الاثنين، 22 أغسطس 2022

التطور التاريخي لآليات حل النزاع، الحرب في لبنان نموذجاً (1975- 1989) الفصل الثاني

رسالة اعدّت لنيل شهادة الماجستر في التاريخ الحديث

 إعداد وسام رعد


الفصل الثاني

النزاعات في لبنان وتأثيراتها

مقدمة

تلازمت تركيبة لبنان الطائفية منذ تعهدت فرنسا في القرن الثامن عشر حماية الموارنة، وروسيا حماية الأرثوذكس، وبريطانيا حماية الدروز، في الوقت الذي كانت تخضع فيه بلاد الشام للسلطنة العثمانية، على رسم خريطة لبنان الطائفية منذ الإستقلال.

فالنزاع في لبنان مظهراً لتأزم العلاقات الداخلية، سياسياً، إقتصادياً، وإجتماعياً (طبقياً)، مع نظام قائم على الطائفية السياسية والتوافق الديموغرافي بين طبقة مسيطرة إقتصادياً ومن جميع الطوائف، شكلت سلطتها السياسية منذ عهد الإستقلال وميثاق 1943 حتى الآن، والتي تضع يدها على مقدرات البلاد ومواردها وثرواتها وتحرم عامة الشعب منها. وعندما وجدت السلطة أن النزاع مع غالبية الشعب لن يخدم مصالحها ويهدد وجودها، تمكنت من تجييره لصالحها بإعطائه بعداً طائفياً ومذهبياً بين طبقة لايزيد عددها عن 3%ـ 5% وأخرى من الطوائف جميعها تشكل ما يزيد على 95%ـ 97%، إتخذ النزاع شكلا عنيفا بين أبناء الشعب الواحد وأصحاب المصلحة الواحدة في حرب أهلية دامت خمسة عشر عاماً دمرت البشر والشجر والحجر. ومزقت اللحمة بين أبناء الشعب الواحد. وأحدثت فصلاً ديموغرافياً، نما وترعرع في أجواء التعبئة والتحريض والشحن الطائفي القائم على الغبن والحرمان والتقاتل ومن ثم التقسيم  الديموغرافي، وتهميش وإفقار لشرائح واسعة من أبناء الشعب الواحد. جاء ذلك بعد أن خشيت السلطة من وحدة موقف الشعب من أجل إنجازات ديموقراطية يسعى لتحقيقها. فحقوقه مهدورة ومصالحه مضيعة وقيمه وثقافته مغيبة، وحق المواطنة لديه مصادر. وأمام تراكمات القهر والظلم والإستغلال والنهب والفقر والحرمان والتفاوت الإجتماعي بين أبنائه وبين السلطة من جهة أخرى، وعدم المساواة في الحقوق ومصادرة الحريات، حرية الرأي والفكر وممارسة السياسة وحق المواطنة...الخ.[1]

وأمام حالة مد وصعود وطني، وجدت فيه قوى خارجية داعمة للنظام، أن مصالحها مهددة ووجودها بات في مهب الريح، أوعزت للنظام بتصعيد حملته ضد قوى الشعب الذي تتعارض مصالحه معها فإتخذ النزاع أبعاده العنيفة. لذا فإن مصادر النزاع الواردة أعلاه تتجسد في الواقع اللبناني، وهي على الشكل التالي:

·        مصادر نفسية:  تعتمد العداء والتسلط.

·        مصادر إيديولوجية: تتمثل في التناقضات الإيديولوجية والطبقية بين الطبقة المسيطرة والطبقات الشعبية المحرومة.

·        مصادر جيوبولوتيكية: والمتعلقة في السياسة التي ينتهجها النظام إتجاه الداخل (الارض  والشعب) وإتجاه الخارج.

·        مصادر ديموغرافية، والتي عززت الفصل بين السكان والمناطق في لبنان.

·        مصادر متعلقة في العلاقة بين النظام وعلاقاته الدولية، مسارها وتطورها.

·        مصادر متعلقة بالموارد والتي تتحكم فيها السلطة وتحرم المواطنين منها.

·        مصادر تتعلق بالفقر والتخلف والحرمان والتبعية وعدم الإستقرار، جميعها موجودة في لبنان.[2]

·        مصادر تتعلق بالنزاعات الطائفية أو المذهبية / موجودة في لبنان  وعزز دورها النظام الطائفي القائم فيه.[3]

وباختصار، فالنزاع في لبنان له وجهان داخلي وخارجي خاصة وله شكلان سلمياً وعنفياً.

الوجه الداخلي هو صراع طبقي بين طبقة مستغِلة وأخرى مستغلَّة غُلف بغلاف طائفي يخدم مصالح النظام. وهو سياسي ديموقراطي بين نظام مسيطر إقتصادياً وسياسياً ومستبد، وجماهير تسعى إلى إنتزاع حقوقها. أما ما يتعلق بالوجه الخارجي فهو نزاع إقليمي دولي على المصالح والثروات وإستثمارها. فأطماع "إسرائيل" في المياه اللبنانية قائمة منذ إنتهاء الحرب العالمية الأولى. وكذلك ظهرت أطماعها في السيطرة على الغاز والنفط في المياه البحرية اللبنانية، والتي لم يتفق أركان السلطة الطوائفية على كيفية إستثمار الحصص بينهما، فتركت "لإسرائيل" كي تنهب من هذه الثروة ما تشاء، إضافة إلى أطماعها في الأراضي اللبنانية لتشكل ضمانة أمنية لحدودها من هجمات المقاومين. فعمدت الى إقامة دويلة مسيحية مجاورة (دويلة لبنان الجنوبي ـ حداد ولحد) .

كما ان لبنان الذي تعرض للغزو والعدوان "الإسرائيلي" والأميركي دفع الشعب اللبناني إلى التصدي والمواجهة والمقاومة، فمارس النزاع العنيف ضد الإحتلال، (حيث أقر القانون الدولي حق الشعوب المحتلة أراضيها بممارسة أشكال النضال جميعها بما فيها النضال المسلح).

لم يكن تدخل الأسطول السادس الأميركي الذي أنزل قوات المارينز في تموز 1958 إلى شواطىء بيروت، بسبب دعم النظام وحمايته من الخطر الشيوعي حسب "مبدأ أيزنهاور" أو خوف من ثورة شعبية لديها إمتداداتها الوحدوية العربية، بل لمواجهة الوحدة المصرية السورية وعلاقاتها بالإتحاد السوفياتي والتي ستهدد مصالح ووجود أميركا في مناطق نفوذها حسب ادعاءها. ولبنان المجاور لسوريا (إحدى دول الوحدة) سيكون له دور اساسي في الاستيراتيجية الاميركية، لمواجهة الأخطارالتي  تهددها  في المنطقة[4].

شكل لبنان منبراً للمعارضة العربية في بلدانها، وللأنظمة أيضاً للترويج لإنجازاتها وسياساتها وتوجهاتها. وكذلك لمواجهة الخلافات بين نظام عربي وآخر، إعلامي وسياسي وحتى أمني ومخابراتي. لذا فإن التركيبة المعقدة للواقع السياسي الإقتصادي الإجتماعي في لبنان، صعبت إمكانية إيجاد حل جذري لأزماته. لأن التدخلات والتداخلات العربية، الاقليمية والدولية موجودة فيه، وكل منها له علاقاته مع قوى محلية ولديه مصالحه، ولن تتمكن أي من هذه الأطراف حسم الأمور لصالحها. فالمنطق الطبيعي هو إيجاد صيغة توفيقية وتوافقية للحل. وكان اتفاق الطائف الصيغة الملائمة والمنسجمة مع الواقع اللبناني، (صيغة اللاغالب واللامغلوب).

إن لبنان الإنفتاح وحرية الصحافة والإعلام والسياحة والخدمات، سهلت الدخول والخروج منه وإليه فساعد ذلك على الإقامة فيه وانعكس ذلك سلباً وإيجاباً عليه في الوقت ذاته .

وإن إلتزام لبنان القومي بالقضايا العربية وخصوصاً قضية فلسطين. وما نجم عنه من عدوان "اسرائيلي" وحشي وتدمير منهجي للبنى التحتية ، قتل وتشريد وتهجير وإحتلال، أدى إلى نزاع داخلي وخارجي فيه.

لبنان الأحزاب الوطنية  التي إجترت ذاتها وتنازلت عن أهدافها في الوحدة  والحرية والديموقراطية والتغيير، أصبح طموح أي حزب فيها يتمثل في وصول بعض أعضائه إلى الندوة البرلمانية، متناسية تركيبة النظام السياسي الإقتصادي الإجتماعي (الطبقية) وضرورة تغييره، فكيف بالتعامل معه؟

لبنان الذي قيل عنه أنه "ملاذ المحرومين في أرضهم والمحرومين من أرضهم". لبنان الذي قلب معادلة "قوة لبنان في ضعفه"، ليصبح قوة لبنان في وحدة شعبه وجيشه ومقاومته، هزم العدو وأرغم على الإندحار. ألا تؤدي هذه العوامل جميعها إلى  اندلاع  النزاع  بأشكاله  وأنواعه ومصادره.

1-  لمحة تاريخية عن النزاعات اللبنانية الداخلية

   إن الهدف الأساسي من دراسة الوقائع الميدانية للحرب الأهلية اللبنانية هو البحث والتّعمق في مشاكل الحرب والسلام. فإرادة السلام لا تصنع وحدها السلام بل تحتاج إلى معرفة آلية الحرب وميكانيكياتها لتقوّي مناعة المجتمع ضد مخاطرها ومجابهة دورتها.

   إذا كان الميثاق الوطني قد انطلق في عام 1943 من نفيين (نفي المسلمين الطّموح إلى الوحدة مع سوريا ونفي المسيحيين لطلب الحماية الأجنبية)، فإن مقولة جورج نقاش "إن سلبيّتين لا تصنعان أمةّ" كانت صحيحة إلى أبعد الحدود. والميثاق الذي اعتبر في ظل النفيين أن لبنان ذو وجه عربي، من دون البحث في محتوى القلب، فإن هذا الميثاق سرعان ما وجد نفسه عرضة للإهتزاز وصولاً إلى التّصدع من أول اضطّراب في نبضات القلب العربي الذي ظن دعاة التسوية اللبنانية أنهم سيكونون بعيدين عنه.

   وإذا كان لقاء رياض الصلح وبشارة الخوري، وتفاهمهما في لقاءات عالية، قد أرسيا أسس الصيغة[5]. فرياض الصلح لم يخف بعض أسباب ارتباكه عن المقربين منه في عام 1949 حين رد أسباب هذا الإرتباك والكآبة إلى تبدل أحوال وتصرفات شريكه بشارة الخوري أثناء نكبة فلسطين[6].

   لقد شعر رياض الصلح ببداية تبدّل في سلوك بشارة الخوري منذ نكبة فلسطين، وظهور العرب بمظهر الضّعيف العاجز عن استرداد الأراضي العربية.

يعتقد أن قوة العرب في حصن حصين، خصوصاً مع تراجع مرحلة الإنتداب في المنطقة. لكن، أما وقد ثبت ضعف العرب في رد عصبة من اليهود الذين انتشروا في فلسطين، فقد شهدت صيغة السلطة في لبنان أول اهتزازاتها بعد أقل من ست سنوات على الإستقلال.

وإذا كان رياض الصلح قد انتابته الكآبة من جراء تبدل تصرفات بشارة الخوري، فإن لبنان قد دخل في كل مخططاته التي واجهها في أزمات كئيبة ومأساوية في آن، خفّت وقويت بفعل الأزمات الاهتزازية التي ضربت فالق البحر الأحمر. لقد دلّت التجارب، عملياً، على أن التحولات الكبرى في الداخل اللبناني ترافقت مع تحولات في المنطقة المحيطة على قاعدة الصّراع مع القوى الغربية الوافدة إلينا.

   ففي القرن التاسع عشر كان المشروع الغربي الأوروبي يطمح إلى إحداث مرتكزات في المنطقة، أي في جسم السلطنة العثمانية، تمهيداً للسيطرة وإعادة إقتسام الإمبراطورية المتداعية. وفي هذا، تقاطعت التّطورات والتحولات الداخلية الإقتصادية والإجتماعية مع مشاريع القوى الوافدة، ما أدى إلى أول صدام داخلي، وقد أسست فيه القوى الغربية مواطىء أقدام لنفوذها في لبنان، بالتّرافق مع إرساء أول معادلة داخلية مبنيّة على التوازن والمحاصصة الطائفية والمذهبية، وفي هذا السياق فإن انخراط الأطراف الداخلية في التماهي مع مشاريع الأطراف الخارجية لعب الدور الأساسي في تعرّض المجتمع اللبناني للهزّات الدامية الكبرى. وفي اللحظة التي وقف فيها الطرف الحاكم مع مشروع القوى الخارجية، في مواجهة القوى المسيطرة إقليمياً كانت النتيجة إهتزاز صيغة التعايش في لبنان.

   هذه المرحلة من الصراع إنتهت إلى تعزيز مواقع قوى على حساب أخرى، ما أوجد أساساً متيناً لإستمرار الصراع على هذه القاعدة التى أمست عاملاً قوياً في المجتمع اللبناني. أي أن نفوذ ومواقع الطوائف قابلة للتّبدل صعوداً وهبوطاً على قاعدة الإنخراط في مشاريع القوى الخارجية.

   إلا أن اللافت هو أن لبنان، الذي تلقى صدمات قوية في القرن التاسع عشر أثرت في بنيته الداخلية، في مرحلة تفكك السلطة العثمانية، عاد فتلقّى في القرن العشرين صدمات مماثلة، وصولاً إلى إنفجار الحرب الأهلية في مرحلة تراجع المشروع العربي الذي تشكل في مواجهة إسرائيل.

   ففي القرن التاسع عشر، دفع مجتمع جبل لبنان ثمن تراجع نفوذ السلطنة العثمانية، وفي القرن العشرين عاد لبنان مسرحاً للصراع مع فشل الأنظمة القطرية العربية في التصدي للمشروع "الإسرائيلي"– الغربي في فلسطين. فالأنظمة العربية المهزومة عام 1967، وجدت أنها عاجزة عن تلبية طموح الجماهير العربية، ما سمح للمقاومة الفلسطينية باستخدام لبنان بعد الأردن منطلقاً أساسياً لإستكمال الصراع العربي – الإسرائيلي، في حين عجزت القوى اللبنانية عن إيجاد حد أدنى من التماسك والإئتلاف لمواجهة المتغيرات المحيطة، فانخرطت في صراع أعاد تهديد أسس الكيان.

   هل كان ممكناً إستدراك ما جرى، أم أنّ منطق الصراع في لبنان لا يحث على الإستدراك بل على الإندفاع، دائماً، نحو الهاوية؟

   لو استجابت الميليشيات والسلطة الحاكمة للأصوات المطالبة بإعادة النظر في صيغة الحكم، وإعادة توزيع الثروة الوطنية، ربما كان وقع الأزمة أخف وطأة على لبنان؛ إذ إن الأزمة كانت واقعة، من دون ريب، بفعل التداعي العربي، لكن تفاقمها واشتدادها كانا بسبب تجاوب الأطراف الداخلية مع المشاريع الخارجية في منطقة تضج بالحرب ومحاولات التسوية.[7]

   إن ما يتّسم به لبنان في تجربته بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين هو أن قواه الداخلية عجزت عن اتخاذ قرار وقف المحنة وإعادة صياغة معادلة العيش الجديد.

   في عام 1860، لم يتوقف القتال والتّناحر إلا بعد تدخل دولي إقليمي أفضى إلى نظام المتصرفية، وفي القرن العشرين لم يتوقف القتال إلا بعد تدخل عربي – دولي أفضى إلى إتفاق الطائف. كل ما في الأمر أن اللبنانيين تقدموا خطوة إلى الأمام على أساس أنّ الأفكار الإصلاحية التي أُدخلت على النظام السياسي كانت مدار نقاش بين القوى الداخلية أو بينها وبين قوى إقليمية ودولية. لكن قرار الإتفاق إتخذته الدول العربية بالتوافق مع الولايات المتحدة ودعمته باقي الدول الغربية بعد أن تحولت الحرب اللبنانية عبئاً عليهم بعد أن كانت متنفّساً لهم.

   فرعاية إتفاق إنهاء الحرب كانت رعاية عربية بموافقة ودعم دوليين. ولو ترك الأمر للقوى الداخلية لاستمرت الحرب إلى ما شاء الله. وكما كانت صيغة التفاهم الداخلي عام 1943، وهي التي عرفت بالميثاق الوطني بين المسيحيين والمسلمين، حصيلة لموافقة عربية، فإن الخطوط العامة والتفصيلية لإتفاق الطائف ما كانت لتتم لو لم توافق عليها الدول العربية المعنية وخصوصاً سوريا والسعودية[8].

   إن لبنان، بنخبه السياسية والثقافية، يكاد يكون بعيداً كل البعد عن معادلة "التراكم الكمي الذي يؤدي إلى تغير نوعي"؛ فحتى الآن لم يتوصل اللبنانيون إلى محاولة التساؤل: لماذا كانت الحرب الأهلية؟ وما هي الدروس والعبر التي استخلصت منها؟ بل إن الأدهى والأمرّ هو أن لكل طرف إجتهاده ورؤيته البعيدة عن رؤية الآخر لمواجهة المستقبل.

   والأكثر خطورة، في الحصيلة، أن لبنان، بقواه الداخلية، يبدو على إستعداد للعودة إلى الإنخراط في التجارب الدامية السابقة إذا توفرت الظروف المناسبة لذلك.

2-  أسباب النزاعات في لبنان وأشكالها

   إذا كان ميشال شيحا قد صاغ وصيته الشهيرة بعد طول تبصّر: "لبنان بلد يجدر بتقاليده أن تحميه من "القوة"، أو "العنف" بحسب ترجمة فؤاد كنعان[9]، فإن الرئيس شارل حلو يروي في كتابه حياة في ذكريات[10]، أنه كان دائماً يزور شيحا في منزله أو مكتبه للنقاش في آخر الأفكار والمواضيع المطروحة. وفي إحدى الزيارات التي كان يرافقه فيها بيار الجميل، الذي كان قد باشر بتأسيس حزب الكتائب، وصل النقاش إلى حدود العودة إلى استعادة محاضر إجتماعات مندوبي الدول الكبرى التي شاركت في صياغة "النظام الأساسي" للبنان إثر فتنة عام 1860، وبحسب رواية الرئيس شارل الحلو، فإن الأمر تطلب نقاشاً تفصيلياً لبنود "النظام الأساسي"، ما تطلب العودة إلى محاضر الإجتماعات والمواقف التي أوصلت إلى صياغة بنود هذه التسوية.

   بمعنى آخر، فإن شيحا، الذي اعتبر، من أبرز المنظرين للفكرة اللبنانية في التاريخ الحديث، إنطلق في أسس نظريته عن لبنان، من محاضر نقاشات ممثلي الدول الذين صاغوا التّسوية التّاريخية التي انتظمت من خلالها فكرة لبنان الصغير، والتي عادت وأسست لبنان الكبير.

   وإذا كان ميشال شيحا هو أحد المساهمين في صياغة دستور الجمهورية الأولى عام 1926 فإنه أيضاً كان صاحب نظرية العيش وفق "سوء تفاهم مرتضى" بين اللبنانيين[11].

   مما لا شك فيه أن شيحا الذي ابتكر هاتين العبارتين المكثّفتين قد أصاب قلب الحقيقة اللبنانية؛ إذ إن العودة إلى تفاصيل وقائع الفتنة والتسوية في جبل لبنان في القرن التاسع عشر، يفترض أن تدفع إلى هذا التكثيف المثالي لجوهر المسألة في لبنان وهي أنه "يجدر بالتقاليد" أن تحمي لبنان من "القوة" أو "العنف"، وفي هذا المجال يروى عن الرئيس الراحل إلياس سركيس أنه كان يسأل دائماً حين تصله تفاصيل الأخبار الأمنية "هل حدث شيء في الجبل؟". إذ إن سركيس كان يعتبر أنه ما دام العنف خارج نطاق الجبل الدرزي ـ الماروني، فإن بالإمكان تسوية الأمر بسهولة. أما إذا بدأ الأمر بضربة كف في الجبل فإنه قد لا ينتهي، إذ إن التجارب المتعددة في لبنان أثبتت أن العنف إذا ما إنطلق من جبل لبنان فإنه سيطيح بكل شيء. وكان الرئيس سركيس قد أتم ولايته في رئاسة الجمهورية ودورة العنف لم تندلع بعد في جبل لبنان، وإن كانت معالمها قد بدأت تتحضّر إبان الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. وقد تكون الخلاصة التي وصل إليها شيحا بخصوص العنف والقوة في لبنان هي الخلاصة ذاتها التي استند إليها الشهابي، إبن الشبانية في جبل لبنان، إلياس سركيس[12].

في المحصلة فإن توصية ميشال شيحا بصيانة لبنان عبر تقاليده لكي تحميه من العنف فإنها لا شك ملازمة للمعادلة الثانية التي اعتبرت أن العيش في لبنان يجب أن يكون بموجب "سوء تفاهم مرتضى" أي وفق تسوية دائمة ومفترضة.

   لكن السؤال الذي يطرح ذاته بعد كل هذا العرض هو: هل نجحت التقاليد في صيانة لبنان من "العنف" أو "القوة"؟ وما هي النتيجة التي حصدها اللبنانيون حين تجاوزوا "سوء التفاهم المرتضى" بحسب العبارة الآسرة لميشال شيحا؟

   إن التقاليد التي يجدر أن تحمي لبنان من العنف أو القوة، هي ذاتها الأسس التي تدفع، وقد دفعت اللبنانيين بالفعل، للعيش دوماً بموجب سوء تفاهم مرتضى. في المحصّلة هي الأسس التي إستندت إليها التسوية الداخلية عام 1943، وعرفت بالميثاق الوطني. وإذا كان التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل مأساوي أو كاريكاتوري، فإن التاريخ اللبناني منذ القرن التاسع عشر قد يكون وقع في هذه المأساوية أو تلك الكاريكاتورية.

   كانت الشرارة الأولى للفتنة عام 1840 في إنحياز الأمير بشير الشهابي إلى "القوة الوافدة" عبر الجيش المصري في مواجهة "القوة الحاضرة" أي الوالي العثماني في دمشق، فدفع جبل لبنان وسكانه الثمن عبر حروب متتالية.

   لم يستطع سكان جبل لبنان إبتداع التسوية، فكانت تسوية مسقطة من فوق عبر "النظام الأساسي" عام 1864. ودار الزمن دورته حتى أربعينيات القرن العشرين، فكانت المرة الأولى التي تلتقط النخبة اللبنانية الفرصة للبحث عن تسوية داخلية ما كانت لتتم لو لم تتواءم مع مصالح "القوة الوافدة" (الإنتداب الإنكليزي الذي لعب دوراً عبر الجنرال سبيرز في مواجهة الإنتداب الفرنسي) وبالتوافق مع "القوة الحاضرة" (القيادات السياسية في دمشق والقاهرة).

   إن شروط نجاح التسوية الحديثة عام 1943 تمثلت بالتقاط قلّة من اللبنانيين شروط النجاح عبر الإستفادة من تقاطع المصالح الدولية ـ العربية في تلك اللحظة، فكان الإستقلال والميثاق، وبالتالي باقي أسسه. في هذه اللحظة كان حسن إستغلال تقاطع "القوة الوافدة" مع رغبات "القوة الحاضرة" أو الكامنة، عاملا أساسياً في التفاهم الداخلي اللبناني، على العكس تماما من تجربة القرن التاسع عشر. وعلى الرغم من ذلك لم يثبت لبنان أنه على الدوام "مسألة داخل" بل كان محصلة لتقاطع إيجابي أو سلبي بين الداخل والخارج.

   تم إختيار رئيس الجمهورية الأول للبنان "بشارة الخوري" بعد أن إطمأنت إليه النخبة العربية بالتوافق مع القوة الدولية المؤثرة[13]. كما أن اختيار الرئيس الثاني للبنان أي كميل شمعون، تم بعد موافقة الرئيس السوري وبدعم من بريطانيا[14]. كما أن انتخاب رئيس الجمهورية الثالث، أي فؤاد شهاب، تم بعد الإتفاق الشهير بين مورفي الموفد الأميركي، والرئيس المصري جمال عبد الناصر[15]. وإذا كانت الشهابية قد فشلت في إعادة التجديد لفؤاد شهاب على أسس متينة، فإن إستقرار علاقتها العربية أتاح الفرصة لانتخاب رئيس يحظى بدعمها، هو شارل حلو.

   عام 1970 كانت سوريا ترغب في وصول سليمان فرنجية، وكذلك المقاومة الفلسطينية التي باتت قوة مؤثرة في لبنان إثر هزيمة عام 1967. وفيما لم تمانع الولايات المتحدة، ساند الإتحاد السوفياتي وصول فرنجية لمنع عودة الشهابين إلى الرئاسة الأولى. وهكذا كان انتخاب أي رئيس للبنان الحديث يسلك طريقه عبر تقاطع عربي – دولي. وكان الإستقرار نتيجة هذا التقاطع شأنه الإهتزاز والأزمات، وشرط الأزمات في لبنان حديثاً، كشرطها في الماضي، هو السياسة الخارجية. لقد وقف بشير الشهابي إلى جانب الوافد المصري في مواجهة الوالي العثماني في دمشق فكانت الفتنة، وقد عاد كميل شمعون إلى تكرار التجربة فكانت ثورة 1958.

   في المرحلة الأولى من الإستقلال عام 1943 إعتقد رجلا الإستقلال أن الوفاق الوطني يتحقق عن طريق توزيع الوظائف بين العائلات النافذة المسيحية والإسلامية التي كان تأثيرها السياسي في مناطقها كبيراً. ومن بين وسائل كسب أكبر عدد من العائلات الإقطاعية أو ذات النفوذ السياسي، كان تعيين المرشح الساقط في الإنتخابات اللبنانية أو المنسحب منها، في وظيفة إدارية عالية أسلوباً متبعا، مما أفسح المجال لتكوّن أحلاف إنطلاقا من الإدارة السياسية عن طريق العائلات السياسية. إن توزيع الوظائف بين الطوائف والعائلات كان يعتبر الحجر الأساسي في نظام الإدارة اللبنانية. فمن عام 1943 حتى عام 1959 كان هذا التوزيع يتم بصورة طبيعية وعفوية، بخاصة أن الإدارة اللبنانية لم تكن قد إرتكزت بعد على أسس حديثة. فرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء كانوا يعينون، من دون الإرتكاز على قوانين إدارية أو عبر المرور بأجهزة إدارية ضابطة، لأقاربهم وأصدقائهم وأزلامهم في الإدارات العامة. وكان المديرون العامون من بعدهم يقولون بهذا المبدأ. فكانت سياسة التّوظيف تستهدف، أكثر ما تستهدف، في السنوات الأولى للإستقلال كسب أكبر عدد من أبناء الطبقة البرجوازية المسيحية والإسلامية إلى فكرة الإستقلال الممزوجة بفكرة الولاء الشّخصي لرجال الإستقلال.

   أما الظاهرة الثانية في توزيع الوظائف فكانت تستند إلى التّوزيع الطائفي عبر إحتفاظ الموارنة والسنة بحصّة في الوظائف الإدارية على حساب الطوائف الأخرى[16]. بمعنى آخر، فإن التركيبة الداخلية الإدارية والوظيفية للدولة كانت نتيجة متوارثة للعادات والتقاليد القديمة الموروثة إما عن نظام المتصرفية أو عن نظام الوصاية العثماني؛ ما أفقد لبنان فرصة الإطلاق المؤسساتي والمدني.

   وإذا كانت نهايات القرن التاسع عشر قد أفضت، عبر نظام المتصرفية، إلى تراجع دور الدروز الأساسي، فإنها بالمقابل أعطت دفعاً قويا لنمو الطّائفة المارونية بمثقّفيها الموظفين في إدارة المتصرفية تحت الرعاية الفرنسية وعبر الإرساليات الأجنبية ورجال الإقتصاد فيها، وعبر نمو مصانع حل شرانق الحرير، وسط تقدم واضح لسيطرة الكنيسة الإقتصادية والسياسية. إن هذه الفترة أتاحت نمواً مضاعفاً لنخب الطائفة المارونية الثقافية والإقتصادية والروحية، فيما تراجع الدروز إلى آخر السلم[17].

 وما إن انتهى القرن التاسع عشر حتى أصبحت النخب الجديدة في مواجهة محيط مديني آخر كان خارج الصراع. إن لبنان الكبير حمل إلى المواجهة الجديدة كل تلك العناصر المدينية الإسلامية التي كانت تأمل الإنضمام إلى دولة، أو مملكة، فيصل العربية (سكان الساحل والأقضية الأربعة).

   كان لتراجع حرب العصابات في الجنوب والبقاع، وانتهاء الثورة السورية الكبرى دور أساسي في تهميش نخب لحساب أخرى، وأصبحت الساحة حكراً على الفئات الجديدة القادمة من جبل لبنان المتصرفية وتجار المدن الساحلية ومثقفيها، الذين تركوا الولاء للسلطان العثماني وأقفلت عليهم الأبواب في دولة لبنان الكبير (الموارنة والسنة)، فكان اللقاء على صيغة الميثاق الوطني الذي بقي يفتقر إلى أسس الدولة الحديثة ويحمل ويراكم سلبياته من عهد إلى عهد؛ وليس أدل على ذلك من أن رئيس الجمهورية الأول للبنان بشارة الخوري قد عمل للتجديد لنفسه، ولم يترك الرئاسة إلا بضغط من الشارع.

   وإذا كان الرئيس كميل شمعون قد جرّ لبنان إلى الأزمة الأولى عام 1958، بسبب إنحراف سياسته الخارجية، فإن إعادة لم الشمل الداخلي لم تنتظم إلا عبر إعادة صياغة سياسة خارجية متوازنة عربياً، بل أكثر من ذلك، مسايرة للعرب وتحديداً لعبد الناصر. لكن إنحدار لبنان نحو الأزمة مجدداً لم يكن إلا بعد رفض النخبة المارونية السياسية والروحية في العمق سياسة الإصلاح الداخلي التي اتبعها شهاب، مضافاً إلى ذلك رفضا لسياسته العربية.

   تقاطعت أمور ومعطيات كثيرة عند إندلاع الحرب الأهلية. فقد طالب المسلمون بالإصلاح الداخلي تحت شعار المشاركة، فأقفل النظام على نفسه رافضا التغيير أو الإصلاح. فانحاز المسلمون إلى المقاومة الفلسطينية تحت شعار حرية العمل الفدائي ضاربين عرض الحائط بأحد أسس الميثاق الوطني، فتنصل الطرفان من التزاماتهما الداخلية تجاه الصيغة التي ارتضوها، ولم يكن ذلك ممكناً دون تراجع التوافق العربي الذي صار بعد عام 1967 عجزاً وتناحراً في لبنان، فكانت السيول العربية الجارفة تجتاح سهول لبنان من دون ممانعة تذكر؛ فتقاطع الغليان الداخلي مع التّخلي العربي الرسمي عن مواجهة "إسرائيل" عبر الحدود والجيوش، فأصبح لبنان مقراً ومستقراً للقوى المناضلة من أجل التغيير والتحرير.

  هنا تطرح الأسئلة نفسها: هل كانت الحرب الأهلية ممكنة لو لم يتراجع الدور العربي الرسمي المواجه "لإسرائيل"؟ هل كانت الحرب الأهلية ممكنة لو إتفق المسيحيون والمسلمون على رفض المقاومة الفلسطينية إنطلاقاً من لبنان؟ وهل كانت الحرب الأهلية ممكنة لو أن النظام فتح أبوابه على التعديل والإصلاح لإستيعاب كل حركات الإعتراض الداخلية؟

   في عام 1975 كانت كل هذه الأسئلة قد تقاطعت مع أجوبة رافضة؛ فالدول العربية تركت مواجهة المقاومة الفلسطينية تأخذ مداها الأوسع في لبنان، وبعيداًعن حدودها المقفلة أمام العمل الفدائي، وأركان النظام اللبناني تمسكوا بآخر رفض للتغيير أو الإصلاح، فيما انجرف القادة المسلمون مع رغبات العامة في الشارع نحو الحرب.

   وإذا كان ميشال شيحا قد اعتبر أن من واجب التّقاليد صيانة لبنان من العنف فإن كل ما فعلته التقاليد هو دفعه نحو العنف والقوة، وفي لحظة حاسمة قرّر الطرفان التخلي عن "سوء التفاهم المرتضى" والعيش بمقتضاه إلى اختيار "سوء التفاهم لا غير"[18].

3-المقومات التي أدت الى الحرب الأهلية في لبنان

لم يتطرق البيان إلى الإصلاحات السياسية التي تضمنها البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي الذي أعلنه كمال جنبلاط في 18/8/1975، خصوصاً بعد مرور أربعة أشهر على إغتياله، مما يدفعهم للتمسك أكثر وبقوة أكبر في برنامج الإصلاح الديمقراطي، علماً أنه تم الإعلان عنه بمشاركة رؤساء الأحزاب الوطنية والتقدمية اللبنانية أو من يمثلهم، ولم يتطرق إلى وجود المقاومة الفلسطينية ودعمها وإحتضانها والدفاع عنها في لبنان.

جاءت ردود الجبهة اللبنانية بأن طالبت بإعتماد تعددية المجتمع في البنيان السياسي الجديد للبنان الموحد. وأن ترعى كل مجموعة حضارية جميع شؤونها الثقافية والتربوية والروحية والمالية والعدالة المجتمعية وعلاقاتها مع الخارج وفقاً لخياراتها الخاصة.

"عمدت الجبهة إلى وضع اللمسات على الكانتون المسيحي، بتعيين لجان لدرس ووضع مشاريع التشريعات اللازمة في شؤون الجنسية والمطبوعات والأحزاب والأحوال الشخصية والوجود الأجنبي وتملك الأجانب. وترسيم حدود الكانتون من المدفون شمالاً حتى كفرشيما جنوباً"[19].

ورفضت الجبهة اللبنانية أي إصلاح سياسي للنظام في ظل الإحتلالات الموجودة على أراضيه. وقالت أن إلغاء الطائفية السياسية، هو محاولة مبطّنة لإحلال حكم الطائفية الواحدة وإمساكها بالسلطة، ما يعني إلغاء المجتمع المسيحي.

وطالبت "بالتعددية الحضارية" و"الديمقراطية التعددية"، و"الطائفية"، و"الديمقراطية التوافقية"، وهذا يعتبر دعوة إلى "الفيدرالية" بإعتبارها "الدواء الوحيد ضد التقسيم".

واعتبرت الوجود الفلسطيني عاملاً أحادياً مسبباً لحرب لبنان، وطالبت بترحيله لإحداث توازن عسكري وديمغرافي بين المسلمين والمسيحيين[20].

قابل رفض الجبهة رفضا آخر من القوى الوطنية والتقدمية. وأمام حالة رفض التأكيد على عروبة لبنان وهويته، ووجود قوات الردع العربية، طالبت الجبهة بقوات أجنبية إضافة إلى قوات الردع العربية، لتشكل ضماناً لحماية المسيحيين، ولم ترالأحزاب والمليشيات المسيحية اللبنانية غضاضة في تدخل "إسرائيل" في لبنان وإقامة علاقات تعاون معها وطلب الحماية منها في مواجهة القوات السورية والفلسطينية وإقامة حزام أمني في الجنوب اللبناني بعد اجتياح لبنان في آذار 1978، بل خطوة إيجابية عملوا على تطويرها، ما أدى إلى تفاقم النزاع العنيف بشكل كبير.

 ولم يرض اليمين المسيحي بزعامة الجبهة اللبنانية بمشاريع الحلول السياسية المطروحة للأزمة لأنه يرفض أي بحث في الامتيازات المارونية. كما يرفض تطبيق أي إصلاحات قبل التخلص من المقاومة الفلسطينية وتوزيع الفلسطينيين على الدول العربية، ويرفض فك تحالفه مع إسرائيل. كما رفضها بشير الجميل أيضاً، لأنه كان يعمل من أجل تأمين هيمنة لا منازع عليها لطائفته المارونية، ويطمح للوصول لرئاسة الجمهورية بدعم إسرائيلي[21].

لم تكن الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية اللبنانية قادرة على الفعل الثوري وإحداث عملية التغيير في وضع النظام اللبناني، لأنه ليس لديها برنامج تحدد فيه أهدافها الاستراتيجية البعيدة. والتي تقوم على إلغاء الطائفية السياسية في مؤسسات الدولة وأجهزتها ووظائفها. وتحقيق الوحدة القومية والعدالة الاجتماعية والتنمية في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإدارية. والقضاء على الفقر والتخلف والبطالة، وتوفير فرص العمل للمواطنين وتأمين التطبيب والتعليم المجاني وتوفير السكن والنقل وتخفيض الأسعار...الخ. وكذلك مواجهة هيمنة وتسلط النظام القائم، والعمل لمواجهة الإحتلال والسيطرة الاستعمارية والصهيونية.

كما لم تطرح برنامجاً مرحلياً، أي ما يمكن إنجازه خلال فترة زمنية محددة، تعرف فيها موازين القوى وإتجاهات ميلها ولمصلحة من. إضافة إلى برنامج مهام عمل يومي (مهام مباشرة) تحدد سير العمل وكيفية التعاطي مع الأحداث اليومية وتطوراتها وطبيعة القوى المشاركة معها وتنظيم العلاقة فيما بينها. ولأنها لم تكن بمستوى الطموحات التي يمكن أن تعول عليها، إنجرت وراء من يقودها. فكانت تسلم قيادتها أحياناً إلى كمال جنبلاط وأخرى إلى قيادة المقاومة الفلسطينية، ورهنت مواقفها في أحيان كثيرة لمن يدعمها ويمولها. إلا إن قمة التردي هو إنجرارها وراء عفوية الشعب التي تسبق أي عمل منظم، فبدلا من أن تسايره وتسير معه ومن ثم تلتف عليه فتقوده وتوجه نضالاته وتحدد الأهداف التي ينبغي الوصول إليها. كانت تلهث وراءه، دون أن يكون لها دور أو تأثيرفيه، وفعل ممكن أن يحسب لها، ودور بحجم التضحيات التي قدمتها. فبقيت ملحقة بعفوية الشعب وتابعة له، ولم يكن لها دور فاعل ومؤثر سياسيا في الاحداث وفرض مواقفها فيها، فتكرس الواقع كما كان عليه دون أي تغيير يذكر.

إستمرت الأحداث تراوح مكانها، على مبدأ "لا غالب ولا مغلوب" بإستثناء الخسائر التي كانت تصيب المواطنين من كلا الطرفين الذين "ليس لهم في العير ولا في النفير". "وحتى في المؤتمرات، جنيف أو لوزان أو الطائف، لم يكن للأحزاب المتنازعة من الطرفين والفاعلة في الأحداث أي مشاركة فيها، واقتصر التمثيل على من عايشوا مرحلة الاستقلال وصيغة 1943 وحكموا البلاد خلال تلك المرحلة بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات، وبالتالي لا يمكن أن يتصوروا قيام شيء جديد في لبنان يتعارض مع ما أقاموه، لذا فإن النزاع بأشكاله المتعددة ينطبق على الوضع في لبنان. فالصراع الطبقي، موجود . الصراع مع العدو القومي "إسرائيل" موجود. الصراع الديمقراطي مع السلطة، موجود. الصراع الطائفي، موجود. الصراع على مناطق  النفوذ، موجود. الصراع على المكاسب والإمتيازات، موجود. الصراع من أجل التحكم والسيطرة والإستئثار بالسلطة، موجود. الصراع حول القيم الثقافية والأخلاق والعادات والتقاليد، موجود. الصراعات الحزبية والمناطقية، موجود. فإذا كان مجمل هذه الأسباب موجودة، ما يعني أن المشكلة كبيرة ومعقدة، وحلولها صعبة ومتشابكة وتحتاج لوقت طويل، وبدون إيجاد حل جذري لها، تبقى الازمة تراوح مكانها.[22]

 

4-  الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1989)

·     أسبابها

   بعد الهزيمة التي مُني بها العرب في عام 1967، وقيام الحلف الثلاثي الماروني عام 1968، شُرعت الأبواب لأحداث متتالية في لبنان نخرت جسمه وأكسبته المزيد من العلل. ففي 28-12-1968 كانت الغارة الإسرائليية على مطار بيروت، وقد شكّلت صاعقاً مفجراً للتناقضات الللبنانية على كل الجبهات، فاستقالت حكومة عبد الله اليافي وسط إضطرابات عنيفة في المناطق المسيحية إحتجاجاً على الإنحياز لجهة عربية. وكان للحلف الثلاثي مؤتمر برمانا الذي خلص إلى المطالبة بالإستعانة بالبوليس الدولي لحماية لبنان. وفي مطلع نيسان 1969 بدأت سياسة تضييق واسعة على المخيمات الفلسطينية، قابلتها تظاهرات شعبية مؤيدة للعمل الفدائي في كل المدن الساحلية، بدعوة من جبهة الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية، فكانت مواجهة في الشارع يومي 23 و 24 نيسان، وكانت حصيلتها نحو 30 قتيلا ومئة جريح. لذلك انعقدت في دار الفتوى قمة إسلامية في 22 تشرين الأول 1969 برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد والشيخ محمد أبو شقرا ورؤساء الحكومة وشخصيات إسلامية. وقد قرر المجتمعون التأييد المطلق للعمل الفدائي، وطالبوا الدولة بإطلاقه وتأييده. وكانت قد نشأت أزمة حكومية، إعتكف فيها رئيس الحكومة رشيد كرامي، وانتهت بتوقيع اتفاقية القاهرة، التي نظّمت ورعت الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان[23].

   عرف لبنان التطوّر الأبرز في سياق مسيرة التدهور بعد هزيمة العرب عام 1967 والأزمة اللبنانية عام 1969 تمثّل بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، إذ شكّل نقطة تحوّل داخلي ترافق مع التحولات العربية المحيطة. فكان وصول فرنجية إلى السلطة العنوان الأبرز لتفكيك الأجهزة الشهابية في الجيش والإدارة.

   كان الشهابيون قد صمّموا على إعادة انتخاب فؤاد شهاب، الذي أصرّ بدوره على عدم خوض المعركة الرئاسية عام 1970 بالبيان الشهير الذي قال فيه: "أن لبنان بحاجة إلى إصلاحات جذرية تقضي بإجراء تغييرات أساسية ولكن الشعب اللبناني غير مستعد او مؤهل لتقبّل هذه الإصلاحات وهذه التغييرات الجذرية... إلخ"[24].

   بعد انسحاب شهاب انحصرت المعركة بين مرشّح الشهابية الياس سركيس وسليمان فرنجية الذي فاز بالرئاسة بفارق صوت واحد قيل أنه صوت كمال جنبلاط الذي انقلب على الشهابية بعد أن كان أحد داعميها الأساسيين، حيث لعب الإتحاد السوفياتي دوراً بارزاً في التأثير على موقف جنبلاط في الإنقلاب عليهم. كان جنبلاط، ومنذ عام 1967 قد أخذ يهدف إلى أبعد من إصلاح النظام اللبناني، حيث كان يريد نظاماً آخر. فبصفته آخر وزير للداخلية في عهد شارل حلو وقبل الإنتخابات الرئاسية بقليل، أصدر عدداً من التراخيص لأحزاب سياسية يسارية كانت محظورة رسمياً، بخاصة تلك الأحزاب التي حاولت إقامة علاقات وثيقة معه وكان قد أصبح ناطقاً باسم القضية الفلسطينية.

 بذلك فالقوة الجديدة المتحالفة مع جنبلاط كانت مراقبة بقوة خلال مدة طويلة من قبل أجهزة الحكم الشهابي، وكان من مصلحة هذا التحالف الجديد "جنبلاط – المقاومة الفلسطينية، الأحزاب اليسارية" ألا ينتخب رئيس شهابي قوي وحازم يعمل على إعادة تدعيم هذه الأجهزة. بل على العكس كان لا بد من إضعافه وهذا ما كان ينتظر من سليمان فرنجية[25]. فكان في طليعة المهام التي أوكل للعهد الجديد أن يقوم بتصفية التركة الشهابية[26].

   استقبل انتخاب سليمان فرنجية بموجة عارمة من الفرحة الشعبية بخاصة في الأوساط المسيحية التي اعتبرت وصول سليمان فرنجية نصراً لها. أما بالنسبة للفلسطينيين فقد كان فوزه بمثاية انتصار يسجّل نهاية عهد المكتب الثاني الشهابي وحكم الجيش الذي كانت العلاقة متأزمة منذ عام 1965.[27]

    لم يمض أكثر من سنتين على العهد الجديد حتى كان الحزب الشهابي في الجيش والإدارة قد تقلّص أو ألغي دوره. لم يؤثر ذلك في سياسة لبنان العربي أو الخارجية إلا أنه أصبح غير كاف لتأمين الأمن والإستقرار خاصة بعد بروز المقاومة الفلسطينية واتخاذها من لبنان مركزاً رئيسياً لنشاطها السياسي والإعلامي والعسكري. وجاء مصرع قائد الجيش الشهابي، العماد جان نجم في حادث سقوط مروحيته، مناسبة لإحداث تغيير جذري في قيادة الجيش كان من شأنه التأثير مباشرة في تطور العلاقات بين الدولة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية وبالتالي على دفع لبنان إلى الإنفجار عام 1975.

   لم يكن قائد الجيش وكبار الضباط المسؤولين عن القيادات الأساسية في الجيش الذين حلّوا محل الضباط الشهابيين، أقل أو أكثر لبنانية من أسلافهم. ولكن إذا كان وصول فؤاد شهاب إلى الحكم عام 1958 قد "سيّس الجيش شهابياً"، فإن إقصاء القادة العسكريين الشهابيين عن المركز الحسّاس في الجيش بتعيين قادة غيرهم أدى إلى تسييس الجيش حزبيا وطائفيا. وإن القادة العسكريين وسريعاً ما وصلوا إلى قناعات بأن المقاومة الفلسطينية والأحزاب التقدّمية والقومية والثورية باتت تشكل خطراً على الدولة والنظام، بل على الكيان اللبناني ككل، وإن المصلحة الوطنية تقضي بضربهم بعنف وكان يعني ذلك تسليم القيادات الرئيسية في الجيش إلى ضباط مسيحيين ما أدى إلى نقمة الضباط المسلمين. كما عمدت قيادة الجيش إلى دعم وتعزيز الميليشيات العسكرية المسيحيية التي كانت تتدرب على السلاح منذ عام 1969 أثر توقيع اتفاق القاهرة[28].

   إن انتشار السلاح بين أيدي اللبنانيين لم يكن ممكنا قبل عام 1970.  ولكن إلغاء المكتب الثاني من قبل فرنجية وسلام، شرّع الأبواب الموصدة أمام المجموعات والحركات السياسية اللبنانية للتسلّح المكثف، كما أصبحت مراقبتها من قبل الدولة ضعيفة ومحدودة. وقد عرفت المنظمات الفلسطينية كيفية إستغلال هذه الفرصة. فلم تساعد المجموعات الاحزاب والقوى الوطنية والتقدمية المتحالفة مع جنبلاط فحسب، بل ونجحت في استقطاب عدد كبير من المنظمات والمجموعات الصغيرة التي كانت تموّل وتدرب وتسلح وتوجّه من قبل أجهزتها التابعة لها.

   ومثلما حصل في المناطق الإسلامية من بيروت، حصل أمر مماثل في المناطق المسيحية من العاصمة، فبعدما أدركت الأحزاب المسيحية الكبيرة عام 1969، أن الجيش اللبناني لم يعد قادرا على مراقبة الفلسطينيين والسيطرة عليهم عسكرياً، بدأت هي أيضا تتسلح، فأنشأ كل حزب ميليشيا له بدعم من بعض فصائل الجيش اللبناني[29].

   أيضا في مطلع السبعينيات، أخذت تتفاقم في البلاد الأزمات الإقتصادية وزاد من شدتها ومرارتها الوضع الذي عقب مرحلة تطورإقتصادي وإجتماعي. وقد اندلعت هذه الأزمات بفعل عوامل موضوعية مثل التضخم المالي ونمو سوق العمل والهجرة من الريف إلى المدينة، وبسبب خيبة الأمل من نتائج تصرفات الحكم الذي تجاهل المشكلات الإجتماعية.

   عبّرت الإنتخابات الرئاسية عام 1970، التي تمثل مشروع دولة أن تبني دولة موحدة  نوعا ما، معتمدة على سياسة الإصلاحات الإجتماعية، وإعادة التوازن الطائفي والمناطقي، وتحديث الإدارة، والحد من نفوذ الزعماء التقليديين والقوى اليسارية في آن معا. وشهدت الفترة (1970 – 1974) التفكك التدريجي لجهاز الدولة الشهابي، وتهميش مؤسساته، وعودة الإقطاع السياسي بقوة، أدى إلى إعادة وضع اليد على الدولة من قبل القوى التقليدية التي كانت تُسخّر أجهزة الحكم لكي ترضي أنصارها السياسيين وترسخ قواعدها الإجتماعية. والحال أن هذا الإضعاف للدولة ومؤسساتها وإضفاء الطابع العشائري عليها قد تصادفا مع وضع كانت فيه الحياة السياسية اللبنانية بمجملها خاضعة لضغوط قوية متأتية عن العوامل والصراعات الدائرة آنذاك على مسرح الشرق الأوسط.

   وهكذا فإن غياب الدولة أو ضعفها قد سهل أكثر سياق التفجير السياسي للمجتمع اللبناني المتنافر المفكك أصلاً. كان التوازن التقليدي للقوى السياسية الحاكمة يستند، منذ عام 1973 (الميثاق الوطني)، إلى نوع من إقتسام السلطة بين طرفها الماروني (المسيطر) وطرفها السني (المشارك والمسيطر عليه). وثمة عاملان أساسيان هددا هذا التوازن السياسي وأديا إلى توترات خطيرة. لقد حاول عهد فرنجية (1970 - 1976) على غرار عهد شمعون (1952 – 1958) أن يؤمن للطرف الماروني شبه تفرد بالسلطة، وذلك برفض تكليف الزعيمين السنيين لبيروت وطرابلس (صائب سلام ورشيد كرامي) بتولي رئاسة الوزراء، وبمحاولة خلق منافسين سياسيين لهما، ثانويين ومنجذبين إلى منصب رئاسة الوزراء. بالإضافة إلى ذلك حاول رئيس الجمهورية أن يحط من شأن مركز رئاسة الوزراء بالذات، الذي هو رمز المشاركة السياسية للطرف المسلم، بربط أجهزة الدولة الرئيسية مباشرة برئاسة الجمهورية. وقد نجمت عن ذلك مجابهة سياسية على جانب من الحدة بين مجمل الكتلة السياسية الإسلامية ورئيس الجمهورية. وأخذ هذا الصراع يمتد عبر تقلبات الحرب الأهلية لعام 1975 نفسها[30].

   وهكذا كانت توجد عشية الحرب الأهلية، سياسة كاملة من التوترات الإجتماعية داخل الفئات الشعبية الريفية والمدينية وداخل الفئات المتوسطة، ومجموعة من التناقضات داخل القوى المسيطرة، وبخاصة داخل شريحتها الحاكمة، متراكمة سنة بعد سنة: تضخم متسارع، إفقار عموم الأجراء، إنخفاض المستوى المعيشي للفئات الشعبية، إزدياد البطالة المدينية والضاحوية، السكن والصحة، إفلاس أو صعوبات الإستثمارات الفلاحية الصغيرة حتى في القطاعات المتنامية، والتمركز الإقتصادي في التجارة والصناعة على حساب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة[31]. لقد تكاملت الأزمة الاجتماعية الاقتصادية الحادة مع الأزمة السياسية على مستوى السلطة (المشاركة)، مع الصراع المتفاقم على مستوى أزمة الشرق الأوسط (حرية العمل الفدائي وتحول لبنان إلى منطقته الوحيدة)؛ تكاملت كل هذه العوامل فكان الإنفجار.

·     الحد من النزاع

تجربة معاشة تربط بين المؤرخين وذاكرة الشهود الأحياء. وبخلاف ذلك ستظل كل طائفة تعيش تحت مخاطر الانطواء على معاناتها وحدها بشكل مستقل عن معاناة الطوائف الأخرى، وستبقى الروايات التاريخية بعيدة عن روحية التسامح، والتوبة القومية الرادعة بشكل مستقل عن معاناة الطوائف الأخرى. فالمطلوب كتابة تاريخ لبنان لا من منطلق تغذية النزاعات، بل التاريخ الذي لم يُكتب بعد. إنه تاريخ الحريات وتاريخ المعابر والمعاناة المشتركة التي تولد صدمة نفسية لدى الشعب. إذاً ما الذي يضمن للأجيال المقبلة، التي لم تعرف ما حصل، ألا تقع من جديد في أخطاء التجارب الدموية؟ فيجب خلق صدمة عند الأجيال الجديدة ليعرفوا ما جرى ومخاطر الذي جرى، وعندئذِ نكون قد خلقنا مناعة كبيرة تجاه إعادة إنتاج الحرب.  مثلاً: بوسطة التلامذة التي كانت متوجهة إلى المدرسة وأصيبت بقذيفة حارقة، أو نصباً لرجل نشرت الصحف صوره مصاباً برصاصة قناص بينما كان عائداً إلى أطفاله يحمل إليهم ربطة خبز. آلام الناس تجمع أكثر في حين أن الزعماء تنقسم الآراء بشأنهم. لا نجد نصباً من هذا النوع تعبّر عن الآلام المشتركة، وتخلق توبة كي لا تتكرر المعاناة.

   في إسبانيا يحتفل المواطنون كل سنة بذكرى الحرب الأهلية ولكن بأي شكل؟ في جو من التوبة، بألا تتجدد الحرب. في هيروشيما وناكازاكي تقام ذكرى سنوية كل عام للقنابل الذرية التي قُذف بها المدنيين في الحرب العالمية الثانية، كيف تتم المراسم التذكارية؟ بالتأكيد ليس بالشتائم والسباب، بل بالدعاء والتمني بألا تتكرر وألا يعاني منها أي شعب على الأرض. هل تكون هكذا أعياد 13 نيسان في لبنان؟ هذه مسؤولية اللبنانيين وبخاصة العديد من الهيئات الإجتماعية.

   يصعب مواجهة منظومة الحرب عندما تتوطد دعائمها في الداخل، وبرعاية خارجية. في لبنان، سعت الإتفاقات لتسوية الأزمة إلى توزيع مكافآت على التنظيمات المسلحة وقادة الميليشيات بإشراكهم في هذه الإتفاقات وإسنادهم حقائب ومراكز وزارية[32]. ويبرز تشابه بين نهاية الأزمتين اللبنانية والبوسنية من خلال ملاحقة بعض قادة التنظيمات المسلحة في كل من البلدين. ففي لبنان صدر قانون عفو عام عن جرائم الحرب في 28 آذار 1991، ما سمح لبعض أبطال الحرب الوصول إلى أعلى المناصب في السلطتين التنفيذية والإشتراعية، وكذلك في الإدارة. والذين حاولوا التمرد أحيلوا على المحاكمة بعد أن جُرّدوا من حقهم في الحكم، وفي الإفادة من مفاعيل العفو[33].

   وفي البوسنة أيضا وصل بعض رموز الحرب إلى السلطة، إلا أن المتمردين على التسوية أصبحوا ملاحقين أمام محكمة دولية في لاهاي بتهمة جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. أما السلم الأهلي في البوسنة، بخلاف الحالة اللبنانية التي أظهرت إستحالة تفكيك النسيج الإجتماعي، فهو يقوم على الفصل والفرز بين المجموعات الدينية الثلاث الذي يتألف منها المجتمع البوسني، وهي: الصرب والكروات والمسلمون.

   هل يقتضي اللجوء دوماً إلى فريق خارجي أو طرف أجنبي ثالث مشجع يساعد الجماعات المتحاربة على التفاوض لوضع حد للحرب على غرار ما حصل في الحالة اللبنانية مع اللجنة العربية الثلاثية (الترويكا) التي أوصلت أعمالها إلى إتفاق الطائف؟ أنهى مؤتمر الطائف الذي عُقد في المملكة العربية السعودية، الحرب في لبنان. وكذلك أنهى مؤتمر دايتون الذي عُقد في الولايات المتحدة الأميركية، حرب البوسنة. كان لا بد في الحالتين من مؤتمر يُعقد في الخارج، وبدعم إقليمي ودولي لإنهاء الحرب التي تحولت من حرب داخلية محدودة إلى ساحة لإقتتال القوى الخارجية، وفي المقابل، فإن الترويكا العربية بذلت جهوداً حثيثة خلال أشهر طويلة للحصول على موافقة الخارج على إتفاق الطائف لاسيما بالشق المتعلق بالإتفاقية الأمنية الخارجية.

 

5-  دور الدول الخارجية في النزاعات اللبنانية الداخلية

   المقدّمات الأساسية لأي نزاع، ترسم بشكل واضح أبعاده ومساره، ونتائجه بحيث لا يمكن فصل نتائجه عن مساره العام، والمؤثرات الداخلية والخارجية فيه، والمترتبات الناجمة عنه.

    فالأزمة الداخلية في لبنان ترتبط بالواقع السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي (الايديولوجي) والثقافي القائم على أساس الطائفية السياسية، التي أصبحت مع الحرب الأهلية طوائفية مجتمعية، كان من نتائجها اصطفافات شعبية وراء زعامات طائفية، لا يربطها معها سوى الإنتماء الطائفي أو المذهبي.

    فالأزمة الداخلية في لبنان ليست معزولة عما يجري في محيطها العربي، كما أن التّطورات الإقليمية والدولية التي تحدث في العالم ، تنعكس على الوضع الداخلي اللبناني، يتأثر بها وتؤثر فيه بشكل كبير.  

    الأزمة في لبنان ليست وليدة الصّدفة أو بنت ساعتها، وإنما نتيجة تراكمات كمية داخلية، عربية، إقليمية ودولية، أدت إلى تغيّرات نوعية، لديها تعبيراتها عبر علاقات بعض الأطراف أو الطوائف وارتباطها مع دول عربية، وأطراف من طوائف أخرى وجدت أن مصالحها ترتبط بالعلاقات مع الخارج الإقليمي والدولي[34].

   فهل اتفق اللبنانيون على عروبة لبنان كهوية وانتماء؟ وهل السيادة والحرية والاستقلال كمبادئ يتغنّى اللبنانيون بها سيعملون على تحقيقها؟  وهل علاقات لبنان العربية، علاقات قوية ترتبط بالمصير الواحد والمشترك لأبناء الأمة العربية؟ أم مصالح مشتركة وعلاقات لا تتجاوز الانتماء إلى جامعة الدول العربية والتزامه بقراراتها؟ و ما هي عوامل النجاح والفشل، الانتصار والهزيمة في النزاعات؟

فعوامل النجاح والفشل تتأثر بعاملين أساسيين:

الأول: ذاتي (داخلي)، وهو العامل الأساسي المقرر والحاسم، في السلم كما في الحرب، في التطور كما في التخلف، في البناء كما في الهدم.

الثاني: موضوعي (خارجي)، وهو عامل ثانوي مساعد، إما أن يساعد إيجاباً أو سلباً في العمليات جميعها، السياسية والاقتصادية، الثقافية والتربوية، العسكرية والأمنية.

وفي ظل غياب وضعف واتّكالية وتبعية العامل الذاتي (الداخلي)، ينتقل العامل الموضوعي ليحل محله ويصبح عاملاً مقرراً وحاسماً. وهذا هو الواقع الذي كان قائماً في لبنان، الذي يحتم الغوص فيه ودراسة أبعاده والتداخلات والتشابكات فيه والنتائج التي وصلت إليه[35].

فهل ينطبق ذلك على الوضع في لبنان؟ اعتماداً على الميثاق الوطني للعام 1943 الأسس التي قام عليها لبنان، فانطلق من مجموعة مفاهيم اعتمدت بمجملها على التوافق الطائفي:

·        المحاصصة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين.

·        سيطرة البرجوازية من كل الطوائف على النظام بمؤسساته جميعها. إذ أن السلطة السياسية هي سلطة الطبقة المسيطرة اقتصادياً.

·        إبعاد أي طموح لدى المسلمين لإقامة علاقة وحدوية مع أي دولة عربية وخصوصاً سوريا.

·        منع المسيحيين من طلب الحماية الأجنبية، حتى لا يكون لبنان عبارة عن مكوّنات متناقضة، متعايشة فيما بينها دون روابط تجمعها. "أنشئ لبنان على أساس لائين، وفقاً للصيغة المشهورة للصحفي اللبناني "جورج نقاش"، التي تعتمد على: "تخلي المسيحيون عن الحماية الفرنسية، والمسلمون عن مطلب الوحدة مع سوريا، لصالح لبنان سيد ذي هوية عربية مهمة"[36].

·        "انتهاج سياسة قوة لبنان في ضعفه، والاستفادة منها للحصول على ضمان الدول الكبرى لتأمين سلامة لبنان وسيادته"[37].

   إن نظام المحاصصة الطائفية غير المتوازن والقائم على امتيازات لطائفة على حساب غيرها، واحتكار الوظائف الأساسية من قبل الطبقة المسيطرة اقتصاديا، والتي تحكمت في موارد البلاد ومصادر الثروة فيها أدى إلى بروز أزمة، تراكمت مفاعيلها، لكنها لم تصل إلى الانفجار.

   فقد صرّح المفتي الشيخ حسن خالد في مقابلة مع التلفزيون الألماني في 31-5-1975 فقال:

"الأزمة اللبنانية ليست وليدة السّاعة وإنما هي أزمة نتيجة لتراكمات تاريخية كان يعيشها لبنان منذ الانتداب الذي جعل المجتمع، مجتمعاً طائفياً وكرّس الامتيازات والحقوق لطائفة على سائر الطوائف".

   ويضيف: الأزمة هي أزمة وطنية وليست أزمة طائفية وجوهرها المطالبة بالخلاص من هذا التركيب الطائفي، والدعوة لبناء دولة ديمقراطية"[38].

   في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، بدأت مفاعيل الأزمة تطفو، وتردداتها طالت مجالات متعددة.

   إضطرابات عمال معامل غندور. تحركات شعبية دعماً لمزارعي التبغ في الجنوب. تظاهرات صيادي الأسماك ضد شركة بروتيين المدعومة من النظام، والذي كان يرأس مجلس إدارتها كميل شمعون. كانت هذه التّحركات مدعومة من الشعب اللبناني بطوائفه وأحزابه وقواه السياسية جميعها.

   تصدّت السلطة لهذه التحركات، وخصوصاً لصيادي الأسماك بالرصاص الحي في 26 شباط 1975، فكان من أبرز ضحاياها "معروف سعد" الزعيم الصيداوي الذي استشهد في 16 آذار 1975، ما فاقم الأوضاع إلى أبعد الحدود. لكن الشرارة التي تسببت باندلاع لهيب الحرب الأهلية، كانت الهجوم على الباص في عين الرمانة في 13 نيسان1975 [39].

   إن اتخاذ الحرب مساراً طائفياً، يعود إلى كون الطبقة السياسية الحاكمة لا يتجاوز عددها 3% – 5 % من الطوائف جميعها. وفي حال استمرار الصراع، ستحسم نتيجته لصالح أغلبية الشعب اللبناني الذي تتجاوز نسبته 95 % - 97%.

   لذا عمدت السلطة إلى تجييش الشعب بتعبئته وتحريضه على أسس طائفية، فانقسم على نفسه، وبات يقاتل نيابة عن زعامات الطائفية السياسية في السلطة التي تتناقض مصالحه معها.

أ‌-       الأسباب التي أطالت أمد الحرب الأهلية

1-    عدم وجود أحزاب خارج القيد الطائفي قوية وفاعلة وقادرة على استقطاب الشعب وتنظيمه وتوجيهه وقيادة نضالاته على أسس غير طائفية.

2-    وجود أحزاب ديمقراطية، علمانية، قومية واشتراكية، لم تمتلك برنامج تغيير جذري، تتحدد فيه أهداف استراتيجية بعيدة ومتوسطة وآنية مباشرة، فشاركت في الحرب الأهلية لأهداف مغايرة، لكنها وجدت نفسها بغير إرادة منها جزء من حرب طائفية.

3-    "انجذاب لبنان إلى الصراع العربي – "الإسرائيلي" بين 1967 – 1975، عبر تحوله إلى قاعدة للعمليات الفدائية الفلسطينية... أدى ذلك إلى تدخل المقاومة الفلسطينية في لعبة التوازنات الداخلية. واستقوى المسلمون واليسار اللبناني بها من أجل تحقيق مشاركة أفضل في السلطة، أو فرض نظام يساري يطيح بالنظام القديم"[40].

4-    عدم قدرة النقابات بالرغم من تعددها وتنوعها على الفعل الجدي والقيادة. فلم تتمكن من رفع شعارات مناسبة تؤدي إلى توعية الشعب لحقيقة مصالحه والدفاع عنها في مواجهة الاحتكاريين المستغلين، بعيداً عن الاصطفافات الطائفية.

5-    ارتباط قوى سياسية لبنانية وأحزاب تتبع بولائها لهذا النظام أو ذاك في دول قومية وإقليمية ودولية، دفعها ذلك إلى التدخل في الوضع اللبناني، فأدى إلى تفاقم أزماته.

   "استنجد المسيحيون بسوريا و"إسرائيل". وبفعل التجاذبات العربية ـ العربية والدولية و"الحرب الباردة"، تحول لبنان إلى ميدان صراع إيديولوجي وسياسي، إقليمي ودولي، وإلى وقود وأداة للصراعات كافة، مما أفقده القدرة على مواجهة ما يدور على أرضه"[41].

في لبنان مزيج من الخيارات السياسية المتنوعة، لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم، قد تكون هذه صفة مشتركة بأغلب سياسات الدول العربية، ولكن يبقى هناك في سياسة عامة، واستراتيجيات معينة، لهذه الدول لا تتغير إلا حسب مصالح زعمائها وحكامها.

 ب‌-    لبنان بلد التناقضات

يتميز لبنان بنسيجه المتنوع المتشعب، حيث يعيش اكثر من طائفة ومذهب في بلد صغير. وبعد سنوات طويلة من النزاعات، وعلى الرغم من الأعباء والصعوبات الهائلة التي يواجهها لبنان اليوم، يُقدّم هذا البلد الآن مثالاً حياً عن تعايش سلمي ومثمر محتمل بين الأديان والمذاهب المختلفة المنتمية إلى الدين نفسه.  فهذا البلد يعاني من شد الحبال،  حيث :

·        تتداخل وتتضارب وتتشابك مصالح أطراف عربية، إقليمية ودولية في لبنان، وكل من هذه الأطراف لديه مصالحه وعلاقاته مع فئة أو طائفة ما مرتبطة به، تنفذ سياساته، وتحمي مصالحه. وهي بدورها تقدّم الدعم المادي والتسليحي للأطراف المرتبطة معها، ما عقّد الأزمة وصعّب في إمكانية إيجاد حلول لها.

·        ليس بإمكان دولة أو قوة ما التوفيق بين المصالح المتناقضة للأطراف جميعها، أو حسم الصراع لصالح أي منها. لذا فمن الطبيعي أن يتم التوافق بين هذه الأطراف على مبدأ اللاغالب واللامغلوب، فبقيت الأزمة تراوح مكانها، تخبو تارة وتشتعل تارة أخرى دون إيجاد حل جذري لها.

·        الاعتداءات المتكررة التي يقوم بها العدو "الإسرائيلي" على لبنان، دفع بعض الأطراف اللبنانية (المسيحية) إلى التمادي في العلاقة معه، خصوصاً بعد أن "قامت إسرائيل باجتياح جزءاً من لبنان الجنوبي في 14 آذار 1978، "عملية الليطاني"، لكي تنشئ حزاماً أمنياً، تحت إشراف قوات لبنانية متعاونة معها"[42].

ج-   المشاريع التي تستهدف المنطقة العربية ولبنان خصوصاً لإحكام السيطرة عليها

   لبنان ليس معزولاً عن محيطه العربي. وكل ما يجري في المنطقة سينعكس عليه إن كان إيجاباً أم سلباً. كما أن أطماع الدول الاستعمارية في المنطقة، كان للبنان نصيبه منها.  فكان مؤتمر كامبل بانرمان رئيس وزراء بريطانيا عام 1907، ركّز في تقريره الذي قدمه إلى رؤساء الدول الإستعمارية، على أهمية المنطقة استراتيجياً واقتصادياً وحضارياً، معتبراً أن الخطر يكمن على الدول الاستعمارية في وحدة شعوبها، مؤكداً على العمل لإبقاء شعوبها يعيشون حالة جهل وتجزئة وتخلّف. وقال: علينا إيجاد جسر غريب، يكون قريباً من قناة السويس، يفصل الشق الآسيوي عن الشق الأفريقي منها، يكنّ عداءاً تاريخياً لشعوب المنطقة، وله علاقات وطيدة مع الدول الإستعمارية. ما يعني ان المنطقة العربية مستهدفة ككل بين الدول الإستعمارية، وإحتلال أو إغتصاب فلسطين يشكل مدخلاً للسيطرة عليها وسط النفوذ الإستعماري فيها. ومن ثم أتى تقسيم سايكس  بيكو 1916، كان للبنان نصيب فيه، وكذلك اتفاق سان – ريمون الذي وضع الآلية التنفيذية لتقسيم سايكس – بيكو بين بريطانيا وفرنسا، حيث رسم حدود الدول في المنطقة، شرعن وجودها بالاعتراف بها في المنظمات الدولية، فمزّق أرضها وفصل بين أبنائها، وفرضت سلطة الإنتدات الفرنسي والبريطاني فيها. بالإضافة الى الوثيقة التي قدمتها الحركة الصهيونية إلى مؤتمر الصلح في باريس، وجاء فيها: "يجب أن تسير حدود فلسطين وفقاً للخطوط العامة المبينة أدناه:

تبدأ في الشمال عند نقطة على شاطىء البحر الأبيض المتوسط بجوار مدينة صيدا، وتتبع مفارق المياه، عند تلال سلسلة جبال لبنان، حتى تصل إلى جسر القرعون، تتجه منه إلى البيرة، متبعة الخط الفاصل بين المنحدرات الشرقية والغربية لجبل الشيخ (حرمون) حتى جوار بيت جن"[43].

كما أن رسالة وايزمان إلى لويد جورج  كان لها تأثير بالتغيير الجغرافي في 29-12-1919 وجاء فيها: "نرى من الضروري أن يضم حد فلسطين الشمالي وادي الليطاني إلى مسافة 25 ميلاً فوق المنحنى، ومنحدرات جبل حرمون الجنوبية لضمان السيطرة على منابع نهر الأردن"...[44].

وشدد زعماء "إسرائيل" على ضرورة التّوسع وبخاصة نحو منابع المياه اللبنانية، وفي طليعتها الليطاني. فقد رأى "ليفي أشكول"، رئيس وزراء "إسرائيل" إبان هزيمة حزيران 1967 "أن حدود إسرائيل الآمنة في سلام، تؤمن لنا حدود الأمن في الشرق الأوسط وحرية الملاحة في الغرب وسيطرة على منابع المياه الشمالية"[45] ما يعني أن الأطماع  في الأرض والثروات وخصوصاً المياه، يحتل المرتبة الأولى في أولويات العدو الصهيوني واجماعه في المنطق. وكان "لإسرائيل" وجهة نظر في تقسيم المنطقة فحسب دراسة أعدّها المستشرق اليهودي الأميركي "برنارد لويس" العام 1979، لحساب البنتاغون، والذي أقرها الكونغرس الأميركي بكامل أعضائه العام 1983. يقترح فيها إقامة كيان سياسي لكل أقلية إثنية أو دينية أو مذهبية أو قومية (كانتون) في الشرق الأوسط بدءاً من تقسيم إيران إلى كانتونات متعددة مروراً بالعراق وسوريا ولبنان والأردن ومصر والسودان والسعودية ودول الخليج وصولاً إلى دول المغرب العربي. ويرى برنارد لويس وجوب تقسيم لبنان إلى ثمانية كانتونات طائفية[46]. كانتونان لكل طائفة وكانتون للفلسطينيين في منطقة صيدا وكانتون آخر لدويلة لبنان الجنوبي. أما فيما يخص لبنان، فتقترح الدراسة تقسيمه إلى خمسة كانتونات طائفية، سني، شيعي، مسيحي، درزي ودويلة سعد حداد في جنوب لبنان. "إن تفتيت لبنان إلى خمس دويلات، هو سابقة للعالم العربي بأسره، وقد كان الهدف الحقيقي من تفجير "إسرائيل" للحرب في لبنان تقسيمه الى كانتوكات متناحرة ومتصارعة، كذلك في مصر، سوريا والعراق بمحاولة تجزئتها إلى مناطق ذات خصوصية إثنية ودينية واحدة، على غرار لبنان، وهو هدف من الدرجة الأولى بالنسبة "لإسرائيل" في الجبهة الشرقية على المدى البعيد"[47].

وتأييد كميل شمعون "مبدأ أيزنهاور" وحلف بغداد، فسعى إلى إدخال لبنان في الترتيب الاستراتيجي الانكلو – أميركي على المستوى الإقليمي، أدى إلى إنزال قوات المارينز على شواطىء لبنان في تموز 1958، وقيام ما سمي ثورة 1958 في حينه. تصريح كونداليزا رايس إبان الغزو "الإسرائيلي" للبنان في العام 2006، "بأن الحرب على لبنان هي المخاض الطبيعي للشرق أوسط جديد". فاستهداف لبنان لم يكن وليد الساعة، بل إن الأطماع فيه كانت وماتزال إلى جانب أشقائه العرب، منذ ما قبل تأسيسه. وكانت تركيبة لبنان الطائفية المتوافقة والمتناقضة تشكل أرضية خصبة لإفشال المشاريع التي تستهدف المنطقة العبرية، وتشكل عنواناً بارزاً في المواجهة وخصوصاً مع العدو الصهيوني بعد عدوان تموز 2006 على لبنان.

                    

د-    دور الدول العربية في النزاعات اللبنانية الداخلية

سوريا: يربط سوريا ولبنان علاقات مميزة، كالعروبة، التاريخ، الجغرافية، الاقتصاد، الاجتماع، الثقافة، القيم، المصير والمصالح المشتركة. دفعت هذه العلاقة إلى تدخل سوريا كوسيط في بداية الحرب الأهلية لحل الأزمة. انحازت سوريا بداية إلى جانب القوى الوطنية والتقدمية (اليسارية) إضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1975، إلا أنها مالت إلى جانب الطرف المسيحي الذي استنجد فيها عام 1976 لمواجهة القوى اليسارية. "فأرسلت جيشها لنجدة قوى اليمين المسيحي بمباركة واشنطن وضوء أخضر إسرائيلي"[48].

عمدت سوريا منذ بداية الأزمة إلى إمساك العصا من المنتصف. وعند اختلال التوازن لصالح طرف ما، تميل إلى جانب الطرف الآخر. "قبل السوريون الجبهة اللبنانية حليفاً لهم، بالرغم من معرفتهم بعلاقاتها بإسرائيل"[49].

   بلورت سوريا استراتيجية تقوم على الإمساك بالملفين اللبناني والفلسطيني معاً. وتمكنت من الحصول على تغطية عربية لوجودها في لبنان. وأجهضت تعريب الأزمة اللبنانية (قوات الردع العربية)، فاستفردت بالملف اللبناني، منذ العام 1978، وأمسكت بالقوى السياسية والحزبية والميليشياوية اللبنانية، ومن خلال اللعب على المتناقضات.

   استمرت المراهنة على سوريا وقد طلبت الأطراف اللبنانية منها العودة إلى بيروت عام 1987 لضبط الفلتان الأمني وحماية اللبنانيين.

   رحبت أميركا ودول أوروبا بعودة الوجود السوري إلى بيروت الغربية بعد الفلتان الميليشياوي الذي ضربها بين 1984 – 1987.[50]

وقد أكّدت المادة الرابعة من اتفاق الطائف على:

"العلاقات المميزة التي تجمع لبنان وسوريا، والتأكيد على أن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مركزاً لأي نشاط يستهدف الأمن السوري".

"كما يؤكد حرص سوريا على الأمن والاستقرار في لبنان".

العراق: كان للعراق من خلال فرع حزب البعث العراقي في لبنان، والمنظمة الفلسطينية (جبهة التحرير العربية) دوراً هاماً.

قدّم العراق دعماً مادياً وتسليحياً لمعظم القوى ولبعض الأحزاب والمنظمات القومية واليسارية اللبنانية وبعض الفصائل الفلسطينية. وقد تعزز التدخل العراقي بالتناقض القائم بين نظامي حزب البعث في سوريا والعراق. وازداد التناقض بانحياز النظام السوري إلى جانب الميليشيا المسيحية ضد القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية. كما تمثل بدعم العراق للجنرال ميشال عون إبان "حرب التحرير" و "حرب الإلغاء".

السعودية: كان للسعودية دوراً هاماً منذ بداية الأزمة في لبنان. اعتمدت سياستها على الحفاظ على وحدته الوطنية كأساس لسلامته واستقراره وسيادته. ورفض تقسيم لبنان وضرورة القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية فيه.

   ترابط الأزمة اللبنانية بالصراع العربي –الإسرائيلي، وتشابك الوضع اللبناني الداخلي مع القضية الفلسطينية، وإزالة التناقضات بين المقاومة الفلسطينية ولبنان، ورفض تدويل الأزمة واعتبارها أزمة عربية. أسهم ذلك في تعقيدها، وصعّب إمكانية إيجاد حلول لها.

   نسقت السعودية تحركاتها بهذا الصدد مع الكويت والمغرب والجزائر والإمارات العربية، كذلك تعاملت مع السياسيين التقليديين المسلمين وبعض الزعامات الموارنة لإيجاد حل توفيقي للأزمة في لبنان[51].

   كانت السعودية وراء عقد مؤتمر بيت الدين في تشرين أول 1978، وجينيف 1983 ولوزان 1984 بمشاركة سوريا وبعض الأطراف العربية. ومثلها قمة الرياض المصغّرة في العام 1976 وبعدها بأسبوع انعقد مؤتمر قمة القاهرة التي أقرّت تشكيل قوات الردع العربية. وقد شاركت في إرسال قوات الردع التي كان عمادها القوات السورية، إضافة إلى قوات سعودية، سودانية وإماراتية، انتشرت في معظم الأراضي اللبنانية في 15-11-1976.[52]

   اتخذ التنسيق السعودي مع سوريا حيزاً هاماً، فدعمت السعودية جهود سورية لتسوية الأزمة في لبنان بما يضمن وحدة شعبه وسلامة أراضيه. وتعهدت السعودية القيام باتصالات عربية وعالمية للمساعدة على وقف القتال وإيجاد حل للأزمة اللبنانية.

مصر: منذ أن قامت بطرد الخبراء السوفييت العام 1972 وانحيازها إلى المعسكر الغربي بعد حرب تشرين أول 1973 وخصوصاً إلى جانب السياسة الأميركية وتسليمها أوراق حل أزمة الشرق الأوسط لأميركا حيث قال السادات أن 99% من أوراق حل أزمة المنطقة بيد أميركا، وتوقيعها لاتفاقيات كامب ديفيد 1978 – 1979. تراوحت علاقاتها مع الدول العربية بين المد والجزر، الصعود والهبوط، فبعد أن تشاركت مع سوريا في حرب 1973، اختلفتا حول سياسة السلام. وقد كان لبنان ميداناً ملائماً للصراع مع سوريا، حيث دعمت الميليشيا المسيحية بالأسلحة لمواجهة النظام السوري وحلفائه، وقد اعترف كميل شمعون أن الميليشيا المسيحية تقاتل بأسلحة وذخائر مصرية. وقد قامت السعودية بإجراء مصالحة بين سوريا ومصر في مؤتمر قمة القاهرة في تشرين أول [53]1976.

 

ليبيا: سعت للتعبير عن نفسها وإظهار وجودها، فقامت بدعم المقاومة الفلسطينية وقوى اليسار اللبناني وكذلك القوى الناصرية، وقدمت لها السلاح والمال، حتى أن صحيفة "نيويورك تايمز" ذكرت في 13 أيلول 1975 "أن ليبيا أرسلت عشرات ملايين الدولارات إلى لبنان لدعم قوى اليسار التي تحارب قوى اليمين... منذ الربيع الماضي". وقد أكدت ليبيا على عروبة لبنان وانتمائه العربي وأن يكون جيشه في خدمة القضايا العربية، لا في خدمة الطائفة المسيحية[54].

الأردن: ساند النظام السوري وأيد تدخله في لبنان في مواجهة المقاومة الفلسطينية وحلفائها وقدّم الدعم التسليحي للميليشيا المسيحية واعتبر أن المقاومة الفلسطينية تقاتل خارج أرضها وليس لصالح قضيتها، واتهمها بأن تدخلها في الشأن الداخلي اللبناني هو أحد أسباب الحرب في لبنان.وقد انطلق النظام الأردني من موقف مسبق معادٍ للمقاومة الفلسطينية، التي هددت كيانه ووجوده إبان أحداث أيلول 1970 وتموز 1971.

 5-  الدور الإقليمي في النزاعات الداخلية اللبنانية

1.     الكيان الصهيوني الإسرائيل

"يقوم مفهوم "إسرائيل" لأمنها الاستراتيجي، على تقسيم العالم العربي والإسلامي من باكستان حتى المغرب على أسس دينية وإثنية ومذهبية"[55].

وإن ما جاء في مشروع "الكومنولث العبري"، "بأن هدفه قيام "دولة إسرائيل الكبرى"، على أن يكون بمحاذاتها دويلات مقسمة عرقياً ومذهبياً وطائفياً، ترتبط بالكيان الصهيوني بواسطة الاقتصاد والأمن والاستراتيجية"[56].

   كما تتضمن الدراسة التي أعدها أودد ينون[57] في شباط 1982 بعنوان استراتيجية لإسرائيل في الثمانينات، تقسيم البلدان العربية إلى مجموعة من الكانتونات الطائفية والمذهبية والإثنية والقومية. تعتمد الخطة على:

ـ أن حدة الصراعات بين كانتون وآخر، أكبر من الصراع مع أميركا و"إسرائيل".

ـ ولن يكون بمقدور أي من هذه الكانتونات تشكيل أي خطر، على أميركا و"إسرائيل" أو مواجهتهما.

ـ سيضطر هذا الكانتون أو ذاك إلى طلب الدعم والمساعدة من أميركا أو إسرائيل للانتصار على كانتون آخر. وستكون إسرائيل بذلك أقوى قوة إقليمية في المنطقة تتحكم بها وتفرض نفوذها فيها[58].

   الجانب الآخر يرتبط بالتنمية الاقتصادية وتطويرها مع دول المنطقة. سيحقق التفوق الإسرائيلي، الأكثر تطوراً في مجال الصناعة والزراعة والإلكترونيات والكهربائيات. تصدير منتوجاته إلى الدول العربية والاستفادة من الأيدي العاملة الرخيصة، (اتفاقية الكويز بين مصر وإسرائيل)[59] وتستورد منها المواد الأولية كالنفط وغيره بأرخص الأسعار. "ورأى ينون فائدة في إرساء شرعية "دولة إسرائيل"، بما أن كل طائفة ستكون لها دولة، فوجود دولة يهودية يصبح مبرراً تماماً من الناحية الأخلاقية"[60].

"فمنذ أن بدأت الحركة الصهيونية تستهدف فلسطين، بدأت قياداتها تعمل على تطوير العلاقات بينها وبين لبنان. جرت اتصالات بين الطرفين، رجال دين موارنة، أمثال "البطريرك حويك" و"البطريرك عريضة" ومطران بيروت للموارنة "اغناطيوس مبارك" وسياسيين كإميل إدة وحزب الكتائب اللبنانية. وعن الجانب الصهيوني "الوكالة اليهودية" ومن ثم "الدولة العبرية"[61].

"وفي عام 1936 أيد "البطريرك عريضة" أمام "لجنة بيل" البريطانية قيام دولة يهودية في فلسطين"[62].

 

وصرّح الزعيم الصهيوني "ديفيد بن غوريون" عام 1937، أن "لبنان هو الحليف الطبيعي لليهود في "إسرائيل"، واعتقد أن القرب بين فلسطين ولبنان سوف يعطي اليهود إمكانية التمدد بموافقة جيراننا الذين يحتاجون إلينا"[63].

   "وأضاف بن غوريون: أن اللبنانيين لديهم تراث وثقافة مختلفان عن بقية دول الجامعة العربية. وخلص إلى ضرورة إقامة كيان مسيحي في لبنان، كخطوة طبيعية لأن "الدولة المسيحية" لها جذور تاريخية وستحصل على التأييد من قوى واسعة في العالم المسيحي، كاثوليك وبروتستانت على حد سواء"[64].

   أطماع إسرائيل كبيرة في المنطقة العربية عموماً ولبنان بشكل خاص. بدءاً من توسيع حدودها لتصل إلى مشارف صيدا، وأطماعها في المياه اللبنانية. وتعتمد في توسعها على قوى محلية تشكل ضمانة لحماية حدودها وأمن مواطنيها، لأنها لا تستطيع الإنتشار في المناطق جميعها التي يمكن الاستيلاء عليها. فالقوات العسكرية الإسرائيلية بكل فروعها لا تكفي للاحتلال والانتشار الفعلي في المناطق الواسعة التي يتم احتلالها.

لذا جاء الحل حسب د. محمود حسين فمساحة الأراضي المحتلة كبيرة لبنان، سوريا، الأردن، مصر وفلسطين، تقارب مليون ونصف كيلومتر مربع وعدد السكان فيها يتجاوز 150ألف نسخة، فهل يمكن للإحتلال الصهيوني الانتشار في المنطقة والسيطرة عليها  وعلى الأراضي والسكان، وتعداد السكن الصهيوني لا يتجاوز خمسة ملايين نسمة. فهل سيستطيع الاستمرار؟ والى أي مدى؟

بأنه يتخذ  الحكم أشكال أخرى، مثل شريط حدودي، (على غرار ما حصل في جنوب لبنان) أو روابط قرى، (كما حصل في الضفة الغربية المحتلة في سبعينيات القرن الماضي)، أو قوات محلية، بقيادة منفصلة عن السكان لا جذور وانتماء عربي لها، لأن السيطرة العسكرية الإسرائيلية في مثل هذا الوضع ستكون أقوى بدرجة تمكنها من قمع أي محاولة للتمرد، إما عن طريق الإذلال الجماعي كما في الضفة الغربية وقطاع غزة. أو بقصف المدن والبنى التحتية فيها كما حدث في لبنان في اجتياح آذار 1978 وحزيران 1982"[65].

2.     إيران

   بانتصار الثورة الإسلامية في إيران وسقوط نظام الشاه عام 1979، سقط كلياً حلف المعاهدة المركزية.

   حددت إيران خيارها الإسلامي الرافض الهيمنة والتبعية ومعاداة ومحاربة دول أميركا وحلفائها، ناهبة ثروات الشعوب وسالبة خيرات بلادها.

   أدركت أميركا بسقوط نظام شاه إيران أنها فقدت أهم قاعدة لها على الحدود السوفياتية. وأن خطر هذه الثورة بات يهدد مصالحها ووجودها وحلفائها.

   لم يكن لإيران دور يذكر أو علاقة بالشؤون الداخلية اللبنانية، لأنها كانت تخوض حرباً مع العراق بدأت عام 1980 دامت ثماني سنوات، استغلتها أميركا وحلفائها لتأجيج الصراع فيها بهدف إضعاف البلدين.

   دعمت إيران قوى المقاومة في فلسطين ولبنان (حزب الله) وسمحت بإقامة سفارة فلسطين في مبنى سفارة "إسرائيل" في طهران. شاركت في معارك المواجهة مع "إسرائيل" بشكل غير مباشر عبر إرسال خبراء لتدريب وتسليح وتجهيز وتوجيه المقاومة.

   لعبت إيران دوراً مميّزاً في دعم مقاومة حزب الله، وتطوير أوضاعه، دفع ذلك بعض الأطراف اللبنانية بتوجيه الإتهام لإيران بالتدخل في شؤونه الداخلية، انسجاماً مع الموقف الأميركي، الأوروبي و"الإسرائيلي" الذي يعتبر إيران دولة إرهابية، وتقوم بتقديم الدعم والمساندة لقوى الإرهاب في كثير من دول العالم. طورت إيران قدراتها في المجال الإقتصادي، الصناعي، وخصوصاً التسليحي، بالرغم من الحصار الذي فرض عليها. يإصدار "قانون داماتو" (الذي يمنع الشركات الأجنبية من استثمار أكثر من أربعين مليون دولار بالعام الواحد في إيران وإلا تعرضت هذه الشركات إلى فرض عقوبات شديدة وقاسية بحقها، وكذلك التهديدات التي تطاله من اتجاهات كثيرة، إلا أنه استمر على موقفه في التحدي وعدم الرضوخ للتهديد والإبتزاز.

   عرضت إيران على الحكومة اللبنانية، تسليح الجيش اللبناني وتجهيزه بشكل كامل. إلا أن الحكومة اللبنانية وانسجاماً مع الموقف الأميركي رفضت العرض، دون مبرر يذكر. تمكنت إيران بالإتفاق النووي الذي عقدته مع دول 5+1 من الاعتراف بها، دولة نووية للأغراض السلمية، وثم فك الحصار نسبياً عنها[66].

 

6-    الدور الدولي في النزاعات الداخلية اللبنانية

أولا: الولايات المتحدة الأميركية

تتسم استراتيجية الأمن القومي الأميركي، بأنها استراتيجية كونية، لا تقتصر على قارة أو إقليم أو منطقة، بل تشمل العالم قاطبة، براً، بحراً وجواً، تمددت من خلال هذا المفهوم لاجتياح العالم بالحروب، تحت عنوان الدفاع عن النفس، وغلّفت اجتياحاتها، بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب. وجعلت من التوسعية والعدوانية وجنون العظمة وعبادة القوة والغطرسة، سمات رئيسية لنظامها الجمهوري[67].

اعتمدت استراتيجيتها على:

مبدأ الحرب الوقائية، تدويل الحرب على الإرهاب، فرض الهيمنة الإقتصادية، إعادة النظر في تركيبة مجلس الأمن والمنظمات الدولية الكبرى، إعادة النظر في الخارطة الجيو ـ سياسية في الشرق الأوسط لتفكيك بعض الدول المركزية فيه، إيجاد قواعد بحرية وجوية في دول العالم ومن منطقة الخليج[68].

تفكيك القوى والأحزاب في المنطقة التي تتعارض مع أجندتها والإيعاز للأنظمة بتصفيتها. 

   تعتبر أميركا وإسرائيل أن الوطن العربي، منطقة نفوذ لها، ترسم سياساته وتحدد علاقاته، وتوجه زعاماته، وتسعى إلى سحق كل من يخالف أو يعارض أو يتمرد على إرادتها ويخرج من حظيرتها. فبسقوط نظام الثنائية القطبية، وسيادة نظام القطب الواحد، الذي تقوده أميركا، عملت على إعادة ترتيب الأوضاع في العالم بما يتلاءم مع المتغيرات الحاصلة، وبما يخدم مصالحها وسياستها وأهدافها. "وتصرفت كشرطي عالمي يتدخل في شؤون الدول والشعوب، ويفرض على الدول الأخرى دفع تكاليف تدخلاته"[69].

   استفردت أميركا في البلدان العربية واحدة تلو الأخرى. وخصوصاً في لبنان الذي ساعد على تصاعد النفوذ الأميركي بعد دخوله "مبدأ أيزنهاور" عام 1957، بهدف حماية نفسه من تيارات الوحدة العربية، وقد تدخلت لحماية نظام شمعون بعد سقوط "حلف بغداد" وتضعضع "مبدأ أيزنهاور"، خشية من اتساع النفوذ القومي العربي والسوفياتي.

   "اتهمت أميركا مصر بدعم المسلحين بالأموال والأسلحة. فقامت عبر CIA بدعم حزب الكتائب وحزب الطاشناق الأرمني بالأموال والأسلحة"[70].

   وقد "اتهم كمال جنبلاط أميركا بعيد اندلاع الحرب بأنها قدمت إلى إسرائيل 250 مليون دولار، من أجل تفجير الوضع في لبنان ودعم الميليشيات المسيحية بالأسلحة، لسحق المقاومة الفلسطينية"[71].

  "رأت أميركا أن حل الأزمة في لبنان يرتبط بفئات ثلاث: اللبنانيون، الإسرائيليون، والسوريون... ولأن اللبنانيين غير قادرين، والإسرائيليين غير مبالين، والسوريين غير متحمسين"[72]، كون أهدافهم متباينة ومتناقضة، فلن يتحقق الحل للأزمة.

دعمت أميركا إسرائيل في حروبها مع العرب وفي تدخلها بالأزمة اللبنانية، واجتياحها للبنان عامي 1978 – 1982 ودافعت عنها في مجلس الأمن الدولي لمنع أي قرار يتخذ بحقها.

   لم تكن أميركا بعيدة عن الأزمة في لبنان. إذ كانت تتابعها إما عبر أنظمة عربية تابعة لها أو بواسطة إسرائيل، لكنها تدخلت مباشرة بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 عبر الوسطاء الدوليين والأمركيين.

   أرسلت بعدها قوات من المارينز والبارجة الحربية "نيوجرسي" التي قامت بقصف قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية في جبل لبنان.

   دب الخلاف بين أهداف "إسرائيل" من الإحتلال القائم على تقسيم لبنان إلى مجموعة كانتونات طائفية. وبين الأهداف الأميركية الساعية إلى الإبقاء عليه موحداً في ظل سيطرة مسيحية كلية عليه. "وقد اعتبر كثيرون في لبنان والمنطقة أن التدخل الأميركي سينهي الإحتلال الإسرائيلي والوجود العسكري السوري في لبنان"[73].

   وعندما قرر "الإسرائيليون" الإنسحاب من الجبل في 3-9-1983 طلب منهم المبعوث الأميركي "دونالد رامسفيلد" تأخير الإنسحاب ليومين أو ثلاثة حتى يتمكن الجيش اللبناني من الحلول مكانهم. رد "موشيه أرينز" وزير الحرب الصهيوني آنذاك قائلاً: لقد قررنا الإنسحاب، ولن نتأخر دقيقة واحدة. لكنه قال بعد ذلك أنه ليس انسحاباً، بل إعادة انتشار وتموضع للقوات "الإسرائيلية".

   كان إصرار "الإسرائيليين" على الإنسحاب من الجبل يهدف إلى الضغط على الأميركيين، بعد أن وجدوا الإدارة الأميركية تقف إلى جانب لبنان. أراد "الإسرائيليون" توريطهم وإغراقهم في المستنقع اللبناني، وكي يشعروا بالحاجة الماسة إليهم وعدم الإستغناء عنهم لأن لديهم خبرة كافية في التعامل مع الدول والشعوب في المنطقة.

   "ترك الإنسحاب الإسرائيلي من الجبل القوة الأميركية في بيئة معادية... لقد أصبح وجود المارينز في لبنان مشكلة جديدة. فأصبحوا بعد الإنسحاب هدفاً عسكرياً لأعدائهم" من قوى الشعب اللبناني المقاوم. "إغتاظ "الإسرائيليون" من مجيء المارينز إلى لبنان. إذ اعتبروه صفعة لوجودهم فيه، ولأنهم يريدون أن تكون أميركا حليفا وحيدا لهم في المنطقة".[74]

يوم 23-10-1983 استهدفت قوات المارينز والقوات الفرنسية في بيروت بسيارتين مفخختين، تفجرتا في مقراتهما وأسفرتا عن مقتل 241 جندي أميركي و58 جندي فرنسي، أدى ذلك إلى انسحاب قوات حفظ السلام الدولية من لبنان، الذي تمركزت فيه منذ انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت بعد الاجتياح[75].

 

ثانياً: فرنسا

   كانت فرنسا تعتبر لبنان الإمتداد الثقافي للفرانكوفونية، والقلب النابض للوجود الفرنسي في الشرق الأدنى، الذي كان يتعرض بشدة لتأثير الإنجلو ساكسونية.

   وعندما بدأت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، اعتبرت فرنسا أن للأزمة أبعاداً فلسطينية وعربية ودولية.

   قال "فاليري جيسكار ديستان"، رئيس الجمهورية الفرنسية بعد اندلاع القتال. "أن لبنان في وحدته وتنوعه، يشكل عنصراً ثميناً للإستقرار والسلام في منطقة يمزقها نزاع آخر (النزاع العربي – الإسرائيلي). وأشار إلى ضرورة أن يعيد اللبنانيون بأنفسهم التوازن العادل إلى تعايشهم".

   "لم تتدخل فرنسا أحادياً لحل الأزمة، بل رأت الإنضمام إلى الدول الصديقة من أجل إعادة السلام والإستقرار إليه. ووقفت على مسافة واحدة من أفرقاء النزاع اللبنانيين والإقليميين. وانطلاقاً من وحدة لبنان وسيادته واستقلاله، اعتمدت خيارات ثلاث:

1-    مساعدة اللبنانيين للوصول إلى صيغة وفاق وطني.

2-    تدويل الأزمة اللبنانية وإعلان حياد لبنان بموافقة جميع اللبنانيين.

3-    إرسال جنودها إلى لبنان لحفظ السلام"[76].

   "ولأن أميركا كانت تحتكر لنفسها منذ العام 1975 حل أزمة الشرق الأوسط، جعلت فرنسا مبادرتها تمر عبر واشنطن"[77].

ثالثاً: الإتحاد السوفياتي

   إتجه الإتحاد السوفياتي منذ خمسينيات القرن الماضي للخروج إلى المياه الدافئة، عبر التدخل البطيء في البلدان العربية، عن طريق تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية لها، بعد ثورة يوليو 1952، عندما رفضت أميركا تسليح الجيش المصري. اتجهت مصر إلى الإتحاد السوفياتي، وإلى بلدان أوروبا الشرقية، حيث زودته تشيكوسلوفاكيا بالأسلحة، (صفقة الأسلحة التشيكية). كما وقف إلى جانب مصر في مجلس الأمن الدولي، مهدداً دول العدوان الثلاثي على مصر بالتدخل عسكرياً، إذا لم يوقفوا العدوان، وإلا سيكون لذلك عواقب وخيمة. اضطرت أميركا أمام الموقف الصارم للإتحاد السوفياتي للضغط على بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، لوقف عدوانها، وانسحاب جيوشها من مصر.

   ساعد مصر في بناء السد العالي وفي تطوير الصناعات المصرية خصوصاً صناعات الحديد والصلب والأسلحة والصواريخ... الخ. وسعى إلى تعزيز علاقاته بكل من مصر، سوريا، العراق، الجزائر، ليبيا واليمن الديمقراطي (الجنوبي).

   وسعى بعد هزيمة حزيران 1967 وظهور المقاومة الفلسطينية لدعمها، تسليحاً وتدريباً، وأفسح في المجال لإعطاء منح دراسية لآلاف الطلبة العرب. وعمل على تشكيل جبهة عربية معادية للإمبريالية تضم في صفوفها أحزاب يسارية وقومية عربية في لبنان والمقاومة الفلسطينية وبعض الأنظمة الرسمية العربية.

"بخروج مصر السادات من دائرة النفوذ السوفياتي بعد عام 1973، وانفراد واشنطن وحدها بحل أزمة الشرق الأوسط، بعيداً عن مؤتمر جنيف، بدأ السوفيات يعملون على تدعيم مركزهم لدى القوى الراديكالية في المنطقة العربية، ومنها سوريا والمنظمات الفلسطينية، فرفضوا السياسة الأميركية القاضية بحلول جزئية للصراع العربي – الإسرائيلي، وسياسة الخطوة خطوة. ورأوا أن حلاً شاملاً لأزمة المنطقة من شأنه أن يهدىء الوضع المتفجر في لبنان"[78].

    فبعد طرد السادات للخبراء السوفيات عام 1972 وتوجهه نحو الغرب (خصوصاً أميركا حيث ادعى أن 99% من أوراق حل أزمة المنطقة بيدها) بعد حرب تشرين أول 1973، أصبحت سوريا منفذ السوفيات الوحيد إلى الشرق الأوسط. طورت علاقاتها مع النظام السوري، وقدمت الدعم السياسي والعسكري له، وبنت قاعدة بحرية في مدينة طرطوس السورية.

   هدف الإتحاد السوفياتي بمساعدة سوريا إلى منع لبنان من الإنضمام إلى اتفاقية "كامب ديفيد"، أو جعله قاعدة للقوات الأميركية، كي لا يصبح ألعوبة بيد "واشنطن وتل أبيب"[79].

   "بعد التدخل السوري ضد منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان ووقوفه إلى جانب الميليشيات المسيحية، طلب السوفيات من حافظ الأسد وقف عملياته الحربية ضد الفلسطينيين واليسار اللبناني، وسحب قواته من لبنان. لكنه رفض ذلك، فاعتبرت موسكو التحركات السورية تهدف إلى إضعاف اليسار اللبناني والمقاومة الفلسطينية وتحطيم قلعة النضال ضد الإمبريالية في الشرق الأوسط"[80].

7-     تأثير النزاعات على النسيج الاجتماعي والإقتصادي

   لا شك أن التجارب التاريخية للطوائف اللبنانية والنظام الطائفي السياسي، ومسألة هوية لبنان ("عربي أو ذو وجه عربي، أو أنه غير عربي وجزء من الغرب"[81]) والمشاركة في الحكم، والفروق الإجتماعية، كلها عوامل كانت مسببة للتوتر والنزاع في لبنان على الصعيدين السياسي والإجتماعي، من دون أن تؤدي إلى تقاتل اللبنانيين فيما بينهم. لكن تداخل عدم المساواة الإجتماعية والإقتصادية بالطائفية السياسية، جعل الوضع اللبناني أكثر تفجراً، وبشكل خاص بعد دخول العامل الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي إلى لبنان"[82].

   لكن الأهم من ذلك كله يرتبط بالصراع الطبقي بين السلطة السياسية التي تمثل الطبقة المسيطرة اقتصادياً. إذ أن التظاهرات والتحركات الشعبية التي اندلعت في النصف الأول من عقد السبعينيات، أي قبيل اندلاع الحرب الأهلية كانت تحركات مطلبية فوق الطائفية والمذهبية، تضم في صفوفها عمال، مزارعين، طلاب، معلمين وموظفين، من الطوائف جميعها، باتت الخشية أن يأخذ هذا الصراع بتطوره طابع الصراع الطبقي والذي يتجاوز قدرة زعماء الطوائف على التحكم به، ويصبح الفرز بين الطبقة البرجوازية من كل الطوائف في مواجهة الطبقة الشعبية من كل الطوائف أيضاً تشكل غالبية ساحقة، وسيكون بمقدورها أن تحسم نتائج الصراع لصالحها، واستغلال الشعور بالحرمان وعدم المساواة والغبن والتهميش من الزعامات الطائفية غيرالمسيحية.

   وكذلك "الإنفجار السكاني الذي شهدته الطائفة الشيعية على خلفية الفقر الإقتصادي، والنزوح من الريف إلى حزام البؤس الشعبي في بيروت وضواحيها، تشكلت فئة كبيرة من الفقراء ذات أغلبية شيعية جمهوراً مناسباً بامتياز لقوى تعبر عن تجذر اجتماعي وسياسي"[83].

   كما أن الخلاف السياسي بين القوى المؤتلفة فيما بينها على التحركات المطلبية، حول الوجود الفلسطيني ولبنان  في لبنان شكل آخر، بحيث أن المسيحيين يرون فيه خطر عليهم وقوة للمسلمين ويرى فيه المسلمين قوة وسنداً وحماية لهم، ناهيك عن الموقف الوطني المتعاطف مع قضية فلسطين، أدى ذلك كله مع العوامل الأخرى إلى استغلاله لإحداث عملية فرز سكاني ومناطقي.

الخلاصة

   ابتدأت الحرب الأهلية فكان وقودها أصحاب المصلحة الواحدة في الصراع ضد الزعامات الطائفية التي تسيطر على السلطة السياسية والاقتصادية، والتي كانت تحركاتهم المطلبية عشية اندلاع الحرب الأهلية واحدة. تفاقم النزاع أكثر فأكثر، فبات القتل على الهوية في المناطق جميعها، ليس مقتصراً على فئة أو طائفة أو منطقة واحدة. بل شملت الطوائف والمناطق جميعها. كما أن معارك الجبل أدت إلى فرز حقيقي عبر المعارك التي دارت فيه، اثر تهجير السكان من بيوتها وتدمير ممتلكاتها... إلى زيادة الأزمة تفاقماً وعمّق الشرخ، وأبعد إمكانية الوصول إلى حل جذري لها.

   إن اعتماد سياسة اللاغالب واللامغلوب في لبنان، بعد حرب دامية استمرت خمسة عشر عاماً، دمرت مدنه وقراه وهجرت أبنائه، وكبّدت الشعب من جميع الطوائف خسائر كبيرة في الأرواح، وأدت إلى تفكيك الدولة وتمزيق وحدة الأرض والشعب والسلطة ومؤسساتها عسكرية وأمنية، اقتصادية واجتماعية، سياسية وثقافية... الخ.

   كما أسهم تدخل عوامل خارجية، في إزكاء نار الفتنة وزيادة الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، بادعائها الحرص على إيجاد حل للأزمة، وبالتأكيد على وحدة وسيادة لبنان واستقلاله، لكنها فعلياً كانت لديها رؤى أخرى ومصالح تتجاوز لبنان، والتي عمدت إلى إيلائه كل الاهتمام.

   لقد مضى على انتهاء الحرب الأهلية ما يفوق عقدين ونصف، فبات الشباب أكثر وعياً والتحركات المطلبية أكثر تجذراً، والاحتجاجات على مواقف السلطة من القضايا العامة التي تهم المواطنين، والمواقف منها، باتت أكثر وضوحاً[84].

   والإصرار على التحركات حتى تحقيق المطالب والأهداف بات الشغل الشاغل للشعب بطوائفه جميعها، يشارك فيها الشباب من الجنسين والشيوخ وأيضاً الأطفال. لم تكن الأمور التي تدفع المواطنين للتحرك في مواجهة السلطة الآن  بالأهمية ذاتها للمواطنين ما قبل الحرب الأهلية.

   في أحيان كثيرة كان "الاتجاه الطبيعي العام في المواقف الصعبة والأزمات، هو الهروب منها ومن كل ما يسبب القلاقل. لكن تحديد الهدف (المراد تحقيقه) يحتم التركيز على ما يراد تحقيقه والابتعاد عن ما يجب تجنبه"[85].

   فهل الشباب في تحركاتهم الآن سيتجنبون ما يمكن أن يواجههم من مشاكل، أم يعملون وبإصرار على مواجهته لا الهروب منه؟  



[1] تقي الدين، منير ، ولادة إستقلال، دار النهار، بيروت 1997، ص 105.

[2] الحبوسي، نضال، التعامل مع النزاع مهارات واستراتيجيات للتطبيق، مترجم للعربية المكتبة العربية، 2005، ص39

 

[3] الحبوسي، نضال، التعامل مع النزاع مهارات واستراتيجيات للتطبيق، مترجم للعربية المكتبة العربية، 2005 ص 226

[4] العلوم القانونية السياسية - النزاع الدولي ومستويات التحليل كتاب – "المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية" 11/12/2015  

[5]مصدر سابق، تقي الدين، منير ، ولادة إستقلال، دار النهار، بيروت 1997، ص 130.

[6]المارونية السياسية: سيرة ذاتية، مركز السفير للمعلومات، بيروت 1978، ص 39.

[7] وثائق الحرب اللبنانية، ولما كانت مختارات الاخبار العربية والعالمية، المركز العربي ﻻبحاث والتوثيق، 1978 ص 146

[8] مصدر سابق، طرابلسي، فواز، م.ن، ص 14.  يشير طرابلسي إلى أن رجال العهد الشهابي كانوا ينطلقون في كثير من الأفكار من طروحات ميشال شيحا.

[9]الطرابلسي، فواز، صلات بلا وصل: ميشال شيحا والإيديولوجيا اللبنانية، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت 1999، ص 216.

[10]حلو، شارل، حياة في ذكريات، دار النهار، بيروت 1997، ص 67 و 68.

[11]المرجع السابق نفسه. وهنا يروي الرئيس الحلو أن شيحا هو صاحب عبارة "علينا أن نعيش وإياهم دوماً بموجب سوء تفاهم مرتضى "وبذلك يقصد المسلمين، التي غلفها حلو بعبارة "مواطنينا من الطوائف الأخرى".

 

[13] حلاق، حسان، دراسات في تاريخ لبنان المعاصر 1913 – 1943: من جمعية بيروت الإصلاحية إلى الميثاق الوطني، دار النهضة العربية، بيروت 1985، ص 220 . وروايته عن اجتماع المرشح لرئاسة الجمهورية بشارة الخوري في القاهرة مع النحاس باشا وجميل مردم.

[14] جنبلاط، كمال، حقيقة الثورة اللبنانية، الدار التقدمية، المختارة 1987، ص 18.

[15]الصليبي، كمال، تاريخ لبنان الحديث، دار النهار، بيروت 1984، ص 250.

[16]الجسر، باسم، ميثاق 1943: لماذا كان؟ وهل سقط؟ دار النهار، بيروت 1997، ص 238

[17] الشعلان، فهد احمد، ادارة الاوقات، الاسس المراحل الاليات، 1999 ص263

[18] عليوه، السيد، ادارة الازمات والكوارث، القاهرة، 1997 ص 133

[19] الشعلان، فهد أحمد، إدارة الأزمات، الأسس – المرحل – الآليات، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية، الطبعة الأولى، 2005، ص 302-305

[20] الشعلان، مرجع سابق، ص 220-230

[21] سنو، عبد الرؤوف، لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف، المعهد اللبناني للأبحاث الشرقية، 2008. ص405-410

[22] سركيس، محمد الياس، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1982 ص 79

[23] تقي الدين، اسماعيل، المسألة الطائفية في لبنان، الجذور والتطور التاريخي، دار إبن خلدون، بيروت،1975،  ص 370-372.

[24] الجسر، باسم، فؤاد شهاب ذلك المجهول، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1988، ص 122.

[25]هانف، تيودور، لبنان التعايش في زمن الحرب: من إنهيار الدولة إلى إنبعاث الأمة، نقلة عن الألمانية موريس صليبا، باريس: مركز الدراسات العربي – الأوروبي، 1993، ص 163.

[26] تقي الدين، إسماعيل، المسألة الطائفية في لبنان: الجذور والتطور التاريخي، دار إبن خلدون، بيروت، ص 385.

[27] الجسر، باسم، ميثاق 1973:لماذا كان؟ وهل سقط؟، دار النهار، بيروت، 1997، ص 356.

[28] الجسر، باسم، فؤاد شهاب ذلك المجهول، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1988، ص 134-135.

[29]هانف، تيودور، لبنان التعايش في زمن الحرب: من إنهيار الدولة إلى إنبعاث الأمة، نقلة عن الألمانية موريس صليبا، باريس: مركز الدراسات العربي – الأوروبي، 1993، ص 167.

[30] العبد، عارف، لبنان والطائف: تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل، أطروحة دكتوراه، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2001، ص 110-111.

[31]نصر سليم ودوبار كلود، الطبقات الإجتماعية في لبنان: مقاربة سوسيولوجية تطبيقية، تعريب جورج أبي صالح، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1982، ص 363-364.

[32] مسرة، انطوان، التقرير السنوي الثاني حول حالة السلم الأهلي الدائم في لبنان، هل ينتقل اللبنانيون من الساحة إلى الوطن؟، خلاصة الندوة السادسة والعشرين، والثاني لمرصد السلم الأهلي التي عقدتها المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم، بالتعاون مع مركز المؤتمرات في أيانابا (قبرص) بين 14و19 آب 2000، ونشرت خلاصتها رلى مخايل وألين فرح في نهار الشباب، 19-9-2000.

[33] السماك، محمد، دراسة مقارنة بين لبنان والبوسنة: من الدائف إلى دايتون، النهار، 17-12-1998، ص 12.

[34]الصليبي، كمال، تاريخ لبنان الحديث، دار النهار، بيروت 1984، ص 250.

[35] مصدر سابق، تشومسكي، نعوم، إعاقة الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، أيلول 1992.ص25

[36]أشقر، جلبير، حرب الـ33 يوماً، حرب إسرائيل على حزب الله ونتائجها، دار الساقي، بيروت ص 12.

[37]عبد الرؤوف، سنو، حرب لبنان 1975 – 1990، تفكك الدولة وتصدع المجتمع،  الفصل الثاني، ص 181.

[38]17-يوميات الحرب الأهلية، الجزء الأول، مركز التخطيط، م. ت. ف، ص 64.

[39] بولس، جواد، تاريخ لبنان، دار النهار للنشر، 1980، ص 195

[40] تقي الدين، سليمان، التكوين التاريخي للبنان السياسي، كتابة تاريخ لبنان إلى أين، بيروت، جمعية متخرجي المقاصد الاسلامية في بيروت، 1993، ص 255.

[41] الجسر، باسم، ميثاق 1943: لماذا كان؟ وهل سقط؟،دار النهار، بيروت 1997، ص 238

[42] عبد الله، بوحبيب، الضوء الأخضر، السياسة الأميركية اتجاه لبنان، ص 277.

[43] حجار، جورج، الحدود بين لبنان وإسرائيل في مؤتمر السلام، السفير، 17-12-1991.

[44] سليمان، سعيد، لبنان والطائف، دار أزال، بيروت،، 1990، ص 260

[45] حريق، ايليا، التحول السياسي في تاريخ لبنان الحديث، الأهلية للنشر والتوزيع، 1982، ص 35

[46] صباغ، مازن يوسف، اتفاق الدوحة: الحوار الوطني اللبناني قطر 16-21 ايار 2008، دار مختارات 2009، ص 110

[47] النهار: جريدة سياسية يومية لبنانية، تاريخ 20/3/1984، العدد 15598، صفحة 3، لوزان يترجح بين النجاح والفشل وزير ونواب : أنهياره كارثة تقضي على ما تبقى من لبنان.

[48] الجسر، باسم، اتفاق الدوحة: حل نزاع أم بداية قيام الدولة اللبنانية؟ الشرق الأوسط، ايار 2008، ص 236

[49] صباغ، مازن يوسف، اتفاق الدوحة: الحوار الوطني اللبناني قطر 16-21 ايار 2008، دار مختارات 2009، ص 110

[50] مجموعة من الباحثين  في تيار المستقبل، لبنان التاريخ والجغرافيا والقوى السياسية، ، الطبعة الأولى، بيروت، 2008، ص 98

[51]تويني، غسان، القرار 425 المقدمات، الخلفيات، الوقائع والابعاد، دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1997، ص 68

[52]عليوة، السيد، إدارة الأزمات والكوارث، سلسلة دليل صنع القرار، القاهرة، 1997، ص 145

[53] بقرادوني، كريم، لعنة وطن، ص 170

[54]عبوشي، صلاح، تاريخ لبنان الحديث من خلال 10 رؤساء حكومات، دار العلم للملايين،بيروت 1989، ص 39

[55] منظمة التحرير الفلسطينية، يوميات الحرب اللبنانية، الجزء الأول، مركز التخطيط، الطبعة الأولى، 1977

[56] الموسوي، رشاد، جغرافية لبنان، الطبعة الأولى 1983، ص 50

[57]أودد ينون، رجل خفي وغامض، عمل في دائرة المخابرات الإسرائيلية، وهو العقل المدبر للعديد من استراتيجيات حزب الليكود الذي يهيمن على الحكم حاليًا في الكيان الصهيوني.

[58] استراتيجية "لإسرائيل" في الثمانينات، مركز باحث للدراسات.اتفاقية الكويز بين مصر و"إسرائيل" هي اتفاقية كامب ديفيد الاقتصادية. حيث تعتبر الأكثر خطورة على الاقتصاد المصري، وتقوم على مشارك "إسرائيل" بنسبة 11% في المنتجات المصرية المصدرة إلى أميركا ودول أوروبا.

[59] وهى ترتيبات تسمح للمنتجات المصرية بالدخول إلى الأسواق الأمريكية دون جمارك أو حصص محددة شرط ان المكون الإسرائيلي في هذه المنتجات 11.7%

[60] El Diri, Elias: Qui fait le président, l'établissement universitaire pour les etudes et les publications, 1982.

[61] عبد الرؤوف، سنو، حرب لبنان 1975 – 1990، المجلد الأول، ص 200.

[62] بيريز، شمعون، عن "تاريخ الشؤون السياسية الإسرائيلية"، ص 156.

[63] المصدر نفسه، ص 201.

[64] بيريز، شمعون، عن "تاريخ الشؤون السياسية الإسرائيلية"، ص 157.

[65] حسين، محمود، عن استراتيجية لإسرائيل في الثمانينات، جريدة عشتروت، 1982 ص 3

[66] مصدر سابق، حجار، جورج، استراتيجية الأمن القومي الأميركي، دراسة مقدمة إلى التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة، 2004، ص 90

[67] حجار، جورج، استراتيجية الأمن القومي الأميركي، دراسة مقدمة إلى التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة، 2004، ص 85

[68] حسين، خليل، الاستراتيجية الأميركية تجاه العراق وخلفيات الإتفاقية الأمنية، دراسة مقدمة إلى مركز باحث للدراسات، 2009، ص 120

[69] تشومسكي، نعوم، إعاقة الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، أيلول 1992.ص15

[70] مصدر سابق، تشومسكي، نعوم، إعاقة الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، أيلول 1992.ص17

[71] بيضون، أحمد، لبنان الإصلاح المردود والخراب المنشود، دار الساقي، الطبعة الأولى، بيروت، 2012، ص 189

[72] بوحبيب، عبد الله، الضوء الأخضر، السياسة الأميركية اتجاه لبنان، دار النشربيروت،  ص 94

[73] عزالدين، أحمد جلال، إدارة الأزمة في الحدث الإرهابي، دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض، 1990، ص 210

[74] عليوه، السيد، إدارة الصراعات الدولية،  دراسة في سبسبات التعاون الدولي، الهيئة المصرية العامة للكتب، 1988 ص 177

[75]  مصدر سابق الجسر، باسم، اتفاق الدوحة: حل نزاع أم بداية قيام الدولة اللبنانية؟ الشرق الأوسط، ايار 2008، ص 420

[76] بوحبيب، عبد الله، الضوء الأخضر، السياسة الأميركية اتجاه لبنان، دار بيروت للطباعة، 1980،  ص 115.

[77] Salameh, Ghassan: Quand l'Amerique refait le monde, Dar Annahar pour les publications, Beyrouth, 2005, page 156

[78] Salam, Nawwaf: Mythes, et Politiques au Liban, Edition FMA, Beyrouth, 1987, page 221

[79] وثائق: وثيقة الوفاق الوطني، التي أقرها اللقاء النيابي في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 22/10/1989.

[80] قصير، سمير، حرب لبنان: من الشقاق الوطني إلى النزاع الإقليمي 1975-1982، دار النهار للطباعة والتوزيع، 2007، ص 25

[81] بقرادوني، كريم، لعنة وطن، ص 179-180.

[82] العبد، عارف، لبنان والطائف: تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل، أطروحة دكتوراه، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2001، ص 110-111.

[83] أشقر، جلبير، حرب الـ 33 يوماً، حرب إسرائيل على حزب الله ونتائجها، بيروت ص 33.

[84] مصدر سابق،  تيودور، لبنان التعايش في زمن الحرب: من إنهيار الدولة إلى إنبعاث الأمة، نقلة عن الألمانية موريس صليبا، باريس: مركز الدراسات العربي – الأوروبي، 1993، ص 167.

[85] حسن هلال، محمد عبد الغني ، مهارات إدارة الأزمات، ص 32.


الجامعة اللبنانية

كلية الآداب والعلوم الإنسانية

         قسم التاريخ

 العمادة

 

التطور التاريخي لآليات حل النزاع

الحرب في لبنان نموذجاً (1975- 1989)

 

 

مشروع رسالة اعدّت لنيل شهادة الماجستر

في التاريخ الحديث

 

إعداد

وسام رعد

 

إشراف الدكتور احمد رباح

(أستاذ)

 

 

عضوا اللجنة

د. سعيد عبد الرحمن                                                 د. جويل الترك

     أستاذ                                                           أستاذ

 

                                                            بيروت

2017 -2018