وبدات الدول المصدرة للنفط، تشعر بالغبن
الذي يلحقها نتيجة سيطرة الدول الصناعية وشركائها على مصدر ثرواتها، فأنشأت منظمة
الأوبك عام 1960، كوسيلة لتوحيد مواقفها ومطالبها العادلة تجاه شركات النفط، لكن
هذه المنظمة عجزت عن تحقيق مكاسب محسوسة لدولها.
وكان
قيام حرب اكتوبر 1973، إيذاناً بدخول المنطقة العربية، والنفط، مرحلة جديدة. فقد
تحولت الأسواق النفطية العالمية الى أسواق يلعب فيها المنتجون الدور الأساسي في
السيطرة على القرار النفطي، بعد ان إستطاعت الدول العربية المنتجة إستخدامه كسلاح
فعال في المعركة مع إسرائيل ومن يقف معها.
إلا ان الضغوط الأمريكية على الأنظمة
العربية، والسياسات التي اتبعتها الدول الصناعية المستهلكة للنفط، إستطاعت أن تسحب
(سلاح) النفط من التداول، كما على مدى السنوات التالية أن تعيد سيطرتها على النفط
إنتاجاً وتسويقاً، وبالتالي إستطاعت المحافظة على مصالحها ونفوذها في هذه المنطقة
الحساسة.
لقد كان النفط العربي في مركز السياسة
الغربية الأوربية والأمريكية، كما كان، ولايزال، يشكل محور الإستراتيجية الأمريكية
جنباً الى جنب في المحافظة على أمن إسرائيل، حيث يلتقي المشروعان الأمريكي
والإسرائيلي في إطار إستراتيجية واحدة تجاه المنطقة العربية.
والسؤال الذي يلح علينا جميعاً الآن هو :
هل من سبيل لإستعادة العرب إرادتهم، والنهوض موحدين في مواجهة ما يحاك؟ هل يستمرون
في حالة المتلقي الذي ينتظر من الآخرين تحديد إسلوب معيشتهم، ورسم مستقبلهم ومستقبل
اوطانهم واجيالهم الصاعدة؟ هل بالإمكان
إعادة الإعتبار الى سلاح النفط، وإستخدامه مجدداً في الوقت المناسب من اجل (تصحيح)
الوضع العربي، ووضع العرب على طريق التقدم والنهضة؟ وما هو دور النفط العربي في
تأمين مستلزمات الأمن الإقتصادي العربي؟
هذا
ما سنحاول الإجابة عليه في هذا الموضوع، من خلال النقاط الآتية :-
1.
أهمية النفط العربي
في الإقتصاد العالمي.
هكذا
إرتفع تدفق النفط العربي من نحو 1,1 مليون برميل/يومياً عام 1950 الى 15
مليون/يومياً عام 1970 ثم الى 22,5 مليون برميل/يومياً عام 1979 وهو عام الذروة(1).
ومع
إنتاج العالم من النفط في إزدياد مطرِد خلال الفترة ذاتها، إلا إن الإنتاج العربي
كان أسرع نمواً، حيث إرتفع نصيب المنطقة العربية من الإنتاج العالمي (خارج إقتصاديات
التخطيط المركزي والتي كانت مكتفية ذاتياً) من نحو 10% عام 1950 اى نحو 37.5% عام
1970 والى نحو 45% عام 1979(2). ويبين الجدول رقم (1) إحتياط النفط
أنماط وتطور إنتاجه في العالم وفي البلاد العربية ونسبة إجمالي البلاد العربية الى
إجمالي العالم في الإحتياطي وذلك للأعوام 1993-1997.
ونجد
من هذا الجدول إن إحتياطي النفط الخام في البلاد العربية أكثر من 62% من الإحتياطي
العالمي، وإنها تنتج حوالي 28% من إجمالي الإنتاج العالمي بأكمله وذلك في رحلة
التسعينات من القرن العشرين.
وحيث
إن الطلب على الطاقة، يرتبط إرتباطاً وثيقاً مع مستوى النشاط الإقتصادي، ومع
معدلات نموه، وكذلك تلعب الأسعار دوراً هاماً في التأثير على هذا الطلب، ونعني هنا
أسعار المشتقات النفطية التي تتضمن في الدول الغربية خاصة، قدراً كبيراً من
الضرائب على الإستهلاك التي تصل في دول الإتحاد الأوربي الى نحو 70% مما ينعكس
سلباً على طلب المستهلك النهائي. وبالطبع هناك عوامل أخرى تؤثر في الطلب خاصة ما
يتعلق بمستوى التقانة والكفاءة في إستخدام الطاقة، وغير ذلك من عوامل سياسية
وإقتصادية مختلفة.
وقد
وضعت الدوائر المسؤولة ومراكز الأبحاث العديد من السيناريوهات حول التوقعات المستقبلية
للناتج المحلي الإجمالي العالمي والطلب على الطاقة، قبل أحداث 11 أيلول 2001 وما
تلاها. وكذلك قبل إتضاح حجم الركود الإقتصادي في بعض الدول الأخرى، وكانت هذه
التقديرات ضمن سيناريو متوسط تتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي المحلي
الإجمالي العالمي خلال الفترة (1996-2020) بمعدل 2.9% سنوياً في المتوسط. وبذلك
يرتفع من نحو 27.5 تريليون دولار عام 1996 الى نحو 40 ترليون دولار عام 2010 ونحو
54 تريليون دولار عام 2020 (دولار 1997)(3).
وتتفق العديد من الدراسات المتخصصة في ربط
معدلات النمو للناتج المحي الإجمالي العالمي والطلب على الطاقة، على إن المرونة
الدخلية التي تربط بين متغير النمو الإقتصادي ومتغير نمو الطلب على الطاقة، في
حدود ثلثي الواحد الصحيح. بمعنى إن كل زيادة في الناتج الاجمالي بمقدار 1% تتبعها
زيادة في الطلب على الطاقة بنحو 70% تقريباً وقد كانت المرونة الدخلية تتجازوز
الواحد الصحيح، إلا إن عوامل عديدة أثرت في تخفيضها، وأبرز هذه العوامل هو: ترشيد
إستهلاك الطاقة في الدول الصناعية الذي اعقب تصحيح الأسعار عام 1973، وما بعد
التحول في إقتصاديات الدول المعلوماتية والخدمات. وبالتالي فقد قدر النمو في الطلب
العالمي على النفط وفقاً للسيناريو المتوسط الذي أشرنا اليه سابقاً بمعدل 1,8%
سنوياً في حين تشير توقعات اوبك الى معدل نمو للطلب العالمي على النفط خلال الفترة
1997-2020 بنحو 1,3% سنوياً في المتوسط(4).
ووفقاً
لتقديرات هيئة معلومات الطاقة (E.I.A) يتوقع أن ترتفع الطاقة العالمية لإنتاج
النفط من نحو 77 مليون برميل/يوم عام 1997 (الإنتاج الفعلي 73,7 مليون برميل/يوم)
الى نحو 95 مليون برميل/يوم عام 2010 ونحو 112 مليون برميل/يوم عام 2020، ويتوقع
أن ترتفع طاقة أوبك الإنتاجية من نحو 29,4 مليون برميل/يوم (بما في ذلك سوائل
الغاز الطبيعي) عام 1997 الى نحو 43 مليون برميل/يوم 2010 ونحو 56 مليون برميل/يوم
عام 2020 وبذلك يرتفع نصيب نفط أوبك الموجه لسد إحتياجات العالم مننحو 40% عام
1997 (على اساس فعلي) الى نحو 46% عام 2010 والى 50% عام 2020(5).
وفي
داخل بلدان الأوبك يوجد ست دول فقط ممن سيكون لديها القدرة على توسيع وتنمية
طاقاتها الإنتاجية بحيث ترتفع من نحو 22 مليون برميل/يوم عام 1997 الى نحو 34
مليون برميل/يوم عام 2010 ونحو 47 مليون
برميل/يوم عام 2020. وهذه الدول هي : السعودية، الإمارات، الكويت، العراق،
إيران، فنزويلا، وسيكون في مقدمة هذه الدول الست الوفاء بنحو 36% من إحتياجات
العالم النفطية عام 2010ونحو 42% من تلك الإحتياجات عام 2020.
يبقى
أن نشير الى أن 88% من الطاقة الإنتاجية للدول الست التي تقع في منطقة الخليج
العربي. مما يؤكد الاهمية الحاسمة للنفط العربي في إمدادات الطاقة العالمية. إن
هذه النتيجة تنقل مسؤولية تنسيق العرض العالمي للنفط بصفة أساسية الى المنطقة
العربية، إذا ما أضيفت اليها إحتياطات الدول العربية الأخرى للمساهمة في تلك
الأحتياجات مثل سلطنة عمان والجزائر وليبيا. وقد لا نبالغ إذا توقعنا إن المنطقة
العربية، ومعها إيران، يمكن أن تمسك بمفاتيح الإمدادات النفطية العالمية بحلول
2020(6).
ويتوقع
أن يرتفع نصيب أوبك من صادرات النفط العالمية من 62% (23 مليون برميل/يوم) عام
1995 الى 72% (48 مليون برميل/يوم) عام 2020، وفي داخل اوبك يتوقع ان يرتفع نصيب
الدول الست الرئيسية (سبق الإشارة اليها) من صادرات النفط العالمية من نحو 49% عام
1995 (18 مليون برميل/يوم) الى نحو 63% (42 مليون برميل/يوم) عام 2020.
ويمكن
إختصار الأهمية الإستراتيجية للنفط العربي
1.
ضخامة الاحتياطيات،
وضخامة الإنتاج وإمكاناته، بما يسمح للنفط العربي التمتع بمرونة كبيرة من اجل
تلبية الإحتياجات العالمية. (تؤكد ذلك أرقام الجدول رقم (1))
إن
المنطقة العربية تمتلك نحو ثلثي الإحتياطيات العالمية للنفط، وتمتلك دول الخليج
العربي 660 مليار برميل. وتمتلك ليبيا والجزائر نحو 30 مليار متر مكعب من
الإحتياطيات العالمية للغاز.
الجدل الدائر حول اهمية النفط العربي
وإستخدام سلاح النفط
برزت
في الوطن العربي، منذ الخمسينيات، الدعوة الى تحرير النفط من السيطرة الغربية وتحكم
الشركات النفطية في الإستكشاف والإنتاج والتسويق، وجاءت الدعوة في إطار حركات
التحرر العربي. ففي حين إرتبط تغلغل شركات النفط العالمية بالسيطرة الأجنبية
والإستعمار وتقاسم نفوذ الدول الكبرى على المنطقة العربية، فأن الدعوة الى التحرر
الوطني والقومي إرتبط أيضاً بالدعوة الى تحرير النفط وإستخدامه سلاحاً ماضياً في
معركة التحرر وفي عملية البناء والتنمية.
وعندما
ظهرت نوايا العدوان الإسرائيلي عام 1967 على الدول العربية بتاييد ودعم من الغرب وخاصة
الولايات المتحدة الأمريكية، إتخذ مؤتمر القمة تحت ضغط الرأي العام العربي وقبيل
وقوع العدوان ببضعة أيام قراراً بمنع وصول البترول الى أية دولة تعتدي، أو تشارك
في الإعتداء على أي دولة عربية، أو بمد العون العسكري الى إسرائيل، وإخضاع أموال
شركات البترول والدعايا التابعين للدول المشتركة في العدوان لقوانين الحرب.
لقد
كان هذا القرار، ثورة بحد ذاته وبدأت الدول العربية باليوم نفسه، إتخاذ قرارات
خطيرة، فقد اعلن العراق وقف ضخ النفط، واعلنت كل من الكويت والجزائر وليبيا
والسعودية وقف تزويد الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية فقط. وبعد وقوع العدوان
(1967) توجهت الامال العربية على سلاح النفط لإنقاذ الموقف، إلا إن مؤتمر القمة
العربية المنعقد في الخرطوم (أول أيلول/سبتمبر) 1967 قرر إستئناف ضخ النفط
(بإعتباره طاقة عربية إيجابية يمكن تسخيرها في خدمة الأهداف العربية) كما جاء في
نص القرار الذي جاء في مرحلة أتهمت بها الدول الغربية وعلى رأسها الولايات
المتحدة، في محاولة لتحييدها في الصراع العربي – الأسرائيلي وبالتالي كسبها للموقف
الى جانب القضايا العربية إنطلاقاً من القبول بقرار مجلس الأمن 242. وهكذا فقد تم
التراجع العربي من تحرير كامل فلسطين الى إستعادة الأرض المحتلة في حرب 1967.
واختفى إستخدام (سلاح النفط) من القرارات العربية تحت ضغط مصالح الأنظمة الضيقة في
الدول المنتجة المرتبطة بمصالح الشركات 17/10/1973، وهو قرار تاريخي فعلاً لأنه
كان منعطفاً تأريخياً هاماً، حيث تضمن هذا القرار جانبين :
الاول:
فرض حظر تصاعدي على ضخ النفط الى الغرب. وقد أستثنيت فرنسا وبريطانيا لمواقفهما
(الأقرب) الى صفة الحياد من الصراع العربي – الإسرائيلي في تلك المرحلة. كما
(فهمت) الدول العربية المنتجة تلك المواقف.
والثاني: مضاعفة أسعار النفط العربي
لتعويض النقص في الإنتاج، وبالتالي تقليص حجم الخسارة الإقتصادية التي كانت ستتعرض
لها الدول النفطية العربية، من جراء تطبيق سياسة الحظر، الى جانب إحداث تحول محسوس
في مواقف المصالح الغربية.
وقد تقرر في مؤتمر القمة العربي المنعقد
في 28/11/1973، الإستمرار في إستخدام النفط سلاحاً في المعركة، وربط رفع الحظر عن
أية دولة، بالتزامها بتأييد القضية العربية العادلة.
وقد
بدات ضغوط هائلة من قبل الولايات المتحدة المريكية لوقف إستخدام النفط، ووصلت هذه
الضغوط الى حد التلويح بالتدخل العسكري. ومع ممارسات وزير خارجية الولايات المتحدة
آنذاك (كيسنجر) والاعيبه وزيارته المكوكية بين الدول العربية، وفي أثر توقيع
إتفاقية فك الإشتباك بين مصر وإسرائيل في 18/1/1974. يمكن القول إن الولايات
المتحدة إستطاعت أن تنجح في إقناع الأنظمة العربية بإلغاء قرار إستعمال سلاح
النفط. فأسدل بذلك الستار عن اهم قرار تاريخي يصدر عن الدول العربية في تلك
المرحلة. لكن يظل من المفيد إلقاء الضوء على ما قامت به الولايات المتحدة (ومعها
الدول الصناعية المستهلكة للنفط) من أجل سحب هذا السلاح من يد العرب. حيث عملت في
أربع إتجاهات:
الإتجاه
الأول
: العمل على إحباط عملية إستخدام سلاح النفط، وضمان عدم تكرار ذلك، إنطلاقاً من
أهداف إقتصادية وسياسية ومعنوية (تتعلق بهيبة الولايات المتحدة) ويتضمن ذلك إمتصاص
الآثار الجانبية بهذا القرار.
الإتجاه
الرابع
: كان بإتجاه العالم الثالث، لإستخدام أزمة ميزان مدفوعاتها الناتجم عن إرتفاع
فاتورة النفط، من أجل تأليب هذه البلدان ضد العرب، وإظهارهم بمظهر المعتدي، وتبرئة
ساحة إسرائيل والدول الصناعية، وخلق الشقاق بين بلدان العالم الثالث.
وكان
من نتائج عملية إستخدام (سلاح النفط) لتحقيق أغراض سياسية ما يأتي:
1.
لفت أنظار الدول
الصناعية المستهلكة والولايات المتحدة الى أهمية ومخاطر بقاء إمكانية هذا السلاح
بيد العرب.
د-
وأيضاً تأثير إرتفاع
أسعار النفط على أزمة النقد الدولي، والنظام النقدي الذي كانت الولايات المتحدة
الأمريكية قد تسببت في إنهياره، عندما اعلنت في أغسطس/آب 1971 إلغاء قابلية تحويل
الدولار الى ذهب.ومع هذا القرار أدخلت أزمة النفط على عملية إصلاح النظام النقدي
العالمي عنصراً جديداً. مما جعل الولايات المتحدة تقترح فرض قيود على حرية الدول
ذات الفائض في إستخدام وتوظيف أرصدتها الخارجية، مما يشكل نوعاً من الوصاية
الدولية على هذه الدول. وكانت الولايات المتحدة، تقصد في إقتراحها بالتحديد الدول
العربية النفطية.
لقد سمحت حرب تشرين أول/أكتوبر 1973 للدول
النفطية تصحيح أسعار النفط، ليس هذا فحسب، بل إن العرب بدأوا يفكرون جدياً في
تصحيح العلاقة غير المتوازنة مع الشركات الإحتكارية العالمية التي كانت تعمل على
نهب النفط العربي، مستغلة في ذلك وفرته وإنخفاض كلفة إستخراجه. والسعر الزهيد
المفروض من قبلها. ففي عام 1947 كان سعر البرميل من النفط العربي نحو 2,22 دولار،
وقد ضغطت الشركات الإحتكارية الى تخفيضه، حيث وصل الى 1,8 دولار للبرميل الواحد
عام 1960. وإستمر السعر ثابتاً عند هذا المستوى حتى عام 1970. بينما إرتفعت أسعرا
صادرات الدول الصناعية بنسبة 300% وبذلك صار سعر البرميل الواحد عام 1970 مقوماً
بأسعار 1947، لايزيد على 70 سنت للبرميل الواحد. كما لايتجاوز نصيب الدول المصدرة
نصف ذلك السعر (أي 35 سنت)(9).
لقد خضع النفط العربي منذ إستخراجه الى
عمليات نهب منتظمة من قبل الشركات الغربية والأمريكية المدعومة من قبل حكوماتها(10).
ففي عام 1972 تقاضت الدول العربية المنتجة للنفط مبلغ 96 مليار دولار ثمناً لنفطها
المصدر موزعة على النحو الآتي: 28 مليار دولا للحكومات و 28 مليار لشركات الإستخرج
والتوزيع والنقل، 18 مليار للمرتبات والأجور، و22 مليار للموردين(11).
ولم
يكن يقتصر دو رالشركات البترولية الكبرى على نهب الثروة النفطية العربية، بل تعدى
ذلك الى القيام بمهام سياسية لحساب الدول التابعة لها.بهدف إبقاء الدول النفطية (وباقي
الدول العربية) في دائرة الإستغلال الأجنبي، وبما يحقق مصالح الدول الصناعية
المتقدمة. وقد توضحت مراراً علاقات التعاون والعمل المشترك بين هذه الشركات ودوائر
الإستخبارات في الدول التابعة لها، لإحداث إنقلابات لصالح تلك الدول، والتأثير على
سياسات الدول المصنعة. وخضع النفط إستكشافاً وإستخراجاً وتسويقاً، لمصالح الدول
الصناعية. كما خضع تحديد السعر لهذه المصالح ولمصالح الشركات النفطية الإحتكارية.
وبالتالي فإنه بالإمكان دعوة السوق النفطية (بسوق المشترين أو المستهلكين) فهم
الذين يفرضون شروط الإنتاج والأسعار. وحاولت الأوبك منذ تأسيسها أن تضغط بإتجاه
رفع الأسعار، إلا إنها لم تنجح وجاءت حرب تشرين 1973 فقلبت الموازين، واعطت
للمفاوضين زخماً معنوياً في المفاوضات التي كانت جارية (بدات المفاوضات بين
المنتجين والمستهلكين قبل يومين من قيام الحرب) ومع إستخدام العرب لسلاح النفط في
المعركة، تحولت الأسواق النفطية العالمية الى أسواق يلعب فيه المنتجين الدور
الأساسي في السيطرة على القرار النفطي.
وقد توالت إرتفاعات أسعار النفط حتى وصلت
الى أسعار لم يكن يحلم بها المنتجون، وبدأ الحديث في الأوساط الرسمية والمحافل
الدولية ولدى الرأي العام حول ظاهرة ما يدعى بالفوائض، أي عائدات مبيع النفط التي
نظر اليها على إنها تزيد كثيراً عن الطاقة الإستيعابية للدول النفطية.
والآن،
تقف الأوبك في ظل غياب إستراتيجية واضحة للدول المنتجة، عاجزة عن مواجهة ما تقوم
به الدول الصناعية المستهلكة، من ضغوط في إتجاه تخفيض أسعار النفط الخام، والسؤال
هو هل إنتهى دول الدول المنتجة وأصبحنا امام سوق بإتجاه واحد يفرض شروطها المشترون
(المستهلكون)؟ ويجرنا هذا السؤال الى سؤال آخر، وهو ، هل إستطاعت الولايات المتحدة
والدول الصناعية معها، أن تخرج النفط من عالم السياسة، وبالتالي في عدم السماح
لأية دولة منتجة إستخدام النفط تحقيقاً لسياسات معينة سواء على الصعيد السياسي أم
على الصعيد الإقتصادي؟
في
الواقع هناك وجهتا نظر حول هذه المسألة:
وجهة
النظر الأولى تقول إن الدور الإقتصادي للنفط سيستمر طالما بقي النفط موجوداً، صحيح
إن النفط ثروة آيلة للنفاذ، لكن قوة هذه الثروة ستظل قائمة حتى نضوبها الطبيعي.
ووجهة
النظر الثانية تقول بإحتمال النضوب الإقتصادي للنفط قبل نضوبه الطبيعي، بمعنى
فقدان النفط لقيمته الإقتصادية قبل أن تنفذ إحتياطاته ويستنفذ. أصحاب وجهة النظر
الأولى يرون إن الدول الصناعية المستهلكة للنفط عملت على تخفيض طلبها بترشيد
الإستهلاك وبتطوير الطاقة البديلة. ولكن بالرغم من هذه الجهود فقد بقي النفط في
مقدمة الانواع المختلفة للطاقة، وإن الحاجة اليه سوف تستمر،ولن تستطيع الدول
الصناعية والنامية الإستغناء عنه. لهذا فأصحاب وجهة النظر هذه يرون التصدي لوجهة
النظر الثانية الداعية الى تبخيس القيمة الإقتصادية للنفط والتي من شأنها الإضرار
بالدول المنتجة.
أما
أصحاب وجهة النظر الثانية فيرون إن النضوب الإقتصادي للنفط سيسبق النضوب الطبيعي
بسبب توقع حصول تطورات تكنولوجية تقلص من إستهلاك الطاقة من جهة، وتزيد من توفر
الطاقة البديلة من النفط من جهة ثانية، وبالتالي سيصبح النفط سلعة ذات قيمة
إقتصادية ضئيلة.
ويستشهدون
على ذلك بما حصل للفحم، كما يدعمون رأيهم بأن زيادة النمو الإقتصادي في البلدان
الصناعية المتقدمة تاتي في الجزء الأعظم منها من الصناعات الأقل إستهلاكاً للطاقة.
كصناعة المعلوماتية.
ويترتب
على الأخذ بأحد هذين الرأيين نتائج على غاية الأهمية:
فإذا
ما قبلنا بوجهة النظر القائلة بأن النضوب الأقتصادي سيسبق النضوب الطبيعي، فإن
معنى هذا إن على الدول المنتجة أن تسعى الى زيادة الإستفادة من هذه الثروة طالما
إنها تستطيع ان تحصل مقابل زيادة الإنتاج على موارد واكثر مما تحصل عليه بما يعني
زيادة الضخ للحصول على موارد مالية أكثر بوقت أقل. مما يؤدي على سرعة نفاذ مواردها
النفطية، والبيع بأسعار متدينة. وهذا بالطبع لن يكون لمصلحتها.
وتضغط
الدول الصناعية على الدول المنتجة من اجل زيادة الإنتاج وخفض الأسعار، وتتحمل
الدول المنتجة عاماً بعد آخر خسائر كبيرة، في حين تظل الدول الصناعية محافظة على
عائداتها الضريبية ومكتسباتها الاخرى. والدليل على ذلك إنه في عام 1998وحده خسرت
الدول المنتجة نحو 56 مليار دولار. إذ إنخفضت قيمة صادراتها النفطية من 166 مليار
دولار عام 1997 الى 110 مليار دولار عام 1998 بسبب إنخفاض سعر سلة أوبك الى 12,28
دولار للبرميل خلال العام المذكور. وقد إستفاد الإقتصاد الغربي من هذا الإنخفاض
بما لايقل عن 80 مليار دولار عبر وارداته النفطية التي تحتل نحو ثلاثة أرباع
الواردات النفطية العالمية.
توزيع الريع النفطي وتآكل أسعار النفط
كان توزيع الريع النفطي ولا يزال مصدراً
للخلاف بين الدول المنتجة والدول الصناعية المستهلكة. ومن حق الدول المنتجة أن
تطالب بزيادة ريعها النفطي، بإعتبار أن النفط يعتبر مصدراً ناضباً. وما تحصل عليه
هذه الدول كنصيب في الريع النفطي، يساعدها على توجيه موارد لابأس لها نحو عملية
التنمية، ونحو زيادة إستثماراتها للبحث عن حقول جديدة وتنميتها لضمان تلبية
الإحتياجات المتزايدة للمستهلكين.
وتحصل
الدول الصناعية على نصيبها من الريع النفطي، بصفة أساسية عن طريق فرض الضرائب على
المنتجات النفطية المكررة. بدلاً من فرض رسوم جمركية على وارداتها من النفط الخام،
مما يتيح لها مرونة أكبر للتمييز بين المنتجات المختلفة بالنسبة لمستوى الضريبة
وذلك بما يخدم أهدافها الإقتصادية الخاصة.
وقد
عملت الدول الصناعية في سياساتها النفطية تجاه الدول المنتجة، على تخفيض القيمة
الحقيقية للنفط الخام من جهة، وعلى الإستيلاء على الجزء الأعظم من الريع النفطي من
جهة ثانية، ويبين الجدول رقم (1) توزيع الريع النفطي بين الدول المصدرة ودول
الإتحاد الاوربي المستوردة للسنوات 1970، 1975، 1980، 1994، 1995، 1996، 1997،
1998، ومنه نجد إنه كلما إنخفض سعر النفط الخام تضاءل نصيب الدول المنتجة من ذلك
الريع، والعكس صحيح، ففي عام 1970 كان برميل المنتجات المذكور يباع للمستهلك
النهائي في الدول الأثنتي عشر التي كونت المجموعة الأوربية بنحو 11,42 دولار
للبرمبل الواحد. وبإستقطاع اجمالي التكاليف، بما في ذلك تكلفة الإنتاج والنقل
والتكرير والتوزيع وارباح الشركات الوسيطة، كان الريع الصافي يقدر بنحو 6,07 دولار
لم تحصل منه الدول المصدرة للنفط على اكثر من 1,42 دولار وهو ما يعادل 23%، بينما
كانت حكومات الدول المستهلكة للنفط تحصل على 4.65 دولارات، وما يعادل 77%.
وعندما
إستعادت الدول المنتجة سيطرتها على النفط في ظل حرب تشرين الاول/أكتوبر1973، تحول
توزيع الريع النفطي لصالحها، ففي عام 1975 بلغ سعر البرميل للمستهلك النهائي في
المجموعة الوربية نحو 27,9 دولار للبرميل الواحد بينما بلغ صافي الريع نحو 18,9
دولار موزعة بنسبة 52% للدول المصدرة و48% للدول المستوردة، ونجد من الجدول رقم
(1) إنه في عام 1980 بلغ نصيب الدول المصدرة الذروة، إذ حصلت على 64% من صافي
الريع وحصلت الدول المستوردة على 36%. بينما بلغ السعر للمستهلك النهائي 65,5
دولار للبرميل الواحد.
إلا
إن أسعار النفط الخام أخذت في التآكل خلال النصف الأول من الثمانينات، ثم إنهارت
من نحو 28 دولار في عام 1984 و 1985 الى نحو 13 دولار عام 1986. ولم تسمح الدول
الاوربية المستوردة، بإنتقال الإنخفاض الى المستهلك النهائي، بل أسرعت على زيادة
ضرائبها النفطية، بحيث ارتفعت خلال الفترة 1985-1996 من نحو 22,5 دولار للبرميل
الواحد الى نحو 68 دولار. وحققت هذه الدول كمتوسط خلال السنوات
الخمس 1994-1998 نحو 64 دولار للبرميل. ويندرج ضمن أسباب رفع نسبة الضرائب إستحداث
ما يدعى ضريبة الكربون بحجة حماية البيئة كعبء إضافي على هيكل الضرائب النفطية
التي تتحيز لصالح الفحم رغم انه المصدر الأكثر تلوثاً للبيئة.
ومن
خلال الجول رقم (2) نقف على تآكل أسعار النفط الخام. وبإستخدام 1973 كسنة أساس نجد
إن السعر الأسمي قد إنخفض من 18,6 دولار عام 1991 الى 15,53 دولار عام 1994. ثم
تذبذب بين إنخفاض وإرتفاع حتى وصل الى 12,28 دولار عام 1998. وباستبعاد آثار
التضخم وتغيرات سعر الصرف، نجد أن السعر الحقيقي يبلغ ذروته عام 1981 عند 16,39
دولار للبرميل، ثم أخذ بالتراجع. ونجد على إن سعر النفط في صورته الحقيقية لم
يتجاوز 4-5 دولارات على مدى عقد التسعينات من القرن المنصرم.
هكذا
نجد ان الدول الصناعية المتقدمة، إستطاعت أن تسخر ثروة العرب النفطية لصالحها، حيث
عملت على إستنزاف هذه الثروة، ورفع حصتها من الريع النفطي بإستمرار، وضغطت بإتجاه
تخفيض السعر الحقيقي الذي يفترض أن تحصل عليه الدول الغربية المنتجة، مما يؤدي الى
جانب ممارسات اخرى الى:
1.
تخفيض العائدات
النفطية الى ادنى مستوى.
ويرى
أصحاب هذا الرأي، إن الأخطر من ذلك، ان عائدات النفط ولدت نزعة لدى البلدان
المنتجة نحو التصعيد الضخم للإنفاق العسكري، بما في ذلك الإستيراد الكثيف للاسلحة
والمعدات العسكرية الغالية الثمن، والنادرة الإستخدام وغير الضرورية، مما ادى الى
نوع من التسابق بين دول الخليج المنتجة نحو التسليح الذي أدى الى الإسهام بتبديد
العائدات النفطية وضياع الثروة.
وقد
نشبت ثلاثة حروب كارثية الأولى بين العراق وإيران، والثانية عندما شنت الولايات
المتحدة الأمريكية وحلفائها حرباً ضارية على العراق عام 1991 والثالثة عندما إحتلت
الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العراق عام 2003 وتقدر خسائر العراق لوحده خلال
هذه الحروب ومن جراء الحصار الإقتصادي بمجموعها ما يتجاوز (5) تريليون دولار(12).
إضافة الى تدمير الإقتصاد العراقي وتشويه بنيته الإجتماعية.
وادى
تزايد الإنفاق في الدول العربية الخليجية، حتى في خلال فترات إنخفاض أسعار النفط
الى تزايد العحز في الموازنات العامة لهذه الدول مما أضطرها الى اللجوء الى
الإقتراض. وعلى سبيل المثال، فإن عائدات النفط في المملكة العربية السعودية في
الفترة ما بين 1975-2000 بلغت 1.14 تريليون دولار. ويرى احد الخبراء النفطيين(14)،
إن هذا الدخل ولد التبذير والإسراف وحول البلاد من إقتصاد متوازن الى عجز مالي
فادح. ((فمنذ عام 1983، راكمت السعودية عجزاً مالياً في الموازنة العامة تجاوز 230
مليار دولار. معظمه تم تحويله بالاقتراض من مؤسسات مالية حكومية وغير حكومية ويبلغ
العجز (حالياً) أكثر من 170 مليار دولار. ويمثل نسبة قدرها 120% من بقية الناتج
المحلي الإجمالي للسعودية)) وتبلغ الفوائد المدفوعة على ديون السعودية 7 مليار
دولار سنوياً. وقد كان الميزان التجاري عام 1970 فائضاً، في حين بدأ في تسجيل
العجز خلال الفترة 1983-1998.
وبوجه
عام، فقد أخفقت الدول العربية المنتجة للنفط في تحقيق تنمية حقيقية بإستخدام أموال
النفط، يبدو ذلك واضحاً من إستمرار إرتفاع نسبة الصادرات النفطية من إجمالي
الصادرات في بلدان الخليج النفطية الخمسة(14) فقد تراوحت هذه النسبة في
العراق 99% عام 1975 و97% عام 1998، وفي الكويت تراوحت ما بين 94% عام 1975 و92%
عام 1998، وفي الإمارات ما بين 94% عام 1975 و66% عام 1998، مما يدل على لقاء
إقتصاد هذه البلدان معتمداُ على مادة واحدة في نشاطه الإقتصادي وهو أمر بالغ
الخطورة، خاصة إذا ما كانت المادة آيلة للنفاذ.
4.
تسجيل مزيد من
التدهور في الفجوة الغذائية.
كما
إن معظم البلدان العربية تعاني من محدودية قدراتها التصديرية وعدم تنويع سلة
الصادرات. ويلاحظ ضعف إسهام قطاع الصناعة التحويلية في تكوين الناتج المحلي
الإجمالي العربي.
وخلاصة
القول، إن إقتصادات البلدان العربية، تعاني في الأجل القصير من ثلاثية (الركود،
البطالة، المديونية)، اما في الأمد الطويل، فإن إقتصادات البلدان العربية (النفطية
وغير النفطية) في حاجة ماسة لعمليات إعادة هيكلة وليس عمليات اصلاح وتكييف هيكلي
على النحو الذي يوصي بهي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
إن
اهداف التنمية في البلدان العربية لم تتحقق بالمفهوم العلمي، لأن هذه البلدان، وإن
طور بعضها بنيته التحتية وأقام بعض الصناعات، إلا إن هذا التطور لم يحقق لها
الإرتقاء بأوضاعها الإجتماعية وردم هوة التخلف، كما لم يحقق الإستقلال
السياسي-الإقتصادي الناجز، يل بقيت في حالة تبعية للسوق العالمية، وإرتبطت من جديد
خططها التنموية بتلك السوق، إضافة الى تكريس التبعية التي ظهرت على شكل :
أ-
تبعية تجارية : فقد
إزداد التبادل التجاري بين الدول العربية والدول الصناعية ولكن لصالح الدول
الأخيرة.
إن تدهور نوعية العلاقات بين الدول
العربية (وطبعاً هذا التدهور نسبي بين دولة وأخرى) والدول الصناعية المتقدمة أدى
الى تفاقم التبعية خاصة، وإن بعض الدول العربية، تزايدت مديونيتها للعالم الخارجي،
مما أدى ذلك بمجموعه الى تبعية أشد وأقسى وهي التبعية السياسية، التي ادت الى
المزيد من الإنتكاسات والكوارث على الأمة العربية. فقد ضعفت الدول العربية تجاه
الضغوط الخارجية وادى غياب الحياة السياسية الى إستفراد القوى الخارجية بأنظمة
الحكم (الضعيفة أساساً) حيث إستطاعت فرض شروطها أحياناً تواجدها العسكري في
المنطقة العربية.
هذا
الامر لا يهدد الأمن لإقتصادي، بل وإنه يهدد الأمن القومي برمته. فالأمن الإقتصادي
إنما هو جزء من الأمن القومي، وهو احد الشروط الموضوعية لتحقيق الأمن القومي. فما
دور النفط في حماية الأمن الإقتصادي؟ وهل ثمة مستقبل لدور النفط في إقامة وتدعيم
الأمن الإقتصادي العربي.
إننا نعتقد بأنه بالإمكان تحقيق الأمن
الإقتصادي العربي، وإن دور النفط أساسي وجوهري في إقامة وتدعيم الأمن الإقتصادي
وصولاً الى الأمن القومي العربي. وبالإمكان تحقيق ذلك فيما لو أمسك العرب
بإستقلالية قرارهم الإقتصادي والسياسي، وفيما إذا توفرت لديهم الإرادة السياسية من
اجل إستفادة قرار النفط، ومن أجل إستخدامه في التنمية وفي تعزيز الامن القومي
العربي. عند ذلك فقط يمكن القول إنه بالإمكان مواجهة التحديات، وتحقيق الأهداف
التنموية والإرتقاء بالوضع الإجتماعي في البلدان العربية كافة.
ويمكن
تصنيف التحديات المطلوب التصدي لها، الى مجموعتين:
المجموهة
الأولى : التحديات الخارجية التي تفرضها التطورات العالمية والتطورات والتغيرات
التي تعززها عمليات العولمة المتزايدة للإقتصاد العالمي، وبالنسبة للإقتصادات
العربية، فإنها ستواجه تحديات الإنضمام للشركة الأوربية، أو التعامل مع الإتحاد
الأوربي، والى الإنضمام الى منظمة التجارةالعالمية. كما ستواجه ما ينجم عن التعامل
مع التكتلات الإقتصادية الدولية.
المجموعة
الثانية : التحديات الداخلية، وتتمحور حول إخفاق عملية التنمية القطرية وما يتفرع
عنها من تحديات اخرى تتمثل في : الأمن الغذائي وردم الفجوة الغذائية، مشكلة
المياه، نقل التكنولوجيا وبناء رأس المال البشري- مسألة التلوث وقضايا البيئة.
وبإعتقادنا
أنه لايمكن لأية دولة عربية بمفردها ان تواجه التحديات الخارجية والداخلية، وإنه
لابد في هذا المجال، عن العمل الجماعي والتنسيق العربي وتفعيل العمل الإقتصادي العربي
المشترك، تحقيقاً للأمن العربي وخاصة الأمن الإقتصادي الذي بتحقيقه يمكن تكريس
القرار السياسي والإقتصادي المستقل، ويلعب النفط في هذا المجال الدور الرئيس، لقد
لعب النفط دوراً مهماً وفعالاً في الحياة العربية وخاصة في السبعينيات وحتى منتصف
الثمانينيات من القرن الماضي. وذلك من خلال عملية إعادة تدوير عائدات النفط. داخل
البلدان العربية ، وقد نجم عن ذلك إرتفاع معدلات النمو الإقتصادي من جراء التوسع
في قطاعات البناء والتشييد والتجارة والمال.
اما
الدور الجديد الذي يمكن أن يلعبه النفط وعائداته فهو دور مختلف، ويشترط في الدرجة الاولى
الانتقال من الحالة الريعية للإقتصاد، الى افق إقتصادي أرحب لبناء إقتصاد الأنتاج،
إقتصاد العدالة الإجتماعية مع الإزدهار، إقتصاد التنمية المستقلة، لإقتصاد الأمن
الإقتصادي والتكامل الإقتصادي العربي.
أما
لماذا يمكن للنفط أن يقوم بمثل هذا الدور؟ والجواب بالطبع و يعود الى الطبيعة الأستراتيجية لهذه المادة، للضخامة
النسبية لعائداته المالية فالنفط ليس مادة عادية وتعود أهميته الى:
وإضافة
الى هذه الأهمية للنفط بوجه عام، فإن للنفط العربي مزايا إستراتيجية إضافية يتمتع
بها مثل الموقع الجغرافي، وضخامة الأحتياطي والإنتاج الغزير وتكاليف الإستثمار
البسيطة نسبياً. والقدرة على تلبية إحتياجات السوق الطارئة بسرعة وبتكاليف منخفضة.
هذه
الخصائص والمزايا التي تمنح من يملك القرار في الساحة النفطية العربية، القوة
والقدرة على الساحة الدولية، كما تمنحه النفوذ في الأسواق العالمية.
فإذا
ما أسترد العرب هذا القرار، فإن بامكانهم تدعيم قوتهم التفاوضية في العلاقات
الإقتصادية السياسية الدولية، مما يعزز من وجودهم على الساحة الدولية، ويمنحهم
القوة في فرض شروطهم، ليس من اجل تدعيم الأمن الأقتصادي العربي وحمايته فحسب،
وإنما أيضاً من اجل تدعيم وحماية امنهم القومي العربي السياسي والعسكري.
إن
القوى الدولية، تدرك هذه الحقيقة، لذا فهي تسعى بإستمرار الى تبخيس القيمة
الإقتصادية للنفط العربي، في نظر أصحابه أولاً، وفي الأسواق العالمية. كما إنها
تسعى بإستمرار الى إبقاء الأوضاع العامة في المنطقة العربية، كما هي وخاصة في مجال
تعميق التجزئة، وتكريس القطرية، ودعم الوجود الإسرائيلي بجيمع الوسائل، وتبديد
الثروة النفطية، وإعاقة تحقيق التنمية، وتهميش الشعوب.
جدول
رقم (1)
توزيع
الريع النفطي بين الدول المصدرة ودول الإتحاد الوربي المستوردة