
[76] الحبوسي، نضال، التعامل مع النزاع مهارات
واستراتيجيات للتطبيق، مترجم للعربية المكتبة العربية، 2005 ص 226
[77] العلوم القانونية السياسية - النزاع الدولي ومستويات
التحليل كتاب – "المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية" 11/12/2015
[78]مصدر سابق، تقي الدين،
منير ، ولادة إستقلال، دار النهار، بيروت 1997، ص 130.
[79]المارونية السياسية: سيرة ذاتية، مركز السفير للمعلومات،
بيروت 1978، ص 39.
[80] وثائق الحرب اللبنانية، ولما كانت مختارات
الاخبار العربية والعالمية، المركز العربي ﻻبحاث والتوثيق، 1978 ص 146
[81] مصدر
سابق، طرابلسي، فواز، م.ن، ص 14. يشير
طرابلسي إلى أن رجال العهد الشهابي كانوا ينطلقون في كثير من الأفكار من طروحات
ميشال شيحا.
[82]الطرابلسي، فواز، صلات بلا وصل: ميشال شيحا
والإيديولوجيا اللبنانية، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت 1999، ص 216.
[83]حلو، شارل، حياة في ذكريات، دار النهار،
بيروت 1997، ص 67 و 68.
[84]المرجع السابق نفسه. وهنا يروي الرئيس الحلو أن شيحا هو
صاحب عبارة "علينا أن نعيش وإياهم دوماً بموجب سوء تفاهم مرتضى "وبذلك
يقصد المسلمين، التي غلفها حلو بعبارة "مواطنينا من الطوائف الأخرى".
[86] حلاق، حسان، دراسات في تاريخ لبنان المعاصر 1913 – 1943: من جمعية
بيروت الإصلاحية إلى الميثاق الوطني، دار النهضة العربية، بيروت 1985، ص 220 .
وروايته عن اجتماع المرشح لرئاسة الجمهورية بشارة الخوري في القاهرة مع النحاس
باشا وجميل مردم.
[87] جنبلاط، كمال، حقيقة الثورة
اللبنانية، الدار التقدمية، المختارة 1987، ص 18.
[88]الصليبي، كمال، تاريخ لبنان الحديث، دار
النهار، بيروت 1984، ص 250.
[89]الجسر، باسم، ميثاق 1943: لماذا كان؟ وهل
سقط؟ دار النهار، بيروت 1997، ص 238
[90] الشعلان، فهد
احمد، ادارة الاوقات، الاسس المراحل الاليات، 1999 ص263
[91] عليوه، السيد، ادارة الازمات والكوارث، القاهرة، 1997 ص 133
[92] الشعلان، فهد
أحمد، إدارة الأزمات، الأسس – المرحل – الآليات، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية،
الطبعة الأولى، 2005، ص 302-305
[93] الشعلان، مرجع سابق، ص 220-230
[94] سنو، عبد الرؤوف،
لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف، المعهد اللبناني للأبحاث الشرقية، 2008.
ص405-410
[95] سركيس، محمد الياس، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1982 ص 79
[96] تقي الدين، اسماعيل،
المسألة الطائفية في لبنان، الجذور والتطور التاريخي، دار إبن خلدون، بيروت،1975، ص 370-372.
[97] الجسر، باسم، فؤاد
شهاب ذلك المجهول، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1988، ص 122.
[98]هانف، تيودور، لبنان التعايش في زمن الحرب:
من إنهيار الدولة إلى إنبعاث الأمة، نقلة عن الألمانية موريس صليبا، باريس: مركز
الدراسات العربي – الأوروبي، 1993، ص 163.
[99] تقي الدين، إسماعيل،
المسألة الطائفية في لبنان: الجذور والتطور التاريخي، دار إبن خلدون، بيروت، ص
385.
[100] الجسر، باسم، ميثاق
1973:لماذا كان؟ وهل سقط؟، دار النهار، بيروت، 1997، ص 356.
[101] الجسر، باسم، فؤاد
شهاب ذلك المجهول، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1988، ص 134-135.
[102]هانف، تيودور، لبنان التعايش في زمن الحرب:
من إنهيار الدولة إلى إنبعاث الأمة، نقلة عن الألمانية موريس صليبا، باريس: مركز
الدراسات العربي – الأوروبي، 1993، ص 167.
[103] العبد، عارف، لبنان
والطائف: تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل، أطروحة دكتوراه، مركز دراسات الوحدة
العربية، بيروت، 2001، ص 110-111.
[104]نصر سليم ودوبار كلود، الطبقات الإجتماعية في
لبنان: مقاربة سوسيولوجية تطبيقية، تعريب جورج أبي صالح، مؤسسة الأبحاث العربية،
بيروت، 1982، ص 363-364.
[105] مسرة، انطوان، التقرير
السنوي الثاني حول حالة السلم الأهلي الدائم في لبنان، هل ينتقل اللبنانيون من
الساحة إلى الوطن؟، خلاصة الندوة السادسة والعشرين، والثاني لمرصد السلم الأهلي
التي عقدتها المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، بالتعاون مع مركز المؤتمرات
في أيانابا (قبرص) بين 14و19 آب 2000، ونشرت خلاصتها رلى مخايل وألين فرح في نهار
الشباب، 19-9-2000.
[106] السماك، محمد، دراسة
مقارنة بين لبنان والبوسنة: من الدائف إلى دايتون، النهار، 17-12-1998، ص 12.
[107]الصليبي، كمال، تاريخ لبنان الحديث، دار النهار،
بيروت 1984، ص 250.
[108] مصدر سابق، تشومسكي،
نعوم، إعاقة الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، أيلول 1992.ص25
[109]أشقر، جلبير، حرب الـ33 يوماً، حرب إسرائيل
على حزب الله ونتائجها، دار الساقي، بيروت ص 12.
[110]عبد الرؤوف، سنو، حرب لبنان 1975 – 1990، تفكك
الدولة وتصدع المجتمع، الفصل الثاني، ص
181.
[111]17-يوميات الحرب
الأهلية، الجزء الأول، مركز التخطيط، م. ت. ف، ص 64.
[112] بولس، جواد،
تاريخ لبنان، دار النهار للنشر، 1980، ص 195
[113] تقي الدين، سليمان،
التكوين التاريخي للبنان السياسي، كتابة تاريخ لبنان إلى أين، بيروت، جمعية متخرجي
المقاصد الاسلامية في بيروت، 1993، ص 255.
[114] الجسر، باسم، ميثاق
1943: لماذا كان؟ وهل سقط؟،دار النهار، بيروت 1997، ص 238
[115] عبد الله، بوحبيب،
الضوء الأخضر، السياسة الأميركية اتجاه لبنان، ص 277.
[116] حجار، جورج، الحدود
بين لبنان وإسرائيل في مؤتمر السلام، السفير، 17-12-1991.
[117] سليمان، سعيد، لبنان والطائف، دار أزال،
بيروت،، 1990، ص 260
[118] حريق، ايليا، التحول
السياسي في تاريخ لبنان الحديث، الأهلية للنشر والتوزيع، 1982، ص 35
[119] صباغ، مازن يوسف، اتفاق الدوحة: الحوار
الوطني اللبناني قطر 16-21 ايار 2008، دار مختارات 2009، ص 110
[120] النهار: جريدة سياسية يومية لبنانية،
تاريخ 20/3/1984، العدد 15598، صفحة 3، لوزان يترجح بين النجاح والفشل وزير ونواب
: أنهياره كارثة تقضي على ما تبقى من لبنان.
[121] الجسر، باسم، اتفاق الدوحة: حل نزاع أم بداية
قيام الدولة اللبنانية؟ الشرق الأوسط، ايار 2008، ص 236
[122] صباغ، مازن يوسف، اتفاق الدوحة: الحوار
الوطني اللبناني قطر 16-21 ايار 2008، دار مختارات 2009، ص 110
[123] مجموعة من الباحثين في تيار المستقبل، لبنان التاريخ والجغرافيا
والقوى السياسية، ، الطبعة الأولى، بيروت، 2008، ص 98
[124]تويني، غسان، القرار 425 المقدمات، الخلفيات،
الوقائع والابعاد، دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1997، ص 68
[125]عليوة، السيد، إدارة الأزمات والكوارث، سلسلة
دليل صنع القرار، القاهرة، 1997، ص 145
[126] بقرادوني، كريم، لعنة وطن، ص 170
[127]عبوشي، صلاح، تاريخ لبنان الحديث من
خلال 10 رؤساء حكومات، دار العلم للملايين،بيروت 1989، ص 39
[128]
منظمة التحرير الفلسطينية، يوميات الحرب اللبنانية، الجزء الأول،
مركز التخطيط، الطبعة الأولى، 1977
[129] الموسوي، رشاد، جغرافية
لبنان، الطبعة الأولى 1983، ص 50
[130]أودد ينون، رجل خفي
وغامض، عمل في دائرة المخابرات الإسرائيلية، وهو العقل المدبر للعديد من
استراتيجيات حزب الليكود الذي يهيمن على الحكم حاليًا في الكيان الصهيوني.
[131]
استراتيجية "لإسرائيل" في الثمانينات، مركز باحث للدراسات.اتفاقية
الكويز بين مصر و"إسرائيل" هي اتفاقية كامب ديفيد الاقتصادية. حيث تعتبر
الأكثر خطورة على الاقتصاد المصري، وتقوم على مشارك "إسرائيل" بنسبة 11%
في المنتجات المصرية المصدرة إلى أميركا ودول أوروبا.
[132] وهى ترتيبات تسمح
للمنتجات المصرية بالدخول إلى الأسواق الأمريكية دون
جمارك أو حصص محددة شرط ان المكون الإسرائيلي في هذه المنتجات 11.7%
[133] El Diri, Elias: Qui fait le président, l'établissement
universitaire pour les etudes et les publications, 1982.
[134] عبد الرؤوف، سنو، حرب
لبنان 1975 – 1990، المجلد الأول، ص 200.
[135] بيريز، شمعون، عن
"تاريخ الشؤون السياسية الإسرائيلية"، ص 156.
[136] المصدر نفسه، ص 201.
[137] بيريز،
شمعون، عن "تاريخ الشؤون السياسية الإسرائيلية"، ص 157.
[138] حسين، محمود، عن
استراتيجية لإسرائيل في الثمانينات، جريدة عشتروت، 1982 ص 3
[139] مصدر سابق، حجار، جورج،
استراتيجية الأمن القومي الأميركي، دراسة مقدمة إلى التجمع الوطني لدعم خيار
المقاومة، 2004، ص 90
[140] حجار، جورج،
استراتيجية الأمن القومي الأميركي، دراسة مقدمة إلى التجمع الوطني لدعم خيار
المقاومة، 2004، ص 85
[141] حسين، خليل،
الاستراتيجية الأميركية تجاه العراق وخلفيات الإتفاقية الأمنية، دراسة مقدمة إلى
مركز باحث للدراسات، 2009، ص 120
[142] تشومسكي، نعوم، إعاقة
الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، أيلول 1992.ص15
[143] مصدر
سابق، تشومسكي، نعوم، إعاقة الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، أيلول 1992.ص17
[144] بيضون، أحمد، لبنان الإصلاح المردود والخراب
المنشود، دار الساقي، الطبعة الأولى، بيروت، 2012، ص 189
[145] بوحبيب، عبد الله،
الضوء الأخضر، السياسة الأميركية اتجاه لبنان، دار النشربيروت، ص 94
[146] عزالدين، أحمد جلال،
إدارة الأزمة في الحدث الإرهابي، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية
والتدريب، الرياض، 1990، ص 210
[147] عليوه، السيد، إدارة الصراعات الدولية، دراسة في سبسبات التعاون الدولي، الهيئة المصرية
العامة للكتب، 1988 ص 177
[148] مصدر
سابق الجسر، باسم، اتفاق
الدوحة: حل نزاع أم بداية قيام الدولة اللبنانية؟ الشرق الأوسط، ايار 2008، ص 420
[149] بوحبيب، عبد الله، الضوء الأخضر، السياسة
الأميركية اتجاه لبنان، دار بيروت للطباعة، 1980، ص 115.
[150] Salameh, Ghassan:
Quand l'Amerique refait le monde, Dar Annahar pour les publications, Beyrouth, 2005, page 156
[151] Salam, Nawwaf: Mythes,
et Politiques au Liban, Edition FMA, Beyrouth,
1987, page 221
[152] وثائق: وثيقة الوفاق الوطني، التي أقرها اللقاء
النيابي في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 22/10/1989.
[153] قصير، سمير، حرب لبنان: من الشقاق الوطني إلى
النزاع الإقليمي 1975-1982، دار النهار للطباعة والتوزيع، 2007، ص 25
[154] بقرادوني، كريم، لعنة
وطن، ص 179-180.
[155] العبد، عارف، لبنان
والطائف: تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل، أطروحة دكتوراه، مركز دراسات الوحدة
العربية، بيروت، 2001، ص 110-111.
[156] أشقر، جلبير، حرب الـ
33 يوماً، حرب إسرائيل على حزب الله ونتائجها، بيروت ص 33.
[157] مصدر سابق، تيودور، لبنان التعايش في زمن الحرب: من إنهيار
الدولة إلى إنبعاث الأمة، نقلة عن الألمانية موريس صليبا، باريس: مركز الدراسات
العربي – الأوروبي، 1993، ص 167.
[158] حسن هلال، محمد عبد
الغني ، مهارات إدارة الأزمات، ص 32.
[159][159] حسن هلال، محمد عبد الغني، مهارات ادارة
الازمات، مركز تطوير الاداء والتنمية، 2001 ص 165
[160] بيضون، احمد، لبنان الاصلاح المردود والخراب
المنشود، دار الساقي، 2012 ص 299
[161] بيضون، أحمد، لبنان الإصلاح المردود والخراب
المنشود، دار الساقي، الطبعة الأولى، بيروت، 2012، ص 250
[162] تقي الدين، اسماعيل،
المسألة الطائفية في لبنان، الجذور والتطور التاريخي، دار إبن خلدون، بيروت، 2010،
ص 370-372
[163] نصر الله، شكري، تاريخ لبنان واللبنانيين،
نظرة الى الوراء، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2006
[164] وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، التي أقرها اللقاء النيابي في مدينة
الطائف بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 22/10/1989
[165] عليوة، السيد، إدارة الصراعات الدولية دراسة
في سياسات التعاون الدولي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988، ص 39
[166] عبود، أحمد، انتفاضة الجنوب وسياسة الأحلاف
والمحاور، مؤسسة الكتاب الحديث، بيروت 1994، ص 243
[167] الجسر، باسم، ميثاق
1973:لماذا كان؟ وهل سقط؟، دار النهار، بيروت، 1997، ص 356.
[168] مشروع البيان الختامي لمؤتمر لوزان،
تاريخ 20/3/1988، العدد 15598، ص 126
[169] عز الدين، احمد جلال، ادارة الازمة في الحدث
الارهابي، دار النشر بالمركز العربي للدراسات اﻻمنية والتدريب في الرياض، 1990 ص
136
[170] Chomsky, Noam: The Fateful Triangle: The
united states, Israel and Palestinians, South End Press, Cambridge, 1999, page 324
[171] المقدسي، جين سعيد، شتات بيروت، مذكرات
حرب 1975، دار الساقي
[172]Corm, Georges: Le Liban Contemporain, 1940-1992 Gallimard, Paris, 1992, page 56
[173]عليوة،السيد، درويش، عبد الكريم، دراسات في
السياسات العامة وصنع القرار، القاهرة، 2000، ص 68
[174]نصر الله، شكري، تاريخ لبنان واللبنانيين، ص
52.
[175]الحص، سليم، عصارة العمر، شركة المطبوعات
للتوزيع والنشر، الطبعة الثانية، بيروت، 2004. ص 250
[176]الحص، سليم، عصارة العمر، شركة المطبوعات
للتوزيع والنشر، الطبعة الثانية، بيروت، 2004. ص 234
[177] العبد، عارف، لبنان والطائف تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل، مركز دراسات
الوحدة العربية، أطروحة دكتوراه، الطبعة الأولى، بيروت،2001، ص 125
[178]جنبلاط، كمال، حقيقة الثورة اللبنانية، لجنة
تراث القائد الشهيد كمال جنبلاط، 1978، ص 99
[179]مسرة، انطوان، قيس، ربيع، اتفاق الدوحة:
ثقافة المواثيق، المكتبة الشرقية، بيروت، 2009، ص 243
[180]نصرالله، شكري، تاريخ لبنان واللبنانيين نظرة
إلى الوراء، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الأولى، بيروت 2012، ص 25
[181] منظمة التحرير الفلسطينية،
يوميات الحرب اللبنانية، الجزء الأول 327 صفحة، الجزء الثاني 406 صفحات، مركز التخطيط،
بيروت، 1977، ص 253
[182]جنبلاط، كمال، لبنان وحرب التسوية، مركز
الدراسات الإشتراكية، 1979، ص 191
[183]نصر الله، شكري، مصدر سابق، ص 261.
[184]بو حبيب، عبد الله، الضوء الأصفر: السياسة
الأميركية تجاه لبنان، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1991، ص 38.
[185]بو حبيب ،عبدالله ،المصدر ذاته ص39.
[186]بقردوني، كريم، لعنة وطن: من حرب لبنان إلى
حرب الخليج، عبر الشرق للمنشورات، 1991، ص59.
[187]بو ،حبيب ، عبدالله، مرجع سابق ص 32 .
[188] إتفاقية الخطوط الحمر: إتفاقية ضمنية برعاية
بين سوريا و"اسرائيل" سمحت للقوات السورية بالدخول الى لبنان بإعتبارها
القوة القادرة على تثبيت الوضه فيه وضبط فلتانه من السلاح، وإنها تريد أن تعطيها
دوراً هاماً في الشأن اللبناني. ورأت أن انتشار القوات السورية في الجنوب لمنع
النشاط المسلح الفلسطيني ان يتعارض اميركا و"إسرائيل" وإن الأخيرة لن
تتدخل في الوضع اللبناني. ازمة الإجتياح "الإسرائيلي" لجنوب لبنان في
14/3/1978، أسقط الإتفاق وأثار حفيظة أميركا التي انتقدته ولم تعترض على استصدار
مجلس الأمن الدولي للقرار 425.
[189]عليوة، السيد، إدارة الصراعات الدولية دراسة
في سياسات التعاون الدولي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988، ص 123
[190]عارف العبد،
لبنان والطائف تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل، 440 صفحة، مركز دراسات الوحدة العربية،
أطروحة دكتوراه، بيروت 2001، ص 268
[191]حجار، جورج، استراتيجية الأمن القومي
الأميركي، دراسة مقدمة إلى التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة، 2004، ص 96
[192]قرم، جورج، لبنان المعاصر تاريخ ومجتمع،
المكتبة الشرقية، بيروت، 2004، ص 143
[193]الخوري، بشارة، حقائق لبنانية، درعون 1960، ص
113
[194]عيران، جورج، البابوية في الضرق الأوسط، دور
الكرسي الرسولي في النزاع العربي – الإسرائيلي، 1962-1994، ترجمة بولس سروع، دار
ملفات جبيل، ص 167.
[195]يونس، عماد، سلسلة الوثائق الأساسية للأزمة
اللبنانية، الجزء الثالث، ص 87.
[196]الخوري، بشارة، حقائق لبنانية، درعون 1960، ص
89
[197] تويني، غسان،
مسارات السلام ودبلوماسية الـ 425، دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت
1999
[198] مصدر سابق، حقيقة الثورة
اللبنانية، لجنة تراث القائد الشهيد كمال جنبلاط، 1983، ص 140
[199]سلمان، طلال، المحاضرة السرية الكاملة: ثرثرة
فوق بحيرة ليمان، المركز العربي للمعلومات، بيروت، 1984، ص 208.
[200]جورج قرم، نظرة
بديلة إلى مشكلات لبنان السياسية والاقتصادية، 430 صفحة، دار الفارابي للنشر والتوزيع،
بيروت، 2013، ص 132
[201]سالم، إيلي، الخيارات الصعبة 1982-1988:
دبلوماسية البحث عن مخرج، ترجمة مخايل الخوري، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر،
بيروت، 1997، ص 292.
[202]بقرادوني، كريم، مصدر سابق، ص 75.
[203]أبو خليل، جوزيف، قصة الموارنة في الحرب،
سيرة ذاتية، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1990، ص 260.
[204]هانف، تيودور، مصدر سابق، ص 357.
[205]أنطوان مسرة،
النظرية العامة في الدستوري اللبناني أبحاث مقارنة في أنظمة المشاركة، 461 صفحة، المكتبة
الشرقية، بيروت، 2005، ص 169
[206]فرحات، البير عبدالله، محاضرات في القانون
المدني، بيروت، 1982، ص 159
[207]سلمان، طلال، مصدر سابق، ص 402.
[208]أبو خليل، جوزيف، مصدر سابق، ص 268.
[209]سالم، إيلي، الخيارات الصعبة 1982-1988:
دبلوماسية البحث عن مخرج، ترجمة مخايل الخوري، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر،
بيروت، 1997، ص 316.
[210]بقرادوني، كريم، مصدر سابق، ص 78.
[211]هانف، تيودور، مصدر سابق، ص 362.
[212]أبو خليل، جوزيف، مصدر سابق، ص 269.
[213]سالم، إيلي، مصدر سابق، ص 345.
[214]سمير قصير، حرب
لبنان: من الشقاق الوطني إلى النزاع الإقليمي (1975 – 1982)، 524 صفحة، دار النهار
للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2007، ص 256
[215]جريدة النهار، الصفحة السابعة ، الحرب
الأهلية اللبنانية 1975، 12/1/2016.
[216]فرحات، البير عبدالله، محاضرات في القانون
المدني، بيروت، 1982، ص 120
[217]بو خليل، جوزيف، مصدر سابق، ص 352.
[218]أبو خليل، المصدر نفسه، ص 410.
[219] نص الاتفاق الثلاثي المنشور في الصحف
اللبنانية بتاريخ 29/12/1985،وفي ملاحق أكثر من كتاب . أنظر النص الكامل:في لبنان
وآفاق المستقبل: أوراق ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة
العربية، بيروت، 1991، باب الملاحق.
[220]سالم، إيلي، مصدر سابق، ص 412.
[221]Kasir Samir: Le Liban au cours de la violence, Dar Annahar,
deuxième édition, 1998, page 211
[222]جريدة النهار، الصفحة السابعة ، الحرب
الأهلية اللبنانية 1975، 12/1/2016.
[223]المصدر نفسه.
[224]جريدة النهار، الصفحة الثامنة الحرب الأهلية
اللبنانية 1975، 12/3/2016
[225]قباني، خالد، وثيقة الوفاق الوطني في الطائف،
ص 871،870.
[226]مسرة، انطوان، النظرية العامة في الدستور
اللبناني، دار الفارابي للنشر والتوزيع ، بيروت، 2005.
[227]قباني، خالد، مصدر سابق، ص 876.
[228]مسرة، انطوان، قيس، ربيع، صياغة الدساتير في
التحولات الديمقراطية، المكتبة الشرقية، بيروت، 2014، ص 206
[229]قرم، جورج، نظرة بديلة إلى مشكلات لبنان
السياسية والاقتصادية، دار الفارابي، 2013، 122
[230]الطرابلسي، فواز، تاريخ لبنان الحديث من
الامارة إلى الطائف، دار رياض الريس للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت 2008، ص
225
[231]العنكبوت الإلكتروني، الحرب اللبنانية
الأهلية 975، الفصل الثامن، المبحث الأول، 22/1/2016.
[232]جريدة النهار، الفصل الثاني الصفحة السابعة ، الحرب الأهلية اللبنانية 1975،
12/1/2016.
[233]جريدة النهار، الفصل الثاني الصفحة الثامنة ، الحرب الأهلية اللبنانية 1975،
12/1/2016.
[234]العنكبوت الإلكتروني، الحرب الأهلية
اللبنانية 1975، الفصل الثامن، المبحث الثالث، 22/1/2016.
[235]قرم، منير، من أجل الجمهورية الثالثة في لبنان، دار الفارابي،
الطبعة الأولى، 2013، ص 199.
[236]جريدة العهد، عدد 281، 10/11/1989.
[237]المصدر نفسه، عدد 282، 17/11/1989.
[238] العنكبوت الإلكتروني،
الحرب الأهلية اللبنانية 1976، الفصل الثامن، المبحث الثالث، 22/1/2016.
[239] جريدة العهد، الفصل الثالث، الصفحة السابعة ، الحرب الأهلية اللبنانية
1975، 12/1/2016.
[240] الشفتري، أسعد، رسالة
اعتذار إلى الضحايا بإسم لبنان، النهار، 10-2-2000، ص 5.
[241] أبي خاطر، إبراهيم، الخواطر خطب ومقالات في
السياسة والاجتماع للقائمقام إبراهيم أبي خاطر جمعها ابنه جوزيف في كتاب جمل إسم
جريدة الخواطر.
[242] بركات ، حليم المجتمع العربي المصارع، بحث استطلاعي اجتماعي، دار الحياة للطباعة والنشر والتوزيع ص 123
[243] بركات ، حليم المجتمع العربي
المصارع، بحث استطلاعي اجتماعي، ص 130
[244] Kissenger, Henri: Years of Reneval, Diane publication,
New York, 1999, page 236.
[245]
بركات ، حليم المجتمع العربي المعاصر مركز
دراسات الوحدة العربية، ص 118.