الاثنين، 22 أغسطس 2022

التطور التاريخي لآليات حل النزاع، الحرب في لبنان نموذجاً (1975- 1989) الفصل الثالث

 رسالة اعدّت لنيل شهادة الماجستر في التاريخ الحديث

 إعداد وسام رعد


الفصل الثالث

الآليات التي اعتمدت لحل النزاع في لبنان 1975 – 1989

مقدمة

لم تبدأ الحرب اللبنانية عام 1975 بعد اغتيال معروف سعد في صيدا في 26 شباط 1975، أو بعد ضرب الباص في عين الرمانة في 13 نيسان 1975. بل كانت بداياتها في 2 أيار 1973 إن لم يكن قبلها، حين شن الجيش اللبناني هجوماً على المخيمات في بيروت، واصطفت حينها الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية مع المقاومة الفلسطينية، لتحدث عملية فرز حقيقية على الأرض اللبنانية. فقد دعمت الأحزاب والميليشيات المسيحية الجيش اللبناني ووقفت معه في الوقت الذي اتهمته القوى الوطنية بالجيش الفئوي لانحيازه إلى جانب فئة أو طائفة من اللبنانيين ضد أخرى.

فمنذ الثاني من أيار 1973 والأحداث تتفاعل، والتعبئة والتحريض قائمين على قدم وساق، والأجواء العامة تنذر بأخطار، من غير الممكن التنبؤ بمفاعيلها وتفاعلاتها ونتائجها مستقبلاً.

بدأت الحرب على غير توقع إلا من مسببيها. وقد تسارعت تطوراتها، ليسعى كلا الطرفين فيها، إلى تسجيل نقاط على الطرف الآخر أو تحقيق إنجاز ما يخدم مصالحه. وبالرغم من إنتماء معظم الزعامات الطائفية التقليدية إلى الطبقة الإجتماعية ذاتها، والتي تمثل السلطة السياسية، فلم يمنع ذلك وجود اختلافات فيما بينها، لأن مصالح الطوائف وامتيازات بعضها طغى على ما عداه في تلك الفترة، ولكن ليس إلى أمد بعيد.

كانت الحرب الأهلية بمثابة التعبير عن إنفجار أزمة إجتماعية حادة ناجمة عن تراكم طاقة كبيرة كامنة من التمرد والمطالبة والحرمان من جراء التمدد السريع للأزمة التي لم يقدم لها أي حل حقيقي. فقبل الحرب وخلالها، إرتفعت وتيرة أيدولوجيات متعددة يرون النجوح نحو حالة الإنعاش، وقوى العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف. ويأمل رواج مقولة "التعددية الثقافية، "التعددية الحضارية" بتأثير من الدين والتجربة التاريخية والثقافة المجتمعية الطائفية والمؤسسات الثقافية التعليمية وكذلك البيت. وبفعل ضعف حضور الدولة على مستوى التربية المواطنية، كان من المستبعد أن تقوم تقوم ثقافة وطنية جامحة، وتحصل نقاة نوعية في الفكر والمؤسسات والعلاقات الإجتماعية والنظام السياسي تشكل حماية لتعايش اللبنانيين.[1]

استندت المعارك في لبنان بين الميليشيات المسيحية المدعومة من الجيش اللبناني وبين القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية المدعومة من المقاومة الفلسطينية.

دمرت المعارك مؤسسات الدولة وأجهزتها، فأنقسم الجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات الأخرى وبات كل طرف يرتب أموره بمعزل عن وجود سلطة مركزية قادرة على ضبط الأوضاع وتسيير الأمور في لبنان وإدارة شوؤنه.

لم تفقد السلطة الأمل، فبقيت بالرغم من وجودها الشكلي تقوم بدورها السياسي والدبلوماسي، فبقيت تتصرف في العلاقات العربية والإقليمية والدولية بإعتبارها السلطة القادرة على الضبط والربط والمخولة بإيجاد الحلول ولتيسير الأمور.[2]

الملفت للنظر أن القوى المتصارعة، لم تصادر دور السلطة وقرارها السياسي، وأفسحت المجال أمامها للبحث عن حلول، كون السلطة برئيسها الماروني ورئيس حكومتها المسلم والذي يكسب كليهما ثقة الأطراف المتصارعة ما أعطى للسلطة برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والمجلس النيابي، الحق في طرح مبادرات، تساوت مع مبادرات أخرى محلية وإقليمية ودولية، أوصلت الوضع بالنهاية الى إتفاق الطائف.

1-    المبادرات اللبنانية لحل الأزمة

تفاوتت ردود الأفعال حول تشكيل الحكومة العسكرية. فقد عارضها زعامات إسلامية ومسيحية ووطنية لبنانية، باعتبارها خروج على الدستور وعلى الميثاق الوطني وعلى الديمقراطية، وأنها ستؤدي إلى انقسام البلد ...

وأيدها زعامات مسيحية كشمعون والجميل وغيرهما، باعتبارها حلاً معقولاً لإحلال الأمن والنظام والإستقرار.

وقد ساعدت جهود عربية ودولية في وقف تدهور الأوضاع، ما أدى إلى تقديم الحكومة استقالتها التي قبلها رئيس الجمهورية.

     أ ـ البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي

  في 18/8/1975 أعلن كمال جنبلاط في مؤتمر صحفي بإسم الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية اللبنانية عن "البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي"، عزا البرنامج، أسباب الأزمة اللبنانية إلى السمة الطائفية والإقطاعية والإحتكارية للنظام اللبناني وفقدانه الديمقراطية، وإلى السياسة الإنعزالية المارونية للجبهة اللبنانية المدعومة من "إسرائيل"، والتي تهدف إلى عزل المسيحيين طائفياً عن بقية مكونات الشعب اللبناني وعن محيطهم العربي وتقسيم لبنان. وإتهم البرنامج تحالف اليمين بأنه رجعي، إغتصب ثروة الأمة من أجل إغناء نفسه[3].

واقترح البرنامج:

·        إلغاء الطائفية السياسية، عبر الفصل بين السياسة والدين.

·        إعتماد العلمنة في النظام السياسي.

·        تعزيز ديمقراطية التمثيل الشعبي في المجلس النيابي، ولبنان دائرة إنتخابية واحدة ونائب واحد لكل عشرة آلاف ناخب، وخفض سن الإنتخاب إلى 18 سنة.

·        إنشاء مجالس تمثيلية في المحافظات والأقضية وإصلاح الإدارة والاقتصاد، بإعتبار أزمة لبنان تكمن في نظامه الرأسمالي الذي يفاقم الأوضاع الإجتماعية المعيشية.

·        إنشاء مجلس دفاع أعلى ومجلس قيادة وإعادة تنظيم الجيش، والحد من صلاحيات قائد الجيش.

جاءت ردود الفعل على برنامج الإصلاح السياسي متفاوتة. فجاء رد فعل حزب الكتائب اللبنانية أنه لا يرتكز إلى أساس علمي ولا يؤمن الإصلاح المنشود. ولا ينطلق من معطيات تحافظ على الديمقراطية أو تكريس العلمنة الحقيقية. وسيؤدي إلى الإقتتال الطائفي أو إلى التسلط وطغيان فئة على أخرى. واعتبرت الجبهة اللبنانية أن "الفيدرالية" هي الحل، وأنها تعارض أي تعديل على الدستور[4]. واعتبر المسلمون أن العلمنة تتعارض مع الشريعة الإسلامية. لكن حقيقة الأمر أن الزعامات الطائفية التقليدية مسيحية وإسلامية ترى في أي مشروع للأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية، (حتى إذا كان برنامجاً إصلاحياً)، مقدمة لخطوات لاحقة لبرنامج تغييري جذري، يتناقض كلياً مع مصالحها وأهدافها التي تدافع عنها بكل ما اوتيت من قوة.

رأت بعض الأحزاب اليسارية والتقدمية اللبنانية في البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي، تعويماً للنظام الطائفي وتكريساً لوجوده. في الوقت الذي كان النظام فيه على وشك السقوط، بعد تفكك مؤسساته الأمنية والعسكرية، وتغيير تحالفاته وعلاقاته الدولية وسياساته الخارجية، وانهيار اقتصاده (الصناعي، الزراعي، التجاري والمصرفي) والتراجع في قطاعي السياحة والخدمات. وبعد أن وصلت القوات المشتركة لتحالف القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية والفلسطينية، إلى مناطق واسعة في الجبل، باتت تهدد الميليشيات والأحزاب والقيادات المسيحية في مواقعها ومناطقها، فباتت تعد العدة للرحيل من لبنان إلى الخارج، تحت إشراف أميركا وفرنسا. يحتم الواقع القائم بمتغيراته ومستجداته الحاصلة عليها، تحديد أهداف جديدة ووضع برنامج تغييري جذري لا إصلاحي، يضمن الحفاظ على وحدة وعروبة لبنان، أرضاً وشعباً، وإقامة نظام وطني ديمقراطي، يخدم مصالح الشعب، ولا مكان فيه للطائفية والإستغلال والإحتكار والمحاصصة، ولا للمؤامرة والمتآمرين والعملاء المأجورين، بل لبنان الواحد لجميع أبنائه، العربي، الحر، السيد، الديمقراطي والمستقل.[5]

فالبرنامج المرحلي للإصلاح السياسي بمضمونه، برنامج تغييري وليس إصلاحي. فهل كانت تأمل القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية من النظام بسلطته الطبقية الطائفية الآيلة للسقوط أن يعمل على إلغاء الطائفية السياسية، واعتماد العولمة، وتعزيز ديمقراطية التمثيل الشعبي، واعتبار لبنان دائرة انتخابية واحدة، وتخفيض سن الإقتراع إلى 18 عاماً. وإذا كانت تأمل في ذلك فإنها ستكون واهمة وخيالية وغير واقعية. وهل يعقل أن تتنازل الزعامات التقليدية الطائفية عن مصالحها ومكاسبها وامتيازاتها التي تحوزها، منذ الإستقلال عام 1943 حتى تاريخه؟ أم ستدافع عن مصالحها ووجودها وامتيازاتها إلى ما لا نهاية، طالما تجد من يقر لها بالزعامة، ويكرس وجودها في سدة النظام القائم؟

وعليه فإن من المستحيل أن يقوم النظام السياسي الطائفي التوافقي بحفر قبره بيديه. ولكن!!! إنه لبنان كوكتيل الأضداد (المتناقضات).

    ب ـ الوثيقة الدستورية أعلنها رئيس الجمهورية الرئيس سليمان فرجية في 14 شباط ،وقد تم الإعلان عن الوثيقة الدستورية بعد الإتفاق عليها مع الرئيس رشيد كرامي ومع الرئيس حافظ الأسد في دمشق.1976[6] وجاء فيها ما يلي:

·        لبنان عربياً، سيداً، حراً ومستقلاً.

·        تكريس توزيع الرئاسات الثلاث كما هو قائم عرفياً.

·        توزيع المقاعد النيابية مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

·        إنتخاب رئيس جمهورية بحصوله على أكثرية نيابية، والإكتفاء بـ 55% من أصوات أعضاء المجلس النيابي في الدورات اللاحقة للدورة الأولى.

·        إعادة تفسير صلاحيات رئيس الجمهورية.

·        تعزيز صلاحيات رئيس الحكومة وإنتخابه من المجلس النيابي بأكثرية نسبية.

·        صلاحيات رئيس الحكومة تقريرية وإجرائية.

·        إنشاء محكمة دستورية لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

·        إلغاء طائفية الوظيفة، بإستثناء وظائف الفئة الأولى.

·        تعديل قانون الجنسية[7].

لم ترضِ الوثيقة الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية بزعامة كمال جنبلاط لأنها تكرس الوضع الطائفي السابق والمعادلة القديمة "لا غالب ولا مغلوب". وهي غير دستورية ومتخلفة عن الدستور المعمول به، وتخرج عن المفهوم البرلماني الديمقراطي. ولا تحقق الإصلاحات المنشودة، ولا إنهاء إمتيازات المارونية في الرئاسة الأولى وفي الجيش، وأبقت على توزيع الرئاسات الثلاث كما كانت[8].

واعتبر المسلمون على لسان مفتي الجمهورية، بأن أهميتها تكمن في أنها أوقفت القتال، وطرحت أسساً للحوار بين اللبنانيين.

وبالنسبة لليمين المسيحي، فقد رفض البحث في الإمتيازات المارونية وتطبيق أي إصلاح قبل التخلص من المقاومة الفلسطينية وتوزيع الفلسطينيين على الدول العربية.

ج- البيانان الصادران عن خلوتي سيدة ألبير وخلوة زغرتا على التوالي في 21- 23 كانون ثاني 1977، 21 – 22 كانون ثاني 1978 اعتبرت الخلوتان أن الجبهة اللبنانية ممثلة للأكثرية الساحقة من المسيحيين. وطالبت بلبنان حر، تعددي تحظى فيه المسيحية بذاتية مميزة وباستقلال ذاتي مجتمعي وثقافي وروحي، وقدرة على التواصل مع العالم المسيحي. واعتماد تعددية المجتمع في البنيان السياسي الجديد، على أن ترعى كل مجموعة حضارية جميع شؤونها الثقافية والتربوية والمالية والروحية وعلاقاتها مع الخارج وحق خياراتها الخاصة[9].

وعمدت الجبهة اللبنانية إلى وضع اللمسات الأخيرة على الكانتون المسيحي، الذي رسمت حدوده من المدفون شمالاً حتى كفرشيما جنوباً، وقد عينت لجان لدرس ووضع التشريعات اللازمة في شؤون الجنسية والمطبوعات والأحزاب والأحوال الشخصية والوجود الأجنبي وتملك الأجانب.

ورفضت الجبهة في البيانين أي إصلاح سياسي في ظل الإحتلالات الموجودة على أراضيه وكذلك رفضت توطين الفلسطينيين.

وترى أن "ديمقراطية الأكثرية العددية" تحول المسيحيين إلى أقلية، لذا تصر الجبهة على "التعددية الحضارية" و"الديمقراطية الطائفية" و"الديمقراطية التوافقية". وترى في الوجود الفلسطيني عاملاً أحادياً مسبباً لحرب لبنان، وتطالب بترحيلهم عنه.

دـ مبادرة الرئيس فرنجية للسلام في 25 شباط 1981

ارتكزت مبادرته على:

·        خروج القوات السورية من لبنان.

·        مطالبة السعودية بتفعيل مبادرتها تجاه لبنان وألا يقتصر دورها على الشق السياسي.

·        ناشد الدول العربية بعدم إجراء مقايضة بين التسليم بالوجود السوري في لبنان، مقابل تسليم سوريا "بالحل السلمي" لأزمة الشرق الأوسط.

·        أكد على سيادة لبنان، ووجوب خروج الجيش السوري نهائياً منه، وضبط المقاومة الفلسطينية، وإقامة علاقات ثقة بينها وبين لبنان.

لم تخرج القوات السورية من لبنان. ولم يتفعل دور السعودية والدول العربية الأخرى على حساب سوريا وبقي الوضع الفلسطيني على حاله.

ه ـ بيان الفعاليات المسيحية حول مشروع إتفاق لحل وطني في لبنان في 9/ 3/ 1986 أكد على:

·        عروبة لبنان إنتماء وهوية.

·        التعددية الطائفية والحضارية والثقافية لكل طائفة.

·        رفض التقسيم والفيدرالية والأمن الذاتي.

·        القبول بلبنان وطن نهائي لجميع أبنائه.

·        تحرير الجنوب من الإحتلال الإسرائيلي.

·        المساواة بين المواطنين سياسياً وإجتماعياً وصولاً إلى العلمنة.

·        مداورة الرئاسات الثلاث مرة كل أربع سنوات.

·        المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في المجلس النيابي.

·        التدرج في الإنتقال من النظام الطائفي إلى الإنصهار الوطني.

·        إنشاء محكمة دستورية ومجلس أعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

·        مجلس إقتصادي إجتماعي.

·        لا مركزية إدارية.

·        إعادة بناء الجيش.

·        إصلاح الإقتصاد وتنمية المناطق بصورة عادلة.

·        تعزيز التعليم الرسمي وتوحيد الكتاب المدرسي.

·        علاقات مميزة مع سوريا تتجسد في مجالات السياسة الخارجية والعلاقات العسكرية والأمنية والإعلامية والإقتصادية[10].

باستعراض المبادرات والمشاريع المقدمة من طرفي النزاع المسلم والمسيحي، برزت مجموعة حقائق تتطلب الوقوف عندها، تقييمها، لمعرفة أسبابها وإستخلاص دروسها للإستفادة منها مستقبلاً، لتجنب تكرار سلبياتها، والأخذ بإيجابياتها وتطويرها والعمل على أساسها. فهل سعى أطراف الصراع لإنهاء الأزمة بإيجاد حل لها؟

كان كل طرف من طرفي النزاع يطرح أقصى ما لديه من مطالب وشروط، تدفع الطرف الآخر للرفض، ليبدأ كل منهما بتحميل المسؤولية للطرف الآخر، فتحتدم الأمور ليعود القصف والقتل والخطف على الهوية من جديد.

كان يمكن إيجاد تقاطعات في المبادرات المطروحة، يمكن أن تشكل بداية لبدء حوار بين الأطراف المتنازعة، لكن التمترس وراء مواقف متطرفة، وتخيير الآخر بين قبول كل شيء أو الرفض، كان يؤدي إلى تفاقم الأمور مجدداً وإندلاع الإشتباكات بينهما. فجميع الأطراف كانت تدعو لإصلاح النظام وليس إلى تغييره.[11]

ويسعى كلا الطرفين إلى تحسين شروط دخوله في المفاوضات لتحقيق إنجازات ومكاسب لصالح طائفته وليس للبنان. حرص المسيحييون على الحفاظ على الإمتيازات التي يحوزونها ويخشون فقدانها لدى إعتماد ديمقراطية الأكثرية العددية وليس الديمقراطية الطائفية أوالتوافقية.  وكذلك شعور المسلمين بالتهميش السياسي مقابل إستئثار المسيحيين بالسلطة، دفع ذلك المسلمين للمطالبة بمشاركة كاملة وحقيقية في السلطة.

 طالبت القوى الوطنية والإسلامية بإلغاء الطائفيىة السياسية، رفضها المسيحييون، وتمسكوا بالطائفية السياسية للحفاظ على وجودهم وإمتيازاتهم. وتم رفض ديمقراطية التمثيل الشعبي في المجلس النيابي، لأنه يخل بالتوازنات لصالح الأكثرية العددية الطائفية، مما يؤدي إلى الهروب للأمام وتصعيد المواجهة. كان لإختلال التوازنات أكبر الأثر في حلحلة الأوضاع وتقديم مبادرات تتسم بالمرونة والإيجابية وقبول الآخر، حيث كان بالإمكان التوصل إلى صيغة للحل، لكن دخول عوامل جديدة وأطراف لا تجد مصلحة لها في انهاء الأزمة،  كان يعرقل إمكانية الوصول إلى حل.

و ـ "مشروع إتفاق لحل وطني في لبنان" المقدم من الفعاليات المسيحية في 9/3/1986 جاء نتيجة لتغيير الظروف وإختلال التوازن بين قوى النزاع. فاليمين المسيحي أقام علاقات مع إسرائيل، وتلقى دعماً عسكرياً منها أسلحة وذخائر وتدريب ...

وبالرغم من ذلك لم تتمكن الميليشيات المسيحية من الإخلال بالتوازن القائم مؤقتاً إلا بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان في حزيران 1982 وإحتلال العاصمة بيروت بعد خروج المقاومة الفلسطينية منها. لكن ذلك لم يدم طويلاً، ويعود ذلك إلى:

ـ تصاعد المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي في جميع الأراضي اللبنانية .

ـ إنسحاب جيش العدو من الجبل إلى نهر الأولي شمال صيدا دون معاهدة أو قرار دولي، بل بضغط من أعمال المقاومة، والخسائر الكبيرة التي تكبدها العدو الصهيوني جراءها.

ـ تفجير السفارة الأميركية ومقري قوات المارينز والقوات الفرنسية في بيروت وسقوط 241 جندي أميركي و60 جندي فرنسي على التوالي[12].

ـ إنسحاب القوات المتعددة الجنسية، الأميركية، الفرنسية، البريطانية والإيطالية من بيروت عام 1984.

ـ إنتفاضة 6 شباط 1984 وخروج الجيش اللبناني والكتائب والقوات اللبنانية من بيروت الغربية وضاحيتها الجنوبية.

ـ هزيمة القوات اللبنانية في الجبل بقيادة سمير جعجع وإنسحابها إلى دير القمر ومن ثم إلى شرق صيدا، حيث هزمت قواته فيها لينتقل وما تبقى من قواته بحرا إلى بيروت الشرقية.

س ـ إنتفاضة القوات اللبنانية على الكتائب ورئيس الجمهورية في 25 كانون ثاني 1986.[13]

دفعت هذه العوامل، الفعاليات المسيحية (التي وجدت أن ميزان القوى بات يميل فعلياً لصالح القوى الوطنية والتقدمية والإسلامية) إلى طرح مشروعها لحل الأزمة في لبنان، وما تضمنه من أفكار تصب باتجاه الوصول لتسوية الأزمة وتلتقي في معظم بنوده مع ما تطرحه الفعاليات الإسلامية والأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية من مشاريع لإصلاح النظام اللبناني لا تغييره. لكن الإنقلاب على القوات اللبنانية في 14/ 3/ 1986 الذي ترأسه سمير جعجع حيث أسقط الإتفاق الثلاثي، بسقوط أحد أطرافه إيلي حبيقة. أجبر الفعاليات المسيحية على التراجع عن بيانها الذي أصدرته في 9/3/1986، فعادت الأزمة إلى ما كانت عليه، إذا لم تكن أكثر حدة وأشد قوة وأكبر خسائر.

 

2-    المبادرات الحكومية العربية

إنطلقت المبادرات الحكومية من التعامل مع النظام الطائفي كما هو كائن وليس كما يجب أن يكون.

لم تتطرق المبادرات إلى إلغاء الطائفية السياسية، مما يعني تكريسها والإبقاء عليها، فإذا كانت الطائفية إحدى المسببات الأساسية للأزمة، فالإبقاء عليها هو تكريس لوجودها وإستمرارها دون وجود حل جذري لها.

أ ـ "مشروع صيغة للوفاق الوطني": أعدها الرئيس سليم الحص لمؤتمر الحوار الوطني في بيت الدين في منتصف تشرين أول 1978 لتحقيق إصلاحات سياسية انتقالية، وأهم ما جاء فيه:

1)    التشديد على عروبة لبنان.

2)    زيادة صلاحيات رئيس الحكومة.

3)    التقيد بتوزيع الرئاسات الثلاث وفق "الميثاق الوطني".

4)    تعديل قانون الإنتخابات العامة.

5)    إعتماد اللامركزية الإدارية.

6)    منع الوجود المسلح على الأراضي اللبنانية.

7)    ضبط الوجود العسكري الفلسطيني وفق قمة الرياض والقاهرة عام 1976.

8)    إقفال الإذاعات الخاصة غير المرخصة.

9)    إعادة بناء الجيش على أسس وطنية.

10)   جعل مقاعد المجلس النيابي مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

11)   علاقات مميزة بين سوريا ولبنان، والتي تفرض التنسيق المنظم والمستمر بين البلدين[14].

 

ب ـ وضع مجلس الوزراء في 5/3/1980، بعد مشاورات مع الكتل النيابية والشخصيات السياسية ما سمي بـ "مبادئ الوفاق الوطني" وتضمنت الوثيقة 14 بنداً:

أ‌-       عروبة لبنان.

ب‌-   علاقته الخاصة بسوريا.

ت‌-  دوره في الصراع العربي-الإسرائيلي.

ث‌-  دعم لبنان للقضية الفلسطينية ورفض التوطين.

ج‌-    وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات.

ح‌-    إستقلال وسيادة لبنان والتمسك بالنظام الديمقراطي والنظام الإقتصادي الحر.

خ‌-    تحقيق العدالة الإجتماعية.

د‌-      المساواة وتكافؤ الفرص بين اللبنانيين.

ذ‌-      التعهد بتنفيذ الإتفاقات المعقودة مع منظمة التحرير الفلسطينية.

ر‌-     إنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان ورفض التعامل معها[15].

عند المطالبة بزيادة صلاحيات رئيس الحكومة. "فالدستور اللبناني منح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، بحيث كان قادراً أن يختصر السلطات الثلاث في شخصه وحده، دون أن يكون مسؤولاً عن السلبيات الناتجة عن هذا الاختصار"[16]. فالمادة 53 من الدستور تنص: "رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويسمي من بينهم رئيساً، ويقيلهم، ويولي الموظفين مناصب الدولة ما خلا التي يحدد القانون شكل التعيين لها على وجه آخر"...

أما فيما يتعلق بالقرارات أو المبادرات الحكومية، فلم يكن بمقدورها تنفيذ ها، ويعود ذلك إلى سيطرة الميليشيات المسيحية من ناحية والأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية من ناحية أخرى، على مقاليد الأمور في البلاد، فأصبح بيدها الحل والربط على الأرض، على حساب مسؤوليات وصلاحيات الحكومة. وأي مبادرة تتقدم الحكومة بها، حتى وإن كانت مدعومة عربياً أو دولياً دون مشاركتها أو موافقتها التامة ومن وراءها، كأنها لم تكن.

أما إلغاء الوجود الفلسطيني المسلح، المدعوم من الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية، والتي يرى المسلحون فيه قوة ونصراً لهم في مواجهة إحتكار السلطة والإستئثار فيها، من المسيحيين الموارنة فلم تتمكن الحكومة من تنفيذه.

وكذلك إحتلال العدو الصهيوني لجنوب لبنان. فهل مطالبة الحكومة بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425، سيستجيب العدو له، وينسحب من الأراضي اللبنانية؟ إنه محض أمنيات، ولن تتحقق إلا بامتلاك زمام القوة والإرادة والبرنامج والقرار، والموقف الشعبي والسياسي الحزبي الداعم والمساند، وكذلك حشد الإمكانات وتأمين المستلزمات وتوفير المتطلبات اللازمة لتنفيذه. وكذلك تأييد ودعم ومساندة شعبية ورسمية عربية.

 المبادرات النيابية لحل الأزمة

ينطبق على المبادرات النيابية، ما ينطبق على المبادرات الحكومية. إلا أن الفارق بينهما، أن الحكومة سلطة تنفيذية وإجرائية، تتابع العمل اليومي بتفاصيله.

أما المجلس النيابي، فدوره تشريعي، ولا يدخل في شؤون العمل اليومي، إلا ما تحيله الحكومة إليه من مشاريع لإتخاذ قرار فيها.

ففي الوقت الذي يكرس ويمثل المجلس النيابي الزعامة التقليدية الطائفية المحافظة في لبنان، إلا أنه يسعى إلى تعزيز موقع الرئاسة الثانية مقابل الرئاسة الأولى.

أ‌-       "لجنة المبادرة النيابية" في 21 آذار 1977.

وضعت خطوطٌ عريضة لصيغة سياسية جديدة تتلخص في:

·        أن تتحمل كل الطوائف مسؤولية النهوض بالوطن.

·        إعتماد الإستفتاء الشعبي كأساس للحكم وخصوصاً في القضايا المصيرية والحياتية.

·        تعزيز العمل السياسي الحزبي.

·        القضاء على التفاوت الطبقي والإجتماعي بين مختلف فئات الشعب.

·        إقامة التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية[17].

 

ب‌-   "الوثيقة البرلمانية" 27 نيسان 1978 تضمنت:

·        وجوب إنسحاب إسرائيل من لبنان وفق قرار مجلس الأمن 425.

·        منع النشاط العسكري الفلسطيني.

·        حصر الوجود المسلح بالقوى الشرعية.

·        إحترام سيادة لبنان وسلامة أراضيه وسلطة الدولة في جنوبه.

·        إعادة بناء الجيش على أسس وطنية سليمة.

·        وجوب إتباع سياسة إنمائية إقتصادية لتطوير البلاد وإستثمار مواردها الطبيعية[18].

ج‌-     المبادرة النيابية "المبادىء الأساسية اللبنانية" في 10/3/1985:

·        أكدت على العيش المشترك بين اللبنانيين جميعاً.

·        شددت على أن لبنان وطن موحد نهائي لجميع أبنائه.

·        أكدت على عروبة لبنان وإنتمائه العربي.

·        أشادت بالمقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية.

·        طالبت بالإنتقال بالبلاد من حالة التمرد والفوضى والخوف والإنقسام والإنغلاق والتهجير والتشريد وحكم الميليشيات إلى الحرية والنظام والأمان والإستقرار والوحدة والإنفتاح وسيادة القانون[19].

المادة 55 من الدستور تنص: " يحق لرئيس الجمهورية أن يتخذ قراراً معللاً بموافقة مجلس الوزراء، بحل مجلس النواب قبل إنتهاء عهد نيابته".

ما يعني أن رئيس الجمهورية الذي يملك زمام أمور الحكومة مئة بالمئة لأنها حكومته، حيث يجتمع الوزراء برئاسة رئيس الحكومة، ومن فوقهم رئيس الجمهورية، فقد كان قادراً على حل مجلس النواب قبل إنتهاء مدة نيابته"[20].

كما لم تتطرق المبادرات النيابية إلى إلغاء الطائفية السياسية، ولم تشر من قريب أو بعيد إلى هوية لبنان وانتمائه العربي. كما لم تتناول مسألة العلاقة مع سوريا والأسس التي تقوم عليها. ولا لعلاقة أحد طرفي النزاع مع "إسرائيل"، وضرورة قطع العلاقات معها، ولم تتحدث عن دور لبنان في الصراع العربي-"الإسرائيلي".

أما حول مسألة القضاء على التفاوت الطبقي والإجتماعي، فإن الطبقة المسيطرة إقتصادياً والتي تشكل السلطة السياسية، والمجلس النيابي أحد أركانها، هي العنوان الفعلي للصراع الطبقي، فهل سيعمل على إلغائه أو القضاء عليه؟

المبادرات العربية

انطلاقاً من المسؤولية القومية وإيماناً بمبادئ وأهداف ميثاق جامعة الدول العربية، بالإضافة للعلاقات الاستراتيجية التي تجمع لبنان بالدول العربية، كان لا بد للمبادرات العربية أن تأخذ حصة الأسد في حل النزاعات اللبنانية، فأتت المبادرات على عدة قمم ومنها:

أ ـ القمة المصغرة في الرياض في 18/ 10/1976

رعت السعودية قمة عربية مصغرة ضمت إلى جانب العاهل السعودي الملك خالد والرؤساء حافظ الأسد، أنور السادات، إلياس سركيس وياسر عرفات.

 

صدر بيان عن القمة أعلن فيه تشكيل قوات ردع عربية لإعادة الأمن والسلام وذلك:

·        بغرض الإلتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الإقتتال في لبنان.

·        بتطبيق إتفاق القاهرة وملحقاته مع الفلسطينيين.

·        بحفظ أمن اللبنانيين وغيرهم على الأراضي اللبنانية.

·        بالإشراف على سحب المسلحين وجمع الأسلحة الثقيلة.

·        بتسليم السلطة اللبنانية المرافق العامة.

·        بالعودة بالبلاد إلى طبيعتها أي ما قبل نيسان 1975.

 

وانبثق عن القمة المصغرة "لجنة رباعية" ضمت السعودية، الكويت، مصر وسوريا أعدت لإنعقاد قمة القاهرة في 25-26 /10/ 1976.

وقد وافقت على قرارات قمة الرياض بتشكيل قوات الردع العربية، تحت قيادة الرئيس سركيس.

وتشكلت قوات الردع من قوات سعودية ويمنية جنوبية، سودانية وسورية، إماراتية وليبية قوامها 30 ألف جندي شاركت القوات السورية بـ 25 ألف جندي.

لم تنجح هذه القوات بتحقيق الأمن والسلم المرجو منها، بل استهدفت هذه القوات من قبل المتحاربين بالقنص وإطلاق النار، إضطرت على أثرها إلى الإنسحاب التدريجي من لبنان، لتقتصر قوات الردع العربي على القوات السورية التي زادت عددها إلى 30 ألف جندي[21].

أصبحت القوات السورية موجودة في لبنان تحت مسمى "قوات الردع العربية"، الذي أقرته قمة الرياض والقاهرة في تشرين أول 1976.

نجحت سياسة سوريا تجاه لبنان، بانتشارها في معظم الأراضي اللبنانية. وترويض القوى اللبنانية وليس إلحاق الهزيمة العسكرية الكاملة بهم، وجعل كل فريق يستنجد بها.

وكان كل ما يهمها تحقيق الأمور التالية:

·        الاستفراد بالملف اللبناني-الفلسطيني.

·        منع تعريب الأزمة.

·        عدم السماح بتدويل الأزمة.

·        وقف إطلاق النار ودخول الفرقاء المتنازعين في حوار برعايتها[22].

ـ إن وجود القوات السورية تمنع العدو الصهيوني من تحقيق أطماعه التوسعية في المنطقة العربية، ولمنع  تقسيم لبنان إلى دويلات.

ـ زج المقاومة الفلسطينية في الأحداث اللبنانية، يمنعها من القيام بواجباتها تجاه قضيتها في مواجهة العدو الصهيوني.

ـ إلهاء سوريا للابتعاد عن التزاماتها القومية العربية وتصديها للمؤامرات التي تستهدف الأمة العربية.

ـ منع تقسيم لبنان، الذي سيشكل سابقة للأقليات، لإقامة دويلات إثنية، قومية أو طائفية في الوطن العربي.

ـ التصدي للمؤامرات الأميركية الصهيونية الهادفة إلى بسط سيطرتها ومد نفوذها واستغلال خيرات البلاد ونهب ثرواتها.

إن تذبذب المواقف السورية وانتقالها من طرف إلى آخر، دفع طرفي النزاع إلى اتخاذ موقف سلبي منها، بل معاد لها أحيانا كثيرة، ومواجهة سياستها ومجابتها عسكريا[23].

فهل مسك العصا من المنتصف، إذا مالت باتجاه تميل للاتجاه الآخر كي تضمن استمرار التوازن بين القوى المتصارعة يخدم سياستها؟ وهل الانتقال من موقف إلى آخر، من موقف داعم للمقاومة الفلسطينية وللقوى الوطنية التقدمية اللبنانية (اليسارية) إلى مواجهتهم بالوقوف في صف الجبهة اللبنانية ضد التحالف الفلسطيني-اللبناني اليساري يحقق لها أهدافها؟ مع معرفتها المسبقة لعلاقة الجبهة اللبنانية بالعدو الصهيوني وتلقيها منه الدعم والمساندة من سلاح وذخائر وتدريب...

ب ـ مؤتمر وزراء الخارجية العرب في بيت الدين في 15-17/10/1978

شددت مقرراته على :

1ـ عروبة لبنان ووحدته وإستقلاله وسلامة أراضيه.

2ـ إنهاء المظاهر المسلحة.

3ـ إعادة بناء الجيش اللبناني على أسس وطنية، ليتولى المهام التي تقوم بها "قوات الردع العربية"، في فترة زمنية محددة.

4ـ تأليف لجنة من السعودية، الكويت وسورية توضع بتصرف الرئيس سركيس. لقد رتبت السعودية لإنعقاد هذا المؤتمر. لكنها لم تستطع السير به ما لم تأخذ موافقة سوريا ومشاركتها فيه، وبالرغم من ذلك، فلم تطبق مقررات بيت الدين، بسبب خلاف بين سركيس والحص حول قانون الدفاع وإعادة بناء الجيش وإبقاء الميليشيات على سلاحها وإستمرار تعامل بعضها مع إسرائيل (سعد حداد). وعدم رغبة سوريا في إدخال لاعبين عرب أو أجانب إلى الساحة اللبنانية[24].

5-  المنظمات الدولية والأزمة في لبنان

إتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً تم التصويت عليه بأغلبية 14 صوتاً إعترضت أميركا عليه ومارست حق النقض (فيتو)، جاء في القرار:

يؤكد مجلس الأمن الدولي على قراراته السابقة 508-509-511-512-513، الصادرة في العام 1982.

وإذ يعيد إلى الأذهان قرار 515 الصادر في 29/7/1982 وإذ يتخوف من استخدام العمليات العسكرية وتصعيدها داخل بيروت وحولها.

1-    يؤكد قراراته السابقة ويطالب بوقف نار فوري، ووقف كل النشاطات العسكرية على الأراضي اللبنانية وعبر الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.

2-    يسمح للأمين العام بنشر فوري، (بناء على طلب الحكومة اللبنانية)، لمراقبين دوليين من الأمم المتحدة لمراقبة الوضع في بيروت وحولها.

3-    يطلب من الأمين العام أن يرفع تقريراً إلى المجلس تماشياً مع هذا القرار في أسرع وقت ممكن لا يتعدى الأربع ساعات[25].

سقط القرار بعد ممارسة حق النقض (فيتو) الأميركي. واستمر العدوان والغزو الصهيوني للبنان، غير آبه لمطالبة الدول بوقفه والإنسحاب من الأراضي اللبنانية، وفي أجواء الهزيمة التي ألمت بالمقاومة الفلسطينية والقوات السورية، تم إنتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية. كما جاءت مبادرة فيليب حبيب مبعوث الرئيس الأميركي ريغان إلى لبنان والمنطقة والتي تتضمن:

·        إخراج فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة من لبنان.

·        إخراج القوات السورية من بيروت.

·        مراقبة إجلاء القوات الإسرائيلية والسورية والأجنبية من لبنان.

·        بدء المفاوضات لحل المشكلة الفلسطينية.

ـ إنتشار الجيش اللبناني في بيروت والمناطق التي تنسحب منها الفصائل الفلسطينية والقوات السورية ويجلو عنها الإحتلال الإسرائيلي.

وقد وضع فيليب حبيب آلية تنفيذية تتضمن برنامجاً زمنياً لإنسحاب القوات الفلسطينية براً إلى سوريا وبحراً إلى قبرص وطرطوس ومصر والسودان واليمن، وإخراج القوات السورية إلى الجبل ومن ثم إلى سوريا.

 6-  أحداث وتطورات سياسية وعسكرية بعد الإجتياح الإسرائيلي للبنان 1982               

   وزير الدفاع الأميركي الأسبق كاسبر واينبرجر في كتابه "القتال من أجل السلام"، "اتهم زملاءه في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي بأنهم كانوا يفتشون بشوق من أجل زج العسكر الاميركي في معركة ما"[26]. وقع الإتفاق بين لبنان وإسرائيل بالأحرف الأولى في 17 أيار 1983 الذي باركته وأشرفت عليه أميركا، حيث "اعتبره "جورج شولتز" وزير الخارجية الاميركي بأنه في مصلحة العرب، وكان ينتظر تأييدا عربيا لجهوده، وضغطا على سوريا للقبول بالاتفاق والدخول في المفاوضات"[27].

   في 20 تموز توجه أمين الجميل إلى واشنطن يرافقه شفيق الوزان حيث كانت المناطق اللبنانية تشهد إشتباكات فيما كانت بيروت الشرقية تتعرض للقصف من مدافع الحزب التقدمي الإشتراكي.

وفي 23 تموز تم الإعلان عن قيام جبهة الإنقاذ الوطني برئاسة سليمان فرنجية وعضوية رشيد كرامي ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط وبعض الأحزاب اليسارية. وفي 3 أيلول 1983 بدأت القوات الإسرائيلية الإنسحاب من جبل لبنان (عاليه والشوف)، وفي المقابل بدأت قوات جبهة الإنقاذ الوطني التقدم لملء الفراغ بعد أن رفضت إسرائيل السماح للجيش اللبناني بالانتشار مكانها على الرغم من تدخل الولايات المتحدة الأميركية. وبعد نحو عشرين يوماً كانت ميليشيات القوات اللبنانية قد أخلت كل قرى عاليه والشوف وسط أكبر عملية هجرة للسكان المسيحيين منذ القرن التاسع عشر، حيث تجمع سكان القرى المسيحية والقوات المنسحبة في بلدة دير القمر بقيادة سمير جعجع، أما قوات جبهة الإنقاذ الوطني فقد توقفت عند حدود بلدة سوق الغرب[28].

وجدت الحكومة الأميركية نفسها في مأزق صعب، فمن جهة رفضت القبول بالإنجرار إلى حرب أهلية لبنانية، ومن جهة أخرى لم تقبل بأن تسعى سوريا إلى إفشال السياسة الأميركية تماماً في لبنان. فإسرائيل برهنت عبر إنسحابها من الشوف بأنها لم تعد تفكر بتكوين توازن مقابل لسوريا في لبنان، ولا بدعم أمين الجميل سياسياً، وهو الذي رفض إبرام الإتفاق معها بعد أن أقره مجلس الوزراء ووافق عليه مجلس النواب.

   كان على اميركا أن تختار بين التراجع امام الضغط السوري وإعطاء صورة عن دولة عظمى، تقوم بمطاردتها الميليشيات، وبين التزاماتها العسكرية، وابراز صدقيتها. فاختارت مخرجا وقررت قصف منطقة الشوف والجبال المحيطة بسوق الغرب بمدافع البارجة "نيوجرسي" للحؤول دون سقوطه. لكن القصف لم يغيرالوقائع الميدانية ، وراحت المعارك تشتد والقصف يزداد عنفا.

   "بدأت أميركا تعطي سوريا هامشا أوسع في سياستها تجاه لبنان، منذ العام 1984، اعتقادا منها أنها الأقوى والأقدر على ضبط الأوضاع في لبنان، وللحد من تصاعد نفوذ التيارات الاصولية الإسلامية وعمليات خطف الأجانب. وأبقت أبواب التواصل مفتوحة مع سوريا. 

  تبدلت الأحوال في تموز 1983 بعد مرور ثلاثة عشر شهرا من ابتداء الاجتياح "الإسرائيلي".

أولا: استعادت سوريا قوتها العسكرية بمساعدة الاتحاد السوفييتي.

ثانيا: تعبت إسرائيل من عد ضحاياها اليومية جراء وجودها في لبنان، والتي حملت رئيس الحكومة مناحيم بيغن على الاستقالة، كما أجبرت ارئيل شارون وزير الدفاع على الاستقالة بسبب حوادث صبرا وشاتيلا.

ثالثا: خيبة أمل إسرائيل بالمسيحيين لعدم الوفاء بوعدهم بإجراء معاهدة سلم بين البلدين، وراحت تتعامل مع غيرهم من الأقليات اللبنانية (الدروز).

رابعا: ما كان يعتبر غير معقول أصبح حقيقة، أن إسرائيل ستنسحب من الجبل إلى نهر الأولي شمال مدينة صيدا، مما شدد من عزيمة المقاومة التي اعتبرت أن لبنان بدأ يشهد بداية لانسحاب الإسرائيليين دون معاهدة أو قرار دولي، واعتبرت هذه السابقة انتصاراً لبنانيا وعربيا"[29].

7-  السياسات الدولية تجاه الأزمة اللبنانية

يتميز لبنان بموقعه الإسترتيجي وجذبه للكثير من الدول، وبحكم موقعه الجغرافي وحدوده مع الدول المجاورة، فإن الكثير من الدول تتدخل في مصالحه الداخلية والخارجية فكيف إذا كان لبنان في حال نزاع فكان ولابد من التدخل الدولي لحل الأزمات اللبنانية.

أولاً: السياسة الأميركية

رعت أميركا اتفاق "الخطوط الحمر"[30] بين سوريا وإسرائيل. صرح كسينجر في ضوء الاتفاق المذكور: "أن سوريا هي القوة القادرة على تثبيت الوضع في ذلك البلد".

وطالبت "دين براون" الموفد الأميركي إلى لبنان في ضوء مخططات الجبهة اللبنانية لتقسيم لبنان، وما يشكله من ضرر على مصالح أميركا في الشرق الأوسط، بالدعوة إلى ترحيل مسيحيي لبنان إلى صحراء نيفادا أو كندا.

وأعلن براون تأكيد حكومته للوثيقة الدستورية عام 1976 والتي كانت سوريا وراء إصدارها، وأكد أن حكومته تدعم الحكومة السورية في جهودها لإحلال السلام في لبنان.

لفتت هذه التصريحات إلى أن أميركا تقف ضد مشاريع الموارنة لتقسيم لبنان. وإنها لم تعد تجدهم القوة الرئيسية في البلاد. وأنها تريد أن تأخذ سوريا دوراً أساسياً في الشأن اللبناني، وضبط الوضع الفلسطيني، عبر دخول الجيش السوري إلى لبنان، وتقاسم النفوذ بين دمشق وتل أبيب.

لم ينجح مخطط أميركا في تقاسم النفوذ في لبنان. واعتقد بعض السياسيين اللبنانيين أن أميركا تريد حل النزاع العربي-الإسرائيلي بإعطاء جنوب لبنان إلى الفلسطينيين.

إنتقدت الإدارة الأميركية إجتياح إسرائيل للبنان في آذار 1978. وأصرت على استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، "القرار رقم 425" الذي يقضي "بانسحاب القوات الإسرائيلية من كل الأراضي اللبنانية دون تلكؤ، واحترام وحدة لبنان واستقلاله السياسي وسيادته، ووضع قوات دولية على حدوده للتأكد من إنسحاب الجيش الإسرائيلي[31]. الإنتقال من قرار صدر عن الولايات المتحدة الأميركية عام  1978 الى السياسة الأميركية عام 1983 من دون الإشارة الى أحداث الفترة الممتدة بين هاتين السنتين.

إتخذت السياسة الأميركية منحى مختلفاً بعد عملية التفجير التي إستهدفت قوات المارينز في بيروت في 23/10/1983 والتي راح ضحيتها 241 من قوات المارينز عدا الجرحى والعملية الأخرى التي إستهدفت القوات الفرنسية والتي راح ضحيتها 60 قتيلاً. أوفد وزير الدفاع الأميركي "جاسبر واينبرغر" بعثة برئاسة الأدميرال المتقاعد "روبرت لونغ" لتقصي الحقائق. جاءت الخلاصة، على أن وجود المارينز في لبنان ليس بمهمة ناجحة. إذ أن الحالة في لبنان غير قابلة للتسوية أو الانتصار.

"أصبح التدخل الأميركي في لبنان مشكلة، لم يعرف الأميركيون كيفية الخلاص منها.... كما أدركت إرتكابها أخطاء جدية في لبنان لعدم قدرتها على تنفيذ ما وعدت به، فقد كان من الصعب عليها الإنسحاب دون مبرر"[32]، لكنها إتخذت قرارها بالإنسحاب.

شهدت المنطقة العربية تطورات هامة منذ العام 1977، إذ قام الرئيس السادات بزيارة القوات المحتلة، كذلك فإن صدور البيان المشترك الأميركي السوفييتي (بين الرئيسيين كارتر وبريجينيف) والذي يسعى الى إنجاز تسوية شاملة لأزمة الشرق الأوسط بالعودة الى مؤتمر جينيف وتمثيل الفلسطينين فيه والحق في أن يكون لهم دولة.

تراجع كارتر بضغط من الدين اليهودي في اميركا عند الاعلان المشترك. كما وقع إتفاق كامب ديفيد بين مصر والعدو الصهيويني في أيلول 1978-1979. والثورة الإيرانية وإسقاط نظام الشاه في شباط 1979 وإحتجاز الرهائن الاميركيين في إيران. الحرب العراقية الايرانية في العام 1980 والتي إستمرت حتى 1988. تابعت أميركا تطور الأحداث العربية والإقليمية في المنطقة حتى العدوان الصهيوني للبنان في حزيران 1982، حيث عادت أميركا الى المنطقة بإرسال مبعوثها فيليب حبيب لمتابعة الأوضاع في لبنان والإشراف على إخراج المقاومة الفلسطينية منه ونشر القوات السورية وكذلك نشر الجيش اللبناني في بيروت والمناطق والعمل لإيجاد إتفاق بين السلطة اللبنانية والعدو الصهيوني.

وصلت الخلافات الأميركية -الإسرائيلية إلى حد رفض موشيه أرينز وزير الدفاع الاسرائيلي، طلبا اميركيا بتأجيل الانسحاب من الجبل لفترة قصيرة، كي يتمكن الجيش اللبناني من الحلول في المواقع والانتشار في المنطقة التي سينسحب منها الجيش الاسرائيلي، فرد قائلا: لقد قررنا الانسحاب ولن نتأخر دقيقة واحدة. مما يؤكد تضارب المصالح بينهما. هدفت اسرائيل من وراء ذلك إلى توريط أميركا في لبنان لتثبت لها، أنها الوحيدة القادرة على التعامل مع الوضع في لبنان والمنطقة وحماية مصالحها ووجودها. أظهرت اميركا تراجعا في اهتمامها بلبنان بعد إلغاء اتفاق 17 أيار، اعتقادا منها ان المفاوضات المباشرة بين لبنان وإسرائيل هي حلقة ضرورية في عملية انسحاب الجيش "الإسرائيلي" من لبنان، معتبرة أن بمقدورها إخراج "إسرائيل" من الأراضي اللبنانية وليس الأمم المتحدة. واشترطت عودتها إلى رعاية المفاوضات بـ :

1-    أن يكون إجماع في الحكومة اللبنانية حول المفاوضات.

2-    أن تقوم الحكومة اللبنانية بالترتيبات الأمنية التي تصر عليها إسرائيل للموافقة على الانسحاب .

3-    أن توافق سوريا على المفاوضات اللبنانية -الإسرائيلية المقبلة وتقدم الضمانات لنجاح الاتفاق المنشود والترتيبات وعملية التنفيذ[33]. يتضح أن أميركا هي من يسوق للمفاوضات وعقد اتفاقات مع إسرائيل بشروطها. واذا رفض اللبنانيون أو السوريون فلن تقدم أميركا المساعدة لإخراج إسرائيل من الأراضي اللبنانية بسبب انحيازها إليه.

ثانيا : المساعي الفرنسية لحل الأزمة في لبنان

انطلقت الرواية الفرنسية من:

ـ عدم وجود حل قائم لأزمة لبنان دون إيجاد حل شامل ونهائي لأزمة المنطقة. (أي عدم الفصل بين أزمة لبنان وأزمات المنطقة).

ـ إن أزمة لبنان لها "محرك فلسطيني"، و"عجلات سورية"، و"راع أميركي"، وقد رأت فرنسا مساعدة اللبنانيين للوصول إلى صيغة وفاق وطني، بتدويل الأزمة اللبنانية وإعلان حياد لبنان بموافقة جميع اللبنانيين. وإرسال جنود فرنسيين إلى لبنان لحفظ السلام[34]. معوقات واجهت السياسة الفرنسية تجاه لبنان:

1-    مساعي أميركا للاستفراد بحل أزمة الشرق الأوسط، وخصوصاً سياسة كسينجر "الخطوة خطوة"، حيث ترى فرنسا ضرورة التسوية الشاملة لأزمة المنطقة، إذا ليس من مصلحة أميركا دخول أطراف جديدة على الأزمة بعد أن أنجزت "اتفاق الخطوط الحمر" بين سوريا وإسرائيل، ولن يكون التدخل لمصلحة أي منهما.

2-    عدم رغبة فرنسا إغضاب كل من سوريا وإسرائيل. إذ أن فرنسا كانت تدرك حساسية أي تدخل خارجي، عربي أو دولي، وقد رفضت سوريا إرسال قوات فرنسية إلى لبنان لموازنة الوجود السوري فيه.

3-    انزعاج "إسرائيل" من تطبيع العلاقات بين فرنسا والعرب، وتراجع العلاقة معها (إسرائيل) مقابل الحصول على النفط ومنافع اقتصادية أخرى.

4-    شعور فرنسا منذ اندلاع الأزمة في لبنان بأنها مستبعدة من قبل القوى المحلية، المسيحية والإسلامية، ويعود ذلك إلى شكوك المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية والتقدمية اللبنانية بوجود مخطط فرنسي، يرمي إلى إحكام القبضة على لبنان من خلال إمساك فرنسا بالمسيحيين وسوريا بالمسلمين.

5-    وجدت فرنسا أن فقدان التوافق بين الطوائف يعود للإخلال بالتوازن الطائفي. فالميثاق الوطني، أعطى دوراً مسيطراً للمسيحيين حيث كانوا أكثرية، وباتوا أقلية.

ثالثا: الفاتيكان والأزمة في لبنان

تتصف المجتمعات العربية تاريخياً بتعددية نسيجها الإجتماعي دينياً ومذهبياً وعرقياً وبالإستمرارية إدارة التنوع في إطار الوحدة طيلة قرون وبأشكال متنوعة، والفاتيكان هو العامود الأساسي للحفاظ على هذا التعايش حيث يوصي بشكل دائم على اهمية التعايش السلمي ولكن في ظل الازمة اللبنانية تم إفشال بعثات الفاتيكان لحل الازمة في لبنان من المتعارضين في لبنان سواء الجانب المسيحي او المسلم، فكل من هذه الاطراف لديهم مصالح خاصة وكان الفاتيكان مصر على التعايش الإسلامي المسيحي كرسالة إلى شعوب المنطقة. وتحقيق إصلاحات ترضي الأطراف المتنازعة، ويتم ذلك عبر:

·        تعديل الميثاق الوطني للعام 1943.

·        يتناقض ربط أزمة لبنان بأزمة الشرق الأوسط مع أهداف الجبهة اللبنانية بفصل الأزمة اللبنانية عن الصراع العربي-الإسرائيلي.

·        التعاطي مع مشكلة المسيحيين في لبنان من خلال المصالح الكاثوليكية العامة في الشرق الأوسط.

·        تقسيم لبنان سينعكس سلباً على المسيحيين بشكل عام وأعوانه بشكل خاص.

·        كان الكرسي الرسولي يعارض العلاقة بين المسيحيين وإسرائيل.

·        اعتبر الكرسي الرسولي سوريا دولة احتلال في لبنان، وطالبها بسحب قواتها، لتتمكن الحكومة اللبنانية من بسط سيطرتها على كامل أراضيها[35].

أما بشير الجميل، فقد رفض الحوار المسيحي الإسلامي من خلال رؤية الفاتيكان، وقال: "يجب أن يفهم الفاتيكان، أن المسيحيين في لبنان، ليسوا حقل تجارب للحوار المسيحي الإسلامي في العالم. إن مهمة لبنان كجسر بين الغرب والعالم العربي قد انتهت"[36].

  وكذلك تدخل الفاتيكان لوقف الاقتتال المسيحي-المسيحي أعقاب انقلاب سمير جعجع على القوات بعد توقيع إيلي حبيقة على "الاتفاق الثلاثي" وانقسام القوات اللبنانية[37].

لهذه الأسباب وغيرها أفشل الجانب المسيحي مبادرات الفاتيكان لحل الأزمة في لبنان.

رابعا: السياسة السوفييتية تجاه لبنان والشرق الأوسط

بعد زيارة الرئيس أنور السادات إلى القدس المحتلة في 19 تشرين ثاني 1977 والاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978 وتوقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد برعاية أميركية 1978-1979 وعقد اتفاق 17 أيار 1983 بين لبنان وإسرائيل. حصر السوفييت جهودهم في التوفيق بين سوريا والفلسطينيين، كما وثقت علاقاتها الداعمة لجبهة الرفض الفلسطينية والحركة الوطنية التقدمية اللبنانية حتى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، الذي اعتبرت وكالة تاس السوفييتية أن الهجوم على لبنان جاء نتيجة التحالف الاستراتيجي الأميركي – الإسرائيلي وسياسة كامب ديفيد.

 أحجم السوفييت عن تقديم المساعدة للفلسطينيين عندما طلب ياسر عرفات منهم ذلك. مكتفين بتحريك قطع من أسطولهم إلى شرقي البحر المتوسط مفضلين الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي بدلا من اتخاذ موقف مباشر، وحذروا أميركا من احتمال توسع دائرة النزاع في الشرق الأوسط، فرد البيت الأبيض بتحذير السوفييت من التدخل من النزاع الدائر في المنطقة. انتقدت القيادة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية الصمت والفتور السوفييتي، معتبرين أن بإمكانهم أن يفعلوا أكثر ويلجأوا إلى وسائل أخرى لردع إسرائيل، ومنها الوسائل العسكرية.

   تقدم بريجينيف في 15 أيلول 1982 بمبادرة سلام شامل للنزاع العربي الإسرائيلي، تضمنت انسحاباً إسرائيلياً من الجزء العربي من القدس والضفة الغربية وغزة وهضبة الجولان ولبنان، دون أن يكتب لها النجاح. وعندما لم تر مبادرة السلام السوفييتية النور. قام السوفييت بتعويض خسائر سوريا العسكرية. وأثناء المفاوضات حول اتفاق 17 أيار، طالبت القيادة السوفييتية بانسحاب كل القوات الأجنبية من لبنان بما فيها القوات السورية، آملة أن تفشل مهمة شولتز وزير الخارجية الأميركي، لعقد اتفاقية "سلام" بين لبنان وإسرائيل[38]. 

 

8-المؤتمرات العالمية لحل الأزمة في لبنان

مما لا شك فيه أن الحكومات تلعب دوراً كبيرا في مواجهة الأزمات بصفة عامة، والأزمات بصفة خاصة، ونتيجة لتكون الأزمات التي تؤثر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدول، فلا بد من أن الدول العالمية أن تلعب دوراً في مواجهة هذه الأزمة لمساعدة الدول للخروج من النفق المظلم.

     مؤتمر جينيف (31/10/1983-4/11/1983)

أعلن وقف إطلاق النار وبدأ التحضير لمؤتمر الحوار الوطني الذي تقرر في جنيف في سويسرا، بعد وساطة سعودية تولاها السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان ورجل الأعمال اللبناني رفيق الحريري بين الولايات المتحدة الأميركية وسوريا.

قبل إنعقاد مؤتمر الحوار الوطني في جنيف حاول أمين الجميل الاجتماع بالرئيس السوري حافظ الأسد وبالملك فهد بن عبد العزيز، لكي يدخل المؤتمر من موقع قوي. لكن موفده إلى العاصمة السورية دمشق، جان عبيد، عاد صفر اليدين، فقد رفض الأسد إستقبال الجميل إلا بعد أن يلغي إتفاق 17 أيار.[39]

إنعقد مؤتمر الحوار الوطني في فندق إنتركونتينتال في مدينة جنيف في الأول من تشرين الثاني 1983، بحضور رئيس الجمهورية أمين الجميل، وكميل شمعون، وسليمان فرنجية، وصائب سلام، ورشيد كرامي، وعادل عسيران، وبيار الجميل، ووليد جنبلاط، ونبيه بري، ووزير خارجية سوريا عبد الحليم خدام، والوزير السعودي محمد إبراهيم مسعود. إستمرت أعمال المؤتمر حتى الرابع من تشرين الثاني[40].

لم يصل مؤتمر جنيف إلى أي نتيجة، سوى الإتفاق على هوية لبنان العربية، إذ جاء في البيان الختامي: "لبنان بلد سيد حر مستقل وواحد أرضاً وشعباً ومؤسسات في حدوده المنصوص عنها في الدستور اللبناني والمعترف بها دولياً، وهو عربي الإنتماء والهوية وعضو مؤسس وعامل لجامعة الدول العربية وملتزم بكافة مواثيقها، على أن تجسد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقول والمجالات دون إستثناء[41].

 ولقد أخفق المؤتمر في التوصل إلى أية نتيجة أخرى بسبب عقدة إتفاق 17 أيار، حيث أصرت سوريا والقوى الممثلة لجبهة الإنقاذ الوطني على إلغاء الإتفاق فيما تمسك به أمين الجميل، واتفق على عقد جلسة ثانية لمؤتمر الحوار في 14 تشرين الثاني من العام ذاته. وقد طرح المؤتمر للنقاش المسائل التالية:

·        صلاحيات رئيس الجمهورية وإهتمام المعارضة بتقليصها.

·        زيادة أعضاء المجلس النيابي وتحقيق المساواة في التمثيل بين المسلمين والمسيحيين وتمديد ولاية رئيس مجلس النواب.

·        تحويل مجلس الوزراء إلى هيئة فعلية لصنع القرار وتحديد صلاحياته في الدستور.

·        تعزيز منصب رئيس الوزراء وتحديد صلاحياته في الدستور.

·        اللامركزية ونقل بعض المسؤوليات الإدارية من المحافظة إلى القضاء والمحافظة أو إلى أكثر من ذلك.

·        الإنماء المتوازن بين العاصمة والمناطق.

·        إلغاء الطائفية السياسية.

وطبعاً لم يتوصل إلى إتفاق حول أي من المواضيع المطروحة، وانفضّ المؤتمر على أمل أن يتوجه الرئيس الجميل إلى واشنطن للقاء الرئيس ريغان من أجل البحث في موضوع تعديل إتفاق 17 أيار[42].

 

    مؤتمر لوزان

بعد مؤتمر جنيف توجه الرئيس أمين الجميل إلى واشنطن لإستكشاف موقف الولايات المتحدة بخصوص إتفاق 17 أيار، والبحث في إمكانية تعديله أو تنفيذه. لكن الموقف الأميركي شرع ينظر إلى الأمور من زاوية مختلفة، بخاصة بعد أن تعرض مركز المارينز للتفجير. فقد إعتبر رئيس الولايات المتحدة أن إتفاق 17 أيار أصبح بمثابة إتفاق مجمد، وأبلغ وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز الجميَل أن من الأفضل عدم إلغاء الإتفاق لكي لا تثار إسرائيل، كما يجب عدم تنفيذه لكي لا تغضب سوريا، ولذلك يجب البحث عن خيار ثالث. لكن الخيار الثالث كان يعني المراوحة وإستمرار الحرب الداخلية، وهذا ما حدث.

أصرت سوريا على إلغاء إتفاق 17 أيار، مهما كانت النتيجة. فحاول الجميًل كسب الوقت، لكن سوريا أصرت على موقفها، وأبلغ وزير خارجيتها عبد الحليم خدام لبنان هذا الموقف بصراحة، رافضاً أي تحديد لموعد ثانٍ لإنعقاد مؤتمر الحوار الوطني قبل إلغاء إتفاق 17 أيار، لكن الجميًل فضًل الإنتظار لعله يحصل على موعد للإجتماع بالرئيس السوري، وهذا ما لم يحدث، بل تطور الأمر إلى تصاعد في المواجهة بين الجيش اللبناني وعناصر من حركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي، وأخذ التدهور العسكري يتسع إلى أن حدثت إنتفاضة السادس من شباط 1984، وسيطرت حركة أمل والحزب التقدمي والحركة الوطنية اللبنانية على الجزء الغربي من العاصمة بيروت، وخرج الجيش اللبناني منها بعد معارك طاحنة. لكن المعارك إستمرت، وبدأت قوات الحزب التقدمي الإشتراكي وحلفاءها، محاولة إختراق جبهة سوق الغرب، فما كان من الجميل إلا أن ناشد السعودية التدخل. وبعد إجتماع بين وزير خارجية المملكة السعودية سعود الفيصل ووزير خارجية لبنان إيلي سالم، بحضور رفيق الحريري في الرياض، وضعت خطة إقترح فيها سالم إلغاء إتفاق 17 أيار قبل الدعوة إلى مؤتمر الحوار الوطني[43].

 في 5 آذار 1984 عقد مجلس الوزراء اللبناني جلسة تقرر فيها إلغاء إتفاق 17 أيار وإعتباره باطلاً وكأنه لم يكن مع كل ما تترتب عليه من آثار[44]. خاصة بعد أن قطع الجميًل الأمل في تجاوب إسرائيل معه. فقد حاول جاهداً قبل ذلك بأسبوع الإتصال بإسرائيل للوقوف على مدى إستعدادها لدعمه، لكن إسرائيل قد قررت عدم الإستماع إليه[45]. فيما بدأت القوات المتعددة الجنسيات الأميركية والفرنسية والبريطانية والإيطالية الإنسحاب من بيروت[46].

   بين إنتهاء اعمال مؤتمر جنيف في 4 تشرين الثاني 1983 وبدء جلسات مؤتمر لوزان في 12 آذار 1984، تغيرت أمور كثيرة، فبيروت الغربية كانت قد أصبحت تحت سيطرة حركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي، وكانت جبهة سوق الغرب قابلة للإنهيار بضغط من الحزب التقدمي الإشتراكي، فيما بدأت القوات المتعددة الجنسيات الإنسحاب، بعد أن ألغي إتفاق 17 أيار. في ظل هذه الأجواء إنعقد مؤتمر الحوار في لوزان، لمناقشة الأفكار الإصلاحية لتطوير النظام السياسي. لكن المفاجأة هذه المرة جاءت من قبل سليمان فرنجية أبرز حلفاء سوريا الذي رفض أي تعديل في صلاحيات رئيس الجمهورية، وقاد معه تشدد الفريق الماروني الذي أدى إلى عدم توصل المؤتمر إلى أي نتيجة[47]. وقد دام المؤتمر حتى 20 آذار 1984 من دون التوصل إلى نتيجة سوى تشكيل لجنة أمنية برئاسة رئيس الجمهورية، أنيط بها تنفيذ خطة أمنية لإقامة بيروت الكبرى، وهيئة تأسيسية لوضع مشروع دستور جديد للبنان.

كان المؤتمر قد شهد صراعاً في الأفكار والمواقف. لكن كل طرف بقي على موقفه ورأيه، ولم ينجح الحوار في تعديل أي إقتناع، فقد إقترح كميل شمعون إنشاء "جمهورية فيدرالية" فعارضه سليمان فرنجية ورشيد كرامي، وإقترح وليد جنبلاط تسمية لبنان "جمهورية لبنان العربية"، وإتهم نبيه بري أمين الجميًل بمحاولة تدمير ضاحية بيروت الجنوبية، وعاد شمعون للمطالبة بلبنان دولة علمانية، فرد عليه رشيد كرامي برفضه ما يتناقض مع الإسلام. وفي نهاية المؤتمر أعدت ورقة للنقاش عرفت بوثيقة لوزان وقد تضمنت الأفكار التالية:

·        لبنان عربي الإنتماء والهوية.

·        تأليف حكومة إتحاد وطني وإنشاء هيئة تأسيسية لوضع مشروع دستور للبنان المستقبل خلال عام، وفقاً للإصلاحات التالية:

أ‌-       إلغاء الطائفية في الوظائف العامة، بإستثناء وظائف الفئة الأولى، على أن تكون هذه الوظائف مداورة ومناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

ب‌-  إعتبار مجلس الوزراء السلطة التنفيذية العليا في البلاد.

ت‌-  يتم إنتخاب رئيس الوزراء من قبل المجلس النيابي بالأكثرية النسبية.

ث‌-  ينتخب رئيس مجلس النواب لمدة سنتين.

هذه الوثيقة رفضها الرئيس سليمان فرنجية رفضاً باتاً، وقال: "أنا غير مستعد أن أتنازل عن درهم من حقوق طائفتي"، وأضاف: "الصلاحيات المعطاة من الدستور اللبناني لرئاسة الجمهورية أنا لن أتنازل عنها أبداً" وأعلن أنه "لن يقبل بأن يتحول رئيس الدولة الماروني إلى دور أمين سر"[48]. في نهاية المؤتمر قال عبد الحليم خدام: "لا جدوى من المشاركين في المؤتمر، فغالبيتهم لا تمثل لبنان الجديد. ومن الأفضل الجمع بين قادة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية، فهم الشباب الذي أفرزتهم الحرب وهذا هو الطريق للتوصل إلى إتفاق شامل"[49].

     الاتفاق الثلاثي

بعد مؤتمر لوزان، الذي سبقه إلغاء إتفاق السابع عشر من أيار، كان واضحاً أن سوريا قد إستعادت المبادرة في لبنان، بحيث كانت حال لبنان بعد سقوط إتفاق السابع عشر من أيار أشبه بحال المريض الذي تدهورت صحته بشكل مرعب، فقرر أهله إستبدال الطبيب المعالج بطبيب آخر. حلت سوريا مكان إسرائيل وإستبدل السلام الإسرائيلي بالسلام السوري. وكما عملت سوريا على تفشيل السلام الإسرائيلي، ستعمل إسرائيل على تفشيل السلام السوري[50]. وفي منتصف نيسان 1984 عقدت قمة سورية لبنانية، بين الرئيسين أمين الجميًل وحافظ الأسد، تم فيها الإتفاق على اعتبار وثيقة لوزان بمثابة الخطوط العريضة لعمل الحكومة المقبلة وتوجهاتها، كما تم الإتفاق على أن يكون رشيد كرامي رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية.  لكن اللافت في القمة المذكورة ليس اتخاذ القرار بالحكومة ورئيسها وبرنامجها والأعضاء، بل في الكلام الذي قاله الرئيس السوري أثناء مناقشات القمة وهو استخدامه تعبيري "الشرعية الدستورية" و"الشرعية الثورية". وقد ظهر ذلك أثناء النقاش والتداول في أسماء أعضاء الحكومة حيث لمح الرئيس الأسد إلى تفضيله تمثيل وتوزير زعماء المعارضة في الحكومة (نبيه بري ووليد جنبلاط)[51].

   ترأس رشيد كرامي حكومة الوحدة الوطنية، وانضم إليها وليد جنبلاط ونبيه بري ممثلين للشرعية الثورية، فيما إنضم إليها بيار الجميًل وكميل شمعون وسليم الحص وعادل عسيران ممثلين للشرعية الدستورية. وقد عين مجلس الوزراء العماد ميشال عون قائداً للجيش[52]. لكن حكومة الإتحاد الوطني سرعان ما أصبح إسمها حكومة الإنقسام الوطني، وبدأ أمين الجميًل يفقد سلطته كرئيس للجمهورية. في بداية الأمر خطت التسوية خطوات واسعة فأنهى الجيش اللبناني إنتشاره في بيروت الكبرى في خلال أيام، وعاد مطار بيروت إلى العمل بعد توقف دام 160 يوماً، وكذلك المرفأ. ثم أزالت الجرافات ما تبقى من الخط الأخضر الفاصل بين "البيروتين" في إطار خطة أمنية لإزالة خطوط التماس. لكن الإعتراضات بدأت تظهر، إذ رفضت حركة أمل أن يخرج اللواء السادس ذو الغالبية الإسلامية من المنطقة الغربية على أن يتولى هو الأمن فيها، فيما إنتشرت الألوية التي غالبيتها من المسيحيين في المناطق الشرقية[53]. ولم تمضِ أربعة أيام على قرار مجلس الوزراء بفتح الطرق الدولية، حتى أعلن الوزير وليد جنبلاط  النظام الأساسي للإدارة المدنية في الجبل، ورفض دخول الجيش مجدداً إلى هذه المنطقة إلى حين إنتهاء مسألة الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب[54]. في المقابل إستمر تدهور الأوضاع الأمنية الداخلية. ففي 20 أيلول 1984 انفجرت سيارة مفخخة يقودها سائق إنتحاري في السفارة الأميركية في عين المريسة. كما إقتحم متظاهرون السفارة السعودية في بيروت، وعلى الأثر أغلق السعوديون سفارتهم في بيروت وبدأوا يعتمدون كلياً على رفيق الحريري في إدارة علاقتهم السياسية في لبنان[55].

أما في المنطقة الشرقية فقد شهدت الأمور تأزماُ ذا طبيعة مختلفة. فقد انقلبت الأمور على أمين الجميًل، وبدأت القوى المحسوبة عليه بالتمرد ضده. كان أمين الجميًل قد تمكن من الإمساك بحزب الكتائب بعد وفاة والده في آب 1984، حيث انتخب مرشحه الدكتور إيلي كرامة رئيساً للحزب، كما أوصل الدكتور فؤاد أبو ناضر إلى قيادة القوات اللبنانية.  لذلك ظهر أمين الجميًل في بداية عام 1985 وكأنه يمسك بالمنطقة الشرقية والقرار فيها، فهو رئيس الجمهورية، ويسيطر على حزب الكتائب والقوات اللبنانية[56].

في الخامس من آذار 1985 أوفد الرئيس حافظ الأسد إلى لبنان نائبه عبد الحليم خدام، وعقدت خلوات في القصر الجمهوري الصيفي في بكفيا. أسفرت إجتماعات بكفيا عن مجموعة قرارات أهمها: فتح الطريق الساحلية، وإزالة حاجز البربارة التابع لسلطة سمير جعجع مسؤول القوات اللبنانية في الشمال، (كان هذا الحاجز قد أنشئ عام 1978 في أعقاب مجزرة إهدن التي راح ضحيتها طوني فرنجية وعائلته). وإثر اجتماعات بكفيا نفسها جرت إتصالات مع سمير جعجع لإزالة حاجز البربارة. في ظل هذه الأوضاع بدأت إجتماعات بين كريم بقرادوني وسمير جعجع وإيلي حبيقة الذين قرروا السيطرة على القوات اللبنانية وإنتزاع القرار الذي يسيطر عليه أمين الجميًل عبر فؤاد أبي ناضر. وقد أعدت خطة لذلك وتولى ميشال المر تأمين التمويل لخطة الإنتفاضة وإجراء الإتصالات التمهيدية مع قائد الجيش العماد ميشال عون[57]. لقد رفض سمير جعجع إزالة حاجز البربارة، فإتخذ حزب الكتائب قراراً بفصله من الحزب. وكانت ردة الفعل الطبيعية أن أقدم حبيقة وجعجع على تنفيذ إنتشار عسكري سيطرا فيه على القوات اللبنانية التي إنتخبت إيلي حبيقة قائداً لها. وهكذا أحدثت هذه الإنتفاضة داخل المنطقة الشرقية اهتزازاً كبيراً في نفوذ الرئيس الجميَل، وذلك بعد يومين من إجتماعات بكفيا[58].

ولم يمضِ شهران على الإنتفاضة المذكورة في المنطقة الشرقية حتى حدثت إنتفاضة أخرى على الإنتفاضة كان أحد أبطالها إيلي حبيقة. ففي 9 أيار 1985 إجتمعت الهيئة التنفيذية التي كانت بمثابة قيادة جماعية للقوات، وإنتخبت إيلي حبيقة رئيساً لها. إلا أن التطور تمثل بالبيان الذي أذاعه حبيقة إثر إنتخابه. فقد أعلن في بيان له: "الإقتناع الذي نعلنه اليوم هو أن الخيار اللبناني هو عربي. نقول ذلك عن إقتناع لا عن خوف، ولسوريا في هذا القرار موقع أساسي نظراً إلى الروابط الجغرافية والتاريخية المصيرية[59].

هذا الموقف لقائد القوات اللبنانية إيلي حبيقة شكل مفاجأة في لبنان، وبخاصة أن حبيقة كان معروفاً بعلاقته القوية بإسرائيل، وهو المتهم بمشاركته بمجازر صبرا وشاتيلا. وقد كان في بيانه هذا دليلاً على تطور ما في العلاقة مع سوريا، ودلت الوقائع على أن حبيقة كان قد بدأ حواراً مع سوريا سبقته ثلاث رسائل خطية منه إلى القيادة السورية يعلن فيها إلتزامه الخيار العربي وتحديداً عبر سوريا. وقد سبقت هذا التطور إتصالات سرية بين الجانبين إمتدت طويلاً. وفي العاشر من أيلول 1985 كان إيلي حبيقة يزور العاصمة السورية على رأس وفد من القوات بعد إتصالات دامت خمسة أشهر، وقد قرر حبيقة التأكيد على وحدة لبنان وإستقلاله وإنتمائه العربي، وعلى أهمية الدور السوري في التوصل إلى الحلول المرجوة. وبعد أسبوعين كان ممثلوا القوات اللبنانية وحركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي يجتمعون في دمشق بحضور خدام ويبدأون مفاوضات حول وثيقة للإصلاحات السياسية. هذه المفاوضات والإتصالات التي بقيت سرية، بين قوى "الشرعية الثورية" الثلاث، إستمرت حتى 28 كانون الأول 1985 تاريخ ما سمي بالإتفاق الثلاثي، في دمشق.

نهار الإثنين 30 كانون الأول 1985 سلم وزير الخارجية السوري فاروق الشرع رئيس الجمهورية اللبنانية أمين الجميًل نص الإتفاق الثلاثي، وأبلغه دعوة لعقد قمة مع الأسد في 2 كانون الثاني 1986[60].

وقد لحظ الإتفاق الإصلاحات التالية:

·        لبنان بلد عربي الانتماء والهوية.

·        وضع قانون انتخاب جديد على أساس اعتماد المحافظة دائرة انتخابية، وتحديد سن الإنتخاب بـ 18 سنة.

·        استحداث مجلس شيوخ يتولى البت بالقضايا المصيرية مع مجلس النواب.

·        تعيين نواب جدد، وتوسيع المجلس النيابي عبر زيادة الأعضاء وفقاً لمبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، والمساواة بين الطوائف الثلاث الكبرى (المثالثة ضمن المناصفة).

·        يترأس رئيس الجمهورية ويشارك في المناقشات من دون حق التصويت في الجلسات التالية وهي: مجلس الدفاع، إجتماعات مجلس الوزراء لإقرار البيان الوزاري، وجلسات حل مجلس النواب.

·        يدعو رئيس الجمهورية مجلس الوزراء للإنعقاد في حالات يعتبر فيها البلاد في خطر، ولرئيس الجمهورية دعوة مجلس النواب للإنعقاد مرة في الشهر.

·        السلطة الإجرائية مناطة بمجلس الوزراء الذي يمارس كامل الصلاحيات التنفيذية والإدارية ويضع السياسة العامة للدولة. وحل مجلس النواب بقرار معلل.

·        رئيس الحكومة يترأس مجلس الوزراء ويدير الجلسات ويطرح جدول الأعمال[61].

·        تشكيل الحكومة يتم بعد إستشارات نيابية ملزمة يجريها رئيس الجمهورية. وإذا إمتنع رئيس الجمهورية عن توقيع مرسوم الحكومة بعد تشكيلها يحتكم رئيس الوزراء المكلف إلى مجلس النواب... وإذا إمتنع رئيس الحكومة المكلف عن عرض لائحته الحكومية على رئيس الجمهورية خلال مدة شهر من تكليفه يعتبر ذلك بمثابة إعتذار ويفتح باب الإستشارات مجدداً.

·        إلغاء طائفية الوظيفة باستثناء وظائف الفئة الأولى، وتكون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

إعتبر الإتفاق أن التعبير الأبرز عن عروبة لبنان يكون بإقامة علاقات مميزة مع سوريا وذلك في مجال السياسة الخارجية والعلاقات العسكرية والأمنية والإقتصادية والإعلامية والتربوية.

هذا الإتفاق شكل صدمة في المنطقة الشرقية، وقرر أمين الجميًل وسمير جعجع الإنقضاض عليه.

وفي نهار الأربعاء 15 كانون الثاني 1986 سدد الجميَل وسمير جعجع ضربة قاسية لسياسة سوريا في لبنان عندما شنّا هجوماً عسكرياً مشتركاً على حبيقة، وقد إستعان الجميَل في هجومه هذا بشباب بكفيا والمتن من الكتائب. وعند حلول الليل كانت قوات حبيقة قد هزمت وإستسلم حبيقة إلى الجيش ونقل إلى وزارة الدفاع مع نجل ميشال المر إلياس، ومنها غادر إلى باريس، وبعدها إلى دمشق[62].

وهكذا تبخر الإتفاق الثلاثي، وسقط عبر سقوط ركن من أركان الشرعية الثورية، وعاد التوتر من جديد، حيث تربع جعجع على رأس القوات اللبنانية فيما بقي ميشال عون على رأس الجيش اللبناني.

9-  مؤتمر الطائف 23/10/1989

شارك فيه 62 نائباً من أصل 73، تغيب 11 نائباً منهم 8 نواب لأسباب سياسية، وإعتبر ثلاثة نواب آخرين مقاطعين.

افتتح المؤتمر تحت شعار، "الفشل ممنوع".

كانت مسودة "إتفاق الطائف"، مزيجاً من أفكار وبرامج وإتفاقات سابقة، تضمنت شيئاً من "الوثيقة الدستورية" 1976، وكذلك من "مبادىء الوفاق الوطني" الذي تضمنه البيان الوزاري لحكومة كرامي 1984، والكثير من قرارات "مؤتمر لوزان"، ومقاطع من "الإتفاق الثلاثي"، وإقتراحات السفيرة الأميركية "أبريل جلاسبي".

فوثيقة الطائف هي خلاصة أفكار ومشاريع وضعت بين عامي 1976-1989.[63]

فقد بدء التحضير الجدي لإنهاء الأزمة، في مؤتمر القمة العربية في الدار البيضاء بين 23-26/5/1989، بتأكيد الزعماء العرب، على ضرورة حل الأزمة اللبنانية في الإطار العربي، تأكيداً على عروبة لبنان والمسؤولية العربية حياله. وقرر المؤتمر تشكيل لجنة ثلاثية عليا من ملك المغرب الحسن الثاني والملك فهد بن عبد العزيز، والشاذلي بن جديد رئيس الجمهورية الجزائرية. كانت صلاحياتها مطلقة وحددت مهمتها في برنامج عمل دقيق وأهداف واضحة. أما الأهداف فهي:

-         مساعدة لبنان على الخروج من محنته، وإنهاء معاناته الطويلة، وإعادة الأوضاع الطبيعية إليه.

-         تحقيق الوفاق الوطني بين أبنائه.

-         مساندة الشرعية اللبنانية القائمة على الوفاق.

-         تعزيز جهود الدولة اللبنانية لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي.

-         بسط سلطة الدولة كاملة على كافة التراب اللبناني، بهدف حماية أمنها وإستقرارها بقواها الذاتية[64]، تمهيداً لإعادة إعمار لبنان، وتمكينه من إستئناف دوره الطبيعي ضمن الأسرة العربية.

أما البرنامج المرسوم، لتنفيذ هذه الأهداف:

·        عقد إجتماع للنواب، داخل لبنان أو خارجه، لوضع صيغة للوفاق والإصلاحات السياسية والتصديق عليها.

·        إنتخاب رئيس الجمهورية بعد التصديق على وثيقة الوفاق.

·        تأليف حكومة وفاق وطني، تلزم بوثيقة الوفاق وتعمل على وضعها موضع التنفيذ.

·        دعم حكومة الوفاق الوطني، في إتخاذ الإجراءات، التي تراها ضرورية لممارسة سيادتها على الأراضي اللبنانية.

·        إعطاء مهلة سبعة أشهر لتنفيذ المهمة[65].

رافق ختام مؤتمر القمة تصعيد عسكري وإمتعاض سوري من تأليف اللجنة الثلاثية، لأن العاهل السعودي رفض المشاركة السورية في اللجنة، لتقديره أن سوريا طرف من أطراف الصراع.

تم التوصل إلى تسوية بين الرئيسين الأسد والشاذلي من جديد، فعاودت اللجنة عملها وأصدرت قراراً بدعوة من النواب اللبنانيين إلى الإجتماع في الثلاثين من أيلول 1989. وأعلنت وقف إطلاق النار في لبنان. تأليف لجنة برئاسة الأخضر الإبراهيمي للإشراف على تنفيذه، رفع الحصار البحري، وفتح مطار بيروت الدولي، والإشراف على وقف إرسال السلاح إلى لبنان[66].

قام "إتفاق الطائف" على أركان ثلاث:

1-    الهوية والكيان ونظام الحكم.

2-    السيادة والاستقلال.

3-    قواعد وآلية التنفيذ وتحقيق الأهداف.

أما مضمون إتفاق الطائف فاشتمل على أربعة فصول:

1-    المبادىء العامة والإصلاحات السياسية وغيرها من الإصلاحات.

2-    بسط الدولة اللبنانية سيادتها على كامل أراضيها.

3-    تحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي.

4-    العلاقات المميزة مع سوريا[67].

جاء في المبادىء العامة والإصلاحات السياسية: أن لبنان وطن حر سيد مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحداً أرضاً وشعباً ومؤسسات، في حدوده المنصوص عليها في الدستور والمعترف بها دولياً... لبنان عربي الهوية والإنتماء... وهو جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على مبدأ إحترام الحريات العامة وحرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل. والشعب مصدر السلطات والسيادة، يمارسها عبر المؤسسات الدستورية. النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات ومقاومتها.

مبادىء حول النظامين الإقتصادي والإجتماعي، جاء فيها:

أن النظام الإقتصادي، هو نظام حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة... والإنماء المتوازن، ثقافياً وإقتصادياً وإجتماعياً. وهو ركن أساسي من أركان وحدة الدولة وإستقرار النظام. وعلى الدولة العمل على تحقيق عدالة إجتماعية شاملة من خلال الإصلاح المالي والإقتصادي والإجتماعي[68].

رسمت الوثيقة المجتمع اللبناني القائم على العيش المشترك بين طوائف البلاد، على قاعدة المساواة السياسية وقاعدة القانون الواحد لجميع المواطنين، فلا فرز للشعب على أساس أي إنتماء، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، ولا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك[69].

-         أقرت الوثيقة مبدأ يقوم على توزيع المقاعد في المجلس النيابي على أساس المساواة العددية بين المسلمين والمسيحيين (المناصفة) وإعتماد النسبية بين كل مجموعة دينية وبين المناطق. كما تقرر، في حال إنشاء مجلس نيابي غير طائفي، إنشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية

-         وحول الرئاسات الثلاث، فقد بقيت رئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة الحكومة للسنة، ورئاسة المجلس النيابي للشيعة.

-         قلصت الوثيقة صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح رئيسي الحكومة ومجلس النواب. وإحتفظ رئيس الجمهورية بمنصبي القائد الأعلى للجيش ورئاسة مجلس الدفاع، مع خضوع القوات المسلحة لسلطة مجلس الوزراء.

-         ألقيت على عاتق مجلس الوزراء سلطات كثيرة. فله حق المبادرة في إعداد القوانين والمراسيم. وعليه أن يراقب تطبيق القوانين والجهاز الإداري المدني والعسكري وتعيين الموظفين. وقرارات مجلس الوزراء تتخذ توافقياً، وإذا تعذر ذلك فبالتصويت. وتحتاج الموضوعات الأساسية إلى أكثرية ثلثي أعضاء الحكومة، وحددت كالتالي: التعبئة العامة، حالات الطوارىء وإعلان الحرب، إبرام السلام والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة، مشاريع التنمية طويلة الأمد، تعيين كبار الموظفين من الدرجة الأولى، الإصلاح الإداري، وحل المجلس النيابي، وقانون الإنتخاب وقانون الجنسية وقانون الأحوال الشخصية وإقالة الوزراء[70]. وأشار إتفاق الطائف إلى أن إلغاء الطائفية، "هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية". وأن "هيئة وطنية" يجب أن تتشكل برئاسة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والحكومة وشخصيات سياسية وفكرية وإجتماعية، تسعى إلى إلغائها على مراحل.

-         وبالنسبة إلى الإصلاحات الأخرى. تقرر إعتماد خطة إنمائية موحدة وشاملة للبلاد، وإعادة النظر في التقسيم الإداري، "بما يؤمن الإنصهار الوطني ويضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات".

وقد أقرت تشكيل ثلاثة مجالس:

1-    "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء".

2-    "المجلس الدستوري لتفسير الدستور ومراقبة دستورية القوانين".

3-    "المجلس الإقتصادي الإجتماعي للتنمية"، وذلك بهدف مشاركة مختلف القطاعات في صياغة السياسة الإقتصادية والإجتماعية للدولة.

وفي مجال التعليم والتربية الوطنية. لحظت الوثيقة إلزامية التعليم في المرحلة الإبتدائية، وحماية التعليم الخاص وتعزيز الرقابة عليه، وإصلاح الجامعة اللبنانية والتعليم الرسمي والمهني والتقني، وإعادة النظر في المناهج التعليمية وتطويرها بما يعزز الإنتماء والإنصهار الوطنيين[71].

وتقرر إعادة تنظيم الإعلام بما يخدم توجهات الوفاق الوطني.

-         أما فيما يتعلق ببسط الدولة اللبنانية سيادتها على كل أراضيها، فتقرر، "قيام الدولة القوية القادرة المبنية على أساس الوفاق الوطني". وذلك من خلال حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني. وكذلك تعزيز قوى الأمن الداخلي والجيش، وإعادة المهجرين إلى الأمكنة التي هجروا منها[72].

-          أما بالنسبة إلى العلاقات اللبنانية – السورية. أكدت "وثيقة الوفاق الوطني"، إعتراف النواب اللبنانيين بدور الجيش السوري كمساعد للحكومة اللبنانية في إستعادة سلطتها. (تقوم القوات السورية مشكورة بمساعدة قوات الشرعية اللبنانية لبسط سلطة الدولة اللبنانية). وإهتم إتفاق الطائف بتحديد نوعية العلاقات السورية اللبنانية في إطار وجود مصالح بين البلدين، نعتها مشروع وثيقة الطائف بأنها مصالح إستراتيجية مشتركة. وأن العلاقات سوف تجسدها إتفاقات بينهما في شتى المجالات، مما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة كل منهما وإستقلاله. وأصدر المؤتمرون في الطائف، على سيادة لبنان كاملة، غير منقوصة، خاصة أن للسيادة شرعية  مستمدة من الشرعية الدولية التي تعترف بسيادة الدول على أراضيها، سيادة كاملة تامة وغير منقوصة[73].

-          حمل مؤتمر الطائف سلاح الشرعية الدولية، في وجه الإحتلال "الإسرائيلي" لجنوب لبنان، مصراً على إتفاق الهدنة، والحدود المعترف بها دولياً، وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 425، وحقوق الشعب اللبناني في الدفاع عن أراضيه، بكافة الوسائل المتاحة، وواجب الدولة في تحرير الأرض كاملة. ورفض مؤتمر الطائف الربط بين الإنسحاب "الإسرائيلي" إحتلالاً غير مشروع للأرض، يمكن مواجهته باللجوء إلى الشرعية الدولية، أو بالحرب لتحرير الأرض. أما الوجود السوري، فيجب أن توضع له أصول وقواعد، تتفق عليها بيروت ودمشق، في الإطار العربي، الذي يجمعها في ظل إنتماء قوي، ومن خلال جامعة الدول العربية[74].

عمل مؤتمر الطائف على معالجة الوجود العسكري السوري في لبنان، منظمة الإنسحاب السوري على مرحلتين:

الأولى: تقضي بإنسحاب القوات السورية من جميع المناطق اللبنانية الموجودة فيها، إنسحاباً عسكرياً وأمنياً تاماً، إلى منطقة البقاع الغربي، وإلى ضهر البيدر على خط ممتد من عين دارة إلى المديرج، فحمانا، ويكون إنسحابها في مصلحة القوات الشرعية اللبنانية من جيش وقوى أمن، وتساعد هذه القوات على بسط سلطة الدولة اللبنانية على أراضيها كاملة، وتنتهي بعد مرور سنتين.

الثانية: تبدأ بعد إعادة تجميع القوات السورية في المواقع الجديدة، ووفقاً لإتفاق بين الحكومتين اللبنانية والسورية، يحدد مدة بقاء الجيش السوري في البقاع ومداخل البقاع الجنوبي، وحجم قوامه، وعلاقتها بسلطات الدولة اللبنانية، في أماكن وجودها[75].

لقد كان للطائف نتائجه الإيجابية والسلبية.

النتائج الإيجابية:

فقد أوقف الحرب، وشكل حكومة وفاق وطني، وعمل على حل الميليشيات، وجمع السلاح، وضبط الفلتان الأمني. وأجرى إنتخابات رئاسية ونيابية، وعمل على بسط سلطة الدولة وسيادتها في جميع الأراضي اللبنانية.

"وحقق إلغاء هيمنة الطائفة الواحدة، وتثبيت المشاركة بين الطوائف جميعها، وأقر المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وحدد إتخاذ القرارات بأكثرية الثلثين"[76].

وأكد على العيش المشترك، وعلى عروبة لبنان، هوية وإنتماء، وقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة وإعادة توحيد الجيش والقوى الأمنية، وأقر إصلاحات في الإقتصاد والقضاء والتعليم والإعلام، وإعتماد اللامركزية الإدارية.

وأكد على العلاقات المميزة بين سوريا ولبنان، وعلى العلاقات اللبنانية الفلسطينية، وتحرير لبنان من الإحتلال "الإسرائيلي"[77].

النتائج السلبية:

كرس الطائف، الطائفية السياسية، حيث دفع اللبنانيون ثمناً باهظاً من الخراب والدمار والقتل والخسائر البشرية والمادية والتهجير من أجل إلغائها، وتحقيق الإصلاح والتغيير وإقامة نظام ديمقراطي علماني.

فكل الجهود والتضحيات ذهبت هباء، بعد أن أبقى الطائف على المضمون الطائفي للنظام السياسي وعلى جوهر الصيغة الطائفية وعلى المواقع الطائفية، خصوصاً في الرئاسات الثلاث وموظفي الفئة الأولى، التي كرسَها دستورياً وقانونياً، بعد أن كانت عرفاً وتقليداً.

وأقر الطائف تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمن رئيسي مجلس النواب والوزراء وشخصيات سياسية وفكرية وإجتماعية للعمل على إلغاء الطائفية السياسية. لقد إنتقد "حزب الله" الهيئة الوطنية التي لم تحدد فترة زمنية إنتقالية لإلغاء الطائفية". وحسب رأي الحزب "فإن إلغاء الطائفية السياسية قد قبر في دهاليز السياسة اللبنانية"[78].

وقد إعتبرت "جريدة العهد" الناطقة بإسم "حزب الله"، "أن وثيقة الطائف ليست تسوية، بل إطلاق للصراع السياسي". ورأت في إتفاق الطائف تعديلاً موضعياً للدستور اللبناني، وليس نطاقاً جديداً للبنان يلغي الطائفية السياسية"[79].

كما لم يتحقق الإنماء المتوازن للمناطق: وطالما تجاوز الطائف الأسباب الأساسية للأزمة، بإستمرار النظام الطائفي، فلن يتمكن من إيجاد العلاج والحل المناسب لها.

ما يعني "أن التسوية ستبقى معلقة، ولا أمل في قيام الدولة القوية"، حسب جريدة العهد. وأن تكريس الطائف للنظام الطائفي أبقى على التناقضات الإجتماعية بين الطوائف. والتجاذبات الطائفية السياسية والإجتماعية، وذلك باحتفاظ الأحزاب والميليشيات بأفكارها وبرامجها ومشاريعها وخطابها السياسي الطائفي، الذي قد يجدد القتال وربما يؤدي إلى التقسيم.

لن تجدي نفعاً الحلول التوفيقية، فبدون حلول جذرية لإنهاء الأزمة، ستبقى الأمور تراوح مكانها، لا بل "ستبقى النار تحت الرماد"، ولا يعرف أحد كيف ومتى وأين ستشتعل من جديد.

إتفاق الطائف هو وثيقة الإتفاق الوطني اللبنانية ويجب أن يكون المرجع النهائي للبنانيون  يستمدون من خلاله وفاقهم الوطني والسلم الأهلي بعد الحرب الأهلية التي إستمرت 15 عاماً ولكن في الحقيقة اتفاق الطائف هو وسيلة تستخدم في أيدي الأحزاب والقوى السياسية في لبنان، حيث يستخدمونه ويتمسكون به حين يخدم ذلك مصالحهم، ويتم رفضه ومقاطعته حين يتناقض مع مصالحهم. فلهذا الاتفاق سلبياته وايجابياته، فبالنهاية هو أطفأ نار الحرب الأهلية، ولكن بالمقابل فرض على الشعب اللبناني التقيد بالطائفية والمذاهب الدينية، وجعل الاحزاب تتحكم دائماً في عقول الشباب واستخدام الدين كوسيلة لدعم شعبية السياسيين. فهذا الاتفاق ظلم الشباب اللبناني من النواحي الاقتصادية، السياسية والاجتماعية. وجعل الطائفية مزروعة في أذهانهم حتو لو كانوا يرفضونها. فهذا البلد اصبح قائماً بأساسه على التمييز والفصل بين السلطات والوظائف والامتيازات من خلال المذهب. فلا يمكن نكران أهميته ولكن يجب إيجاد بديل آخر يناسب طموح الشباب حتى لا تعود الفتنة وتشعل نار الحرب الأهلية.

-         قيل منذ بداية الحرب الأهلية في لبنان 1975، أن الأزمة اللبنانية، جزء من الأزمة العربية، وأنه لا يوجد حل لها بمعزل عن الحلول المطروحة للأزمة العربية ككل. الكلام، صحيح نسبياً، لكن لكل بلد خصوصياته وظروفه المختلفة عن البلد الآخر في جوانب متعددة.

-          تضاربت وتشابكت وتداخلت في لبنان مصالح قوى دولية وإقليمية وعربية، وكل منها إستطاع إيجاد علاقة ما مع قوة محلية، تمكن بواسطتها من تنفيذ سياساته وتوجهاته وأهدافه، لأنه ليس بالإمكان فصل العوامل الخارجية عن العوامل الذاتية التي مهدت وبررت ودعمت السياسات العدوانية الموجهة ضد الشعب اللبناني والعربي.

-         فالوضع اللبناني ليس أفضل حالاً من الأوضاع العربية الأخرى، طالما يؤثر ويتأثر فيها، إلا أن تركيبة النظام اللبناني السياسية القائمة على التوازنات الطائفية، شكلت نوعاً من التمايز المتمثل بهامش من الديمقراطية الذي طبع النظام بطابعه، يحتم ذلك بناء دولة تنتهج سياسة التحرر الوطني والرعاية الإجتماعية والممارسة الديمقراطية.

-         إن هامش الحرية والديمقراطية الطوائفية، ساعدت أبناء الشعب اللبناني على وعي مصالحهم الحقيقية، في الوقت الذي لم يساعد على تحصين الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي اللبناني، مما زاد في العزلة والتشرذم والتفتت الطائفي والمناطقي، وصولاً إلى الإنفجار عام 1975 الذي لا يزال يعيش الشعب أثاره ونتائجه.

-         إن الطائفية السياسية ساعدت في نمو وتقوية وهيمنة طبقه، سميت مجازاً "الإقطاع السياسي" (الزعامات التقليدية الطوائفية) وطالما أن السلطة السياسية هي سلطة الطبقة المسيطرة اقتصاديا فإن مصالحها تتناقض جذرياً مع باقي الطبقات والفئات الإجتماعية الأخرى، بحيث دفعته التراكمات المتفاعلة داخله إلى درجة الإنفجار.

-         إن تركيبة لبنان الطائفي الذي يقوم على الديمقراطية الطوائفية، ما هي إلا تسمية مبطنة لهيمنة الطوائف الكبرى على الطوائف الصغرى، وسيطرة الطبقة الغنية على الطبقة الفقيرة.

-          الإستحقاقات التي تواجه الشعب في لبنان، والقائمة على مواجهة المخاطر الصهيونية والأميركية وحلفاءها وعملاءها، والخطر الارهابي التكفيري، ومواجهة السياسة الرسمية للنظام اللبناني المتخلف عن واجباته الوطنية والديمقراطية والإجتماعية، يحتم ذلك الخروج من دائرة الطائفية والمذهبية والفئوية الضيقة إلى الأفق الأرحب اللبناني والعربي.[80]

-          تؤدي تركيبة لبنان الطائفية، إلى رفض فئات طائفية وسياسية لوجود المقاومة، كقوة عسكرية مسلحة، لا تخضع للنظام اللبناني وترفض تسليم سلاحها إليه، يتطلب ذلك:

1.     التمسك بهدف التحرير والثوابت الوطنية، ودعم المقاومة، وعدم السماح للإضرار بها أو النيل منها أو التآمر عليها.

2.     لبنان جزء من الوطن العربي، والشعب اللبناني جزء من الأمة العربية لذا فإن التركيز على لبننة لبنان، وعزله عن محيطه العربي، يصب في خدمة المؤامرة الهادفة إلى إعادة تقسيم الوطن العربي على أساس "سايكس-بيكو" جديد، أخطر من سابقه، ويؤدي إلى النيل من الوطن العربي ولبنان وعروبته ومقاومته وصموده.

3.     إن ظاهرة المقاومة وحدها، رغم أهميتها ومشروعيتها، غير كافية إذا لم ترتبط ببرنامج سياسي إقتصادي إجتماعي، ومعرفة كاملة لهموم الشعب.

4.     وجوب تحديد الأولويات في التنمية كشرط أساسي وضروري. فالإتفاق في مجال تطوير الإنتاج الصناعي والزراعي، يؤدي إلى زيادة الدخل القومي والموازنة العامة، ويقلل نسبة البطالة بتوفير فرص عمل للمواطنيين، وتحسين مستوى دخل الفرد.

5.     إن حالة لبنان الإقتصادية التي هي إنعكاس للحالة السياسية الطوائفية، أوصلته إلى حالة الفقر. فعجز الدولة عن تسديد سندات الخزينة المستحقة، ومحاولاتها تأجيل إستحقاقات الديون، سيؤدي إلى تراكم الفوائد، فيصبح البلد مرهوناً للإستحقاقات التي عليه تسديدها.

6.     التحذير من مغبة التمادي في الهدر والإنفاق غير المبرر وغير المشروع، والتأكيد على ضبطه والتشدد في مراقبة الصرف في مشاريع غير منتجة.

7.     محاربة ظاهرة الإستغلال والمستغلين، الإحتكار والمحتكرين والفساد والمفسدين. كما إن ضبط الأسعار ومنع إرتفاعها العشوائي وتحديدها بما يتلائم مع مستوى المعيشة ومعدلات دخل الفرد، من المهام الواجب العمل لتحقيقها.

8.     يجب معرفة أي لبنان يريده الشعب. لبنان الطائفي، الفئوي، الإنعزالي، أم لبنان الديمقراطي العربي، بعلاقات إنتاج ليس رأسمالية تابعة.

9.     إن تعميم التعليم ومجانيته، في المراحل المدرسية والجامعية، وتوحيد البرامج التعليمية والتربوية ومنهجتها، تحد من تكريس الخريجين الذين لا يجدون فرص عمل أمامهم، مما يعزز الإنتماء إلى الوطن والثقة فيه ومستقبله.

10. إن تأمين العلاج والطبابة إن لم يكن مجانياً فبأسعار تتلائم مع معدلات دخل الفرد في المستشفيات العامة والخاصة، وتخفيض أسعار الدواء، شرط أساسي لمجتمع خال من الأوبئة والأمراض، ومواطنين أصحاء قادرين على العطاء.

11. وضع قوانين للضمان الإجتماعي، وضمان الشيخوخة، يستفيد منه كل مواطن، توفر له الحياة الملائمة والعيش بكرامة.

12. العمل لضمان صحة التمثيل السياسي، بإعتماد قانون للإنتخاب على قاعدة التمثيل النسبي وخارج القيد الطائفي.

13. إن الديمقراطية الحقيقية، وليس الديمقراطية الطوائفية أو التوافقية هي أساس تطوير المجتمع. فالمساواة في الحقوق والواجبات، وإتاحة الفرص أمام الجميع بالتساوي، وتحقيق العدالة الإجتماعية، وإفساح المجال للمواطنين للتعبير عن آرائهم بحرية كاملة، وممارسة النشاط السياسي، وبناء الأحزاب، وحرية الصحافة والحرية الإعلامية، وتعزيز العلاقات داخل المجتمع، وتقوية الصلة بين أبنائه، يحفزهم ذلك للعمل لبنائه وتطويره، وحمايته من كل ما يعكر أمنه وسلامته. أليس هذا لبنان الذي يريده أبناؤه، يعيشون فيه بأمن وأمان، وثقة ومحبة ووئام؟[81].

 الخلاصة

 لا يوجد تعريف مفهوم وموحد للنزاع لدى العلماء والمتخصصين فيه لأنه متداخل متشعب متشابك ومعقد والنزاعات عندما تكون كذلك محلولها أيضاً متشعبة متشابكة ومعقدة وكذلك صعبة وتحتاج لوقت طويل فعندما تكون المشاكل (النزاعات) سهلة، تصبح حلولها سريعة وسهلة، وعليه فإن النزاعات في الأساس، ليست سهلة بل معقدة ومتشابكة وصعبة، وإن أعادها بعض العلماء الى سلوك الإنساني العدواني ونزعته الغريزية الى حين التسلط والسيطرة والتملك ، فعندما تكون السيطرة للأقوى، يسود العالم والوجود الإنساني صراع دائم ومتواصل يغلب على النزاع الطابع السياسي، الإقتصادي، الإجتماعي (الأيدولوجي) إن كان النزاع داخلي أو خارجي، سلمي أو عنيف، شخصي أو جماعي، طائفي أو مذهبي، إثني أو عرقي... فالنزاع الداخلي يرتبط بالأوضاع الإقتصادية والإجتماعية أي عدم المساواة في الدخل وتوزيع الثروة والفوارق الطبقية... وكذلك سياسياً، إذ أن السلطة السياسية هي سلطة الطبقة المسيطرة إقتصادياً والتي تضع الأمور جميعها بيدها تتحكم بها والناس عامة، تقدم الخدمات والمساعدات والتسهيلات الى فئات وطبقات قريبة منها وتحرم الآخرين منها. وهكذا يشن النزاع السياسي، الإقتصادي الإجتماعيبين الفئات المختلفة من الناس، الذي تغذيه السلطات، وحتى سيكون طابعه أيدولوجي (طبقي).

وحتى إن كان النزاع إثني أو طائفي فإن المساواة والعدالة في الحقوق والواجبات وتوزيع الثروة والخدمات للناس وحتى إذا اختلفوا فيما بينهم طائفياً أو مذهبياً إثنياً أو عرقياً تختفي المشاكل والنزاعات لكنها لا تزول، أما في حال التمييز وعدم المساواة والاجحاف بالحقوق ومصادرة الحريات، فالنزاعات تبرز مجدداً لتتخذ اشكالاً متعددة، ففي البداية تتخذ طابعاً سليماً لا عنيفاً، يسعى فيه الناس الى المطالبة بالحقوق، والمساواة بين أبناء الوطن الواحد لتتطور في حال عدم الإستجابة فإن الصدامات والاشتباكات قد تصل الى نزاع مسلح يسعى فيه كل الاطراف الى تحقيق الأهداف، إما بالإنفصال أو بتحقيق حكم إداري ذاتي أو بالعمل لتغيير النظام ككل. أما على الصعيد الخارجي ، فلا يختلف الأمر كثيراً فالأطراف الدولية وسعيها للسيطرة والتسلط وبسط النفوذ والاستيلاء على الموارد ونهب ثروات الشعوب والدول الضعيفة، ترتبط أيضاً بالموقع السياسي الإقتصادي الدولي بين الدول ذات الايدولوجية المختلفة في صراعاتهم الدولية حول السيطرة على العالم وموارده وثرواته لذا فإن الحرب العالمية الأولى كانت بين الدول الغربية لأجل إقتسام العالم. أما الحرب العالمية الثانية فكانت من أجل إعادة تقسيم العالم من جديد على أسس مغايرة، في ظل متغيرات دولية وميادين قوى وإتجاهات أيدولوجية  (الرأسمالية والإشتراكية) والتي أدت الى إقامة نظام الثنائية القطبية وتقسيم العالم بين أميركا والاتحاد السوفييتي، حيث اتخذ الصراع بين القطبين سياسة الحرب الباردة وخوض الحروب بالنيابة لأمر كلا القطبين يمتلك أسلحة دمار شامل يمكنه بواسطتها تدمبر العالم كه. لذا فإن الصراعات أو النزاعات بتداخلها وتشقلباتها لا يمكن إيجاد حلول جذرية لها، إذ أن الحلول الجذرية تنفي وجود الآخر، وهذا ما لا يمكن تحقيقه، وعليه فإن الحلول دائماً توفيقية وتوافقية، تسعى الى تخفيف التوتر والتقليل من حدة النزاعات لوقفها او منع حوثها.

تعود الأسباب الداخلية للنزاع في لبنان إلى هويته وانتمائه وتركيبته الطائفية شبه البرجوازية وشبه الإقطاعية، التي شكلت السلطة السياسية منذ عهد الاستقلال وميثاق 1943 بسلبياتها وإيجابيتها حتى الآن، وبين عامة الشعب الذي يعاني الفقر والحرمان والتمايز والتفاوت الاجتماعي بين أبنائه من جهة والسلطة من جهة أخرى.

يقتضي إعلان 13 نيسان يوماً للذكرى، وإقامة نصب تذكاري للمخطوفين والمفقودين الذين هم من كل الطوائف والمناطق والإنتماءات واللاانتماءات، يوماً للتعبيرعن توبة وطنية جامعة وللمصالحة مع الأموات ومع الماضي. يوم للتعبير عن وقفة جماعية أمام الضمير الوطني، يقدم فيه الجميع الإعتذار إلى ضحايا الحرب، ويطلبون الغفران[82]. ويقتضي تاليا إقامة مأتم رسمي وشعبي لكل المخطوفين لختم هذا الملف المفتوح، وإحياء الطقوس لدفن أمواتنا، وإعلان عدم عودتنا بتاتا إلى الحرب.

الرؤية المستقبلية وتتضمن

1-    التنوع المنسجم في إطار الهوية العربية.

ويرى حليم بركات أن المجتمع العربي يراوح بين مرحلة النزاع والتعايش بين الجماعات والأقطار والكيانات ويقول بركات أن ترسيخ الهوية العربية لا يعني إلغاء التنوع في الإنتماءات الخاصة[83].(صحيح أن الأزمات التي شهدتها المنطقة العربية، دفعت الجماهير لإتخاذ مواقف عبرت فيها عن إندماجها في الحالة النضالية، وكان الإنسجام بين التنوع الطائفي أو الإثني أي بين مكونات المجتمع العربي لا يشوبها شائبة، ولم تظلله الشكوك. وقد مثل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 أكبر وأوضح دليل).

2-    التحليل الطبقي

يطالب الحركة الوطنية العربية بزيادة الإهتمام بالتحليل الطبقي للواقع الإجتماعي، وهو أيضاً مطالب بتعميق الإهتمام بالقومية العربية، بحيث يصبح كل من التحليل الطبقي والقومي جزءاً أصيلاً من نظرة شاملة للواقع العربي".(لكن قيمة التحليل الطبقي في ترجمته العملية، في وجود قوى سياسية تؤمن به وتناضل لتحقيقه، وأن يكون لديها برنامجها العام الذي تستطيع بموجبه إستقطاب الحالة الشعبية، حتى تتمكن معها من الوصول إلى الأهداف التي تطمح لتحقيقها).

3-    الإشتراكية

يقول بركات: "تبنت الحركة القومية العربية المفاهيم الإشتراكية وأصبحت جزءاً من إيديولوجيتها، فترسخ لديها ضرورة إلغاء التفاوت الطبقي في مجمل الحياة العربية، وردم الهوة الواسعة بين أقلية غنية جشعة وأغلبية فقيرة مسحوقة، تناضل للتحرر من سيطرة البرجوازية، بعد أن كادت تقتصر إهتماماتها على الهوية القومية والإستقلال والتحرر من النفوذ الأجنبي"[84]. لم تتمكن الحركة القومية العربية من تجسيد الفكر الإشتراكي عملياً، بل أسقطته ميكانيكياً على الواقع العربي بمكوناته السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ولم تأخذ بعين الإعتبار، القيم الثقافية والأخلاقيات والعادات والتقاليد التي تتحكم في المجتمع وتأثير الفكر الإشتراكي عليه وتأثره فيه، وكذلك النظام، هل يتبنى الفكر الإشتراكي أم يعاديه؟ وبالنسبة للأحزاب، هل تبنته النخبة القيادية، أم كان لديه إمتداداته في أوساط القاعدة الحزبية؟ وهل كان للفكر الاشتراكي بيئة شعبية حاضنة له؟ وبالرغم من ذلك كله فقد تعمق تدريجياً وعي جديد بوجود إرتباط بين القهر القومي والقهر (الطبقي) الإجتماعي، وبين التحرر الوطني والتحرر من الفقر، وطبيعة التحالف بين الإستعمار والطبقة الحاكمة في بلدانها.

4-    العلمنة

إنها نظام عام عقلاني ينظم العلاقات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات فيما بينها والدولة، على أساس مبادىء وقوانين مستمدة من الواقع الإجتماعي يتساوى أمامها جميع أعضاء المجتمع وفئاته بغض النظر عن الإنتماءات والخلفيات.

وتشمل:

·        فصل الدين عن الدولة، والإمتناع عن تحديد هويتها الدينية.

·        إلغاء الطائفية السياسية.

·        تعزيز المحاكم المدنية لضمان المساواة بين المواطنين.

·        إقرار توحيد قانون الأحوال الشخصية بحيث يمنح المواطن حق الإختيار بين الزواج المدني أو الديني.

·        إعتبار القوانين نسبية مصدرها المجتمع وتحدد بضوء حاجاته ومشكلاته، وحسب مشيئة الشعب الذي يحكم بإسم القانون.

·        إعتبار الحاكم حاكم بإسم الشعب يستمد سلطته منه ويمثل إرادته.

·        تعزيز الثقافة العلمية العقلانية.

·        الإقرار بحقوق مختلف المذاهب والطوائف.

·        تحرير الدين من سيطرة الدولة، والدولة من سيطرة الدين.

5-     تجاوز الإغتراب

يقول بأن: "الأوضاع والأنظمة والمناخات السائدة لا تسمح للإنسان بممارسة حريته وتنمية طاقاته الإبداعية، ولا تشجع على إندماجه بقدر ما تشجع على عزله، ولا تغني حياته بقدر ما تفقرها، ولا تملأ نفسه بالإعتزاز بهويته وكرامته بقدر ما تذله، وتسلبه حقه في المشاركة في صنع مصيره، وبقدر ما تمارس عليه القهر"[85]. فهل ينسحب السياق التحليلي العام، حول أسباب النزاع ومظاهره ومكوناته وتنوعه وأشكاله على ما جرى في لبنان؟

ويعود أيضا لأسباب خارجية، ترتبط بأطماع العدو الصهيوني في لبنان واستباحته له براً وبحراً وجواً والاعتداء عليه وإجتياحه، وصولاً إلى إجراء ترتيبات لضمان أمن وسلامة حدوده، عبرإقامة جيش حدودي عميل يرتبط به وينفذ سياساته، يحمي حدوده، يحافظ على وجوده ويمارس أشكال القمع والقهر والإضطهاد ضد الشعب اللبناني، حيث إضطرته مقاومة الشعب اللبناني إلى الإندحار من لبنان في العام 2000 دون أي إتفاق، وفي سابقة لم تشهدها المنطقة العربية من قبل.

وكي لايتخذ الصراع بعده الطبقي والديمقراطي، عمد النظام إلى تغليف الأزمة بغلاف طائفي، كي يبقى يتحكم في الأحداث ومسارها وتطورها وإتجاهاتها والمبادرات التي تقدم إليها والتعامل معها لحل الأزمة.

وقد تبين من خلال سير الأحداث وتطوراتها ما يلي:

1.     أن التوازنات الطائفية وسياسة "اللاغالب واللامغلوب" ما تزال تتحكم في العلاقات بين أطراف الأزمة المتصارعة وبينها وبين النظام المدعوم عربياً ودولياً لتكريسها.

2.     إن إنتهاج النظام اللبناني سياسة "قوة لبنان في ضعفه" هدفت إلى:

أ‌-       إستفادة النظام من هذه المقولة للحصول على ضمان الدول الكبرى لتأمين سلامته وسيادته وأمنه وإستقلاله.

ب‌-  لإنتهاج لبنان الحياد في سياسته الخارجية.

فقد إنعكست هذه السياسة سلباً على لبنان الذي لم يعمل على إيجاد الوسائل التي تجعله يستجيب إلى التحديات التي تواجه المنطقة العربية كالصراع العربي – الإسرائيلي وغيره من التحديات والإستحقاقات عليه.

3.     النزاع في لبنان لا يمكن حسمه بسبب تكريس الطائفية السياسية والإصلاح الذي لا يخرج عن سياقها والمحاصصة وتوزيع المسؤوليات بين الزعامات،التي كانت عرفاً سابقا ومن ثم شرعت قانونياً ودستورياً. ولأن العامل الذاتي اللبناني المتمثل بالأحزاب والقوى السياسية من كلا الطرفين غائباً إن لم يكن مغيباً وإتكالياً ومرهوناً وتابعاً للعامل الموضوعي الخارجي، الذي يقرر نيابة عنه. وكذلك لعدم وجود برنامج سياسي تغييري جذري يمكن أن يغير في المعادلات ويؤدي إلى الإخلال بالتوازن ويحل الامور جذريا لصالح لبنان الوطن والشعب.

4.     لم تكن الأزمة في لبنان بعيدة عن كل ما يجري في المنطقة العربية بل إن التطورات الإقليمية والدولية التي إستهدفتها كان لها تأثيرها على لبنان، لأن لبنان جزء من الأراضي العربية والشعب اللبناني جزء من الأمة العربية.

5.     كانت الأنظمة العربية وقوى المعارضة في بلدانها تجد متنفساً لها في لبنان، بسبب حرية الإعلام والصحافة النسبية فيه والديمقراطية التوافقية والطائفية السياسية التي روجوا بإعتبارها النموذج الديمقراطي والمنفرد في المنطقة العربية، وعليه أعتبر لبنان منبراً إعلامياً ومستقراً سياسياً للحكام وللمعارضين في بلدانهم على حد سواء.

6.     مشاريع التقسيم التي تستهدف المنطقة العربية، لم تستثني لبنان، بل كان في صلبها، (خصوصاً مشروع "الشرق أوسط جديد" و"الشرق أوسط كبير"، و"إستراتيجية إسرائيل في الثمانينات"، إلى آخره) مستغلة السياسة التي أنتهجها لبنان، "قوة لبنان في ضعفه"، والحياد إتجاه الصراع العربي – الصهيوني، إلى إجتياحه من قبل العدو الصهيوني عامي 1978 – 1982 لتنفيذ مخطط تقسيمه، فعمد إلى إقامة "الحزام الآمن"، و"الجدار الطيب"، و"دويلة سعد حداد" العميلة بين 1978 – 2000.

7.     عمد العدو الصهيوني مدعوماً من أميركا والدول الغربية بعدوانه وإجتياحه لبنان في حزيران 1982، إلى إجبار المقاومة الفلسطينية على الخروج من بيروت وكذلك إنسحاب القوات السورية منها، وفرض توقيع إتفاق الذل والعار في 17 أيار 1983.

8.     العلاقة التي كانت تربط النظام السوري مع الأطراف اللبنانية في حينه، هي علاقة مصالح، لا مبادىء وثوابت تحكمها. فقد قامت القوات السورية بدعم المليشيات المسيحية والجبهة اللبنانية في الوقت الذي كانت تعرف العلاقات التي تربطها بإسرائيل، في مواجهة القوى الوطنية والتقدمية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، وعادت العلاقة لتنقلب من جديد.

9.     إنقسام الشعب اللبناني غير المعلن على الأرض، وتغليبه إلتزامه الطائفي على مصالحه المشتركة كشعب في مواجهة الإستغلال والظلم والإفقار من قبل النظام.

10. تدخل النظام العربي في لبنان لحل الأزمة فيه، بإرساله "قوات الردع العربية" وعقده "لمؤتمر بيت الدين" عام 1978، و"مؤتمر جينيف" عام 1983، ومؤتمر لوزان عام 1984 وأخيراً مؤتمر الطائف عام 1989. كانت تهدف جميعها إلى وقف القتال وإيجاد حلول للأزمة فيه. فالمبادرات والمؤتمرات التي عقدت مع السلطة اللبنانية وبواسطتها، بمعزل عن أطراف الصراع الفعلية على الأرض، أعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل بداية الحرب الأهلية، بتكريس الطائفية السياسية والزعامات التقليدية وبعض الإصلاحات، وتمثل العنوان الأبرز في وقف الإقتتال، دون إيجاد حل جذري للأزمة اللبنانية.

11. تدخلت أميركا وفرنسا وغيرهما في الأزمة اللبنانية، إنطلاقاً من مصالحهما في لبنان والمنطقة العربية. إدعيتا الحياد والحرص على أمن لبنان وسلامته وسيادته وإستقلاله، فقدمتا الدعم السياسي والأمني للنظام. أيدت أميركا مواقف وسياسات العدو الصهيوني وانحازت إليه بشكل مطلق في لبنان والمنطقة، وكذلك الطرف اللبناني المرتبط به في مواجهة القوى الوطنية والتقدمية والمقاومة الفلسطينية وسوريا، حيث قامت أميركا وفرنسا بقصف مواقعها في الجبل، ردت المقاومة بتصعيد العمليات العسكرية، فإستهدفت قوات المارينز والقوات الفرنسية بإنفجارين أوديا بحياة 241 أميركي و60 فرنسي، إضطرت بعدها القوات الدولية إلى الإنسحاب من لبنان.

12. إقرار إتفاق الطائف بعروبة لبنان هوية وإنتماء، أدى إلى خوف المسيحيين من الخلط بين العروبة والإسلام. فالتسليم بالعروبة يعني القبول بسيطرة المسلمين سياسياً. وإن إقرارهم بالعروبة كهوية، يجب ألا يترتب عليه أمر سياسي معين سوى ما يترتب على أعضاء جامعة الدول العربية. محذرين من أن يتحول الإقرار بالإنتماء إلى العروبة، إلى المطالبة بالوحدة السياسية بين لبنان وسوريا.

13. لم تتمكن وسائل وآليات حل النزاع المنبثقة عن هيئات دولية من إيجاد تسوية لها ما لم يكن الوضع الداخلي والدولي بأطرافه المتنازعة مهيئاً للتوصل إليه.

14. يمكن التوصل لتسوية النزاع، إذا ما وصلت أطرافه في بلدانها إلى نتائج حول عدم إمكانية الحسم لصالح أي طرف وتحقيق الأهداف المرجوة.

15. كما لم تتمكن الوسائل والآليات السلمية من إنهاء النزاعات وحلها جذرياً، لعدم معالجة أسبابها والعوامل المؤدية إليها والنتائج المترتبة عليها، عدا عن مصداقية الهيئات القيمة في إيجاد تسوية في حال تضاربها مع مصالحها.

أما الوسائل والآليات المتبعة، فهي: الحوار، المفاوضات، الوساطة، التوفيق، التحكيم، والمقاضاة...

لم تتمكن فعلياً هذه الوسائل والآليات من حل النزاعات، حتى لدى تشكيل هيئات دولية كعصبة الأمم، وهيئة الأمم المتحدة. فاستمرت الصراعات العنيفة والحروب دون توقف.

"كان لبنان عشية الحرب عبارة عن فقراء وعمال ومزارعين وموظفين يريدون دولة لا تحرمهم العيش الكريم، وأحزاب تطرح التغيير والإصلاح من منطلقات إيديولوجية وسياسية متباينة. فضلاً عن دولة ضعيفة هشة ومشلولة، تسيطر عليها قوى تقليدية ترفض التغيير، وغير قادرة على الإمساك بمجتمعها وقواه السياسية، يتربص بها خارج إقليمي ودولي، يعمل على تحقيق مصالحه، جاعلاً من لبنان ساحة صراع ونفوذ"[86].

فهل المطلوب العودة إلى ميثاق 1943، بالعقلية الطائفية القديمة، التي ولدت التناقضات بين اللبنانين وتسببت بحروب بينهم وغيبت فكرة الوطن عندهم؟ وهل يمكن العودة إلى هيمنة طائفة على الطوائف الأخرى؟ وهل المطلوب زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية ووضع جميع السلطات بين يديه؟

ان"إستبدال النظام السائد بنظام جديد، يؤمن تحقيق الوحدة القومية والعدالة الإجتماعية، والمشاركة الديمقراطية، والتنمية الإقتصادية والإدارية. ويواجه مشكلة التجزئة العربية، الفقر، التخلف، وتسلط السلطة على الشعب ومقدرات البلاد ومشكلة السيطرة الإستعمارية ومشكلة تغريب المواطن في بلده وتهميش دوره في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية"[87].

وكان الخيار الأخير، فرض إتفاق الطائف على اللبنانيين الذي أوقف القتال وأجرى إنتخابات نيابية ورئاسية وأكد على عروبة لبنان هوية وإنتماء.

لكنه كرَس الطائفية السياسية والديمقراطية التوافقية، وترك الأزمة تراوح مكانها دون إيجاد حل جذري لها بمعرفة الأسباب التي أدت إليها والنتائج التي ترتبت عليها من قتل ودمار وخراب للوطن والمواطن في لبنان، ولربما قد تجد مسببات ومبررات لإشتعالها مجدداً.



[1][1] حسن هلال، محمد عبد الغني، مهارات ادارة الازمات، مركز تطوير الاداء والتنمية، 2001 ص 165

[2] بيضون، احمد، لبنان الاصلاح المردود والخراب المنشود، دار الساقي، 2012 ص 299

 

[3] بيضون، أحمد، لبنان الإصلاح المردود والخراب المنشود، دار الساقي، الطبعة الأولى، بيروت، 2012، ص 250

[4] تقي الدين، اسماعيل، المسألة الطائفية في لبنان، الجذور والتطور التاريخي، دار إبن خلدون، بيروت، 2010،  ص 370-372

[5] نصر الله، شكري، تاريخ لبنان واللبنانيين، نظرة الى الوراء، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2006

[6] وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، التي أقرها اللقاء النيابي في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 22/10/1989

[7] عليوة، السيد، إدارة الصراعات الدولية دراسة في سياسات التعاون الدولي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988، ص 39

[8] عبود، أحمد، انتفاضة الجنوب وسياسة الأحلاف والمحاور، مؤسسة الكتاب الحديث، بيروت 1994، ص 243

[9] الجسر، باسم، ميثاق 1973:لماذا كان؟ وهل سقط؟، دار النهار، بيروت، 1997، ص 356.

[10] مشروع البيان الختامي لمؤتمر لوزان، تاريخ 20/3/1988، العدد 15598، ص 126

[11] عز الدين، احمد جلال، ادارة الازمة في الحدث الارهابي، دار النشر بالمركز العربي للدراسات اﻻمنية والتدريب في الرياض، 1990 ص 136

[12] Chomsky, Noam: The Fateful Triangle: The united states, Israel and Palestinians, South End Press, Cambridge, 1999, page 324

[13] المقدسي، جين سعيد، شتات بيروت، مذكرات حرب 1975، دار الساقي

 

[14]Corm, Georges: Le Liban Contemporain, 1940-1992 Gallimard, Paris, 1992, page 56

[15]عليوة،السيد، درويش، عبد الكريم، دراسات في السياسات العامة وصنع القرار، القاهرة، 2000، ص 68

[16]نصر الله، شكري، تاريخ لبنان واللبنانيين، ص 52.

[17]الحص، سليم، عصارة العمر، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الثانية، بيروت، 2004. ص 250

[18]الحص، سليم، عصارة العمر، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الثانية، بيروت، 2004. ص 234

[19] العبد، عارف، لبنان والطائف تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل، مركز دراسات الوحدة العربية، أطروحة دكتوراه، الطبعة الأولى، بيروت،2001، ص 125

[20]جنبلاط، كمال، حقيقة الثورة اللبنانية، لجنة تراث القائد الشهيد كمال جنبلاط، 1978، ص 99

[21]مسرة، انطوان، قيس، ربيع، اتفاق الدوحة: ثقافة المواثيق، المكتبة الشرقية، بيروت، 2009، ص 243

[22]نصرالله، شكري، تاريخ لبنان واللبنانيين نظرة إلى الوراء، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الأولى، بيروت 2012، ص 25

[23] منظمة التحرير الفلسطينية، يوميات الحرب اللبنانية، الجزء الأول 327 صفحة، الجزء الثاني 406 صفحات، مركز التخطيط، بيروت، 1977، ص 253

[24]جنبلاط، كمال، لبنان وحرب التسوية، مركز الدراسات الإشتراكية، 1979، ص 191

[25]نصر الله، شكري، مصدر سابق، ص 261.

[26]بو حبيب، عبد الله، الضوء الأصفر: السياسة الأميركية تجاه لبنان، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1991، ص 38.

[27]بو حبيب ،عبدالله ،المصدر ذاته ص39.

[28]بقردوني، كريم، لعنة وطن: من حرب لبنان إلى حرب الخليج، عبر الشرق للمنشورات، 1991، ص59.

[29]بو ،حبيب ، عبدالله، مرجع سابق ص 32 .

[30] إتفاقية الخطوط الحمر: إتفاقية ضمنية برعاية بين سوريا و"اسرائيل" سمحت للقوات السورية بالدخول الى لبنان بإعتبارها القوة القادرة على تثبيت الوضه فيه وضبط فلتانه من السلاح، وإنها تريد أن تعطيها دوراً هاماً في الشأن اللبناني. ورأت أن انتشار القوات السورية في الجنوب لمنع النشاط المسلح الفلسطيني ان يتعارض اميركا و"إسرائيل" وإن الأخيرة لن تتدخل في الوضع اللبناني. ازمة الإجتياح "الإسرائيلي" لجنوب لبنان في 14/3/1978، أسقط الإتفاق وأثار حفيظة أميركا التي انتقدته ولم تعترض على استصدار مجلس الأمن الدولي للقرار 425.

[31]عليوة، السيد، إدارة الصراعات الدولية دراسة في سياسات التعاون الدولي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988، ص 123

[32]عارف العبد، لبنان والطائف تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل، 440 صفحة، مركز دراسات الوحدة العربية، أطروحة دكتوراه، بيروت 2001، ص 268

[33]حجار، جورج، استراتيجية الأمن القومي الأميركي، دراسة مقدمة إلى التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة، 2004، ص 96

[34]قرم، جورج، لبنان المعاصر تاريخ ومجتمع، المكتبة الشرقية، بيروت، 2004، ص 143

[35]الخوري، بشارة، حقائق لبنانية، درعون 1960، ص 113

[36]عيران، جورج، البابوية في الضرق الأوسط، دور الكرسي الرسولي في النزاع العربي – الإسرائيلي، 1962-1994، ترجمة بولس سروع، دار ملفات جبيل، ص 167.

[37]يونس، عماد، سلسلة الوثائق الأساسية للأزمة اللبنانية، الجزء الثالث، ص 87.

[38]الخوري، بشارة، حقائق لبنانية، درعون 1960، ص 89

[39] تويني، غسان، مسارات السلام ودبلوماسية الـ 425، دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1999

[40] مصدر سابق، حقيقة الثورة اللبنانية، لجنة تراث القائد الشهيد كمال جنبلاط، 1983، ص 140

[41]سلمان، طلال، المحاضرة السرية الكاملة: ثرثرة فوق بحيرة ليمان، المركز العربي للمعلومات، بيروت، 1984، ص 208.

[42]جورج قرم، نظرة بديلة إلى مشكلات لبنان السياسية والاقتصادية، 430 صفحة، دار الفارابي للنشر والتوزيع، بيروت، 2013، ص 132

[43]سالم، إيلي، الخيارات الصعبة 1982-1988: دبلوماسية البحث عن مخرج، ترجمة مخايل الخوري، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1997، ص 292.

[44]بقرادوني، كريم، مصدر سابق، ص 75.

[45]أبو خليل، جوزيف، قصة الموارنة في الحرب، سيرة ذاتية، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1990، ص 260.

[46]هانف، تيودور، مصدر سابق، ص 357.

[47]أنطوان مسرة، النظرية العامة في الدستوري اللبناني أبحاث مقارنة في أنظمة المشاركة، 461 صفحة، المكتبة الشرقية، بيروت، 2005، ص 169

[48]فرحات، البير عبدالله، محاضرات في القانون المدني، بيروت، 1982، ص 159

[49]سلمان، طلال، مصدر سابق، ص 402.

[50]أبو خليل، جوزيف، مصدر سابق، ص 268.

[51]سالم، إيلي، الخيارات الصعبة 1982-1988: دبلوماسية البحث عن مخرج، ترجمة مخايل الخوري، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت، 1997، ص 316.

[52]بقرادوني، كريم، مصدر سابق، ص 78.

[53]هانف، تيودور، مصدر سابق، ص 362.

[54]أبو خليل، جوزيف، مصدر سابق، ص 269.

[55]سالم، إيلي، مصدر سابق، ص 345.

[56]سمير قصير، حرب لبنان: من الشقاق الوطني إلى النزاع الإقليمي (1975 – 1982)، 524 صفحة، دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2007، ص 256

[57]جريدة النهار، الصفحة السابعة ، الحرب الأهلية اللبنانية 1975، 12/1/2016.

[58]فرحات، البير عبدالله، محاضرات في القانون المدني، بيروت، 1982، ص 120

[59]بو خليل، جوزيف، مصدر سابق، ص 352.

[60]أبو خليل، المصدر نفسه، ص 410.

[61] نص الاتفاق الثلاثي المنشور في الصحف اللبنانية بتاريخ 29/12/1985،وفي ملاحق أكثر من كتاب . أنظر النص الكامل:في لبنان وآفاق المستقبل: أوراق ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1991، باب الملاحق.

[62]سالم، إيلي، مصدر سابق، ص 412.

[63]Kasir Samir: Le Liban au cours de la violence, Dar Annahar, deuxième édition, 1998, page 211

[64]جريدة النهار، الصفحة السابعة ، الحرب الأهلية اللبنانية 1975، 12/1/2016.

[65]المصدر نفسه.

[66]جريدة النهار، الصفحة الثامنة الحرب الأهلية اللبنانية 1975، 12/3/2016

[67]قباني، خالد، وثيقة الوفاق الوطني في الطائف، ص 871،870.

[68]مسرة، انطوان، النظرية العامة في الدستور اللبناني، دار الفارابي للنشر والتوزيع ، بيروت، 2005.

[69]قباني، خالد، مصدر سابق، ص 876.

[70]مسرة، انطوان، قيس، ربيع، صياغة الدساتير في التحولات الديمقراطية، المكتبة الشرقية، بيروت، 2014، ص 206

[71]قرم، جورج، نظرة بديلة إلى مشكلات لبنان السياسية والاقتصادية، دار الفارابي، 2013، 122

[72]الطرابلسي، فواز، تاريخ لبنان الحديث من الامارة إلى الطائف، دار رياض الريس للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت 2008، ص 225

[73]العنكبوت الإلكتروني، الحرب اللبنانية الأهلية 975، الفصل الثامن، المبحث الأول، 22/1/2016.

[74]جريدة النهار، الفصل الثاني  الصفحة السابعة ، الحرب الأهلية اللبنانية 1975، 12/1/2016.

[75]جريدة النهار، الفصل الثاني  الصفحة الثامنة ، الحرب الأهلية اللبنانية 1975، 12/1/2016.

[76]العنكبوت الإلكتروني، الحرب الأهلية اللبنانية 1975، الفصل الثامن، المبحث الثالث، 22/1/2016.

[77]قرم، منير، من أجل الجمهورية الثالثة في لبنان، دار الفارابي، الطبعة الأولى، 2013، ص 199.

[78]جريدة العهد، عدد 281، 10/11/1989.

[79]المصدر نفسه، عدد 282، 17/11/1989.

[80]  العنكبوت الإلكتروني، الحرب الأهلية اللبنانية 1976، الفصل الثامن، المبحث الثالث، 22/1/2016.

[81] جريدة العهد، الفصل الثالث، الصفحة السابعة ، الحرب الأهلية اللبنانية 1975، 12/1/2016.

 

[82] الشفتري، أسعد، رسالة اعتذار إلى الضحايا بإسم لبنان، النهار، 10-2-2000، ص 5.

[83] أبي خاطر، إبراهيم، الخواطر خطب ومقالات في السياسة والاجتماع للقائمقام إبراهيم أبي خاطر جمعها ابنه جوزيف في كتاب جمل إسم جريدة الخواطر.

[84] بركات ، حليم المجتمع العربي المصارع، بحث استطلاعي اجتماعي، دار الحياة  للطباعة والنشر والتوزيع ص 123 

[85] بركات ، حليم المجتمع العربي المصارع، بحث استطلاعي اجتماعي، ص 130

[86] Kissenger, Henri: Years of Reneval, Diane publication, New York, 1999, page 236.

[87] بركات ، حليم المجتمع العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية، ص 118.      


الجامعة اللبنانية

كلية الآداب والعلوم الإنسانية

         قسم التاريخ

 العمادة

 

التطور التاريخي لآليات حل النزاع

الحرب في لبنان نموذجاً (1975- 1989)

 

 

مشروع رسالة اعدّت لنيل شهادة الماجستر

في التاريخ الحديث

 

إعداد

وسام رعد

 

إشراف الدكتور احمد رباح

(أستاذ)

 

 

عضوا اللجنة

د. سعيد عبد الرحمن                                                 د. جويل الترك

     أستاذ                                                           أستاذ

 

                                                            بيروت

2017 -2018